القدس والأقصى / حقائق مقدسية
نكبة فلسطين ..حربٌ على المصطلح !!
نكبة فلسطين ..حربٌ على المصطلح !!
حين أعلنت القوات البريطانية إنهاء انتدابهم على فلسطين وانسحابهم منها في مساء 14 مايو 1948م ، بعدها بسويعات أعلن المجلس الوطني اليهودي في 15 مايو 1948 "قيام دولة إسرائيل"!! وبدأت الحرب بين العصابات الصهيونية من جهة وبين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة أُخرى، والتي لم تكن مستعدة لمثل هذه الحرب، مما سبب في هزيمتها وسُميت تلك الهزيمة وما نتج عنها بـ "نكبة" فلسطين.
ونتيجة النكبة أُنشأ "كيان يهودي" على مساحة أكبر بكثير من المساحة المقررة له في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة! والتي كانت أقل من 55 % وإذا به نشأ على 77 % من أرض فلسطين ولم يبق سوى الضفة الغربية والتي ألحقت بالأردن، وقطاع غزة الصغير الذي ألحق بالإدارة المصرية، وشردوا بالقوة 800 ألف فلسطيني خارج المنطقة التي أقاموا عليها كيانهم من أصل 925 ألفاً كانوا يسكنون في المنطقة، ودمر الصهاينة 478 قرية فلسطينية من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 مجزرة؛ واحتلوا غربي القدس وهي تساوي حوالي 85 % من المساحة الكلية للقدس، وقاموا بتهويد هذه المنطقة التي تعود ملكيتها للمسلمين والعرب، ثم قاموا ببناء أحياء سكنية يهودية فوق أراضيها وأراضي القرى العربية المصادرة حولها.
تلك كانت "النكبة" وبعد مرور 60 عاماً على حدوثها مازال مصطلح "النكبة" يسبب الأرق والقلق للكيان العبري، لهذا سعت المؤسسات اليهودية لشطب هذا المصطلح من مناهج التعليم في المناطق التي احتلت في عام 1948م التي يقطنها الآن أكثر من مليون فلسطينيي يحملون اسم فلسطينيي الـ 48 ، ويطلق عليهم في الإعلام مصطلح "عرب إسرائيل" !!
"فالنكبة" في مقرر التاريخ في المناهج المخصصة للعرب هي "حرب استقلال" أي تحرير فلسطين من الغرباء وإعلان استقلالها !! علماً بأن اليهود الذين حضروا الاجتماع الذي أعلنوا فيه استقلال "إسرائيل" في 14/5/1948م كحق طبيعي وتاريخي – على حد زعمهم - "كانوا سبعة وثلاثين رجلاً ، كان واحد منهم فقط ولد في فلسطين!! وكان الباقون من بلدان أوروبية باستثناء واحد جاء من اليمن"، فهؤلاء اليهود ليسوا من سكان أرض فلسطين الأصليين، ولم تكن لهم بأرض فلسطين صلة في يوم من الأيام.
والطلبة الفلسطينيون يتعلمون في المدارس وفق المناهج العبرية التي تطمس وتغيب تاريخهم -وبالتحديد في فترة حرب 1948م التي يعتبرها اليهود "حرب الاستقلال"- المنهج المقرر لمادة التاريخ هو كتاب بعنوان "تاريخ الشعب الإسرائيلي"؛ و يدرس المعلم الفلسطيني التلاميذ تاريخ نشوء الحركة الصهيونية وتطور هجرة اليهود إلى فلسطين التاريخية!!
زار أحمد البديري وهو مراسل وصحفي للـ "بي بي سي" مدرسة كفر قرع في شمالي الكيان اليهودي وهي مدرسة ثانوية خرّجت عشرات الآلاف من فلسطينيي الـ 48 ، وحضر حصة في التاريخ عن اللاسامية في أوروبا، ونقل مشاهداته والحوار الذي جرى بين المعلم وتلاميذه، حيث سأل المعلم الطلاب عن اللاسامية فأجابت إحدى الطالبات بلا تردد "في أوروبا كان اليهود أقلية والآن اليهود هنا أصبحوا أغلبية والعرب هم الأقلية ويعانون من الاضطهاد كما كان يعاني اليهود في أوروبا"؛ وطالب آخر قال إذا كان لليهود أمال وطموحات بإنشاء دولتهم فنحن كذلك نريد دولة لنا؛ فلم يتقيد المعلم ولا التلاميذ بالمنهج المقرر. وأضاف البديري أن كلمة "النكبة" لا يوجد لها ذكر في الكتب المدرسية ولا في تاريخ القرن العشرين !!
