دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
التعايش مع الديمقراطية الفلسطينية.
من أدق الدراسات التي أطلعت عليها حول تحليل الوضع الحالي في الأراضي الفلسطينية، والخفايا حولها، وما ورائها؟ ومن يدفع لها؟ وما هي الحلول المطلوبة من الحكومة الجديدة ليرفع عنها وعن شعبها الحصار وسياسة التجويع القاتل؟ دراسة صدرت عن "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" في يونيو 2006م وهي مؤسسة أميركية أسست عام 1910م وتقدّم نفسها باعتبارها مؤسسة تطرح حلول عمليّة لمشاكل قد تعوق العلاقات الإيجابية بين الأمم؛ وتهتم مؤخراً بالدراسات المتعلقة بالعملية الديمقراطية في العالم العربي، حيث أعد الدكتور "ناثان براون" كبير الباحثين في المؤسسة والمشارك في برنامج المؤسسة لدراسة التحول الديمقراطي في العالم العربي دراسة تحت عنوان "التعايش مع الديمقراطية الفلسطينية". ولكي لا أطيل المقدمة على القارئ أود أن أسرد أهم ما جاء في الدراسة من بنود:
موقف الولايات المتحدة من فوز حماس
"وضع فوز حماس في الانتخابات البرلمانية الولايات المتحدة الأمريكية في كابوس ديمقراطي، فالانتخابات التي شهدت كل الأطراف المراقبة على نزاهتها وعدالتها جلبت إلى السلطة حركة إسلامية ترفض الاعتراف بشرعية إسرائيل. عملت الولايات المتحدة بنجاح على عزل حكومة حماس الجديدة دبلوماسياً وإضعافها مادياً، إلا أن ما قامت به هو جزء من مجموعة خطوات في إطار البحث عن سياسة للتعامل مع الوضع القائم، والهدف الأساسي الذي تسعى واشنطن إليه هو دفع القيادة الفلسطينية إلى تغيير سياساتها. وهناك هدف آخر غير معلن وهو دفع حماس إلى تعجيل عودة فتح إلى السلطة. ولكن ولسوء الحظ، فإن ما سينتج عن هذه السياسة لن يكون عملية إصلاحية سريعة لحماس، ولا انتقالاً سلمياً لحكومة ديمقراطية ونزيهة بقيادة حركة فتح، فعلى العكس من ذلك، ما تقوم به الولايات المتحدة من خطوات يقود إلى انهيار سياسي واقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما سينعكس على الصعيد الإقليمي ضربة موجعة لجهود الولايات المتحدة في دمقرطة المنطقة. وترى الأطراف الأمريكية المعارضة في ردة الفعل الأمريكية تجاه الانتخابات الفلسطينية امتحاناً لمصداقية ونزاهة الحملة الأمريكية لتعزيز الديمقراطية.
وإذا كان رد الفعل الأمريكي على أول هزيمة لحزب عربي حاكم في الانتخابات بهذه الطريقة فإن الرسالة سوف تتردد في أصداء المنطقة وسوف يكون صداها عالياً لدرجة قد توازي ما يحصل الآن في العراق.
والأحرى بالولايات المتحدة بدل أن تنفذ سلسلة من العقوبات لتكون بديلة عن سياسة متكاملة، أن تعطي الوقت الكافي لحماس لكي تتغير، ولفتح حتى تقوم بالإصلاح، ولقوى سياسية جديدة لتظهر على الساحة، وكلها أمور تتطلب اعتماد معايير تسهل عملية الانتقال الديمقراطي، وبكلمات أخرى، يجب الضغط على الحكومة الفلسطينية وليس تدميرها".
