القدس والأقصى / حقائق مقدسية

لماذا الطعن في أنبياء بني إسرائيل ؟!

لماذا الطعن في أنبياء بني إسرائيل ؟!

 

      مازلت أقرأ بعض الكتابات والكتب التي تدافع عن حقوقنا التاريخية في أرض فلسطين ، وحقوقنا الشرعية في مقدساتنا ، وهذا أمر مطلوب من كل صاحب قلم لرد شبه اليهود وأكاذيبهم حول فلسطين وبلاد المسلمين .  

 

 

     ولكن ما أدهشني تجاوز بعض الكُتاب العرب من أصحاب التوجه القومي  وغيرهم في كتاباتهم ومؤلفاتهم في ذمهم وطعنهم لأنبياء بني إسرائيل ، واعتبارهم يهوداً داخلين في دائرة العداء ، ووصفهم بأوصاف لا تليق بأنبياء الله تعالى ، فمنهم من ذم موسى وهارون عليهما السلام ، ومنهم من حقد بكتاباته على داود عليه السلام لأنه قتل جالوت ، ووصف فترة حكمه بالفساد ، ومنهم من وصف سليمان عليه السلام بالملك اليهودي المستبد ، لأنه استعمر بلاد العرب حتى اليمن، ومنهم أساء إلى يوشع بن نون فتى موسى "عليهم السلام" لأنه دخل فلسطين ،  وقاتل أهلها من العرب .

 

       فالبعض يتعاملون معهم تعاملاً قومياً عنصرياً ، فهم يكرهون كل من كان من بني إسرائيل ولو كان صالحاً تقياً أو نبياً رسولاً ، ويمدحون كل من وقف أمام بني إسرائيل ولو كان كافراً ظالماً  .

 

      فهم بهذا التوجه القومي لا يفرقون بين أنبياء بني إسرائيل ومن آمن معهم وتاريخهم المشرق الذي حكمهم فيه مؤمنوهم وصالحوهم ، وقادهم فيه أنبياؤهم ، فهذا التاريخ نعتبره تاريخاً إسلامياً مثل تاريخ موسى وهارون ، وتاريخ داود وسليمان ، وتاريخ زكريا ويحيى ، وتاريخ عيسى عليهم الصلاة والسلام ، بين التاريخ الأسود الذي يقوم على الكفر والتكذيب ومحاربة الحق ونقض العهود وقتل الأنبياء وممارسة الظلم والسعي في الفساد ونشر الرذائل والمنكرات ، فهذا التاريخ هو التاريخ الحقيقي لليهود ، وهذا ما نتبرأ منه وننكره ونحكم عليهم بالكفر والظلم والفسوق والعصيان .

 

      ولهذا فإن ما يكتبه البعض من منطلقات قومية فيه من الأخطاء التي تمس عقيدة المسلم ، وقد تدخله في دائرة الكفر أن أعتقد ذلك ، فالإسلام دين الأنبياء جميعاً ، وجميع الرسل والأنبياء من بُعث منهم إلى بني إسرائيل أو إلى غيرهم من الأمم ، دينهم الإسلام ، ورسالتهم هي الإسلام ، ودعوتهم التوحيد ، وأتباعهم الذين آمنوا بهم هم المسلمون ، كما قال تعالى على لسان نوح عليه السلام لقومه:" فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين " سورة يونس الآية 72 .

 

    وقال تعالى : " ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " سورة البقرة ، الآية 130 .

   وقال تعالى : " وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون " سورة المائدة ، الآية 111 .

 

   وثبت في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ، والأنبياء أخوة ٌ لعلات ٍ أمهاتهم شتى ودينهم واحد " .

        وإنما يتنوع في هذا الدين الشرعة والمنهاج ، كما قال تعالى : " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً "سورة المائدة ، الآية 48 .  أي سبيلا وسنة .

 

    والرسل والأنبياء هم الصفوة المختارة من البشر ، يختارهم الله ويصطفيهم لهداية الناس إلى طريق الحق ، ومـن هنا كانت النبوة اختياراً خالصاً لله يختص بها من يشاء من خلقه قال تعالى ( الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس ) سورة الحج ، آية 75. وقال تعالى ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) سورة آل عمران ، آية 33 . ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) سورة ص الآية 47 . ، وإنما كانت النبوة اصطفاءً واختياراً من الله ؛ لأنها مسئولية كبرى لا يستطيع أن يقوم بأعبائها إلا أولو العزم والقوة من الرجال قال تعالى ( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ) سورة المزمل، الآية 5 ، ومن هنا اقتضت حكمته سبحانه أن يجعلهم أكمل البشر خلقاً ، وأفضلهم علماً ، وأشرفهم نسباً ، وأعظمهم أمانة ، وأصدقهم حديثاً ، وأكثرهم فطنة وعقلاً .

 

     من أجل ذلك كان حديث القرآن الكريم عن أنبياء الله حديثاً يتناسب مع هذه المكانة الكبرى لهم ( وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) سورة الأنبياء، الآية 73 ، وما تحدث القرآن الكريم عن وصف نبي من أنبياء الله إلا وقرن الحديث بوصف النبي بأسمى الصفات ، فقال عن إبراهيم ( إنه كان صديقاً نبياً ) سورة مريم ، الآية 41 ، وأنه كان ( أمة قانتاً لله حنيفاً ) سورة النحل ، الآية 120 ، وقال عن إسماعيل : ( إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضياً ) سورة مريم، الآية 55 ، وهكذا كان حديث القرآن عن أنبياء الله حديثاً يتلاءم مع مكانتهم السامية .

