دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث

البحث العلمي بين الهيمنة اليهودية والضعف العربي

عبد الله عودة

يمكن تعريف البحث العلمي على أنه "جهود منظمة تستهدف إضافة جديدة للعلم والمعرفة الإنسانية وحل مشكلات المجتمع ومشكلات التكنولوجيا وتوطينها وتكييفها كي تتلاءم مع المجتمع المحلي، مع إضافة تكنولوجيا محلية قادرة على تلبية احتياجات التنمية".

ويضيف فيلي جين تعريفا آخر للبحث العلمي فيقول» بأنه وسيلة لتوليد المعرفة، أو محاولة هادفة ومنظمة للوصول إلى جوهر الحقيقة وتحديد ماهيتها، حيث أن أي خطوة تتم في هذا الاتجاه هي خطوة على طريق البحث، كما أن الباحث هو الذي يقوم بتلك الخطوات بقصد إعطاء أجوبة للأسئلة المثارة في ميدان تخصصه، كما آنه يتوصل إلى الكشف عن الحقائق ويصيغ التعميمات بناء عليها" وتعرف التقنية (التكنولوجيا) بأنها" العلم الذي يتعامل مع العلوم المختلفة والتقنيات (التكنولوجيات) لزيادة رصيد الدولة من المعلومات والمهارات والمعرفة في مجال الصناعة والزراعة والإدارة والسياسة والاقتصاد...الخ ويعرف د. يوسف حلباوي التقنية في كتابه التقنية في الوطن العربي بأنها" آلية استخدام المعرفة ببراعة وحذق لابتكار منجزات جديدة للعلم تفيد في إيجاد حلول لاحتياجات الإنسان المادية فهي إذن تختلف عن الألة والمعدات والتجهيزات التي تحمل بين طياتها التجديد والتحديث والتي هي منتجات التقانة وليست التقانة بالذات ومن المجالات التي يهتم بها هذا العلم: تحقيق التقدم العلمي والتكنولوجي، وتطوير التدريب والتعليم، وإيجاد علاقة بين الصناعة وبين العلم والبحث العلمي، وهو يهتم بالبحث العلمي في القطاع الخاص والمعاهد البحثية الحكومية والجامعات.

كما أن تطوير الموارد البشرية وما يتعلق بها من تعليم وتدريب وتميز وإبداع وهجرة للكفاءات العلمية، كلها أمور ذات علاقة بنظام العلم والتقنية.

وللبحث العلمي مستلزمات ضرورية تتلخص دائرتها في بضع نقاط من أهمها:

·       استقطاب القوى البشرية وتنميتها.

·       توفير المناخ العلمي الملائم للعطاء والإبداع.

·       تنظيم وإدارة البحث العلمي.

·       التمويل.

·       توفير خدمات المعلومات العلمية والتقنية.

·       تشجيع النشر العلمي.

·       تطبيق نتائج الأبحاث العلمية.

أهمية البحث العلمي:

يعد البحث العلمي معيارا حضاريا يقاس به تقدم الأمم، ونظرا لاتساع مجالاته وتعقد مسالكه وبروز وسائله الحديثة ذات الكلفة العالية، فقد عمدت الدول المتقدمة إلى توفير الموارد المالية لأغراض البحث العلمي وتطويره، فالبحث العلمي يعد الجزء المبدع في أنشطة المؤسسات العلمية وفي إعداد الكوادر العلمية، والمؤسسات العلمية تعتبر بيت العلم ومعقله، فهي تحفظه وتصونه وتنشره وتثريه بالدراسة والبحث، باعتباره من وظائفها الأساسية فإذا تخلت عنه أصيب العلم بالجمود والتوقف، ذلك أن الحفاظ على التراث العلمي وتنميته ونقله عبر الأجيال المتعاقبة وإثرائه وتطويره يتطلب حرصا شديدا من هذه المؤسسات لتوفير المناخ الملائم لذلك؛ فقد بات العلم اليوم من أسباب القوة، إذ لا قوة ولا سيطرة بلا علم ولا معرفة، فبمقدار التقدم العلمي والمعرفة التكنولوجية الذي يحققه أي مجتمع في مختلف الميادين تكون قوته ويتحدد وزنه الدولي. كما أن السعي إلى تعضيد البحث العلمي في أي مجتمع هو عنصر هام وحيوي في مسيرة المؤسسات العلمية باعتبارها مؤسسات علمية وفكرية، وأن سمعتها مرتبطة بقيمة الأبحاث التي تنشرها وبمساهمتها في إيجاد الحلول لمشكلات المجتمع المختلفة.

فعلى سبيل المثال يعد البحث العلمي وسيلة رئيسية يستند إليها التعليم الجامعي في مفهومه المعاصر، فالجامعة لها دور مهم في تنمية المعرفة وإنمائها وتطويرها من خلال ما تقوم به من نشاطات بحثية، تمثل بدورها ركنا أساسيا من أركان الجامعة، حيث لا تكون هناك جامعة بالمعنى الحقيقي، إذا هي أهملت البحث العلمي ولم تعطه الاهتمام الذي يستحقه. ويتوخى من مؤسسات التعليم العالي أن تكون لدى هيئة التدريس والطلبة اتجاهات نحو البحث العلمي، ويجب أن تحرص هذه المؤسسات على رسالتها في هذا المجال، وتعمل على تدريب وتطوير العاملين بها، بل ويجب أن تعد ذلك جزءا لا يتجزأ من أنشطتها العلمية، وعلى هذه المؤسسات أن توفر المناخ العلمي للبحث وما يستلزمه من معدات ومختبرات وأجهزة ومراجع وقواعد ومعلومات، وغير ذلك من المصادر العلمية، وأن توفر لكوادرها سبل التنمية والتدريب الذاتي.