الانهيار الوشيك للسلطة الفلسطينية
وتحت هذا العنوان قال الكاتب: "عملت الولايات المتحدة الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي "وإسرائيل" بجد من أجل قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية من أجل دفع الحكومة الجديدة إلى إفلاس سريع... حتى الدول التي كانت تعرف بتعاطفها مع الفلسطينيين لم تجرؤ على أكثر من الوعد بتقديم كميات قليلة من المساعدات لا تشكل في أحسن الأحوال سوى "مسكنات قصيرة المفعول"؛ كما هددت البنوك من أجل ثنيها عن تحويل الأموال والمساعدات، وبدل أن تتقدم المنظمات غير الحكومية لملء الفراغ -كما وعدت الدول الغربية- أوقفت هي الأخرى عملياتها، خوفاً من أن تترجم أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها مساندة للإرهاب".
"وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية فإن السلطة الفلسطينية إما أن تنهار فجأة –كما هو مرجح- أو تموت تدريجياً، باضمحلال مؤسساتها وتفتتها تدريجياً حين يتركها العاملون فيها أو يهاجمونها. والنتيجة ستكون فراغاً خطيراً في الحكم في منطقة يعيش فيها أربعة ملايين نسمة. فعجز الحكومة عن دفع الرواتب قد بدأ فعلاً بتعميق الفوضى، وخلاف الرئيس الفلسطيني مع مجلس الوزراء حول قيادة القوى الأمنية يهدد بتصعيد العنف، في حين أن البنوك عرضة للاعتداءات، ومن المرشح أن تتفاقم الفوضى وتتزايد حالة التشرذم السياسي كلما تفاقمت أزمة المرتبات".
هذا التراجع لا يخدم أي قضية، فحماس لن تستجيب للضغوط بالتخلي عن فوزها الانتخابي والاستقالة، بل على العكس فإن السياسات الدولية سوف تعزز من ريادة حماس الوطنية خاصة وأن الحركة ما زالت ترفع رايات الصمود والتضحية وتمارس التقشف الاقتصادي. وعلى المدى القصير، فإن قطع المساعدات سوف يدفع الفلسطينيين إلى إلقاء تبعة معاناتهم على الولايات المتحدة الأمريكية "وإسرائيل" والاتحاد الأوروبي وليس على حركة حماس.
لقد أنزلت القوى الدولية الفاعلة على الساحة الفلسطينية العقوبة على 4 ملايين فلسطيني لأن 440 ألف منهم انتخبوا حركة حماس، وكما يقول وزير الخارجية الألماني: "الشعب الفلسطيني اختار هذه الحكومة وعليه أن يتحمل العواقب"، وهذه العقوبة قاسية، فالضفة الغربية وقطاع غزة يعيشان حالياً في أزمة عميقة، حيث انتشر الفقر والبطالة وسوء التغذية بشكل واسع، وسوف يزداد الأمر سوءاً مع انقطاع الرواتب عن الموظفين. كل الأطراف المعنية، بما في ذلك "إسرائيل " تود تجنب أزمة إنسانية، ولكن الطريق الوحيد للقيام بذلك دون أن تمول السلطة الفلسطينية هو وضع الشعب الفلسطينية على برنامج الإعانات الدولية لفترة معينة".
