دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

قراءة في كتاب: أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

د. مراد عزت

صدر حديثا كتاب تحت عنوان «أوضاع - اللاجئين الفلسطينيين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان» عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات- بيروت.

وقد حرر الكتاب الدكتور محسن محمد صالح، وشمل الكتاب عدة فصول متنوعة لعدد من الكتاب، وقد قاموا بدورهم بإلقاء الضوء على الواقع المأساوي لللاجئين الفلسطينيين الذين يقطنون الأراضي اللبنانية من النكبة عام ١٩٤٦ وعام ١٩٤٨م.

ويعرض كذلك لأوضاعهم الديمغرافية والقانونية والتعليمية والاجتماعية، كما يعرض مشاريع التسوية السياسية المتعلقة باللاجئين، ويفرد فصلا خاصا لمأساة مخيم نهر البارد.

ويسلط الكتاب الضوء على عدة محاور أساسية شملت التالي:

(١) التوزيع الجغرافي والديموغراف للاجئين الفلسطينيين في لبنان (علي هويدي).

(٢) الواقع القانوني للاجئين الفلسطينيين في لبنان (محمود الحنفي).

(٣) تعليم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (نافذ أبو حسنة).

(٤) الوضع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان (زياد الحسن).

(٥) اللاجئون الفلسطينيون في لبنان: مشاريع التسوية وآفاق المستقبل.

(٦) أحداث مخيم نهر البارد وتداعياتها السياسية والأمنية والإنسانية.

ويضيف أن البيئة السياسية والقانونية اللبنانية تشكل بيئة طاردة للفلسطينيين بحجة منع توطينهم، إلا أنه يرى أن الحقيقة هي أن الفلسطينيين لا يرغبون أصلا في التوطين، وإنما يرغبون في معاملة إنسانية عادلة غير مرتبطة بإعطائهم الجنسية أو الحقوق السياسية الخاصة بأقرانهم اللبنانيين.

كما أن الاحتجاج بأن الابقاء على معاناة الفلسطينيين وحرمانهم من حقوق الحياة الانسانية الكريمة يعين على استمرار اهتمامهم بقضيتهم، حجة غير مستندة إلى أي أسس صحيحة، إذ إن استمرار المعاناة يدفع الفلسطينيين للهجرة إلى دول أوروبا الغربية وأميركا وكندا وأستراليا وأميركا الجنوبية، حيث توجد مخاطر أكبر في توطينهم وذوبانهم وابتعادهم عن مركز الاهتمام بقضيتهم.

وتؤكد الدراسة أن الفلسطينيين الذين حصلوا على حقوقهم المدنية في البلاد العربية لم ينسوا قضيتهم ولم يتوقفوا عن العمل على تحرير أرضهم، ومثال ذلك الفلسطينيون في سوريا وكذلك في الكويت التي شهدت نشأة حركتي فتح وحماس في الخارج.

ويتميز هذا الكتاب بأنه موثق من الناحية العلمية ومكتوب بطريقة موضوعية، ويستعين بالكثير من الجداول والإحصائيات التي تدعم الحقائق والمعلومات الواردة فيه.

التوزيع الجغرافي والديمغرافي

تناول الفصل الأول من الكتاب التوزيع الجغرافي والديمغرافي لللاجئين الفلسطينيين ف لبنان، مشيرا إلى أن عدد الذين اضطروا منهم للمغادرة إلى لبنان بعد نكبة فلسطين تراوح بين ١٠٠ و١٣٠ ألف لاجئ، قدم معظمهم قبل إعلان قيام دولة إسرائيل.

وجاء ٥٩٩/ منهم من منطقة الجليل، و٢٨١٤ من حيفا، و١١ من مناطق يافا واللد والرملة، وأقلية بلغت ١٤٣ من القدس وجوارها.

ثم قدم معلومات عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ف لبنان وتجمعاتهم الرسمية وغير الرسمية، ولفت الانتباه إلى أن المساحة الجغرافية للمخيمات بقيت منذ نكبة ١٩٤٨ وحتى الآن هي ذاتها التي اتفق عليها بين الأونروا والدولة اللبنانية، إذ لا يسمح لللاجئين بالتوسع العمراني الأفقي رغم ارتفاع عدد السكان بنسبة تزيد عن ٣٠٠»، وتدمير ثلاثة مخيمات من أصل ١٥ مخيما رسميا كانت موجودة حتى عام ١٩٧٤ م.

الواقع القانوني للاجئين

في فصله الثاني بحث الكتاب الواقع القانوني للاجئين، مشيرا إلى وجود فرق كبير بين التصريحات الرسمية للمسؤولين اللبنانيين المرحبة باللاجئين الفلسطينيين كإخوة في بلدهم الثاني، وبين المعاملة الفعلية لهؤلاء اللاجئين.

وبوضح أن القوانين والقرارات التي تنظم وجودهم عانت قاسية وتنتقص بشكل كبير من حقوقهم الإنسانية، فكانت معاناتهم في خط تصاعدي من أيام اللجوء الأولى.