وتعتبر وظيفة البحث العلمي من الوظائف المحورية التي تضطلع بها المؤسسات العلمية في مختلف المجتمعات، حيث يشكل البحث العلمي عاملا هاما من عوامل الابتكار والإبداع المعرفي وتحقيق التقدم التكنولوجي. وذلك من منظور أن المعرفة التي تنتج عن البحوث العلمية المختلفة ذات علاقة إيجابية لزيادة معدل التنمية الوطنية الشاملة.

معوقات البحث العلمي العربي:

وفي مجال رصد معوقات البحث العلمي في العالم العربي يمكن الإشارة إلى نوعين من المعوقات:

أولا: المعوقات العلمية ومنها: عدم وجود استراتيجيات أو سياسات لمعظم الدول العربية في مجال البحث العلمي، وكذلك ضعف المخصصات المرصودة في موازنات معظم الدول العربية، وأيضا هروب العنصر البشري من بعض الدول العربية واعتمادها على العناصر غير المدربة، ثم ضعف قاعدة المعلومات في المراكز والمختبرات والمؤسسات الإنتاجية لبعض الدول، ناهيك عن عدم معرفة أهمية المراكز البحثية في بعض الدول العربية.

ثانيا: المعوقات العملية وأهمها: ضعف الإنفاق على البحث العلمي وقد نتج عن ذلك ظاهرتان خطيرتان هما: ضعف مستوى البحث العلمي، وقلته، وعدم إسهامه في التنمية، ثم هجرة العلماء إلى الدول المتقدمة.

ثالثا: غياب الإرادة السياسية لبناء هذه القدرات، وعدم إدراك الترابط الوثيق بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من جهة والتقدم العلمي من جهة أخرى.

رابعا: عدم تخصيص موارد مالية وطنية مستقرة وكافية للإنفاق على البحث العلمي والتكنولوجي.

خامسا: غياب استراتيجية وطنية لبناء القدرات العلمية والتكنولوجية.

سادسا: ضآلة حجم العاملين في مجال العلم والتكنولوجيا، وأيضا غياب المؤسسية وحرية المؤسسات الأكاديمية واستقلالها المالي والإداري.

سابعا: ضعف ثقافة العلم لدى المجتمع.

كما أن الوطن العربي ليست فيه قاعدة بيانات عربية عن النشاط العلمي الجاري، وليست هناك قاعدة بيانات عن هذه المعاهد أو المراكز والهيئات التي تجري البحث العلمي، وليست هناك وسائل مناسبة أو متوفرة بيسر لنشر النتائج التي يتوصل إليها العلماء أو نشر خبراتهم.

وليست هناك وسائل مباشرة وفعالة لنقل الخبرة إلى المؤسسات الصناعية العربية، أو مكاتب الاستشارات، أو شركات المقاولات العربية.

المنهجية العلمية في الفكر الصهيوني:

التركيب البنيوي للعلم والتكنولوجيا عند الكيان الصهيوني قبل وبعد قيام الدولة ينطلق على أساس إيجاد استراتيجية مؤداها التقدم على جبهة واسعة تهدف إلى تحقيق قفزة صناعية جديدة، سواء في الصناعات ذات التكنولوجيا المتقدمة، أو الصناعات كثيفة العمالة. وقد أعطت الأيديولوجية الصهيونية دفعة قوية لإيجاد مفاهيم علمية، وتأسيس لبنات جديدة للبحث العلمي الحديث، والتحديث التكنولوجي، وتدريب أجيال حديثة من العلماء.

ومن أجل تأصيل المنهجية العلمية في الفكر الصهيوني ومراحله أولت اليهود اهتماما خاصا منذ بداية إنشائها بالعلوم الفيزيائية والكيميائية والطبيعية والاجتماعية، لوعيها بأن العلوم الفيزيائية والكيميائية والطبيعية تتيح الهيمنة على العالم وتحويل مساره، وأن العلوم الاجتماعية تخضع الحياة الاجتماعية لوعي وفعل الإنسان، من خلال تسلحه بوسائل ثقافية لتحقيق وحدة الفكر والفعل، ومنذ عام ١٩٤٩ م تأسس معهد الجيولوجيا ومعمل الفيزياء الوطني في ١٩٥٠ م، ومعهد تيلة القطن ومعهد النقب لبحوث المناطق الصحراوية وجامعة بار إيلان.

واحتلت البحوث الخاصة بقوات الدفاع أهمية عظمى فتم إنشاء القسم العلمي في الهاجاناة، وشعبة الأبحاث والتخطيط في وزارة الدفاع لمسح صحراء النقب، وكشف ما تحتويه من يورانيوم كأحد المكونات الأساسية للقنبلة الذرية. وفي فترة التسعينيات بدأت موجة جديدة من الهجرة إلى فلسطين المحتلة أعادت إلى الأذهان موجات الهجرة التي سبقت تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين، وتشير التقديرات إلى أنه من بين كل مائة ألف مهاجر سوفيتي وجد نحو ١١ ألف مهندس، و٢٥٠٠ طبيب، و١٧٠٠ عالم في مجال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والليزر والمعدات الإلكترونية.

