أنشطة المركز / للمركز كلمة

العرس الفلسطيني

 

العرس الفلسطيني

جهاد العايش

 

 

صدق من قال : "لا يفلُّ الحديد إلا الحديد "  فلولا فضل الله أولا وأخيرا ثم جهود المقاومة الفلسطينية  في صبرها ومصابرتها في سجالها مع يهود في أسر صعلوك يهودي مغتصب يدعى "جلعاد شاليط" : صدَّر نفسه وكان في مقدَّم جنود الغطرسة والحقد لقتل أهلنا في غزة, فكان قدر الله فيه أن يكون أسيراً مكبّلا في يد المقاومة الفلسطينية ليذوق ما كسبت يداه وليكون عبرة لغيره من جند يهود لقد علّمت المقاومة الفلسطينية وبقوة شكيمتها  وصبرها  وثباتها على مواقفها ومبائدها كثير من الحكام والقادة دروساً استراتيجية ينبغي أن لا يغفل عنها أي قائد:

الصبر على معركة "عض الأصابع", ولا يعني  وجود الألم  يبرر سرعة التنازل وسرعان الأخذ بالرخص والبحث عن السلامه دون أن ترق منا الدماء  .

 لطالما رأينا سلوكا انبهر منه العالم أجمع حال معركة وصفها العدو اليهودي بأشد أوصاف الألم فسماها  بـ " الرصاص المصبوب"  ليعبر هذا الاسم عن وصف دقيق لمعركة شرسة أحرقت الأخضر واليابس في قطاع غزة المحاصر, ألهبت قلوب الناس أجمعين مؤمنهم وكافرهم, مع كل ذلك نجد مفارقة عجيبة إلتقطها كل كاميرات فضائيات العالم التي تبحث وشكل مسعور عن آهات أو تصريحات أو لقطات تصويرية مميزة لتسجل سبقاً صحفيا أو إعلاميا  فكانت المفارقة التي أجمع عليها كل  هؤلاء, شعب صابر محتسب  لم يخرج منه إلا قولهم : حسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله ,  من غير صغب ولا ضجر ليصدق فيهم قول المولى عزّ وجلّ :( ولنبونكم بشيء من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين , الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) البقرة :155-156.

نعم خلق (الصبر)  كان سببا في نصر إرادتنا بعد توفيق الله ,  فلولا صبر هؤلاء في سجونهم, وأهلهم في بيوتهم , دون أن يقدموا أي تنازلات مهما كان نوعها كقول يوسفعليه السلام اللذي أخبر عنه ربه  فقال تعالى:( قال رب السجن أحب إليّ مما يدعونني إليه وإلاّ  تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين ) يوسف : 33.

لقد خرج هؤلاء ليعلنوا مرة أخرى مواصلة الدرب دون ما يرهبهم السجن ولا السّجان.

إن حُسن التعاطي  مع الأسير من حيث  المعاملة الراقية وفق المفهوم الشرعي  الذي أمرنا به الشارع الكريم, والقدرة على إخفائه في ظل ظروف غزة المحاصرة الضيقة و المرصودة  من مخابرات  بعض طواغيت الأرض سعت طوال الوقت تبحث وتتساءل دوما عن مكان وجود الأسير اليهودي (جلعاء شاليط ), ما فتئت ولا يئست من تقصّي أخبار الأسير الصهيوني تقرّبا لدولة يهودي واستجلابا وطمعا بإرضائهم على حساب دماء  المسلمين في غزة  ، لكن كانت إرادة الله لهم بالمرصاد,  فيقع هذا الطاغي أسيرا حقيرا طريدا  بين يدي شعبه  تلاحقه اللعنات حتى يتمنى الموت فلا يدركه ليكون حاله كحال سلفه فرعون مسجاً على فراشه , ليذوق وبال أمره ويموت كمدا وحسرة لتتألم زوجته وأبناؤه كما آلم أزواج أسرانا وأبناءهم , ليصدق فيه قول مولانا عز وجل :( فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإنّ كثيراً من الناس عن آياتنا لغافلون )يونس:92.

لقد رضخ الكيان اليهودي لقدر الله تعالى ثم لإرادة الشعب الفلسطيني المسلم ، وأجمع على ذلك كبار قادتهم وساستهم وهم يعضون أصابع الندم ويتلاومون فيما بينهم سرا وجهارا  ليلا ونهارا .

  لقد تحققت المطالب بخروج أكبر عدد ممكن من أسرنا ليصل عددهم إلى (1027) أسير وأسيرة , من جل المواقع الفلسطينية ، هو درس لكل متخاذل ظان في الله ظن السوء ، غره غطرسة يهودية خاوية ،وغاب عنه قوله تعالى:(ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا ترجون وكان الله عليماً حكيماً) النساء:104.