فمحاولة طمس الهوية الفلسطينية عبر العملية التعليمية وإتباع سياسية التغييب والتهميش هي السياسة المتبعة في تعليم العرب في داخل الكيان اليهودي، وهذا ما دعا الوزيرة "يولي تامير" وهي من حزب العمل حينما تسلمت وزارة التربية و التعليم إلى إعلان أن "سياسية تهميش تاريخ العرب في إسرائيل يجب أن تتغير"؛ وتعرضت أقوالها بردود أفعال قوية فقد انتقدها اليمين العبري وعدد من كبار الموظفين في الوزارة مما اضطرها إلى التراجع عن بعض الإجراءات وإن أقرت أن يكون للمعلم حرية محدودة في شرح مادة التاريخ.
ومع كل السياسات المتبعة في التعليم اليهودي الموجه للطلبة العرب في فلسطين من تشويه للتاريخ، ومنهجة الأكاذيب والأساطير لإفقاد الهوية والحس العربي والإسلامي؛ إلا أن ما يقلق ساسة اليهود ومؤسساتهم ازدياد التمسك والمطالبة بالحقوق المسلوبة كلما تقادم الزمان !!
وهذا سّببَ هجوم المؤسسات اليهودية الرسمية ومنها وزارة خارجية الاحتلال ليس على الإنسان الفلسطيني وما يحمله من ذاكرة حاضرة لأحداث ظن اليهود أنها ستنسى مع الزمن فقط ، بل تعداه الأمر باعتبار أن مصطلح "النكبة" هو محاولة لنزع صفة الشرعية عن قيام دولة إسرائيل !! وتحميل إسرائيل مسؤولية معاناة الفلسطينيون .
لهذا نُشر في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية" على الشبكة العالمية " الانترنت" كلمة بعنوان "النكبة مأساة من صنع ذاتي" جاء فيها : "إنه من المؤسف ألا تتلاشى المحاولات لنزع صبغة الشرعية عن إسرائيل بعد مرور 60عامًا على تأسيسها. ومن المفارقة أن يتمّ التشكيك فيّ الحق الأساسي في الوجود لإحدى الدول القليلة في العالم التي تمّت المصادقة على إقامتها بقرار من الأمم المتحدة" !!
ويقصد بذلك القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية : نحو 54% للدولة اليهودية و 45% للدولة العربية و 1% منطقة دولية (منطقة القدس) لفترة مؤقتة تعود بعدها القدس للسيادة العربية. وكانت النتيجة: ظلم فادح أعطى الأقلية اليهودية الدخيلة المهاجرة الجزء الأكبر والأفضل من الأرض الفلسطينية، وخالف الأساس الذي قامت عليه الأمم المتحدة وهو حق الشعوب في الحرية وتقرير مصيرها بنفسها، والشعب الفلسطيني المعني أساساً بالأمر لم تتم استشارته ولا استفتاؤه بهذا الشأن ...
وجاء في كلمة وزارة الخارجية أيضاً: "والأهم أن العديد من الادّعاءات لم تَعترِف بأن هذه المأساة هي مأساة من صنع ذاتي أولاً، وهي مأساة كان بالإمكان تجنّبها بسهولة !! لو قبل العرب بقرار تقسيم فلسطين !! لما كان هناك لاجئين !! وتدّعي وزارة الخارجية بأن قراراً اتخذ لإبقاء الفلسطينيين لاجئين عمدًا بهدف استغلال ضائقتهم كوسيلة سياسية ضدّ إسرائيل!!
فقد عُرضت على الفلسطينيين مرارًا وتكرارًا دولة مستقلّة لهم ولكنّهم رفضوا ذلك !!
وحقيقة لم أكن أتوقع أن يكتبوا بهذه السذاجة، وكأنهم يعيشون في فترة الأكاذيب والروايات الملفقة التي ترادفت مع قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، والتي عملت حركة "مؤرخي اليهود الجدد" والتي أسسها "بني موريس" أستاذ التاريخ في "جامعة بن غوريون" ، وبعض والأكاديميين والكتاب والمثقفين في المؤسسات العبرية مؤخراً على إعادة النظر في تلك الأساطير من خلال مراجعة الصيغة التاريخية الرسمية، وتنقيتها من الأكاذيب ومن حيل الحرب النفسية التي تحولت إلى مسلمات في الطرح الصهيوني!! ونشروا كتاباتهم في الطعن بالرواية الرسمية واتفقوا على كونها مركبة من مجموعة مقولات أو ادعاءات باطلة أو غير دقيقة على الأقل، واتفقوا على تسميتها بـ "الأساطير الصهيونية" كون الصهيونية نجحت في ربط كل كذبة من أكاذيبها بواحدة من الأساطير اليهودية، وذلك حتى تقنع الرواية الرسمية بالمنطوق التاريخي الموحد بأن الصهيونية قد حققت معجزة إقامة "دولة إسرائيل".