وتضم السياسة الحكومية لبرامج البحث والتطوير العلمي اللجنة الوزارية للعلوم والتكنولوجيا، ووزارة العلوم والتكنولوجيا، كما تعزز في اللحظة نفسها مجالات النشر العلمي، ولو قدرنا عدد العلماء الذين ينشرون بحوثا، مقارنة بعدد السكان، لتبوا الكيان الصهيوني المكانة الأولى بنسبة ١١٧ لكل عشرة آلاف نسمة وتسبق كلا من الولايات المتحدة الأمريكية ومعدلها ١٠، وإنجلترا ومعدلها ٨,٤.

وتعد القدرات المؤسسية لبرامج البحث والتطوير الوطنية اليهودية متعددة مثل: هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية ومؤسساتها التي تدير المعهد الإسرائيلي للإشعاع والنظائر الذي تأسس عام ١٩٥٢، ويقوم بتحضير المحاليل المشعة التي تستخدم في التجارب المائية والطبية والزراعية والهندسية، كما يضم مختبرات فيها أحدث الأجهزة الخاصة بالأبحاث والتجارب النووية.

ولم يفوت الكيان الصهيوني إقامة علاقات بحثية مع الدول المتقدمة علميا بهدف الاندماج مع كثير من دول العالم مثل برامج التطوير الإسرائيلية الأمريكية، والألمانية، والبريطانية، والفرنسية، والروسية، واليابانية، والصينية، والكورية الجنوبية، والتركية. وتنتسب إسرائيل اليوم لنحو ٢١ اتحادا علميا دوليا، ولا تنقطع الزيارات المتبادلة بين علماء اليهود وعلماء العالم منذ قيام الكيان الصهيوني حتى الوقت الراهن.

وأدركت المؤسسات اليهودية أهمية الاطلاع على ما يجري من أبحاث في البلدان الأخرى، وأنها ضرورة لا بد منها، وقادها ذلك إلى وضع برنامج خاص بالترجمات العلمية كما اهتمت بترجمة الأدب العبري وتاريخ العبرية، بهدف إحيائها واستعمالها لغة موحدة للحديث داخل الدولة، ثم لاحتياج اليهود إلى وظائف تكنولوجية علمية جديدة، ما يتطلب زيادة المدارك المعرفية لكل يهودي، وأخيرا تطوير بحوث الدول المتقدمة، وتطبيق تجاربهم العلمية للإسهام في وتيرة الابتكار والإبداع داخل الكيان الصهيوني.

مراكز بحثية صهيونية في الأدب العربي:

يبرز اهتمام اليهود ورغبتهم في التعرف على المجتمعات العربية المعادية والمجاورة من خلال إنشاء المؤسسات والمراكز البحثية التي تهتم بترجمة ودراسة الأدب العربي وتدريس اللغة العربية، وعلى سبيل المثال لا الحصر: معهد الدراسات الشرقية حيث يعد من أوائل المعاهد التي أقيمت في الجامعة العبرية، فقد أنشيء عام ١٩٢٦ م، أي بعد إنشاء أول جامعة صهيونية في فلسطين بعام واحد. كما تضم الجامعات الرئيسية التي أقيمت في إسرائيل. مثل جامعة تل أبيب وجامعة حيفا وجامعة بار إيلان وجامعة بن جوريون بالنقب وغيرها أقسام لدراسة الأدب العربي وعلوم الشرق الأوسط. كما تصدر هذه الأقسام والمراكز البحثية عددا من الدوريات والمجلات التي تتناول بالبحث الأدب العربي وتنشر ترجمات لأجناسه الأدبية بمختلف عصوره، هذا إلى جانب قضايا اللغة العربية والدراسات اللغوية المقارنة بين اللغات السامية والأدب الشعبي وغير ذلك. وتنظم هذه الأقسام والمراكز دورات لتعليم اللغة العربية، لأن من يتخصص في دراسة تاريخ الشرق الأوسط واللغات السامية أو الحضارة العربية في الأندلس أو تاريخ الجماعات اليهودية في الشرق الأوسط يجب أن يتعلم اللغة العربية. وهناك توجه عام في فلسطين المحتلة يقضي بأن يتعلم اللغة العربية أي طالب يهودي مهما كان تخصصه، سواء في العلوم الطبيعية أو القانون أو الطب.

وقد حاول الباحثون اليهود - في أحيان كثيرة - أن يقدموا أنفسهم للعالم الغربي على أنهم متخصصون في الدراسات العربية والشرق أوسطية. فنجد. على سبيل المثال. الباحث يعقوب م. لانداو ينشر كتابا عن المسرح والسينما في مصر بالولايات المتحدة. ترجم هذا الكتاب بعد ذلك إلى الفرنسية وغيرها من اللغات الأخرى.

ولم يقتصر اهتمام هؤلاء الباحثين على دراسة وترجمة الأدب العربي الحديث بمختلف أجناسه الأدبية إلى العبرية، بل امتد ليشمل الأدب العربي القديم بمختلف عصوره، لأن هذه النوعية من الدراسات (تساعد في تحديد وبلورة الطابع القومي لشخصية شعب من الشعوب). فقام يوسيف يوئيل ريفلين (١٨٩٠ م - ١٩٧١ م) بترجمة عشرات القصائد العربية القديمة، منها أشعار عنترة بن شداد، كما ترجم (كتاب ألف ليلة وليلة) ف ثلاثين مجلدا خلال السنوات ١٩٤٧- ١٩٧٠ م. كما ترجم إبراهيم المالح كتاب (كليلة ودمنه) لواضعه عبدالله بن المقفع، كما قام أشير جورين بترجمة مختارات من المعلقات، وقصائد من الشعر الجاهلي والأموي والأندلسي والعباسي، إلى جانب قصائد من ألف ليلة وليلة.

