فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

ما كان إبراهيمُ يهودياً

 

 

"ما كان إبراهيمُ يهودياً"

 

 

عيسى القدومي

 

 

نعم ؛ يقيناً ، ما كان إبراهيم يهودياً ، هذا ما أخبرنا به الباري عز وجل في كتابه الكريم : "مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ " ، آل عمران:67 .

 وكتاب الله تعالى يؤكد أن دين إبراهيم عليه السلام هو الإسلام ، وليس اليهودية قال سبحانه : "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (130) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (131) ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" (البقرة 130 132 ) .

وأبناء إبراهيم هم مسلمون وليسوا يهوداً ، وهذا من دعاء إبراهيم- عليه السلام "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك" (البقرة : 128 )

وأولى الناس بإبراهيم هم المؤمنون من أتباعه ومحمد وأمته قال تعالى : "إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبيُّ والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " ( آل عمران : 68 ) .

وكيف يقول عاقل بأن إبراهيم كان يهودياً وقد أنزلت التوراة والإنجيل من بعده ؟! وكيف يتبع المتقدم المتأخر ؟! قال تعالى : "يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون" (آل عمران :  65 ) .

فنبي الله إبراهيم عليه السلام رسول مسلم وإلى الإسلام كان يدعو ، وأن أتباعه وذريته هم المسلمون ، وليس اليهود ، وأولى الناس بإبراهيم في وراثة فلسطين والمسجد الأقصى هم المسلمون ، والإمامة من بعده للمسلمون وليست اليهود . وأنبياء بني إسرائيل ليسوا يهوداً ، لأن اليهود هم كل من كفر في رسالة نبيه.

 

الخليل ثم القدس ... وماذا بعد ؟!

ها هو المسجد الإبراهيمي يتعرض لتشويه تاريخي وإدعاء باطل ، وقرارات مجحفة ، ودعوى بأنه ومسجد بلال بن رباح موروثات دينية يهودية !! لتضاف إلى قائمة المقدسات اليهودية في أرض فلسطين المغتصبة ، والتي يزداد عددها يوماً بعد يوم بعد أن رفع رعاة مشروع التهويد من الصهاينة الغاصبين عدد الأماكن التي ادعوا قدسيتها في فلسطين من "49" مكاناً عام 1949م وفق ما دونه الانتداب البريطاني زوراً وبهتاناً ،  إلى "326" مكاناً حتى العام 2000م ، وازداد العدد الآن ليصل إلى أكثر من 350 موقعاً تقريباً.

والمسجد الإبراهيمي في الخليل يدخل في دائرة التهويد والاستيلاء ، بعد أن أخذوا جزءاً منه ، وادعوا زوراً وبهتاناً الانتماء إلى إبراهيم عليه السلام !! ادعاءات وافتراءات تهدف للتخلص من عقدة النقص التي يعاني منها سادة وقادة اليهود بانعدام أماكنهم المقدسة على أرض فلسطين ، فعملوا على إيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها ، وادعاء ذلك التاريخ للأجيال اليهودية القادمة ؛ لنزع الصفة الإسلامية عن أرض فلسطين بادعاء أن كل المقدسات الإسلامية هي مقدسات يهودية الأصل ، وأن المسلمين دُخلاء على تلك الأرض، وما أتى اليهود الآن ألا ليعيدوا الحق إلى أهله .

لذا بين فترة وأخرى يزعمون أن هذا المسجد وهذا القبر وهذه الأرض وهذا البيت مقدس عندهم ، وجزء من عقيدتهم ، ويوجهون أتباعهم لممارسة طقوسهم عند هذا المقدس الجديد المكتشف حديثاً من دون تاريخ ، ولا إثبات ، ولا عقيدة ، ويبدأ مسلسل المصادرة والاستيلاء والترميم وتوسيع الشوراع وهدم المنازل المجاورة ، وممارسة الإرهاب والتشريد ، وتثبيت اللوحات الإرشادية باللغة العبرية ليصبح وكأن هذا الموقع له تاريخ عريق !!

