دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

المقاومة الفلسطينية وفن إدارة المعركة

محمد الناجي وطه أبو طه/ مركز بيت المقدس- غزة

إن المتابع لمجريات المعركة الدائرة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني يجد إبداعًا وتألقًا وصبرا واستبسالًا من جانب المقاومة الفلسطينية، في مقابل تخبط وعنجهية صهيونية عبر ارتكاب المجازر البشعة بحق الأبرياء من المدنيِّين، ولعله من الملاحظ أن المقاومة يومًا بعد يوم تصقلها التجربة، وتتعلم الدرس تلو الدرس، واليوم نحن مع صورة مشرقة من تألق المقاومة وإبداعها في ميدان المعركة.

ففي مساء يوم السبت الموافق الرابع عشر من شهر رمضان 1435هـ، وفي تمام الساعة الثامنة خرج الناطق باسم كتائب القسام لينذر الصهاينة بضربة عسكرية صاروخية تستهدف قصف  تل أبيب وضواحيها بصواريخ (j80) محلي الصنع بعد الساعة التاسعة مساءً من نفس اليوم، ودعا الناطق باسم القسام وسائل الإعلام المختلفة لتصويب عدسات كاميراتهم نحو سماء تل أبيب ورصد الصواريخ التي تمطر تل ابيب المحتلة، واللافت أن القسام تحدى الاحتلال وأوضح له بأنه سيكون عاجزًا عن إسقاطهم، وقد أنجز القسام وعده واستهدف تل أبيب بعشرة صواريخ وشوهدت عبر وسائل التلفزة المختلفة، ولم تستطع القبة الحديدية اعتراضها، وقد أفصح القسام بأنه تمكن من اختراع تقنيه وتثبيتها على الصواريخ والتي من شأنها شل عمل القبة الحديدية، وهذه تعتبر حادثة غير مسبوقة!


وأمام هذا التطور النوعي في عمل المقاومة الفلسطينية فإننا نسجل الملاحظات التالية:

  • 1- إن إقدام المقاومة الفلسطينية على هذه الخطوة يأتي من باب النِّدِّيَّة في التعامل (التعامل بالمثل) ففي الوقت الذي يوزع فيه المحتل مناشير على سكان المناطق الحدودية يطالبهم بإخلاء بيوتهم والنزوح عنها، أرادت المقاومة أن تضرب العدو في عقر داره، وتتعامل بالمثل؛ إذ طلبت من سكان تل أبيب وضواحيها الحذر لأن الصواريخ ستطالهم بعد ساعة من الزمن!.

     كما أكدَّت العملية مصداقية المقاومة الفلسطينية التي تُهَدِّد وتُنَفِّذ، وتقول وتفعل، بينما العدو الصهيوني بكل قواته لم يستطِعْ إعلان مواعيد القتال، وكثيرًا ما قال ولم يفعل.

  • 2- تشكل هذه الخطوة ثقة وشجاعة بالغة لدى المقاومة الفلسطينية بأدائها، ومعدَّاتها، وتكتيكها- على الرغم من تواضعها-؛ إذ توعدت العدو بالقصف وحدَّدت له الزمن، والمكان، ونوع السلاح المستخدم.
  • 3- في استعمال هذا الأسلوب دليل على نجاح المقاومة في أكثر من صعيد؛ إذ إن سلاح الجو الصهيوني انتشر بالعشرات وبجميع الأنواع الاستطلاعية والمقاتلة لرصد مطلقي الصواريخ، ولكنه لم يتمكن، ولسان حال المقاومة: إن سلاح الجو الصهيوني سلاح فاشل، ولم يحقق أهدافه، وكذلك منظومة القبة الحديدية هي منظومة فاشلة إذ لم تستطع اعتراض أي من الصواريخ على الرغم من تحديد الموعد، وتجهيزها لهذا الغرض.

    وفي ذلك تَحَدٍّ من المقاومة الفلسطينية للعدو الصهيوني، وتطور غير مسبوق في عملها وأدائها؛ إذ اعتدنا على المقاومة أن تطلق الصواريخ بالخفاء، وبشكل متقطع خشية من رصد العملاء والجواسيس مطلقي الصواريخ، وإبلاغ الطائرات عنهم.

  • 4- انتصرت المقاومة إعلاميا، ونفسيا، وسياسيا؛ إذ أنها أحرجت رئيس الوزراء الصهيوني وأثبتت فشل عمليته المستمرة منذ 6 أيام، وهزمت الكيان نفسيًّا حيث أن تل أبيب تحوَّلت إلى مدينة أشباح، بل إن حوادث مرورية كثيرة تم التبليغ عنها خلال المهلة التي أطلقها القسام، نتيجة الازدحام والتصادم بين المركبات، وكذلك الخوف والهلع الذي انتاب الجمهور الصهيوني، وزعزع جبهته الداخلية. وكذلك هزم الكيان إعلاميًّا إذ قطعت وسائل الإعلام الصهيونية البث، وأخذت تحلل، وتفسر، وتدرس طبيعة الهجوم الذي سيشنه القسام بعد ساعة!!.

وقد صرَّح نائب رئيس الشاباك قائلًا: "ما كنَّا نخشاه سيحصل بعد قليل، تل أبيب ستصبح كتلة لهب بعد أن صارت مدينة أشباح".

     أما عن ردود فعل الكتاب والمحللين السياسيين الفلسطينيين إزاء تلك الخطوة فنرصدها على النحو التالي:

  • الكاتب والمحلل السياسي المختص بالشأن الصهيوني د. عدنان أبو عامر دوَّن عبر تغريدة على الفيس بوك: "يااااه هرمنا يا حماس كي نعيش هذه اللحظات، القسام يهدد إسرائيل، ويطلب إخلاء سكانها، ويدعو الكاميرات للتصوير ليس حلمًا يا بشر، إنه 2014".
  • أما د. نهاد الشيخ خليل أستاذ التاريخ فقد كتب عبر صفحته على الفيس بوك قائلًا: "قصف القسام لمدينة تل أبيب بهذه الدرجة من التحدي والثقة بالنفس يعني مساهمة في تحطيم الأوهام والأساطير التي بنت إسرائيل تفوقها استنادًا إليها... هذه مساهمة غزة المحاصرة، هل سيتنافس معها شرفاء الأمة في هذا المجال، إسرائيل دولة متطرفة ومتوحشة، لكنها جبانة".
  • بدوره قال أستاذ التاريخ الإسلامي أ. د. خالد الخالدي: "لمجاهدينا الأبطال إبداع وتألق وفن وإعلام وتحدٍّ وإرهاب لأعداء الله، لم يعرفه قاموس العسكرية المعاصرة، جعلتم العالم كله يترقب كيف ستلطمون وجه الكيان المتغطرس".

إن ما حدث من إبداع وتطور نوعي في أساليب المقاومة كسر هيبة اليهود وبشكل علني عبر الإعلام، وأنهى وحطم نظرية أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وأثبت أنه أوهن وأضعف وأحقر من جناح بعوضة.   

.