وقد صدرت هذه المختارات عام ١٩٧٠ م بعنوان (أشعار العرب). ولم تقتصر الترجمة على الأدب الإبداعي وإنما امتدت لتشمل الأدب الديني؛ فقام يوسيف يوئيل ريفلين بترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية، فصدرت الطبعة الأولى من هذه الترجمة عام ١٩٣3 م، وصدرت الطبعة الثانية عام 1936م.

ثم قام أهارون بن شيمش عام ١٩٧١ م بترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم. كما قام المترجم نفسه بترجمة كتاب (سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم) لابن هشام، كما ترجمت حافا ليزروس يافيه كتاب (المنقذ من الضلال) للفيلسوف أبي حامد الغزالي، كما قام عمانوئيل كوبوليبتش بترجمة (مقدمة ابن خلدون) عام ١٩٦٦ م.

الدعم العلمي الخارجي للكيان الصهيوني:

حظي المشروع الصهيوني بدعم هائل سياسي واقتصادي من القوي الغربية، وتدفق الدعم العلمي والتكنولوجي على الدولة العبرية وهي بعد في طور التأسيس، وأخذ هذا الدعم أشكالا متعددة: كدعم إنشاء وتأسيس الجامعات والمؤسسات العلمية والتكنولوجية الإسرائيلية بالمال والخبرات، ورعايتها أكاديميا، والتبادل العلمي بين المؤسسات الصهيونية ومثيلتها في الغرب، وإمداد المؤسسات العلمية الصهيونية بالمشروعات الاستراتيجية، كما حدث في البرنامج اليهودي الذي أنشئ بمساعدات فرنسية وألمانية ونرويجية وبريطانية وأمريكية.

وحتى نهاية القرن المنصرم كانت وزارة العلوم اليهودية قد وقعت اتفاقيات تعاون علمي مع ٢٦ دولة تتضمن برامج أبحاث مشتركة وتبادل باحثين ومؤتمرات، وقد اختار الباحث علاقة الدولة الصهيونية بكل من: أوروبا وأمريكا والصين كنماذج للتحليل، وعلى صعيد العلاقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة، يقول الباحث إنها وصلت إلى قمتها عام ١٩٧٧ م، عندما توجت بإنشاء مؤسسة مشتركة للبحث والتطوير برأسمال قدره ١١٠ ملايين دولار، وحتى عام ١٩٨٨ م مولت هذه المؤسسة ١٨٢ مشروعا علميا مشتركا.

أما «الوكالة الأمريكية - اليهودية للعمل والتكنولوجيا" التي أنشئت في عهد الرئيس كلينتون (١٩٩٣ م) وتعمل تحت إشراف وزارة التجارة الأمريكية، فساعدت ماليا في تغطية تكلفة حوالي خمسمائة مشروع بحثي حددتها مؤسسات يهودية.

وحسب موقعها على الإنترنت، فإنها تهدف إلى «تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي والتجاري بين البلدين" وبدأت عملها بميزانية تبلغ ٣٠ مليون دولار لمدة ثلاثة أعوام. ومن ناحية أخرى كان للدعم الأوروبي دور حاسم، فخلال الاثني عشر عاما الماضية تمتعت الدولة الصهيونية بكل حقوق الأعضاء في الاتحاد الأوروبي - عدا حق التصويت - في إطار برنامج «البحث العلمي للاتحاد الأوروبي، ومن خلال هذه العضوية تم تمويل ٣٦٩ برنامجا بحثيا يهوديا.

وغني عن البيان أن جانبا مهما من الأبحاث المشتركة بين الأوساط العلمية اليهودية ونظيراتها الغربية يصب في تطوير آلة الحرب اليهودية وتحسين أدائها، ومن أهم الأمثلة على ذلك خطة التطوير المشترك في مجال العلوم والتكنولوجيا العسكرية الموقعة بين ألمانيا وفرنسا والكيان الصهيوني عام ١٩٩٧ م، فبموجبها يتعاون الأطراف الثلاثة في حل بعض مشكلات التصنيع العسكري وتطوير أجهزة ومعدات قتالية فعالة، مثلما حدث بالنسبة للتعاون في أبحاث ديناميكا الموائع التي تستخدم الحواسيب المتقدمة، وهو ما ساعد على تطوير قدرات الطائرات المروحية في قوة الإقلاع بنسبة ٥٠% وفي سرعة الطيران بنسبة ٣٥% وفي كفاءة دوران ريش المراوح بنسبة 30%.

نبذة عن الجامعات والمعاهد البحثية المتميزة في الكيان الصهيوني:

·       معهد التخنيون: وهو أقدم مؤسسات التعليم والبحث العلمي اليهودية على الإطلاق، حيث تم إنشاؤه عام ١٩١٢ م من قبل مجموعة من رجال الأعمال اليهود، وكان وقتئذ يعرف بـ(المدرسة التقنية العليا)، ويدرس بهذا المعهد نحو 11,5% من إجمالي عدد الطلاب في فلسطين المحتلة، وتسهم وزارة الدفاع اليهودية بأكثر من ٥٠% من تكاليف أبحان هذا المعهد في مقابل قيامه بعمل أبحاث عن سلاح الجو والبحرية اليهودية.