فقد تم تغيير الكثير من معالم في القدس والخليل ، ولم تسلم من ذلك حتى قبور المسلمين ، وكتبوا عليها كتابات عبرية فبعضها زعموا أنه ضريح "شمشوم الجبار"،  وآخر قبر "الصديق دان بن يعقوب"،  وقبر النبي "الياهو" حسب زعمهم ، وذلك بقصد محو الآثار التاريخية للمسلمين في أرض فلسطين .

وفتحت شهية المنظمات اليهودية العاملة على هدم المسجد الأقصى وإقامة المعبد المزعوم على أنقاضه حيث قامت منظمة يهودية بتقديم طلب لرئيس الحكومة الصهيونية "نتنياهو" طالبت فيه الإعلان عن إدراج المسجد الأقصى ضمن قائمة التراث اليهودي ، كما حصل بخصوص المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل ومسجد بلال بن رباح في مدينة بيت لحم. فالاحتلال تحدث عن المسجد الإبراهيمي ولكل عينه وهدفه الأول هو المسجد الأقصى المبارك.  

 

كتابات مُغرضة : كتب بعضهم : لماذا ننكر على اليهود ترميم مقدساتهم في القدس والخليل ، أليست لهم بحكم الدين والتاريخ ؟!!

ونقول لهؤلاء : أي جهل بعد هذا الجهل!! الله تبارك وتعالى يقول: "ما كان إبراهيمُ يهودياً" ، وأنتم تقولون : " أن إبراهيم كان يهودياً وأتباعه يهود " !! أليس هذا طعن بنبي من أنبياء الله تعالى ، وتشكيك في كلام الله تعالى – والعياذ بالله - فأنبياء بني إسرائيل ليسوا يهوداً؛ ولكن اليهود هو كل من كفر في رسالة نبيه .

ونسأل : هل تمكن في فلسطين الإسلام أكثر أم اليهودية ؟ وهل قرأ عليها القرآن أكثر أم التوراة التي حرفتها أيديهم؟ وهل دافع عن هذه الأرض المباركة العرب أم اليهود ؟ وهل انتزع العرب فلسطين من اليهود ؟ وهل هدم العرب لليهود فيها دولة قائمة ؟ وهل رأي هؤلاء وأجدادهم أرض فلسطين في حياتهم ؟  ولماذا لا يطالب اليهود بالأوطان التي هاجروا إليها في أوروبا و غيرها ؟ وهل تواجد اليهود بضع سنوات يلغي حق من عاش عليها آلاف السنين ؟! ولماذا يلغي قليلهم كثير غيرهم ؟!

ومن أحق بأرض فلسطين اليهود أم المسلمون في قوله تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" الأنبياء/105. وهل يهود اليوم هم عباد الله الصالحون؟! وهل يهود اليوم هم المتقون الذين يستحقون الأرض المقدسة ؟! " "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين " سورة الأعراف /128.

أسألكم بالله ؛ ما علاقة رابين وبيريز ونتنياهو ومردخاي بهذه الأرض المباركة ، وهل يعقل أن يهود اليوم - المعاصرين – الذين يبلغون اليوم بضعة عشر مليوناً هم أحفاد بني إسرائيل الذين سكنوا في فلسطين وطردهم الرومان منها قبل ألفي عام ...  يا من تدافعون عن اليهود : أثبتوا لنا ذلك بعد مضي عشرين قرناً من الزمان !!

وما تفسيركم لملامح هؤلاء اليهود المعاصرين ؛ فمنهم ذوي الشعر الشقر والعيون الزرقاء، والشعر الأصفر في أوروبا وأمريكا، وفيهم السمر ذوي الشعر المجعد في هضبة الحبشة، والسمر في جنوب الهند، والصفر المغول في الصين، واختلافات كثيرة قلما أن تجدها في شعوب أخرى في العالم ؟! وهل من المعقول أن تكون هذه السمات من الأسود  إلى الأشقر  إلى الأصفر، كلها منحدرة من سلالة واحدة؟!

وكيف تكون الأرض المقدسة لمن أعرض عن شرائع الله تعالى وفرائضه ووصاياه؟! وكيف تكون الأرض المقدسة لمن عبد غير الله تعالى ، وعبد الآلهة والأوثان ؟! وكيف تكون الأرض المقدسة لمن كذب الرسل وقتل الأنبياء وأساء الأدب مع تعالى ؟! وكيف تكون تلك الأرض المباركة حق لمن كفر من بني إسرائيل ، وادّعى كذباً أنهم أحفاد نبي الله يعقوب عليه السلام؟!