إنها دولة الخور التي لا تقوى على غياب وفقد أي نفر منها في الأسر ، اضطربت لأجله سياساتهم وتناقضت فيه أقوالهم وتزمجرت لأجله جموعهم .

إنها سياسة "ليْ الذراع " الناجحة التي ينبغي أن تكون خيارا استراتيجيا أحيانا وتكتيكيا أحيانا أخرى في أسر نفرا من جنودهم  أو غير ذلك ، لتكون سببا في حفظ أعراضنا وأرواح شعبنا .

لقد استعادة عافية شعبنا برجوع نفراً من خُلَّصها ليكونوا شعلة هداية في شعبنا يسهموا في تعبأة الجماهي للجهاد  إنهم أبناء المدرسة اليوسيفية – عليه الصلاة والسلام- , ينبغي أن لا نفرط بهم ونستثمر تجربتهم .

انهم مطالبون بمواصلة العطاء بمزيد من المهارة والخبرة العالية ليس على مستوى الشعب الفلسطيني فحسب بل على مستوى أمة الإسلام نبعث فيها روح الأمل بمزيد من العطاء .

حقهم عظيم علينا  ومن أوجب الواجبات تجاه هؤلاء الابطال هو أحتضانهم وتعويضهم ما يمكن تعويضه  واستدراك ما فات عنهم ولهم ، وعلى الدول المضيفة  لمن أبعد منهم خارج فلسطين تكريمهم وتيسير  سبل العيش الكريم .

أجركم على الله , لقد أجزلتم العطاء وبالغتم به , فأخلصوه لله وحده فيقع أجركم على الله فمهما بالغ الناس بالثناء والعطاء فإنه لا يعوض  لحظة حرمان في سجن يهود  ، فإحتسبوا عند الله ما كان وما سيكون فأجره عند الله عظيم .

إنه مشهد استجمع في طياته عناوين ورسائل لكل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، إنها رسائل مستفيضة من هذا المشهد التاريخي العظيم .

إنها  أوقع رسالة تذكير لهؤلاء المغترون الذين يروجون أكاذيب يهود ومن  لف لفهم  أن الفلسطيني بائع أرضه !!

إنه شعب محتسب مؤمن بقضاء الله وقدره لا يخاف قوة يهود , قدم لقضيته المقدسة  منهم الكبير والصغير الذكر والأنثى ,و(27) أسيرة هي دلالة واضحة وقوية على جهاد المرأة المسلمة في فلسطين .

ومن الإشارات الواضحة والرسائل الجلية أن الأسرى كانوا من جزئيات فلسطين وأقاليمها التي صنعها اليهود فمنهم من كان من أهل  القدس  ليؤكدوا أن الأقصى في قلوبهم ومشروعهم اليومي, ومن المناطق التي تسمى 48 التي يساوم اليهود على اذابة أهلها وتزوير هويتهم وافتانهم  فكانت النخبة منهم  وهم يعلنونها صراحة هيهات  منا المذلة ,ومن قطاع غزة والضفة الغربية وحتى من الجولان المحتل ، أسهمت في وحدة الكلمة والتأكيد أن لا خيار مع اليهود إلا خيار القوة ولا جلوس على طاولة مفاوضات من غير إمداد أصحابها بخيارات القوة ، ولم يستطع مفاوض عبر تاريخ التفاوض العربي الإسرائيلي من كبح جماحهم سوى قوة الإيمان و السلاح والإرادة والشكيمة .

ومن بركات خروج أسرانا وفي هذه المناسبة العظيمة لملة  خلافات الشعب الفلسطيني على همٍّ واحد بإتجاه واحد في عرس كبير جمع أهل فلسطين  في الداخل والخارج ، لتكون محطة فرح  جديدة قلَّما فرحها الشعب الفلسطيني من عقود مديدة .

حقا كان هذا الاحتفال من أسعد المناسبات التي أدخلت الفرح والسرور على الشعب الفلسطيني والمسلمين في العالم وهي فرحة طالما انتظرها من عقود .

نعم إنها بشائر النصر والتحرير وإنما النصر مع الصبر ،قال تعالى : ( ويؤمئذ يفرح المؤمنون , نبصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم )الروم : 4-5.

إننا في مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية نبارك لأمة الإسلام أجمع والشعب الفلسطيني ولذوي الأسرى خروج أسرانا من سجون الإحتلال اليهودي .

ونقدم الشكر والامتنان لكل من كان له دور ومسعى في إتمام الصفقة وبذل جهده في رفع سقفها .

ونؤكد على ضرورة إستئناف محاولات جديدة نسعى من خلالها لإخراج باقي الأسرى حتى آخر أسير بإذن الله تعالى .

والحمد لله رب العالمين ,,,

 

كتبه جهاد العايش

28-11-1432هـ- الموافق: 26-10-2011م.

.