الأوضاع التعليمية

ناقش الفصل الثالث مسألة تعليم اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مستعرضا تطور أوضاعهم التعليمية والذي رأى أنه لا يمكن فصله عن مجمل التطورات التي لحقت بمجتمعهم، مشيرا في هذا السياق إلى أن الاقبال على التعليم كان في مستويات جيدة، إلا أن عوامل عدة أدت إلى تراجع هذه المستويات.

وانتقل الكتاب إلى بحث الواقع التعليمي الراهن لهؤلاء اللاجئين، لافتا الانتباه إلى وجود ٨٧ مدرسة لهم في لبنان يدرس فيها نحو ٣٩ ألف طالب وطالبة وفق الاحصائيات الصادرة عن الأونروا، مقارنة ب١١٨ مدرسة في سوريا يرتادها نحو ٦٤ ألفا، مع العلم بأن عدد اللاجئين فيها يبلغ نحو ٤٣٨ ألفا.

ورأى أن هذا الأمر إلى جانب أن نسبة الطلاب إلى عدد السكان الفلسطينيين في لبنان هي ٩٦٧، بينما هي في المجتمع اللبناني ٧٢٣- يكفي لإظهار حجم المشكلات التي يواجهها تعليم الفلسطينيين في لبنان.

الوضع الاجتماعي

تناول رابع فصول الكتاب الوضع الاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، مستعرضا تكوين المجتمع الفلسطيني وولادة مجتمع اللاجئين إثر نكبة عام ١٩٤٨ م، والمراحل التي مر بها منذ ذلك الوقت.

ويروي المؤلف كيف كانت لبنان الوجهة الأساس لفلسطيني الشمال، وتشير الدراسات إلى أن ٩٥٥ من سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان تعود جذورهم إلى مدن شمال فلسطين المحتلة وقراها، فيما كان 1,3% منهم فقط من يافا، و3,3% توزعوا على باقي مدن وقرى فلسطين.

كانت أساسيات مكونات المجتمع الفلسطيني قائمة على القبيلة والعشيرة والحمولة والعائلة؛ والتي شكلت الأساس للنفوذ والتقدير كما هو معتاد في المجتمعات الفلاحة والبدوية، وما فعلته النكبة هو أنها نفضت نسيج هذا المجتمع خيطا بخيط، فلا قبيلة ولا عشيرة ولا حمولة ولا عائلة وتشتت أفراد الأسرة.

مشاريع التسوية وآفاق المستقبل

استعرض الفصل الخامس التطورات المتعلقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين ككل في مشاريع التسوية، وانعكاساتها على اللاجئين الفلسطينيين ف لبنان.

كما بحث الكتاب السيناريوهات المطروحة حاليا لمستقبلهم، فلخصها ضمن أحد ثلاثة سيناريوهات لم يكن من بينها العودة إلى ديارهم التي هجروا منها وهي: التهجير القسري إلى بلد ثالث تمهيدا لإعادة توطينهم فيه، أو التهجير الاختياري إلى دول أوروبية وغربية، أو الذهاب إلى مناطق السلطة الفلسطينية في حال نجاح مشروع التسوية وقيام الدولة الفلسطينية.

ولكن الكتاب نبه إلى أنه رغم أن هذا الخيار يبدو واقعيا، فانه عمليا صعب التحقيق بسبب العقبات التي تواجه مشروع التسوية، وبسبب رفض أغلبية الفلسطينيين التنازل عن حقهم في العودة إلى أرضهم المحتلة.

أحداث نهر البارد وتداعياتها

خصص آخر فصول الكتاب لأحداث مخيم نهر البارد وتداعياتها السياسية والأمنية والإنسانية، فبدأ الفصل بتقديم لمحة عامة عن المخيم، ثم بحث نشوء تنظيم» فتح الإسلام»، وخلفيات الأحداث التي كانت شرارة قتال نشب بين هذا التنظيم والجيش اللبناني، كما استعرض أيضا الموقفين اللبناني والفلسطيني من تلك الأحداث.

وتناولت المساحة الأكبر من هذا الفصل مأساة نازحي مخيم نهر البارد البالغ عددهم نحو ٣١ ألفا، واستعرض خلالها بداية النزوح وتوزع النازحين على المخيمات الفلسطينية وصورا من معاناة هؤلاء، إلى جانب الخسائر الاقتصادية التي تكبدوها جراء الأحداث التي أدت إلى تدمير مخيمهم، وتلك التي تكبدتها الحركة الاقتصادية في شمال لبنان.

ثم بحث الفصل مسألتي إعادة إعمار المخيم، ومعالجة تداعيات أحداث نهر البارد، ورأى أن تلك الأحداث وما تلاها من تداعيات، تدعو الفلسطينيين إلى إعادة ترتيب أوضاعهم في لبنان بما يضمن تصحيح علاقتهم بالأطراف اللبنانية جميعا، وخاصة عبر النأي بالوجود الفلسطيني عن التجاذبات السياسية الحادة التي يشهدها لبنان، وتحصين الساحة الفلسطينية ضد الصراعات الداخلية، والعمل على تنظيم سلاح المخيمات.

والكتاب بصفحاته الـ ١٩٦ حري أن يقرأ فهو يسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين في لبنان من كل الجوانب، ويضع الحلول لعلها تخفف من معاناتهم.

مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد السادس

.