أليس الثابت تأريخاً وجود القبائل العربية من الكنعانيين في فلسطين قبل ظهور اليهود بآلاف السنوات، ولم ينقطع وجود العرب واستمرارهم في فلسطين إلى يومنا الحالي، فالعرب عاشوا في فلسطين قبل مجيء اليهود إليها، وفي أثناء وجودهم فيها، وظل العرب فيها بعد طرد اليهود منها.

ألم يستقر فيها العرب أكثر مما استقر فيها اليهود ؟! ألم يتمكن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية ؟! ألم يغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوراة التي حرفتها أيديهم ؟! ألم تَسُدْ فيها العربية أكثر مما سادت العبرية ؟!

أليس أكثر من 92% من اليهود المعاصرين حسب دراسات عدد من اليهود أنفسهم لا يمتون تاريخياً بأيّ صلة للقدس وفلسطين ، كما لا يمتون قومياً لبني إسرائيل ، فالأغلبية الساحقة ليهود اليوم تعود إلى يهود الخزر (الأشكناز ) وهي قبائل تترية تركية قديمة كانت تقيم في شمال القوقاز، وتهودت في القرن الثامن الميلادي، ولم يتسنى لهم أو لأجدادهم أن يروا فلسطين في حياتهم.

واليهود المعاصرين – سلالة الخزر– إن كان لهم حق المطالبة بأرض فعليهم أن يطالبوا بالحق التاريخي لمملكة الخزر بجنوب روسيا وبعاصمتهم (إتل) وليس بفلسطين أو بيت المقدس، لأن أجداهم لم يطئوها من قبل ، ومن دولة " خزريا " اليهودية انحدر 92% من يهود العالم، وتقدر نسبة يهود الخزر في فلسطين بحوالي 83 % من اليهود ككل في فلسطين ، فإن كان ثمة حق عودة لليهود ، فهو ليس إلى فلسطين وإنما إلى جنوب روسيا .

ادعاءات مزعومة نحتوها بصخر لا يتجاوب معهم ، صلد عصى على أدواتهم ؛ وهم مازالوا يشعرون في قرارة نفوسهم بعقدة النقص ، فالجوع لدى اليهود في إثبات علاقتهم بفلسطين ، وشعورهم بأنهم غرباء، دفعهم لإيجاد تاريخ وثقافة وحضارة لهم على أرض فلسطين وحولها، وادعاء ذلك التاريخ والتراث للأجيال اليهودية القادمة!!

ألم يخبرنا الله تبارك وتعالى أخبرنا الله تبارك وتعالى بأنه لعن الذين كفروا من اليهود , وأخبرنا أن نبي الله داود ونبيه عيسى ابن مريم عليهما السلام لعنوهما؛ قال سبحانه : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون)[ المائدة:78-79].وقد ذهبت الخيرية من بني إسرائيل, وأحل الله بهم غضبة فهو لا يفارقهم.

ونذكر هؤلاء الكتاب بالعبارة الجميلة التي كتبها المؤرخ البريطاني " أرنولدج.توينبي" في مقدمة كتابه "تهويد فلسطين" ص 9 بأن : " من أشد المعالم غرابة في النزاع حول فلسطين هو أن تنشأ الضرورة للتدليل على حجة العرب ودعواهم ".

وهذا ما أكده الحاخام "دوفيد وايس" رئيس حركة "ناطوري كارتا"، في حوار لـ "الشروق اليومي والتي نشرت في  7/1/2008، حيث قال : " يجب علينا أن نعيد فلسطين لأهلها ونعتذر لهم" و" إسرائيل دولة كافرة وستزول بمشيئة الله"...و" الصهاينة سرقوا الأرض العربية الفلسطينية، وقتلوا ونهبوا... والدولة التي أنشؤوها مبنية على الكفر والنفاق والإجرام، ويكفي قراءة مذكرات أقطاب الصهاينة لمعرفة أنهم جاؤوا ليغتصبوا اليهودية... وليضللوا اليهود في العالم... وحسب التوراة، فإن تجمع اليهود في أرض واحدة يعني نهايتهم... وقد عاقَبَنا الله بالعيش في الشتات ومحرم علينا أن نكون في أرض واحدة... وحتى إن تجمّعنا في أرض خالية من السكان وغير تابعة لأي دولة فهذا حرام.. فما بالكم باغتصاب أرض الآخرين وقتلهم وتشريدهم؟!".

