دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

عدد قتلانا وقتلاهم ... ومصداقية "أسوشيتد بريس" !!

عدد قتلانا وقتلاهم ... ومصداقية "أسوشيتد بريس" !!

 

إذا ما عدنا إلى كتاب " الرقابة والتعتيم في الإعلام الأمريكي " لنقف معه وقفة متأنية حول تقرير يتعلق بتحيز وكالة "أسوشيتد بريس" بشأن الصراع الصهيوني الفلسطيني ، هذا التحيز ليس بجديد على إعلام يرى بعين واحدة !! ويساهم في دعم الممارسات والإجراءات التي يقترفها المحتلون لأرض فلسطين !!

ولكن ما أوقفي في التقرير دعمه بإحصاءات دقيقة تكشف بجلاء ذلك الخداع الذي يمارس في مؤسسة إعلامية كبرى "كأسوشيتد بريس" تدعي أنها تقدم خدمة صحفية تعاونية لا تستهدف الربح!! وتفتخر بخدماتها الإخبارية المميزة ذات القدرة الأعلى من الجودة والمصداقية والموضوعية مع التقارير الإخبارية التي تتسم بالدقة والتوازن والاطلاع !!

فوكالة أسوشيتد بريس لها 242 مكتباً في أنحاء العالم تنقل التقارير الإخبارية على مدار الأربع والعشرين ساعة يومياً ، بخمس لغات تشمل الإنجليزية والألمانية والهولندية والفرنسية والإسبانية ، ويعمل بها 3700 موظف . وتصل أسوشيتد بريس إلى مليار شخص كل يوم عبر الصحافة المطبوعة أو الإذاعية أو التلفزيونية.

وبلغ العائد السنوي في عام 2004 مبلغ 630 مليون دولار من بيعها المواد المسموعة والمرئية على شبكة الانترنت . 

جاء في تقرير تحيز "أسوشيتد بريس" لليهود الآتي:

أجرت "أليسون فير" و "جوى إليسون" و "بيتر فير" من منظمة " لو عَلِمَ الأمريكيون " بحثاً عن نقل" أسوشيتد بريس" لأخبار الصراع الفلسطيني الصهيوني ، وكانت الدراسة تحليلاً إحصائياً لخدمة أسوشيتد بريس خلال عام 2004 م ، حيث اهتمت بالوفيات من اليهود والفلسطينيين التي نقلت الوكالة أخبارها ، واهتمت الدراسة على نحو خاص بعناوين التغطيات ومقدماتها لتحديد ما يمكن أن يقرأه الشخص العادي في الواقع.

وجدت الدراسة أن هناك ارتباطاً قوياً بين احتمال تغطية "أسوشيتد بريس" لوفاة الشخص وجنسيته ؛ ففي عام 2004م كان هناك 141 تقريراً عن وفيات إسرائيلية في عناوين "أسوشيتد بريس" ومقدماتها ، بينما الواقع هو أنه كانت هناك 108 وفيات إسرائيلية فحسب.

وهذا الفرق ناتج عن نقل خبر الوفاة أكثر من مرة ؛ وأثناء تلك الفترة نفسها نقلت الوكالة أخبار 543 وفاة فلسطينية ، في حين أن عدد من قُتلوا من الفلسطينيين هو 821 . وكانت نسبة العدد الفعلي لوفيات الصراع من الإسرائيليين مقابل الفلسطينيين في عام 2004 هي 7:1 ، ومع ذلك فإن نسبة وفيات الإسرائيليين إلى الفلسطينيين كما أوردتها أسوشيتد بريس هي 1:2 بعبارة أخرى ، فقد أوردت أسوشيتد بريس 131 بالمائة من الوفيات الإسرائيلية ، بينما أوردت 66 بالمائة فقط من الوفيات الفلسطينية .

يمكن أن يُقال الشيء نفسه عن نقل "أسوشيتد بريس" لأخبار وفيات الأطفال . فقد نقلت "أسوشيتد بريس"تسعة تقارير عن وفيات الأطفال اليهود في العناوين والمقدمات خلال عام 2004 م ، بينما كانت الوفيات التي حدثت بالفعل ثمانية , ونقلت أخبار وفاة سبعة وعشرين فلسطينياً ، في حين 179 طفلاً هم من ماتوا في الواقع . وبينما كان عدد الأطفال الفلسطينيين يزيد اثنين وعشرين مرة عن عدد الأطفال الإسرائيليين ، فقد أوردت"أسوشيتد بريس" 113 بالمائة من وفيات الأطفال الإسرائيليين  و 15 بالمائة من وفيات الأطفال الفلسطينيين !!

وبحث التقرير كذلك عدد المرات التي استخدمت فيها "أسوشيتد بريس" كلمتي "صِدام" و "صِدامات" في تقارير الوكالة الخاصة بالصراع الصهيوني الفلسطيني ، ووجدوا أنه من بين كل الصراعات التي أوردتها أسوشيتد بريس في عام 2004 ، حدثت سبع وأربعون وفاة أثناء الصدام ، وكانت الوفاة السبع والأربعون تلك جميعها من الفلسطينيين .