وهَم العودة السريعة لحركة فتح
في الوقت الذي تدفع فيه الولايات المتحدة الأمريكية حماس على الفشل، فإن الإدارة الأمريكية لا تقدم أي وسيلة لبناء العملية الديمقراطية داخل حركة فتح أو إصلاحها. ليس هناك صيغة قانونية تسمح بالإطاحة بحركة حماس، وحتى لو وجدت، فإن فتح تحتاج وقتاً طويلاً قبل أن تقوم بعملية الإصلاح الداخلي التي تؤهلها للحكم بشكل فعال. بعض قادة فتح يدعون إلى انتخابات مبكرة، ويردد هذه الدعوات أطراف دولية، ولكن القانون الدستوري الفلسطيني، ينص على الانتخابات المقبلة ستكون في عام 2010م، وهناك أطراف فلسطينية أخرى تدّعي أن هناك ممارسة دولية غير منصوص عليها رسمياً في الدساتير تسمح للرئيس بأن يحل برلماناً ما في حال النزاع الدستوري، ولكن هذا الحق الرئاسي ليس سوى محض خيال، كما يشهد بذلك أي عضو في الكونغرس الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدستور الفلسطيني ينص على أن حالات الطوارئ لا تبرر حل البرلمان. يمكن للرئيس الفلسطيني دستورياً أن يقيل رئيس الوزراء ويستبدله برئيس وزراء آخر، هذا رئيس الوزراء يبقى في منصبه حتى إيجاد من يقوم بهذه المهمة، وهنا أي شخص معين يجب أن يحظى بدعم حركة حماس التي تسيطر على المجلس التشريعي الفلسطيني. وعلى أي حال، فإن الرئيس الفلسطيني يمكنه أن يستبدل حكومة حماس الحالية بحكومة أخرى، ولكنه لن يستطيع قانونياً أن يتخلص من حركة حماس.
يمكن لفتح أن تسيطر مرة أخرى على مقاليد الحكم من خلال تمزيق القوانين، فعشرات آلاف العناصر الأمنية الموالية لفتح، من الذين توقفت مرتباتهم، يمكنهم أن يقوموا بانقلاب عسكري، لتكون فلسطين أول دولة يحصل فيها انقلاب، قبل أن تقوم الدولة! ومن الصعب أن نفهم كيف يمكن لأي فريق فلسطيني أن ينظر إلى مثل هذا السيناريو على أنه خطوة إلى الأمام. فمثل هذه الخطوة سوف تضع ما سيتبقى من السلطة الفلسطينية بيد قادة عرفوا سابقاً بفسادهم وعدم قدرتهم على إدارة شؤون حزبهم، ناهيك عن إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني.
وحتى عام 2010م، فإنه أي محاولة لاستبدال القيادة الفلسطينية الحالية لن ينتج عنها قيادة جديدة مسالمة وإصلاحية، بل سينتج عنها حالة من الفوضى والتشرذم والانقسام داخل المجتمع الفلسطيني الذي من الممكن أن يتحول إلى معسكرات مسلحة تتبارى أيها يمكنه أن يقوم بأكبر قدر من الاعتداءات على "إسرائيل".
الحفاظ على أجندة الحرية
إن إسقاط السلطة الفلسطينية قد يضعف أجندة الولايات المتحدة الإقليمية فيما يتعلق بنشر الديمقراطية لأنه سوف ينظر إليه على أنه دليل نهائي على أن واشنطن لا تحترم خيارات الناخبين، وتفضل أي نتيجة للانتخابات غير فوز الإسلاميين. وعلى العكس من ذلك، فإن تأييد أي نتيجة تفرزها الانتخابات على أنها محصلة الدمقرطة والإصلاح، سوف يعيد إحياء الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
لقد كان الأمريكيون، وليس العرب، هم من سمح للفلسطينيين أن يختبروا حالة من الإصلاح السياسي في المنطقة بعد سنة من الاجتياح الأمريكي للعراق. ففي شهر حزيران يونيو 2002م أعلن الرئيس الأمريكي في خطاب له أنه "إذا أمكن للحرية أن تزهر في الأرض الصخرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنها سوف تلهم ملايين النساء والرجال حول العالم بأننا نتساوى جميعاً في شعورنا بالنفور من الفقر والظلم، وبأننا جميعاً يحق لنا أن نستفيد من وجود حكومة ديمقراطية".