 

تنبيه شرعي : مع استنكارنا لتلك الممارسات المجرمة ، والاعتداءات الوحشية على أرض المسلمين في فلسطين ومساجدهم من قبل شتات اليهود ؛ إلا أن ذلك لا يمنع من التنبيه على أمر شرعي لا بد من التنبيه عليه ، وخاصة أنه يتكرر مراراً في وسائل الإعلام وعلى لسان الخطباء والسياسيين والأكاديميين ، ألا وهو تسمية المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل حرماً، حيث لم يرد نصٌ من الكتاب والسنة يُحرِّمُه ويَجعلهُ حَرَماً، ولا يوجد فيه، أو حَولَهُ مكانٌ حَرَّمَ اللهُ صَيدَه ونباتَه؛  فتسمية المسجد الإبراهيمي، حرماً ، يعد من تسميةِ الأشياءِ بغيرِ اسمِها، ووضعِ الأشياءِ في غيرِ موضِعِها، وهو تحريمٌ لما لم يُحَرِّمْه الله - عز وجل- وليس للمسلمين سِوى حرَمين اثنين فقط، لا ثالث لهما، هما مكة وما حولَها، والمدينةِ وما حولها ، وأما «وَجُّ» الذي بالطائف، ففيه نزاعٌ بين العلماء، والراجح أنه ليس بحرم.

ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّ إبراهيم حرَّم مكة، ودعا لأهلها، وإني حَرَّمْتُ المدينة، كما حَرَّمَ إبراهيمُ مكَّةَ، وإني دعوت في صاعها، ومُدِّها، بِمِثْلَيْ ما دعا به إبراهيمُ لأهل مكَّة». أخرجه البخاري (2129)، ومسلم (1360).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (27/12-13).: «وليسَ ببيتِ المقدسِ مكانٌ يُسمَّى حَرَمَاً، ولا بتربةِ الخليل ولا بغيرِ ذلك من البقاعِ إلا ثلاثةَ أماكن. أحدها: هو حرمٌ باتفاقِ المسلمينَ، وهو -حرمُ مكَّةَ- شرَّفَها الله تعالى .

والثاني: حرمٌ عند جمهورِ العلماءِ، وهو حرمُ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم- من عيرٍ إلى ثورٍ بريد في بريد؛ فإنَّ هذا حرمٌ عند جمهورِ العلماءِ كمالك، والشافعي، وأحمد، وفيه أحاديثُ صحيحةٌ مستفيضةٌ عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم-.

والثالثُ: «وَجٌّ»، وهو وادٍ بالطائف، فإنَّ هذا روي فيه حديثٌ رواه أحمدُ في المسند، وليس في الصحاح، وهذا حرمٌ عند الشافعيِّ لاعتقادهِ صحَّةَ الحديثِ، وليس حَرَمَاً عندَ أكثرِ العلماءِ، وأحمدُ ضعَّفَ الحديثَ المرويَّ فيه - وضَعَّفَهُ البخاري، والأزدي، وابن حبان، والنووي، وأكثر أهل العلم، ومن آخرهم الإمام الألباني في سنن أبي داود (2032) -  وأمَّا ما سوى هذه الأماكن فليس حَرَمَاً عندَ أحدٍ من علماءِ المسلمينَ، فإنَّ الحَرَمَ ما حَرَّمَ اللهُ صَيْدَهُ ونباتَهُ، ولم يُحرِّمِ اللهُ صَيْدَ مكانٍ ونباتَهُ خارجاً عن هذه الأماكن الثلاثة".

والتنبيه على ذلك لا يقلل من مكانة المسجد الأقصى ولا الخليل ، ولا الأرض المباركة ، ففي القدس وبلاد الشام من الفضائل الثابتة في الكتاب والسنة ما يغنينا عن استحداث مسميات جديدة لا تصح شرعاً.

 

.