فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
سلسلة الردود العلمية والتوجيهات الشرعية "حقيقة وأبعاد تبدّل الخطاب الرسمي الغربي إزاء الحرب على غزة مؤخرًا"

سلسلة الردود العلمية والتوجيهات الشرعية
حقيقة وأبعاد تبدّل الخطاب الرسمي الغربي إزاء الحرب على غزة مؤخرًا
إعداد / اللجنة العلمية
مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية
سؤال يتكرر :
ماذا وراء التغيير الذي طرأ فجأة على الخطاب الرسمي الغربي تجاه الحرب على غزة ؟!
ترميم الخطاب الغربي:
لا شك أن الخطاب المتعلقّ بغزة طرأ عليه -مؤخرًا- تغيرات! وصار يحاول أن يظهر مرة أخرى بأنه يقف مع الإنسانية ضد الإبادة والهمجية، وضد القتل الذي يجري في غزة - على مدى الشهور الماضية- وأصبح يدين لفظيًا الممارسات التي تقوم بها سلطة الاحتلال في تجاوز القانون الدولي، وما يقومون به من ضرب جميع القرارات والاتفاقات بشأن غزة وقضية فلسطين عرض الحائط! فأغلب الحكومات الغربية تعمل الآن على ترميم خطابها؛ وأضحت تدين الكيان الصهيوني في قتله للأطفال والرضّع، والإمعان في الإبادة الجماعية؛ حتى وصل الأمر إلى انتقاد ممارسات المستوطنين اليهود في الضفة، وكذلك الجماعات الصهيونية في القدس!!
ووصل الأمر للقنوات الحوارية والإخبارية الغربية التي كانت -إلى وقت قريب- موالية للرواية الصهيونية وسياساتها، وبذلك نلحظ تغيرات في أراء جهابذة الصحفيين والإعلاميين المتصهينين -للنخاع- حيث بدأ يتناغم مع التغيرات التي طرأت على خطاب الساسة الغربيين.. وهكذا بدلت تلك المؤسسات والشخصيات من خطابها وحواراتها بعد أن كانت تدافع وتنقل الأكاذيب لتبرير ممارسات الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني، وإشاعة الأباطيل المحرفة لصالح الكيان الغاصب.
بدايات التغيير:
لقد بدأ التغيير الحقيقي في الجامعات الغربية في منذ منتصف أكتوبر ٢٠٢٣م وذلك رفضاً لممارسات التوحش والإبادة والهمجية التي يمارسها الكيان الصهيوني، وكان هذا التغيير على المستوى الشعبي عندما تمت مواجهته بالقمع؛كما فعلت وتفعل بعض الحكومات؛ بل جلها في الغرب إلا أن الأمر ازداد تفاعلاً ونشاطاً؛ حيث بدأت الشرطة البريطانية مؤخراً باستدعاء قادة المظاهرات للحوار معهم، وتغيير مسيرة بعض المظاهرات لعدم المرور من شوارع معنية، ومحاولة التفاهم معهم على بعض المطالبات، وهي سياسة جديدة وتغير في التعامل مع النشطاء في تأييد الحق الفلسطيني إلى حد ما.
أسباب التغيير:
وهذا التغيير له أسبابه التي يمكن تلخيصها بالآتي:
1- محاولة إنقاذ الصهيونية.
2- الحرص على إنقاذ (الكيان الصهيوني الغاصب).
3- السعي إلى إنقاذ الليبرالية (التي أنشأت القانون الدولي والمجتمع الدولي، ومن خلالها يتم تمرير أيدولوجيتها ومشاريعها).
4- محاولة تخفيف الهجوم على الحكومات من أبنائها، ومن داخل جامعاتها ومؤسساتها المدنية، والحرص على عدم التصادم مع حراك الشارع العام.
5- خشية الحكومات الغربية أن تتحول المواجهات مع الشعوب والمتظاهرين إلى مواجهات عنيفة، وأكثر شدة.