حماس وأجندتها الدينية
"ليس من الصعب أن يتماشى فوز حركة حماس في الانتخابات الأخيرة مع عملية الإصلاح، خاصة وأن قادة الحركة المنتخبون أقسموا على احترام القوانين والمؤسسات الدستورية، ومن ناحية أخرى فإن موقف الحركة بشكل عام يتماشى مع متطلبات الإصلاح الليبرالي، خاصة أنه على الرغم من كون حماس حركة إسلامية، فإنها أجندتها الدينية لها موقع ثانوي أمام المهام الفورية التي حددتها في برنامجها وهي إيجاد حكومة نظيفة، وإنهاء حالة الفوضى في الشوارع. وقد شدد الوزراء الجدد بأن برنامج الحركة الانتخابي لم يتطرق إلى موضوع أسلمة القوانين الفلسطينية، وأنهم لن يمارسوا أي نوع من الضغوط من الناحية الدينية. وفي المقابلات التلفزيونية، يلاحظ أن قادة الحركة يدفعون دفعاً للإفصاح عن أجندة الحركة من الناحية التشريعية، فما بالك حين يتعلق الحديث بأجندتهم الإسلامية؟"
هل يمكن لحماس أن تليّن موقفها تجاه "إسرائيل" ؟
لم تكن ردة الفعل "الإسرائيلية" على تشكيل حركة حماس للحكومة الفلسطينية أقل قسوة من ردة الفعل الأمريكية، إلا أن العديد من "الإسرائيليين" ينظرون بعين القلق إلى آفاق الانهيار السياسي والاقتصادي الفلسطيني، وبعضهم يرى بأن إيقاف تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية لا يخدم أي هدف، وليس لدى "إسرائيل" أي نية في إعادة تحمل مسؤولية تسيير الأمور كما كانت تفعل ذلك كقوة احتلال، وبالفعل فإن الحكومة الإسرائيلية أجرت محادثات مع الأونروا في إطار البحث عن خيارات بديلة في حال حصول الانهيار الاقتصادي الفلسطيني.
ولكن حتى "الإسرائيليون" الذين يرون أن السياسة الحالية سوف تؤدي إلى طريق مسدود، يائسون من حماس ومقتنعون بأن الحركة لن تتغير، وبالفعل فإن حماس أرسلت إشارات محيرة للمراقبين في الخارج وللفلسطينيين أنفسهم. فالحركة التي طالما كانت في المعارضة والتي ترأسها قيادة موزعة بين الداخل والخارج، معتادة على إطلاق التصريحات الضبابية التي تلمح إلى الكثير ولكنها لا تلتزم إلا بالقليل، وهو أسلوب لم يتغير منذ الانتخابات الأخيرة. فيوماً يصرح مسؤول كبير في الحركة بأن الحكومة مستعدة للتفاوض مع إسرائيل، وفي اليوم التالي يصدر تصريح آخر متشدد من مسؤول آخر في الحركة يقلل من شأن التنازلات التي تضمنها التصريح الأول.
ومن الواضح أن حماس منقسمة حول بعض القضايا الهامة، ولكنها حريصة على الوحدة لدرجة تغطي معها انقساماتها بالشعارات. وعلى الرغم من الأسلوب المتثاقل في صناعة القرار، ووتيرة التغيير البطيئة داخل حماس، فإن موقف الحركة قد تطور في العديد من القضايا الأساسية. فالحركة ولدت في جبهة الرفض للمفاوضات السياسية مع إسرائيل، والإصرار على أن المقاومة والجهاد هما السبيل الوحيد لاستعادة فلسطين، ولكنها حالياً تصر على أنه يجب النظر إلى كل من المقاومة المفاوضات على أنها أدوات وليس غايات. وحتى وجهة نظرها تجاه الانتخابات تطورت كثيراً عما كانت عليه. ويبدو أن الحركة قد مهدت الأرضية لقبول الحل القائم على إنشاء دولتين، فعلى سبيل المثال، يصر قادتها الجدد على أنهم لا يمثلون حماس، بل يمثلون كل الشعب الفلسطيني، ويميز وزراء الحركة بين حكومة السلطة الفلسطينية التي تخدم المصالح الوطنية، وحركة حماس كحزب سياسي له مواقفه ورؤيته الخاصة. وحين يتعرض قادة حماس للضغط بخصوص موقفهم من الاعتراف "بإسرائيل"، فإن قيادات الحركة من خارج الحكومة يؤكدون أن حماس ستبقى على موقفها الرافض، في حين أن بعض قادة الحركة الذين يحتلون مناصب رفيعة في السلطة الفلسطينية يلمحون إلى مواقف أكثر مرونة وإيجابية، من خلال القول بأن على "إسرائيل" أن تحدد حدودها قبل أن تتخذ حماس موقفها من هذا الموضوع، أو من خلال التصريح بأن حماس لن تعترف بإسرائيل دون مقابل.