·       معهد وايزمان للعلوم: يعتبر واحدا من أهم المعاهد العلمية في العالم كله حيث يقوم بزيارته سنويا ما يقرب من مائة ألف عالم من جميع أنحاء العالم، وقد أقيم هذا المعهد عام ١٩٤٩ م على مكان معهد (دانييل زئيف) الذى كان قد تأسس عام 1933م..

وينصب إهتمام هذا المعهد على علم الكيمياء والأحياء الدقيقة وكان هذا المعهد يوفر الدواء لليهود أثناء حروبها مع العرب.. ليس هذا فقط بل إنه قد إستخدم كستار لليهود لتصنيع الأسلحة والمتفجرات التي إستخدمتها المنظمات الارهابية الصهيونية أمثال الهاجاناه وشتيرن والإرجون وغيرهم.

·       الجامعة العبرية: أقدم الجامعات اليهودية حيث تم وضع حجر الأساس لها عام ١٩١٨ م، وافتتحت في حفل كبير عام ١٩٢٥ م تضم هذه الجامعة حوالى 21,5% من إجمالي عدد الطلاب الجامعيين في فلسطين المحتلة.. وتحتوى على مركز للدراسات قبل الجامعية يسمى مركز "شتالتئيل" الذى أنشئ لمساعدة الطلاب الذين لم يكملوا دراستهم الثانوية بسبب ظروفهم المادية أو الاجتماعية.

·       جامعة بار إيلان: افتتحت عام ١٩٥٥ م، ويشكل طلابها نحو 12,2% من إجمالي عدد الطلاب، وقد أقيم في هذه الجامعة مركز أبحاث للتعاون بين الجامعة ومركز الفضاء الأوكراني، وهو يعمل من خلال الاتصال بالأقمار الصناعية.

• جامعة تل أبيب: افتتحت عام ١٩٥٦ م، وتبلغ نسبة الطلاب فيها نحو 27,5% من إجمالي عدد الطلاب في فلسطين المحتلة.

·       جامعة حيفا: أنشئت عام ١٩٦٦ م، ويمثل طلابها نحو ٥، ١٢ من إجمالي عدد الطلاب.

•جامعة بن جوريون : افتتحت عام ١٩٦٩ م، ويمثل طلابها نحو ١٩٩ من إجمالي عدد الطلاب.

·       الجامعة المفتوحة: ويدرس بها نحو 45,6% من إجمالي عدد الطلاب.

مأساة هجرة العقول العربية:

ظاهرة هجرة العقول العربية إلى الخارج أو نزيف الأدمغة هي ظاهرة في ازدياد مطرد وليست في تراجع أو تقلص. وتكشف دراسات للجامعة العربية أن ٥٤% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم، وقد أصبح الأطباء العرب يمثلون نحو ٣٤% من الأطباء في بريطانيا، كما أصبح الوطن العربي يسهم بـ ٣١% من هجرة الكفاءات من الدول النامية ككل، ونحو ٥٠% من الأطباء و٢٣% من المهندسين و١٥% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا بوجه خاص، وبات نحو ٧٥% من الكفاءات العلمية العربية مهاجرة إلى ثلاث دول غربية بالتحديد وهي: بريطانيا وأمريكا وكندا. فالدول الغربية هي الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن ٤٥٠ ألفا من العقول العربية، وتقدر خسائر الدول العربية من هذه الظاهرة بما لا يقل عن ٢٠٠ مليار دولار، وتؤكد هذه الدراسات أن مصر وحدها قد فقدت ٤٥٠ ألف عالم وباحث ومتخصص من أفضل الكفاءات العلمية بهجرتهم إلى الغرب، وأن نسبة العقول العربية تزيد بين العلماء والتكنولوجيين في أمريكا وكندا عن ٢%.

وطبقا لآخر دراسة أجرتها أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا المصرية عام ٢٠٠٥ م، فقد هاجر من مصر أكثر من مليوني عالم، بينهم ٦٢٠ عالما في علوم نادرة منهم ٩٤ عالما متميزا في الهندسة النووية و٢٦ ف الفيزياء الذرية، و٧٢ ف استخدامات الليزر، و٩٣ في الالكترونيات و٤٨ في كيمياء البوليمرات، إضافة إلى ٢٥ في علوم الفلك والفضاء و٢٢ في علوم الجيولوجيا وطبيعة الزلازل، بخلاف ٢٤٠ عالما ف تخصصات أخرى لا تقل أهمية، وجاء في المذكرة التي قدمها النائب «عبد الصادق" للبرلمان المصري أن هناك عددا كبيرا ممن بعثتهم مصر لنيل درجات الماجستير أو الدكتوراه بالخارج، رفضوا العودة لبلادهم رغم أن الفرد منهم يكلف حكومته نحو ١٠٠ ألف دولار نفقات البعثة، وأن من بين الكفاءات المهاجرة مليونان و١٠٠ ألف يعملون فالدول العربية و٧٢٠ ألفا ف الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وأوروبا وكندا، وقد أشارت دراسة أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا إلى أن أسباب هروب هذه الكفاءات تعود إلى أسباب مادية وسياسية تتعلق بالحريات، فضلا عن عدم توفر التسهيلات العلمية من أصلها، ومن تلك التسهيلات استكمال تجهيزات المراكز العلمية، وعدم توافر الخدمات الأساسية أو صعوبة الحصول عليها، وضعف الإمكانيات التي يفترض توافرها للعلماء والباحثين، وسببا آخر لهجرة العلماء هو مستوى الأبحاث المتقدم في العالم الخارجي، حيث يكلف المبعوث ببحث أو رسالة علمية في قضية علمية لا تفيد بلاده كثيرا، فلا يجد بعد حصوله على رسالته العلمية سوى العمل في الخارج وعدم العودة لبلاده، علاوة على تفشي ظاهرة البطالة وتفاقم قضايا ومشكلات المرافق العامة والإسكان، وف تقديرنا، فإن هذه الفجوة العلمية والتكنولوجية بين العرب وإسرائيل هي التي أدت إلى هذا الخلل الاستراتيجي الخطير في موازين القوى في المنطقة لمصلحة إسرائيل، وجعلها قادرة على تحدي العرب كافة وجعلهم في موقع الهزيمة، وهو ما يفسر في أحد جوانبه عجز العرب عن دحر الكيان الصهيوني على مدى أكثر من نصف قرن بسبب استمرار حالة التخلف العلمي العربي، التي جعلت الكثرة العددية العربية غير قادرة على تحقيق التفوق للعرب في صراعهم مع اليهود، وجعل الكيان الصهيوني يتفوق رغم القلة العددية السكانية في مواجهة العرب، لامتلاكها تفوقا نوعيا في القدرات البشرية والإمكانيات العلمية انعكست تفوقا استراتيجيا في القدرات العسكرية والصناعية والتكنولوجية.

