دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

حماس بين رفض المبادرة المصرية أو الدور المصري

 م. علاء الدين البطة

 كاتب وباحث فلسطيني

 

سؤال كبير تعددت الاجابة فيه وهو هل رفض حماس والمقاومة الفلسطينية للمبادرة المصرية هو رفض للمبادرة ذاتها في موضوع التهدئة والوساطة بين إسرائيل والمقاومة أو هو رفض للدور المصري برمته؟ قبل أن نجيب عن هذا السؤال، حرىٌ بنا أن نتوقف لقراءة متأنية عند مجموعة من الاحداث والحقائق سنبدأ بها وفقا لتسلسلها الزمني: ليس سراً أن هناك علاقة عضوية بين حركة حماس وحركة الإخوان المسلمين في مصر والعالم، إذ تعتبر حماس نفسها "جناحاً من أجنحة الإخوان المسلمين" حسب المادة الأولى من ميثاق حركة حماس العالم العربي والإسلامي ينظر إلى حركة حماس باعتبارها أنموذجا رائعا في الجهاد والمقاومة ووجها مشرقا لحركة الإخوان المسلمين. نجحت حماس في عقد عديد التحالفات مع أنظمة سياسية تعادى حركة الإخوان المسلمين، وتحديدا مع نظامي الحكم في إيران وسوريا بل وعقدت تحالفا "ممانعا " معها على الرغم من العداء والحرب الضروس بين الإخوان المسلمين في سوريا ونظام حافظ الأسد والذي خاض حربا مفتوحة عليهم في ثمانينات القرن الماضي أفضت إلى مقتل الآلاف من الإخوان. وفجأة وخلال الربيع العربي بدأ الحلف الممانع بالتفكك وتدهورت العلاقة مع نظامي سوريا وإيران من جهة، فيما ازدادت تطوراً علاقة حركة حماس بالإخوان المسلمين بل وفجاه وجدت الحركة نفسها تضع معظم- وان لم يكن كل البيض- في سلة الإخوان المسلمين وخصوصا بعد التقدم الكبير لهم في الانتخابات في كثير من الدول العربية وبعد انقلاب السيسي على حكم الإخوان المسلمين في بداية يوليو 2013م، وإعلان النظام الانقلابي الحرب على الإخوان المسلمين والبدء بعملية ملاحقة وتجريم للحركة في مصر وصولا لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة -في 14 أغسطس- وقتل آلاف من المعتصمين، حينها وجدت حماس نفسها تتجه نحو العدائية مع النظام الجديد، بل وفتحت فضائياتها وإذاعاتها ومواقعها الالكترونية للهجوم المستمر على الانقلاب وتبنى رؤية الإخوان المسلمين وفتح المجال لهم، وكان هذا سبباً وذريعة مهمة لتكريس حالة العداء بين النظام المصري الجديد وحركة حماس والذي يُضاف إلى السبب الرئيسي لحالة العداء هو أن السيسي ونظامه كان وسيبقى على قناعة بان حماس والإخوان المسلمين وجهان لعملة واحدة بل وإن حماس تُشكل نموذجا ملهما لأبناء الإخوان في العالم في الجمع بين المقاومة المُشَرفة ضد العدو وإقامة نظام حكم سياسي إسلامي. وتجسيدا لهذه الحالة من العدائية شرع الإعلام المصري بشن حملة شرسة وغير مسبوقة ضد حماس بل وأضحى يلصق بها كل قضايا القتل والتخريب والتفجير والإرهاب في مصر مطالبا بحظر الحركة وإعتقال ممثليها ووصل الأمر بمطالبة بعض المرتزقة من إعلامييهم بتوجيه ضربة جوية وشن حرب برية لإسقاط حكم حماس في غزة، وقد ساعد هذا الجو من الشحن والبغضاء في توفير بيئة مناسبة لمجموعة من الإجراءات أهمها:

 الإغلاق شبه الدائم لمعبر رفح بذريعة وجود تهديد أمنى في سيناء حيث وصل عدد أيام إغلاق المعبر خلال عام من الانقلاب إلى ما يقارب 320 يوما وبما نسبته 90% خلال الفترة من يونيو 2013 وحتى يونيو2014م.

 الإغلاق المحكم للأنفاق التي كانت تمثل شريان الحياة لأهل غزة المحاصرين، في خطوة غير مسبوقة لم يقم بفعلها الرئيس الأسبق مبارك رغم الضغوط الأمريكية والإسرائيلية عليه حتى إن إسرائيل كانت دائما تستهدف وتطالب العالم بمساعدتها بمساعدة مصر من أجل إغلاق هذه الأنفاق، ليفاجأ العالم بقيام الجيش المصري بحرب لا هوادة فيها ضد الأنفاق،أثمرت عن إغلاق أكثر من 1500 نفق كان يتم من خلالها إدخال الأدوية والأغذية والوقود وحليب الأطفال وكل ما تحتاجه غزة عبر شرائه من الأسواق المصرية، مع الإشارة إلى إن هذه التجارة كانت تُدر على الاقتصاد المصري ما يقارب 1.5 مليار دولار سنويا.