ومع ذلك فإن التغير في موقف الحركة لن يكون سريعاً، ولن يحدث إلا تحت ضغط الأحداث، ويمكن للحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة أن تسهل لحماس اتخاذ المواقف المستقبلية، ونقصد هنا بالتحديد حركة الإخوان المسلمين في مصر، فرغم أن الحركة الأم متحمسة لفوز حماس، إلا أنها أوضحت لها أنها لن تقف في وجه تفاوضها مع إسرائيل. وحين سألت أحد نواب الحركة الأعضاء في البرلمان المصري حول هذا الموضوع، أجاب بأنه يظن بأن حماس سوف تقبل بالحل القائم على إنشاء دولتين، ثم توقف برهة ليعاود الكلام قائلاً بأنهم سيقبلون بذلك مع الوقت "عليهم أن يقبلوا بهذا الحل، فشعبهم يطالب بذلك".
سياسية أفضل
أي مقاربة جديدة طويلة المدى يجب أن تراعي تحقيق ثلاثة أهداف: الحفاظ على الهدنة، الحفاظ على السلطة الفلسطينية، القيام بخطة إصلاح سياسي حقيقية وشاملة. ويجب على الكونغرس الأمريكي أن يقاوم إغراء الانزلاق في التصويت ضد حماس من خلال تمرير قوانين غير مدروسة، فالقوانين الحالية قد ذهبت إلى أبعد الحدود، تاركة صناع القرار الأمريكيين، وقادة المنظمات الأهلية غير الحكومية، والقطاع الخاص الأمريكي، في حيرة حول ما هو المسموح القيام به في التعامل مع الفلسطينيين. إن صياغة سياسية جديدة أمر صعب، ومن الأسهل تجاهل حركة دموية تلوثت يداها بالدماء، بدل دفعها نحو الإصلاح، ولكن مستقبل "الإسرائيليين" والفلسطينيين ومصداقية الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على المقاربة ذات الأهداف الثلاثة التي تحدثنا عنها.
أولاً: الحفاظ على الهدنة:
يجب إقناع حماس بالاستمرار بالهدنة من جانب واحد، ومحاولة احتواء الفصائل الأخرى من أجل إلزامها بهذه الهدنة، وهذا الأمر لا يتم من خلال المطالب، والتهديدات التي تنتظر من الحركة أن تتخلى عن كل قناعاتها ومواقفها السابقة، وتقمع الفصائل الأخرى، بل يجب أن يتم بوسائل قابلة للتطبيق، مثل تجديد رسمي من قبل الحركة للهدنة من طرف واحد، ودعوة الفصائل إلى حوار حول كيفية توسيع هذه الهدنة، والقبول بالمبادرة العربية التي أطلقت في بيروت عام 2002م. صحيح أن الضغط المالي والدبلوماسي مطلوب، ولكن لا يجب أن تختصر الأدوات الدولية على العصا، بل يجب أن تترافق العصا مع الجزرة في إقناع الحركة، وهذا يعني أن تجاوب حماس في هذا الموضوع، يجب أن تكافأ عليه بتعاط دبلوماسي جدي، وبانفراج اقتصادي على الساحة الفلسطينية التي يعاني اقتصادها من الاختناق منذ ما قبل اندلاع الانتفاضة. ومثل هذه المبادرة من حماس يجب أن تقابل بوعد إسرائيلي بإيقاف كل الخطوات الإستباقية مثل الاغتيالات وغيرها.
