فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين ... الاتجاه الغربي الجديد.. ماذا وراءه؟!

الاعتراف بفلسطين وحل الدولتين ...  الاتجاه الغربي الجديد.. ماذا وراءه؟!

 الفيتو الأمريكي:

لا شك أن استخدام الولايات المتحدة الأمريكية حق الفيتو في الأمم المتحدة والنقد - وحدها بخلاف دول العالم - لكي تفشل مشروع قرار إلى وقف الحرب، وإدخال المساعدات إلى غزة، يؤكد المؤكد بأنه: "لولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية للكيان الصهيوني بالسلاح وبالمال والغطاء الدبلوماسي والسياسي والقانوني لما استمرت كل هذه المذابح والإبادة والمآسي في قطاع غزة".

وهكذا تتحدى أمريكا الإرادة الدولية من جديد، فكل دول العالم ودول أوروبا وكذلك الدول الدائمة العضوية تصوّت على وقف الحرب الجارية على غزة، إلا أن أمريكا تصوت وحيدة وتقف أمام كل دول العالم وتستخدم حق النقد الفيتو!!

وها هي أمريكا - ومن أجل الكيان الصهيوني - تعزل نفسها وتتخذ موقفاً وكأنها هي والكيان الصهيوني دولة واحدة؛ وهذا يؤكد بأن دولة الاحتلال كيان وظيفي أنشأته قوى غربية وضمنت رعايته وإمداده واستمراره، ولضمان ديمومته أنشأ الكيان الصهيوني  - وفرض- كيانات وظيفية إقليمية وعالمية لكي يحقق مصالحه، واستمرار احتلاله لفلسطين وهيمنته على المنطقة وعلى كثير من دول العالم.

وقد ترادف مع هذا الموقف الأمريكي، حراك غربي وخطاب جديد باستعدادهم للاعتراف بدولة فلسطينية وحل الدولتين، وهذا ما دفع كثيرًا من المراقبين والمحللين طرح علامات استفهام واضحة، فماذا سيقدم هذا الاعتراف بشأن ما يحدث في فلسطين من اعتداءات وحرب إبادة وإقامة المستوطنات والهيمنة الكاملة على مناطق السلطة والاعتداءات المستمرة؟!

ولعل السؤال: أين هي الدولة الفلسطينية التي سيُعترف بها؟! وما هي حدود هذه الدولة؟ وما صلاحياتها؟ ومن يرأسها؟ ومن يحدد سياساتها؟ وهل هي مناورة جديدة تعطي الكيان الغاصب فسحة من الوقت لتضم وتهيمن أكثر وأكثر، وهل سيغير هذا الاعتراف من الواقع شيئا!!

تغير الموقف الأوروبي:

لا شك أن هناك تغيرًا في الموقف الغربي الأوروبي؛ ففكرة الاعتراف بدولة فلسطينية والتعامل مع جزء من أرض فلسطين المحتلة -كحق للفلسطينيين في الاعتراف بدولتهم - لتتحقق مصلحة أهل فلسطين ومطالبهم!!

أظن أن ذلك سيكون مناورة جديدة وخسائر متجددة، لأنه قبل (أوسلو) كان هناك صراع واضح المعالم بين الكيان الغاصب وشعب يقاوم لتحرير أرضه أو جزء منها، وهو تحت الاحتلال؛ فجاءت اتفاقات (أوسلو) التي زادت معاناة الفلسطينيين على أرضهم.

الدول الغربية تعدّ الاعتراف بدولة فلسطينية إنجازًا مهمًا، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا سيقدم هذا الاعتراف على أرض الواقع، وماذا بشأن حقوق الشعب الفلسطيني ووجوده على أرضه؟ أم إنه من قبيل ذر ّالرماد في العيون؟

لعل ذلك الاعتراف -المزعوم- محاولة إنقاذ للمأزق الذي تعيشه حكومات الدول الغربية أمام شعوبها؛ بأنهم يتحركون فعلاً لنصرة قضية فلسطين، وأن مطالباتهم بوقف الإبادة وانتقاد الكيان الصهيوني تتوافق مع المطالب الشعبية هناك، وهذا فيه - بلا شك - سحب للبساط من تحت أقدام المؤيدين لقضية فلسطين، فالغرب كحكومات وسياسيين يقولون لشعوبهم أولاً: نحن اعترفنا بدولة فلسطينية، واستخدمنا صوتنا أمام الأمم المتحدة مطالبين بوقف العدوان وحرب الإبادة؛ لكن أمريكا استخدمت حق الفيتو لاستمرار هذه المجازر، فماذا نفعل؟!!

موقف حكومة الكيان:

وردّاً على الحراك الغربي للاعتراف بدولة فلسطينية علّق وزير دفاع كيان الاحتلال فقال: فلتعترف فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وكل الدول الغربية - ومن يريد معها أن يسير بهذا الفلك- فهذا لن يغير واقعاً أنهم يريدون أن يعترفوا بدولة غير موجودة على الأرض؛ فنحن الذين نسيطر على الأرض، وأردف ذلك بإعلانه إنشاء مستوطنات جديدة! علماً بأن هذا الاعتراف هو على جزء من أرض فلسطين لا يتعدى ٢١% من مساحة فلسطين مجزأ إلى مناطق (أ، ب، جـ) والاستيطان أخذ منها الكثير؛ حتى أضحت قطعًا غير قابلة للحياة لتكون دولة! حيث أعاد الكيان الصهيوني تموضعه للهيمنة على ما تبقى منها.