ومنها على وجه الخصوص حرب 1948م التي جرى صياغتها في السابق ضمن إطار يهودي صهيوني يعيد ترتيب الوقائع، بما يخدم الوجود اليهودي على أرض فلسطين، وحددوها بنقاط خمس:
1- الإقرار بأن اليهود قد دمروا الكثير من القرى والمدن، وقتلوا الكثير من أهل فلسطين خلال فترة قيام الكيان اليهودي، حيث الرواية الصهيونية السابقة لم تشر تماماً إلى الخسائر اللاحقة بالمدن والقرى الفلسطينية.
2- الحديث عن طرد السكان من قراهم ومنازلهم وتدميرها بعد ذلك.
3- نقض رواية أن نزوح الفلسطينيين حصل بسبب نداء من القادة العرب الذين طلبوا فيه من الفلسطينيين مغادرة أرضهم بصورة مؤقتة تسهيلاً لدخول الجيوش العربية.
4- مراجعة المقولة بأن "إسرائيل" كانت مستعدة لإقامة السلام مع العرب لكن هؤلاء كانوا يرفضون الاعتراف بها.
5- إعادة النظر في مقولة أن اليهود حققوا المعجزة التاريخية بانتصارهم على العرب في حرب 48م.
فقد اقر "المؤرخون الجدد" ببطلان المبررات التي ساقتها الحركة الصهيونية في رفضها الاعتراف بارتكاب أية أخطاء في حق الشعب الفلسطيني والتي كان من أهمها "إنها لم تكن تريد طرد الفلسطينيين، بل كانت تريد العيش معهم في سلام، ولكن هم الذين رفضوا قرار التقسيم، وهم الذين شنوا الحرب على اليهود بغرض القضاء عليهم، وهم الذين تركوا ديارهم طواعية ليتركوا الفرصة لتدخل الجيوش العربية لقتال اليهود. وأعادوا بذلك النظر في الدعاية الذي ظل يروج لها الإعلام اليهودي لعقود طويلة وهي أن "إسرائيل" لا ذنب لها في هذه المشكلة لأن الفلسطينيين هم اللذين تركوا ديارهم بكامل إرادتهم".
النكبة والخريطة ... شطب وإلغاء :
وقد عملت مؤسسة الاحتلال - وما زالت - على شطب مصطلح "النكبة" ليس فقط من القاموس السياسي الفلسطيني والإسلامي، وإنما كذلك من قرارات ومواثيق الأمم المتحدة المتعلقة بالقضية، وهذا ما أعلنته "تسفي ليفني" - وزيرة الخارجية الدولة العبرية - في كلمة ألقتها أمام المشاركين في مؤتمر الرئيس بوش في القدس يوم الخميس 15/5/ 2008م: "أنه لا يمكن للفلسطينيين الاحتفال بعيد استقلالهم إلا إذا تم شطب مصطلح "نكبة" من قاموس المصطلحات التابع لهم".
وكذلك طلبت بعثة الكيان اليهودي لدى الأمم المتحدة من سكرتارية المنظمة الدولية توضيحات حول استخدام مصطلح "النكبة" في بيان أصدرته الناطقة بلسان الأمين العام بان كي مون. وهذا يذكرنا بالاعتراض والجدل الذي ترادف مع عرض الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني خريطة سياسية لفلسطين ما قبل الاحتلال اليهودي في عام 1948م أي ما قبل "النكبة" والتي لم تحوي اسم "إسرائيل" لأنها لم تكن موجودة، ومن هنا جاء اعتراض السفير الأمريكي في الأمم المتحدة "جون بولتون" الذي أعرب عن استغرابه من تعليق هذه الخريطة في معرض حول يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني!! حيث اعتبر "بولتون" وجود هذه الخريطة مشجعاً على فكرة أن الأمم المتحدة تدعم إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود دولة فلسطين ما قبل عام 1948م مما يعني ذلك اختفاء "دولة إسرائيل"!!
ومن أجل إرضائه اضطرت الأمم المتحدة إلى التذكير بموقفها الداعم لإقامة دولتين يهودية وفلسطينية الذي أقرته في عام 1947م، والاعتذار بشكل دبلوماسي عن هذا الخطأ غير المقصود !!
فاللص المغتصب كعادته يسيئه التذكير بما سلبه وتنعم به، ويعمل جاهداً على طمس كل الحقائق حول ما تم اغتصابه والكيفية التي سلكها في عملية السرقة !! لتبقى الجموع العربية على جهلها بما حدث فعلاً على حد قول الباحثة البريطانية "روز ماري صايغ" في كتابها "من الاقتلاع إلى الثورة" : لقد أدى الافتقار إلى تاريخ عربي صحيح لعملية الاقتلاع التي لم تذكر إلا مجزأة سعياً بالجمهور العربي إلى البقاء على جهله بما حدث فعلاً" .
عيسى القدومي 11/6/2008م