ثانياً: عدم إلحاق الأذى بالسلطة الفلسطينية:
إن انهيار السلطة الفلسطينية ليس في مصلحة أي طرف، ويجب أن تشجع "إسرائيل" على إعادة تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، وإذا فشلت الولايات المتحدة بإقناع إسرائيل بهذا الأمر، فإنها يجب أن توقف اعتراضاتها على سعي الدول الأوروبية ودول المنطقة إلى ملء هذا الفراغ. وقد رضيت حماس بنوع من الرقابة المالية الدولية حتى تؤكد أن الأموال التي يتم تحويلها، تحوّل فعلاً للوزارات الفلسطينية. وهذا بالطبع لن يلغي دور الأطراف الدولية، لأن السلطة الفلسطينية ستظل تعتمد على مبالغ كبيرة من المساعدات حتى لو استأنفت "إسرائيل" مرة أخرى تحويل عائدات الضرائب التي تحتجزها. وأي مساعدة من هذا النوع لا يجب أن تهدف فقط إلى إنقاذ السلطة الفلسطينية، بل يجب أن تسعى أيضاً إلى إصلاحها.
ثالثاً: أخذ الديمقراطية على محمل الجد:
قد يصبح التحول الديمقراطي الواعد جزءاً من الحل أكثر منه مشكلة، إذا ما شجعت كل الأحزاب الفلسطينية على استخدام الديمقراطية كوسيلة لتجديد نفسها. يجب على المجتمع الدولي أن يتوقف عن الإيحاء "لفتح" أنها من الممكن أن تعود إلى السلطة من خلال الخديعة السياسية والقانونية. في حين أن على الأحزاب السياسية الأخرى أن تعيد بناء نفسها كأجسام انتخابية. وعلى الأحزاب العلمانية الصغيرة أن تنتهز أي فرصة يفتحها هوس فتح بالمناورات قصيرة المدى. وبعيداً عن الأحزاب السياسية، هناك حاجة كبرى إلى بناء المؤسسات القوية والقادرة وغير الحزبية، وغير الخاضعة للسيطرة المباشرة للرئيس الفلسطيني أو البرلمان. ويمكن للمساعدات الدولية أن تدعم القضاء، والمؤسسات الرقابية، والإعلام، والهيئة الانتخابية كون هذه هي حجر الأساس في الإصلاح.
ندوة مؤسسة كارنيجي حول عزل حكومة حماس
وبعد أن نُشرت الدراسة عقدت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ندوة في 4/6/2006م حول عزل حكومة حماس، تحدث فيها "ناثان براون" عضو مؤسسة كارنيجي، ومجموعة من الباحثين قدم خلالها "ناثان براون" رؤيته السياسية، حول "التعايش مع الديمقراطية الفلسطينية"، وطرح فيها رأيه الذي يقول "بأنه عن طريق عزل حكومة حماس مالياً ودبلوماسياً، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها، قد نجحوا في دفع السلطة الفلسطينية إلى حافة الانهيار". ركزت ملاحظات "براون" على ثلاث مسائل، هي:
1. ماذا كان رد فعل الولايات المتحدة وحلفاؤها على فوز حماس؟
2. ما هي المضاعفات؟
3. وهل هنالك سياسة بديلة؟
وأجاب على التساؤلات بالآتي: "منذ يناير 2006- تاريخ فوز حماس في أغلب مقاعد المجلس التشريعي- استمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بإعلان سلسلة من القرارات، تخلو من أي أهداف سياسية واضحة. كانت سياسة الولايات المتحدة، تتمثل في أنه لا يجب إقامة اتصالات مع حماس. وهذا يعني من الناحية السياسية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، وبالتالي لن يكون في مقدور المسؤولين الأمريكيين إجراء الاجتماعات واللقاءات مع معظم المسؤولين في السلطة الفلسطينية. وكانت المضاعفات المالية أكثر تأثيراً، بسبب اعتماد السلطة الفلسطينية على التمويل الخارجي، وعلى الضرائب التي تجمعها "إسرائيل" نيابة عن السلطة الفلسطينية".