على مفترق طرق:
لقد أصبحت الليبرالية الغربية على مفترق طرق بعد أحداث الإبادة في غزة؛ فإما أن تقضي الليبرالية الغربية على الصهيونية وتنهيها، أو العكس، وبالتالي تقضي على كل مبادئ الغرب التي عملوا على ترسيخها في أذهان مواطنيهم والعالم أجمع؛ فالخيار صعب لأن إحداهما سيموت؛ فإذا ماتت الليبرالية الغربية ؛فإنها حتما ستموت الصهيونية؛ لأنها الراعية لها بل والداعمة والضامنة لاستمرار الاحتلال لأرض فلسطين.
ولا شك أن هذا التحرك - على مستوى المسؤولين الكبار في أوروبا – ما هو إلا محاولة لإنقاذ الصهيونية والكيان الصهيوني من الزوال؛ حيث تخشى الحكومات الغربية أن تجرهم الصهيونية إلى مزيد من الخسائر - ككلفة استمرار كيانهم على أرض فلسطين-فهم يعانون من أزمات اقتصادية كبرى، وكذلك أزمات سياسية واجتماعيه وغيرها من دوامة الأزمات المتتالية، ولا يخفى على أحد أن منظومة الغرب الديمقراطية والليبرالية في هذه الممارسات تتعطل!! من أجل الصهيونية القاتلة المجرمة، التي تمارس على مدى أكثر من ١٩ شهراً أشد أنواع القتل والتشريد والتجويع بحق شعبنا الفلسطيني في غزة.
بين التغيير الشعبي والرسمي :
لا شك أن التغيير على المستوى الشعبي هو تغيير حقيقي؛ أما التغيير على المستوى الحكومي والسياسي؛ فهو تغيير استراتيجي لضمان استمرار المصالح، مع الحفاظ على مبادئ وسياسات ثابتة لا تتغير بل تتغير الممارسات.
ويقصد بالخطاب الجديد من قبل الساسة الغربيين ألا يتعرض يهود العالم للنقمة في الغرب على وجه الخصوص لذا فإن الحكومات الغربية تعمل على فصل ممارسات نتنياهو وحكومته عن البعد اليهودي حتى لا يتضرر يهود العالم أجمع، وذلك في ظل المتغيرات الجديدة؛ حيث تعيش الصهيونية في هزيمة إعلامية وأخلاقية وعسكرية وسياسية واقتصادية وغيرها من الأبعاد، ونتوقع في الأيام القادمة أنهم - كما كانوا - سيسمحون للكيان الصهيوني أن يستمر في ممارساته وارتكاب جرائمه، ولسان حالهم يقول : نحن نريد من (الكيان الغاصب) إما أن ينهي المقاومة في فلسطين أو أن يضعفها للحد الأقصى حتى تكون قدرتها التفاوضية في الحد الأدنى.
من جانب آخر سيصنعون سردية جديدة تبرؤهم، وتبيض جرائمهم التي اقترفوها على مدى العامين الماضيين، وسيمسحون هذه الإخفاقات وتلك الهزيمة التي حصلت، والتخبط الصهيوني والغربي؛ وعلق عليها أحد الصحفيين الناقمين على الخطاب الغربي، وحديثهم عن المجاعة، وإغفال الحديث عن الابادة، حيث قال: وكأننا نقول للكيان الصهيوني اقتلوهم وبطونهم ملئ ملئا، ولا تقتلوهم وبطونهم جائعه!!
الخلاصات والحقائق:
• بدأت الدول الغربية بعد ١٩ شهرًا من الصمت أو الدعم العلني للكيان الصهيوني باستخدام مصطلحات مثل "غير متناسبة" و"لا تُطاق" لوصف العدوان الإسرائيلي، لكن هذا التحول جاء متأخرًا جدًا بعد تدمير أكثر من ٧٠٪ من مساحة غزة وتجاوز عدد القتلى 60 ألفا معظمهم من الأطفال!!