مقاصد أخرى:

ولا شك أن الاعتراف له مقاصد أخرى؛ أبرزها الحفاظ على الكيان، واستمرار بقائه على أرض فلسطين، لأن الحراك العالمي الشعبوي - من جامعات وثانويات وبرلمانات ومؤسسات مدينة وحقوقية وسياسية- تتحدث عن الخروج الكامل للاحتلال من أرض فلسطين!! وليس الاعتراف بجزء مبتور من أرض فلسطين التاريخية!! 

وهكذا رأت الحكومات الغربية - أو بعضاً منها على الأقل- أنه لا بد من الخروج والتحدث عن حل الدولتين والاعتراف بدولة فلسطين، لإنقاذ هذا الكيان، وإنقاذ الصهيونية التي أنشأته برعاية غربية؛ لأن الحراك الآن إما نحن أو هم؛ إما سيبقى أصحاب الأرض يدافعون عنها ويقدمون التضحيات، إو إن هذا الكيان الصهيوني الغاصب سيبقى ويمارس كل أنواع الإبادة من أجل بقائه واستمراره، فليس هناك بديل آخر!!

خطاب خادع:

إن الخطاب الذي بدأ يترسخ في أذهان الشارع الغربي، ولا سيما بعد أحداث السابع من أكتوبر أن هذا الكيان كيان صهيوني عنصري استيطاني إحلالي استعماري مجرم لا يمكن ترويضه؛ فلا بد من إنهاء هذا الاحتلال، ولا بد من كشف هذا الكيان ومشروعه وخداعه على حقيقته - لكل فئات المجتمعات عندهم - إلا إن الأحداث أثبتت لشعوب العالم والعقلاء أن المشروع الصهيوني هو مشروع إبادة، وأن الصهيونية مشروعها الحقيقي هو مشروع نازي إقصائي، وأنه اقتلاع لكل مكونات تواجد الفلسطينيين على أرضهم.

لقد دخلت قضية فلسطين كل بيت غربي، ودخلت المدارس والمعاهد والجامعات والأحزاب السياسية والمعارضة ومؤسسات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، فهي قضية فريدة من نوعها تختلف عن قضية فيتنام وأفغانستان والعراق وغيرها، وأضحى العالم مدركًا للخير والشر الذي يحدث في العالم، وأصبح على يقين بأن هذا الكيان ما هو إلا شرّ مطلق!! وفي المقابل فإن الشارع الصهيوني في الداخل والخارج يقول إن الأحداث أثبتت أنه لا يمكن التعايش مع الشعب الفلسطيني، ولا بد من ترحيل ما تبقى خارج فلسطين، وعلى الدول العربية استقبالهم!!

خطط بديلة:

وأمام ذلك عملت الدول الأوروبية - بعد أن فشلت في إسكات الشارع والحراك تأييداً لقضية فلسطين التي أصحبت أيقونة تستخدم في كل المحافل والحراك في الجامعات وحفلات التخرج وجميع الأنشطة ومتابعة المؤولين لانتقادهم علناً- عملت الدول الأوروبية على استخدام الخطة (ب) بعد أن فشلت الخطة (أ) في إسكات الشارع، وهذه الخطة تستخدم في حال استمر الحراك الشعبي وتفاقمه وتصاعده، حتى لا يصل إلى مستوى تهديد الكيانات الغربية، فالخطة (ب) مفادها: إلقاء اللوم - وبشكل كامل- على نتنياهو وحكومته، ويترادف معها قضية الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ حماية لمصالحهم في أوطانهم، وكذلك حماية لاستمرار الكيان على أرض فلسطين! فالخطاب الشعبي المتصاعد في كل العالم وفي أوروبا - وأمريكا بالذات - لا يسكته إلا سياسة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وانتقاد سياسات حكومة الاحتلال، وبهذا يبرروا لشعوبهم أننا عملنا الذي علينا، ولكن هذا الكيان متغطرس!!

إدانات وانتقادات:

لم يتوقف الانتقاد عند هؤلاء؛ بل طال جلّ قادة الاحتلال السابقين الذين لم يتوقفوا على نقد ومعارضة؛ بل وإدانة ممارسات نتنياهو وحكومته كإيهود باراك رئيس الوزراء الصهيوني الأسبق، منذ وقت طويل وهو يدين نتنياهو وحكومته، وتبعه كذلك قبل أشهر أولمرت الذي خرج في وسائل الإعلام بتصريحات إدانة، وتحميل المسؤولية لنتنياهو وحكومته بأنهم دمار لدولة إسرائيل!! ولا ندري أكانت فترة حكمهم عصرًا ذهبيًا لأهل فلسطين!! ولو تحقق ما يريده باراك وما يريده أولمرت وكل المعارضين وأسقطوا نتنياهو المجرم، فهل سيكون البديل أكثر لطفاً وحلمًا في سياسته مع الشعب الفلسطيني، ومشروع الاحتلال، أم إنه سيرجعنا إلى ما كنا عليه قبل السابع من أكتوبر من ظلم وعنجهية وغرور وإذلال للإنسان الفلسطيني، واعتداء على مقدساته، ومقومات وجوده على أرضه!!

وماذا بعد:

والخلاصة من ذلك كله والحقيقة أن المشروع الصهيوني شر ّمحضٌ بني على أسس في غاية الظلم للإنسانية جمعاء، ومشروع احتلال فلسطين هو أحد مخرجات المشروع الصهيوني، ولا يقف عند فلسطين؛ بل يسعى لإحكام سيطرته ومدّ هيمنته على المنطقة بأكملها، وعلى كثير من مفاصل القوة العالمية.

 يمكن تحميله PDF من هنا 👇

.

تحميل الملف المرفق