وأضاف "ناثان براون": "هذه الإجراءات، أدت إلى مضاعفات واضحة، أهمها: إفلاس السلطة الفلسطينية، ولكن الهدف من وراء خلق حالة الإفلاس هذه، يتمثل في إسقاط حكومة حماس، من أجل إعادة "فتح" إلى قيادة السلطة الفلسطينية". وحذر "براون" من عدم وجود آلية قانونية للقيام بذلك، إلا إذا تم تمزيق الإجراءات القانونية والدستورية الفلسطينية، فالسياسة الهادفة لإحداث انقلاب فلسطيني، بالضرورة ستؤدي إلى الاضطراب الأهلي المدني.
ونبه "ناثان براون" من دفع الولايات المتحدة للحرب الأهلية في فلسطين، بقوله: "في الحقيقة هناك مؤشرات أولية للحرب الأهلية، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه السياسة يمكن أن تعيد إلى سدة السلطة حركة فاقدة للثقة "حركة فتح" وغير صالحة للقيادة - ولن يكون قادتها صالحين للحكم - وربما تؤدي هذه السياسة إلى كارثة إنسانية؛ فالسلطة إلى الآن غير قادرة على تقديم الخدمات الأساسية، أو دفع الأجور والرواتب. ويحاول الاتحاد الأوروبي حالياً، القيام بالبحث عن السبل الممكنة لتفادي حدوث الكارثة الإنسانية. ولا يمكننا سوى القول بأن هذه السياسات، ستسد سبل حل مشاكل الفلسطينيين الاقتصادية والسياسية. وأن الحلول القصيرة الأجل- كإعادة تنصيب فتح على سدة الحكم، أو البحث عن ذرائع لمراجعة نتائج الانتخابات- ستؤدي إلى مضاعفات خطيرة جداً. لذا على الولايات المتحدة أن تقوم بخطوات واسعة باتجاه الإصلاح، ويمكنها أن تدعم الديمقراطية الفلسطينية، عن طريق المساعدة في إنشاء مفوضية أو لجنة منفصلة للانتخابات، ذات هيئة قضائية مستقلة أيضاً. ويمكنها أن تدعم الإصلاح في الحزبين الرئيسين. ويتوجب على الولايات المتحدة أن تحرر "فتح" من الفكرة الخاطئة، التي تقول بأنها ستجد المزيد من الدعم والتأييد، إذا استطاعت "فتح" مجدداً الاستيلاء على السلطة السياسية، والعمل على تغيير موقف حماس تجاه "إسرائيل". وحماس - وفقاً لرأي "براون" - قادرة على تعديل موقفها من "إسرائيل".
• هذا مضمون الدراسة وكذلك الندوة التي عقدتها "مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي" حول التجربة الديمقراطية في فلسطين، لخصت مجريات الأمور بدقة، وبتوازن إلى حد كبير، جديرة بالقراءة المتأنية، للوقوف على أحوال فلسطين ومستقبلها في ظل الهيمنة على عالمنا العربي والإسلامي، والمساندة المطلقة للكيان المحتل لأرض فلسطين!!!
• وكم نحس بالألم الشديد حين نقرأ الدراسات وتحاليل الأحداث في دولنا وواقعنا من مراكز دراسات غربية، والتي في أحيان كثيرة تدس السم في بحر الحقائق والتحاليل، لنتساءل أين مراكزنا وأين الدعم لها، والاهتمام بنتاجها، والأخذ بتوصياتها لصناع القرار... بعد أن فقدنا الوحدة .. والكلمة .. والتوجيه ... والتفكير.