وفي هذا الإطار، فإنه لا يمكن للعالم العربي أن ينتفع بقدرات علمائه المهاجرين ما لم يتمكن من تهيئة البنية العلمية الداخلية القادرة على إغرائهم بالعودة إلى أوطانهم، أو على الأقل توظيف علومهم ومعارفهم وبحوثهم العلمية بطريقة أو بأخرى لمصلحة بلدانهم، ما يمكننا من توطين التكنولوجيا في مجتمعاتنا العربية وخلق القاعدة العلمية الابتكارية القادرة على تطوير الإنتاج وامتلاك القدرة على المنافسة. ولهجرة الأدمغة العربية تأثيرات سلبية كبيرة على عملية التنمية العربية، خاصة ما تسببه من خسائر مادية وعلمية للأقطار العربية، فهناك مثلا حوالي ١٠ ألاف مهاجر مصري يعملون في مواقع حساسة بالولايات المتحدة الأمريكية، من بينهم ٣٠ عالم ذرة يخدمون حاليا في مراكز الأبحاث النووية، ويشرف بعضهم على تصنيع وتقنية الأسلحة الأمريكية الموضوعة تحت الاختبار. كما يعمل ٣٥٠ باحثا مصريا في الوكالة الأمريكية للفضاء (ناسا) بقيادة العالم الدكتور فاروق الباز، إضافة إلى حوالي ٣٠٠ آخرين، يعملون في المستشفيات والهيئات الفيدرالية، وأكثر من ألف متخصص بشؤون الكمبيوتر والحاسبات الآلية، خصوصا في ولاية (نيوجرسي) التي تضم جالية عربية كبيرة. ويشار هنا إلى مساهمة عدد من أساتذة الجامعات المصريين ف تطوير العديد من الدراسات الفيزيائية والهندسية في الجامعات ومراكز الأبحاث الأمريكية، وخاصة في جامعة كولومبيا في نيويورك وجامعتي (بوسطن) و(نيوجرسي).. وعلى رأسهم العالم المصري أحمد زويل، الذي منح جائزة نوبل للكيمياء في عام ١٩٩٩، وهو الذي يعمل في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وخسارة القدرات البشرية المتخصصة، تفقد العرب موردا حيويا وأساسيا ف ميدان تكوين القاعدة العلمية للبحث والتكنولوجيا، وتبدد الموارد المالية العربية الضخمة التي أنفقت في تعليم هذه المهارات البشرية وتدريبها، والتي تحصل عليها البلدان الغربية بأدنى التكاليف؛ ففي وقت هاجر فيه أو أجبر على الهجرة! مئات الآلاف من الكفاءات العربية إلى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا الغربية، تدفع البلدان العربية أموالا طائلة للخبرات الدولية.

الإنفاق على البحث العلمي:

يشير تقرير منظمة اليونسكو لعام ٢٠٠٤ م إلى أن معدل الإنفاق على البحث العلمي في الوطن العربي بلغ نحو ١٧ مليار دولار أي ما نسبته 0,3% من الناتج القومي الإجمالي بينما بلغ في إسرائيل نحو ١٦ مليار دولار أي ما نسبته 4,7% من ناتجها القومي الإجمالي وهو

مبلغ يفوق ما تخصصه كل الدول العربية مجتمعة بنحو ثلاث مرات ونصف ممثلة بذلك أعلى نسبة في العالم. مع جدير بالذكر فإن معدل إنفاق الدول العربية على البحث العلمي (حسب تقرير اليونسكو لعام ٢٠٠٢ م) تتراوح بين الصفر – 0,5% فقط من الناتج القومي الإجمالي في حين يخصص الكيان الصهيوني 5% من ميزانيته للغرض نفسه، بالإضافة لميزانية وزارة الدفاع التي يخصص منها جزء للأبحاث العلمية العسكرية.