 

     والإيمان بجميع الكتب وبجميع الرسل واجب قال تعالى : (قولوا آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) سورة آل عمران، الآية 84 .

   ومن لم يؤمن بالرسل فقد ضل وخسر ( ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً ) سورة النساء، الآية 136.

      والكفر برسول واحد كفر بجميع الرسل ، قال تعالى : ( كذبت قوم نوح المرسلين ) سورة الشعراء ، آية 105 ، وقال سبحانه : ( كذبت عاد المرسلين ) سورة الشعراء، آية 123. وقال : ( كذبت ثمود المرسلين ) سورة الشعراء ، الآية 141 ، وقال ( كذبت قوم لوط المرسلين ) سورة الشعراء 160 ، ومن المعروف أن كل أمة كذبت رسولها ، إلا أن التكذيب برسول واحد يعد تكذيباً بالرسل كلهم ، ذلك أن الرسل حملة رسالة واحدة ، ودعاة دين واحد .

 

        ونحن المسلمون نقر بأنه قد سكن أرض فلسطين الأرض المقدسة في الماضي أجيال مؤمنة من بني إسرائيل وأقاموا عليها حكماً إسلامياً مباركاً زمن يوشع عليه السلام وطالوت ، وزمن داود وسليمان عليهما السلام ، ولقد كتب الله الأرض المقدسة فلسطين لذلك الجيل المؤمن من بني إسرائيل لإيمانهم وفضلهم على الكافرين الذين كانوا في زمانهم ومكنهم من دخولها على يد يوشع بن نون عليه السلام ، ونصرهم على أعدائهم الكافرين ، فلما جاءت أجيال جديدة منهم ، وخالفت شرط الاستخلاف ، ونقضت عهد الله وطغت وبغت ، أوقع الله بها لعنته وسخطه ونزع الأرض المقدسة منهم ، وكتب عليهم الشتات والضياع في بقاع الأرض كما قال تعالى : ( وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لشديد العقاب وإنه لغفور رحيم ، وقطعناهم في الأرض أمماً ) الأعراف ، آية168.

 

        وجعل الله هذه الأرض المقدسة لأطهر وأقدس أمة وهي تحمل أطهر وأقدس رسالة وهي أمة محمد صلى الله عليه وسلم حاملة الإسلام للعالم وجعل هذه الأرض لها حتى قيام الساعة .

 

        ولهذا لا بد قبل الكتابة في تاريخ فلسطين والمسجد الأقصى وبيت المقدس من معرفة الآتي :

 أولاً : إن تاريخ الأمة المسلمة يبدأ بآدم وزوجه وبنيه ، وليس فقط ببعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .

ثانياً : إن الإسلام هو ملة الأنبياء قاطبة وإن تنوعت شرائعهم واختلفت مناهجهم فإبراهيم وإسماعيل وإسحاق والأسباط وداود وسليمان وعيسى عليهم السلام دينهم جميعاً الإسلام .

ثالثاً : تنـزيه أنبياء الله تعالى عن الصفات التي وصفهم بها اليهود والتي كانت من خيالات قصاصهم ينفسون بها عن رغبات مكبوتة وحقد دفين .

رابعاً : إن الذين قدر الله سبحانه وتعالى أن يتحرر بيت المقدس على أيديهم ، وسلطانهم وإقامة حكم الله عليها هم المسلمون ومن هؤلاء .

أ ) المسلمون بقيادة يوشع بن نون ( وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً ) يقول الإمام القرطبي " القرية " قيل أنها " بيت المقدس".

ب ) المسلمون المجاهدون الذين من بينهم داود عليه السلام  قال تعالى " فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء " . وجاء بعد داود عليه السلام ابنه سليمان عليه السلام  قال تعالى (وورث سليمان داود) وعلى عهده كان بيت المقدس عاصمة للدولة الإسلامية ( وليست عاصمة لليهود كما يزعمون ).

ج ) المسلمون صحابة رسول الله رضوان الله عليهم ، فعلى أيديهم بدأت معارك التحرير بما في ذلك بيت المقدس ، وشاء الله أن يتحرر ويقوم عليها حكم الإسلام على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه 15 هـ .

د ) المسلمون بقيادة نور الدين محمود بن زنكي ، وصلاح الدين الأيوبي وغيرهم من الحكام المسلمين هم الذين قادوا المجاهدين المسلمين حتى تحقق على أيديهم تحرير بيت المقدس بعد 93 عاماً من اغتصابها .

 

  وبعد هذا السرد في عقيدة المسلم من أنبياء بني إسرائيل ، والتحذير من الانتقاص منهم ، ننبه على أن الدفاع عن حقوقنا لا يكون بذم أنبياء الله الذين اصطفاهم من بين الخلق ليحملوا رسالته ، ويدعوا إلى توحيده ، وإن تقسيم بني إسرائيل وتاريخهم إلى قسمين إنما هو في الكلام على بني إسرائيل السابقين ، الذين كانوا قبل رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فمؤمنهم منا ، وكافرهم عدونا ، أما بعد بعثة نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم مطالبون بتصديقه والإيمان به  واتباعه والدخول في دينه ، فمن آمن بدعوة الإسلام فهو مؤمن مسلم ، أخ لنا وواحد منا كالصحابي الجليل عبد الله بن سلام ، ومن  رفض ذلك وأصر ، على يهوديته فهو كافر ، أي أن كل اليهود بعد البعثة كفار ، وموقفنا من تاريخهم البراءة والإنكار .

 

   روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفس محمد بيده ، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ، يهودي ولا نصراني ، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " .

 

والحمد لله رب العالمين ،،،

عيسى القدومي

 

.