  استخدام القضاء المصري في الحرب ضد حماس عبر إصدار قرار من محكمة " الأمور المستعجلة بالقاهرة " في 4 مارس 2014 بحظر أنشطة حركة حماس داخل مصر. والأخطر والاهم أن مصر كانت الوسيط والضامن في كافة اتفاقات التهدئة بين حركة حماس وإسرائيل خلال حربي "الفرقان" 2008-2009 و "حجارة السجيل 2012، والتي كان في كلاهما بنداً ينص على فتح المعابر وإدخال المواد الطبية والغذائية وكسر الحصار عن قطاع غزة ولم تلتزم إسرائيل بأي من هذه التفاهمات فيما لم يكن للوسيط الضامن أي دور في الضغط على دولة الاحتلال من أجل الالتزام وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وتكرر نفس الخذلان في صفقة شاليط والتي استمرت المفاوضات فيها لحوالي خمس سنوات ونصف، بسبب ضعف الوسيط المصري وعدم قدرته على الضغط على دولة الاحتلال، بل والأدهى أنه كان هناك رفض مصر لدخول الوسيط الألماني للمساعدة فى إتمام الصفقة على الرغم من خبرة الوسيط الالماني ونجاحه في إنجاز صفقة مشابهة بين حزب الله اللبناني وحكومة الاحتلال في  أقل من عامين. بل وإن إسرائيل لجأت الى مجموعة من الاجراءات الاحادية المخالفة للاتفاق ومن أهمها اعتقال العشرات من الأسرى المحررين ومنع العديد منهم السفر بل وحتى للعلاج.

وحينما توجهت حماس الى الوسيط المصري لممارسة سلطاته المفترضة كوسيط لم يكن هناك أي صدى يذكر وبقى الاحتلال يعبث بقضية الأسرى –حسب مزاجه- حتى أنه عند خطف وقتل الجنود الثلاثة في الضفة الغربية في يونيو 2014 لجأت إسرائيل الى اعتقال اكثر من 60 أسيراً محرراً في صفقة شاليط بل وأعادتهم لقضاء مدد محكوميتهم والبالغة عشرات السنين وايضاً دون أي حراك من الوسيط والضامن المصري، في مشهد يبعث على الشك والريبة. العدوان الاسرائيلي الحالي على غزة في "معركة العصف المأكول" كان سببه الرئيسي عدم التزام إسرائيل بفتح المعابر وحرية الحركة للمواطنين الفلسطينيين حسب اتفاق 2012م، وإغلاق الوسيط المصري لمعبر رفح بصورة شبه كاملة، وبالتالي كانت تنتظر حماس التزاما مصريا وضغطا على إسرائيل للعودة الى الالتزام بالاتفاق إلا إن الموقف المصري كان بدعوة الاطراف الى ضبط النفس قبل بدء الحرب بأيام. من أبسط أبجديات الحروب أن يتم فتح المعابر حسب القانون الدولي والقانون الإنساني حتى أن نظام الرئيس الاسبق مبارك قام بفتح المعبر عام 2008 وسمح لعشرات الوفود الطبية وقوافل الادوية والمساعدات بالدخول الى غزة وتم فتح المعبر بالكامل خلال الحرب الا ان النظام السياسي الحالي استمر في إغلاق معبر رفح حتى في ظل الحرب المجنونة على غزة والمستمرة منذ اكثر من 20 يوم ولم يتم السماح لحركة الوفود الطبية والتضامنية ورسالات الادوية والمساعدات الطبية من الوصول إلى غزة ولم يدخل معبر رفح خلال هذه الاسابيع الثلاثة سوى بضع وفود طبية وعدد صغير من الشاحنات المحملة بالأدوية وهذا يشكل انتهاكا للقيم العربية والاسلامية بل وأبسط قواعد القانون الانساني الذي يجبر الدول على فتح معابرها في الحروب والسماح (بإدخال رسالات الأدوية والطعام).ثم كانت المفاجأة بالإعلان عن المبادرة المصرية المثيرة للجدل والتي كانت دون الحد الادنى لمطالب المقاومة فيما لبت الشروط الاسرائيلية في وقف الحرب بدون ثمن، الأمر الذي أشادت به الصحف الاسرائيلية والتي أكدت بأن المبادرة تم صياغتها بالتوافق بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والمصرية فيما يخدم الرؤية الاسرائيلية الأمر الذي أدى إلى اعلان حركة حماس والمقاومة الفلسطينية برفضها الصريح للمبادرة التي تمثل طوق نجاة للاحتلال وبلا ثمن الأمر الذي أدى الى المزيد من الاحتقان بين حماس والنظام المصري ودفع النظام المصري للتمترس (غير الدبلوماسي) مع المبادرة والتأكد على رفض تعديلها بأي حال من الأحوال.

ختاماً؛ إذا توقفنا على كل من البنود السابقة فانه يتضح لدينا أن رفض المبادرة المصرية لم يكن وليد اللحظة بل كان هو عملية تراكمية لضعف وخذلان مصري دائم لحركة حماس نتيجة لضعف هذا الوسيط وعدم قدرته أو (رغبته) في الضغط على دولة الاحتلال من جهة ومن جهة اخرى كان هناك ضغط دائم على حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة عبر وسائل مختلفة أهمها إغلاق معبر رفح وتدمير الانفاق الامر الذى أدى الى خنق حركة حماس وعدم قدرتها على تسيير عجلة الحياة في قطاع غزة بل وموافقتها على التخلي عن حكم قطاع غزة مقابل رفع الحصار لتتفاجأ حماس باستمرار الحصار والموت رغم تنازلاتها التي تعتبرها "مؤلمة". وعليه يتضح أن رفض حماس هو في ظاهره للمبادرة المصرية وفى باطنه اعتراض وعدم قبول لدور مصري منحاز .

.