• شهد الخطاب الرسمي الغربي تجاه الحرب على غزة تغيرات ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة؛ لكن هذا التحول لا يمكن وصفه بأنه جذري أو موحد؛ بل هو تحول تدريجي ومتفاوت بين الدول والمؤسسات الغربية، ويعكس في جوهره ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة، دون أن يصل إلى مستوى القطيعة مع إسرائيل أو الانحياز الصريح للحقوق الفلسطينية.
• شهدت المجتمعات الغربية - ولا سيما في أوروبا وأمريكا الشمالية- تصاعدًا في الاحتجاجات الشعبية والمطالبات بوقف إطلاق النار، وبرزت شريحة متنامية من الرأي العام الغربي تدعو إلى إنهاء الحرب، والتوصل إلى تسوية عادلة.
• أظهرت الحرب انقسامًا داخل الاتحاد الأوروبي، حيث دعمت بعض الدول (مثل فرنسا وإسبانيا) قرارات أممية لوقف إطلاق النار، بينما امتنعت أو عارضت دول أخرى (مثل ألمانيا وبريطانيا والنمسا)، ما يعكس تراجع القدرة على صياغة موقف أوروبي موحد بشأن الصراع.
• مع تفاقم المجازر الإنسانية في غزة، بدأت بعض الحكومات الغربية، ولا سيما في أوروبا، في توجيه انتقادات أكثر وضوحًا للعمليات العسكرية الإسرائيلية، والمطالبة بوقف إطلاق النار أو تسهيل دخول المساعدات، دون أن تترجم تلك الانتقادات إلى إجراءات عقابية أو تغييرات جوهرية في السياسات والإجراءات القانونية والدولية إزاء الكيان الصهيوني الغاصب.
• من أبرز الضغوط الداخلية على الدول الغربية: تصاعد الاحتجاجات الطلابية والشعبية في الجامعات والمدن الغربية ضد الحرب، واتهام الحكومات بالتواطؤ في جرائم ضد الإنسانية، الأمر الذي تسبب في الحرج الأخلاقي والسياسي الذي تواجهه الحكومات الغربية أمام الرأي العام مع تزايد أعداد الضحايا المدنيين وتفاقم الكارثة الإنسانية في غزة.
• أدى تخوف بعض الحكومات الأوروبية من تداعيات الحرب على الاستقرار الداخلي، ولا سيما مع تزايد التوترات بين مكونات المجتمع الأوروبي، وصعود الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تميل أحيانًا لتأييد إسرائيل لأسباب أيديولوجية أو أمنية، إلى تغيير في مواقفها وخطابها حيال الأوضاع والانتهاكات الإنسانية في غزة.
• الخطاب الرسمي الغربي تجاه الحرب على غزة يمرّ بتحول نسبي، فرضته الضغوط الشعبية والإنسانية والدولية، لكنه يظل في مجمله متحفظًا ومرتبطًا باعتبارات الدعم التقليدي لإسرائيل، ولم يصل إلى مستوى تغيير السياسات أو فرض العقوبات أو الاعتراف بحقوق الفلسطينيين بشكل واضح؛ بل بقي في إطار الدعوات الإنسانية أو الضغوط الدبلوماسية المحدودة.
• أجبر الضغط الشعبي المتصاعد في الغرب - ولا سيما بين الشباب -الحكومات على تعديل خطابها، حيث شهدت العواصم الأوروبية أكبر المظاهرات المؤيدة لفلسطين منذ عقود؛ إلا أن التحولات الأخيرة في الخطاب الغربي لا تعدو كونها تكتيكًا مرحليًا لاحتواء الغضب الشعبي الداخلي وتخفيف العزلة الدولية، بينما يواصل الكيان الصهيوني حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في غزة بدعم غربي غير مباشر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يمكن تحميله PDF من هنا 👇
. تحميل الملف المرفق