كما يشير تقرير منظمة العمل العربية لعام ٢٠٠٢ م وتحت عنوان البحث العلمي بين العرب والاحتلال الصهيوني وهجرة الكفاءات العربية" عن حقيقة الفجوة التكنولوجية والعلمية بين العرب واليهود والتي تجسد تفوقا علميا وتكنولوجيا ساحقا لصالح الكيان الغاصب اتضح فيه أن نصيب المواطن العربي من الإنفاق على التعليم لا يتجاوز ٣٤٠ دولار سنويا في حين يصل في إسرائيل إلى ٢٥٠٠ دولار سنويا، كما تشير آخر لإحصائيات بأن معدل إنفاق الدول العربية على البحث العلمي برمتها منذ عام ٢٠٠٠ م إلى عام ٢٠٠٧ م لم يتجاوز أقل من ١% من دخلها القومي بينما تجاوز الإنفاق على البحث العلمي في إسرائيل أكثر من ٥% من ناتجها القومي.

ويلعب التمويل الخارجي أيضا دورا مهما في دعم أنشطة البحث والتطوير في إسرائيل حيت أن ٤٠% من ميزانيات البحث العلمي تأتي من مصادر خارجية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية تليها ألمانيا ثم فرنسا والإتحاد الأوروبي علما بأن معدل ما تنفقه حكومة الاحتلال الصهيوني على البحث والتطوير المدني في مؤسسات التعليم العالي يوازي ٣٠,٦% من الموازنة الحكومية المخصصة للتعليم العالي بكامله ويصرف الباقي على التمويل الخاص بالرواتب والمنشآت والصيانة والتجهيزات وعلى العكس تماما ما يحدث في البلدان العربية إذ أغلب الموازنة المخصصة للبحت العلمي تصرف على الرواتب والمكافآت والبدلات وغيرها، كما يعد القطاع الحكومي الممول الرئيسي لمنظومة البحث العلمي في الدول العربية حيث يبلغ حوالي ٨٠% من مجموع التمويل المخصص للبحوث والتطوير مقارنة بـ ٣% للقطاع الخاص و٨% من مصادر مختلفة بينما يتراوح حصة تمويل القطاع الخاص للبحث العلمي في إسرائيل نحو ٥٢%، حيث تنفق المؤسسات التجارية والصناعية في الاحتلال الصهيوني ضعفي ما تنفقه حكومة الاحتلال في التعليم العالي، التي تعتمد بشكل كبير على المراكز البحثية القائمة داخل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي فضلا عن المعاهد العلمية المتخصصة المستقلة مثل معهد التخنيون ومعهد وايزمان للعلوم.

الأيدي العاملة:

دأب الكيان الصهيوني على استقطاب آلاف العلماء من الاتحاد السوفييتي السابق، والذي قدرت دراسة عددهم بأكثر من ٧٠ ألفا من المهندسين، وقرابة ٢٠ ألفا من الأطباء والممرضين والفنانين، وحوالي ٤٠ ألفا من المدرسين، وقسم كبير من هؤلاء حملوا معهم كثيرا من أسرار التطور العلمي، والأسرار الأخرى، وطبقا لمعلومات «عوزي غدور، دير قسم خدمات الاستيعاب في «وزارة الاستيعاب، فانه منذ بداية الهجرة الواسعة (سنة ١٩٨٩ م) إلى نهاية عام ١٩٩١ م، كان في إسرائيل بين المهاجرين الجدد: ١٠ ألاف عالم، ٨٧ ألف مهندس، ٤٥ ألف هندسي وتقاني، ٣٨ ألف معلم، ٢١ ألف طبيب، ١٨ ألف من رجال الفن، ٢٠ ألف أكاديمي في العلوم الاجتماعية، وبحسب البروفسور «يرمياهو برنوبر ، من جامعة تل أبيب ورئيس قسم الأبحان «الإسرائيلية"، في مجال الطاقة، فان ٢٠ من المهاجرين الجدد هم من حملة الشهادات العلمية في مجالات الهندسة والفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا، ومما يجدر الإشارة إليه أن سلطات الاحتلال قدمت إغراءات عدة لباحثة سعودية تقيم في أوروبا بغية الاطلاع والاستفادة من أبحاثها في الكيمياء الحيوية.

وقالت الباحثة السعودية "حياة سندي، وهي أولى امرأة عربية تحصل على الدكتوراه في التقنية الحيوية من جامعة كامبردج، لصحيفة الوطن" السعودية الاثنين ٢٠٠٦/١١/٢٠ م إن إسرائيل دعتها أربع مرات للمشاركة في مركز «وايزمان انستتيوت ففتل أبيب، غير أنها رفضت ذلك لإدراكها «خطورة تطبيع البحث العلمي". وتوصلت الباحثة السعودية إلى عدد من الاختراعات العلمية الهامة جعلتها تتبوا مكانة علمية عالمية رفيعة، ولا سيما اختراعها مجسما للموجات الصوتية والمغناطيسية يمكنه تحديد الدواء المطلوب لجسم الإنسان، ولابتكارها تطيقات متعددة في نواحي مختلفة للصناعات الدوائية، وفحوصات الجينات والحمض النووي DNA الخاصة بالأمراض الوراثية، وكذلك المشاريع البحثية لحماية البيئة وقياس الغازات السامة، ويتميز ابتكارها بدقته العالية التي وصلت إلى تحقيق نسبة نجاح في معرفة الاستعداد الجيني للإصابة بالسكري تبلغ ٩٩,١%، بعد أن كانت لا تتجاوز 25%.