وغطت أسوشيتد بريس ما يزيد على 700 قصة إخبارية عن وفاة في الكيان اليهودي وفلسطين في عام 2004 ، حيث أظهرت أنه بينما يوجد قدر كبير من التغطية للصراع ، فإن المعلومات المقدمة على قدر كبير من التحيز .

 

الأخبار الصادقة و" أسوشيتد بريس"

 

ولهذا التحيز في وكالات الأخبار والإعلام أسس الدكتور كارل جينس مشروع أطلق عليه مسمى "مشروع مُراقَب " قبل 30 عاماً ، حيث رصد الأخبار المراقبة والمحجوبة عن عامة الناس ، حفاظاً - حسب قوله - على الإعلام المستقل في مجتمع ديمقراطي حر ، وعمل على نشرها وكشفها وتدريب طلاب الإعلام ليكونوا جزءًا من حركة الإصلاح الإعلامي .

جاء في مقدمة بيتر فيليبس للكتاب : الأخبار الصادقة معلومات إعلامية تسهم في فهم السلوك الاجتماعي السياسي للناس ، والخبر الصادق يقول الحقيقة للسلطة ويتحدى الأنظمة الإخبارية الفوقية والمهيمنة التابعة لشركات الأخبار الضخمة ؛ والخبر الصادق يمكن الشرائح الرئيسية للعاملين في المجال الإعلامي من الوعي والاطلاع والفاعلية باستمرار .

فعلى امتداد ثلاثين عاماً ، جمع مشروع " مراقب قصصاً إخبارية مهمة تجاهلتها إلى حد كبير وسائل الإعلام الإخبارية التابعة للشركات الضخمة المهيمنة والمتوحشة ... حيث معظم صحفي الشركات الضخمة ليسوا على استعداد لمعارضتها ، وهذا ما يفسر ما هو موجود في الإعلام اليومي - وبنفس القدر من الأهمية - ما لا ليس موجوداً في الصحف اليومية والبرامج الإخبارية .

وختم " بيتر " مقدمته بقوله : " نحن ندعوكم إلى إغلاق وسائل إعلام الشركات الضخمة والعمل مع مجتمعاتكم المحلية على إيجاد مصادر مستقلة للمعلومات التي تغذي أرواحكم الديمقراطية وتبني المجتمعات الإنسانية التعاونية " .

 

إساءة معاملة الأخبار

 

وتحت هذا العنوان جاء في الكتاب : أن التقارير الصحفية تتسم بالتكرار والإثارة التي تأخذ مكان الأخبار الحقيقة التي تقدم معلومة ، فلا يغطي إعلام الشركات الضخمة حركات الإصلاح الإعلامي؛ وتعامل صحافة الشركات الضخمة النخبة باعتبارها "مصادر وموضوعات معظم القصص الإخبارية"؛ ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن معظم الصحفيين يرون أن " الخبر هو ما يكون حول ما يقوله وما يفعله من في السلطة " .

وكانت التوصية والتي خطها القائمون على مشروع "مراقب" للإعلاميين : أن لا تيأسوا أصلحو وسائل الإعلام ، وطالبوا بحلول سياسية ، وادعموا المشروعات الإعلامية المستقلة وكونوا جزءًا منها ... واعملوا على رواية القصص التي تجاهلها إعلام الشركات الضخمة ، أو أساء تفسيرها ، وإتاحة الفرصة للقضايا والرؤى التي يهمشها إعلام الشركات الضخمة من النقاش العام كي تعبر عن نفسها ، وكونوا في صراع من أجل الإصلاح الإعلامي – بإعلام مستقل نزيه .

 

التحدي الكبير

 

ونقول في الختام إن التحدي الأكبر يقع على إعلام وإعلاميين منطقتنا العربية والإسلامية ، والمقصودة كأرض يدور فيها الصراع وسفك الدماء ؛ وتتدافع عليها الأطماع الخارجية ، وتُشعل فيها المنازعات الداخلية ، ويضاف إلى ما سبق معتقدات نصرانية متصهينة تعجل الأحداث لتكون أرضنا أرض المعركة الكبرى "هرمجدون" التي يعتقدون أنها ستكون مقتلة عظيمة يموت فيها الملايين على أرض فلسطين !!  فالتحدي الكبير الذي يواجه إعلامنا وكذلك الإعلام الغربي المستقل  هو كيف يتغلب على الرواية اليهودية للأحداث والتي تشوه حقيقة ما جرى وما يجري في فلسطين وتقدم الصورة الصهيونية للأحداث ، محاولة إقناع العالم بأن الكيان اليهودي كان الضحية في هذا الصراع ، وبأن الفلسطينيين هم المعتدون وليسوا في الواقع ضحية سياسة التهويد والاستيطان وسلب الأرض وقتل الأطفال والشيوخ والنساء والمستمرة منذ بداية القرن الماضي وإلى الآن .

 

عيسى القدومي

 

.