وحسب تقرير اليونسكو لعام ٢٠٠٢ م فإن عدد العاملين في مجال البحث والتطوير في الكيان الصهيوني بلغ ١٠٦٣ باحث لكل مليون مواطن وفي إمكان طاقة كهذه أن تحول إسرائيل إلى ما يشبه اليابان من الناحية التكنولوجية كما تشير إحصائيات منظمة اليونسكو سنة ٢٠٠٤ م بالنسبة لعدد الباحثين العلميين لكل مليون شخص من السكان في الوطن العربي يبلغ نحو ١٣٦ باحثا لكل مليون مواطن مقابل ١٣٩٥ عالما في إسرائيل لكل مليون من سكانها.

التوصيات:

اهتم اليهود بتدشين مراكز بحثية ومعاهد علمية لتحقيق دولتهم المزعومة من النيل إلى الفرات عبر سلسلة من البحوث العلمية ولا سيما في البحوث النووية والذرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر معهد وايزمان للعلوم ومعهد التخنيون ومراكز الأبحاث ف الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب وجامعة بار إيلان والتي تعد من المعاهد والمراكز البحثية العلمية العالمية الذي يستخدم البحث العلمي كستار لتصنيع الأسلحة والمتفجرات وتحقيق السؤدد والرفعة لليهود تتويجا لغايتهم التوسعية الرابضة في الشرق الأوسط، وهذه تستدعي منا وقفة جادة مشوبة بالحذر والجد في آن واحد للمضي قدما وبخطوات حثيثة في تطبيق البحوث العلمية الرافدة إلى تحقيق السؤدد والرفعة والهيبة للإسلام والمسلمين أمام الكيان اللولبي الصهيوني المارد.

·       ومما يجدر الإشارة إليه اعتماد البحث والتطوير في البلدان العربية على الدعم والتمويل الحكومي وانخفاض - إن لم يكن انعدام - مساهمة القطاع الخاص بجهود البحث والتطوير. وذلك على عكس الكيان الصهيوني حيث يتبوا القطاع الخاص بنصيب الأسد في تمويل معظم عمليات البحث والتطوير. كما أدعو إلى توطيد الثقة بقدرة المؤسسات البحثية المحلية والكوادر المحلية، وضرورة ارتباطها بالمؤسسات الإنتاجية والتنمية في البلدان العربية من جهة ومؤسسات البحث العلمي من جهة أخرى، حتى لا يوكل مهمة حل المشكلات والقضايا العالقة إلى المؤسسات البحثية الخارجية، مما يزيد من تبعيتنا التكنولوجية للخارج ويعمق الواقع الحالي للبحث العلمي العربي. على غرار التعاون الوثيق والصلة الوطيدة للكيان الصهيوني بين المعاهد البحثية والقطاع الإنتاجي في حل المشكلات والقضايا العالقة عندهم.

·       الاهتمام باللغة العربية فهي لغة القرآن الكريم وهي تراث الإسلام والمسلمين وهي كنز الموروثات من دستورنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فاليهود يحرصون على لغتهم ويعتزون بتراثهم، فالمسلمون أولى وأجدر بالاهتمام بلغتهم وتراثهم وعقيدتهم مصداقا لقوله تعالى فسورة الزمر:{قرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِى عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يتقُونَ}(الزمر:28).

·       ضرورة وضع استراتيجية للبحث العلمي والتطوير تتلاءم مع استراتيجية التنمية المتبعة في الدول الغربية؛ بهدف رسم سياسات وطنيه للبحث والتطوير واتخاذ قرارات جريئة تجعل البحث العلمي مؤثرا وفاعلا ف مختلف جوانب الحياة.

·       نلمس بوضوح ارتفاع مؤشر الباحثين والعلماء اليهود العاملين في البحث العلمي وهذا يؤكد لنا على حرص بالغ من الإدارة اليهودية بالعلماء ودورهم في دفع عجلة التكنولوجيا إلى الأمام فضلا عن سيولة وسخاء الإنفاق وضخامة ميزانية البحث العلمي لديهم في سبيل تكريس بنود بروتوكولات حكماء صهيون؛ كي تصبح الدولة الرائدة والرافدة في مسيرة التقنية والبحث العلمي، لذا نتوجه بنداء يتوخاه الأمل وتجسه الغيرة والشعور بالألم والحسرة إلى كافة أقطار الدول الإسلامية والعربية بالعمل الجاد المثمر على إثراء المعاهد العلمية والجامعات وصقلها بمبادئ الإسلام الحنيف في شتى الأمصار الإسلامية والعربية وتكثيف البحوث العلمية وتطويرها والعمل على تنظيم هيكلتها بما يتلاءم مع تحديات العصر لتكون حصنا منيعا ضد التهديدات والمعوقات التي تحول دون تقدم الدول الإسلامية والعربية وازدهارها وتوظيفها بفعالية وكفاءة في مواجهة اللوبي الصهيوني وفي منأى عن التقهقر والنكوص والتقاعس بما يشد من أزر المسلمين ويقوي شوكتهم على عدوهم ويتحقق السؤدد والسمو للإسلام والمسلمين، كما أدعو إلى الاهتمام بالعلم والعلماء واستقطاب الكفاءات منهم وتحفيزهم ماديا ومعنويا وفي منأى عن الغبن والإجحاف على غرار ما يفعله اليهود من استقطاب الكفاءات وتحفيزهم معنويا وماديا بهدف الحد من تفاقم اللوبي الصهيوني وإقصائه بالعلم والمعرفة والثقافة.

 

مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد الثامن

.