دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
قراءة في كتاب " وليتبروا ما علوا تتبيرا"
م. مبتسم الاحمد
بشرى المؤمنين بالنصر العظيم على اليهود الغاصبين لفضيلة الشيخ: عمر سليمان الأشقر حفظه الله.
صدر عن دار النفائس للنشر والتوزيع الأردن - كتاب جديد يحمل عنوان: وليتبروا ما علوا تتبيرا" بشرى المؤمنين بالنصر العظيم على اليهود الغاصبين، وعلى الرغم أن طبعته الأولى كانت تحمل تاريخ عام ٢٠١٠ م ١٤٣٠ ه إلا أنه طرح في الأسواق مبكرا، وكان له رواج
طيب في معرض الكتاب التي شاركت بها الدار في أنحاء مختلفة من الوطن العربي، وهذا مما يدلل على قبول الكتاب لدى أوساط القراء والمتابعين.
كيف لا ... ومؤلفه هو الشيخ الدكتور: عمر سليمان الأشقر حفظه الله الذي جمع بين العلم التأصيلي والدعوة إلى منهج السلف.
والكتاب منذ الوهلة الأولى لناظره يجذبه نحوه فهو قد حمل اسما لطالما اشتاقت مهج الموحدين لتحقيقه بانتزاع أرض الإسراء والمعراج وتخليص المسجد الأقصى السليب من أيدي اليهود المحتلين شذاذ الأفاق وسراق الأرض.
"وليتبروا ما علوا تتبيرا" اسم يأخذ بقلوب كل من لامس القران شغاف قلوبهم، وعاشوا محنة فلسطين بكل أبعادها، يرقبون يوم الفتح العظيم الذي يعيد للإسلام مجده ويتوج من جديد عقده باجتماع المساجد الثلاث في حوزة المسلمين، فقد كان الشيخ موفقا في اختيار هذا العنوان لجمعه ما بين المعنى القرآني والمستقبل لهذا الدين على الأرض المقدسة.
والكتاب عبارة عن مجلد واحد يقع في نحو (٢٨٠) صفحة من القطع المتوسط، وقد جعل غلافه ملونا، وقد حمل صورة مسجد قبة الصخرة ومن خلفها حائط المسجد الأقصى، وبجنبه صورة لمجموعة من فرسان المسلمين يتجهون نحوه، في إشارة ضمنية إلى عودة أهل الحق لاستعادة قدسهم السليب سيرا على نهج صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
وقد وفق الناشر - برأيي- في إخراج هذا الغلاف بهذه الصورة ليربط بين اسم الكتاب وفحواه ومغزاه، وهذا مما زاد الكتاب جمالا وروعة.
يقول الشيخ د. عمر الأشقر في الهدف من تأليف هذا الكتاب: "التأكيد على حق المسلمين في فلسطين، وأنها سترجع إلى حضن المسلمين، وليس ذلك تقولا يلعلع به اللسان، وأمالا تجيش بها النفس، ولكنه حقيقة مدونة في كتاب الله، وهي تحكي واقعة وقعت في زماننا، وقد جزمت بأن آيات سورة الإسراء قوله تعالى: {وَقَضَينَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} (الإسراء:٤)، وما بعدها من آيات تتحدث عن هذه الواقعة في هذا العصر، وهي تعلن أننا سنسوء وجوه يهود، وسندخل المسجد كما دخلناه أول مرة، وسنتبر العلو اليهودي، فهذا قدر إلهي لا يملك البشر له تغييرا ولا تبديلا، والله غالب على آمره.
ويعلل الشيخ د. عمر الأشقر السبب الرئيس في احتلال اليهود لفلسطين فيقول: "ولم يكن إذن الله لليهود باحتلال فلسطين إذنا شرعيا يحبه الله ويرضاه، بل هو إذن قدري عاقب به الأمة الإسلامية بسبب ترعيا لشريعة الله تبارت وتعالى، وهجرها لعتاب ربها وستة رسولها، فعاق الله هده الأمة بأبغض خلق الله إلى الله وإلى المؤمنين، وهم اليهود..".
ثم يسوق - حفظه الله - البشرى للمؤمنين الموحدين فيقول: "ولكن خاتمة هذا الحلم ستكون قاسية مؤلمة لليهود الذين يتجمعون اليوم في أرض الإسراء، ولو رحموا أنفسهم، وبقوا مشتتين لكان خيرا لهم، فقد أخبرنا ربنا، وربنا صادق لا يكذب، ولا يخلف وعده، أخبرنا أننا سنسوء وجوه اليهود، وسندخل المسجد كما دخلناه أولى مرة، وسنتبر العلو اليهودي تتبيرا".
ويستمر الشيخ: عمر فيبعث الهمة والأمل في الأمة فيقول: "وما أشبه هذه الأمة بالشجرة، وقد ضرب الله لها مثلا في التوراة والإنجيل، فقال: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بينهُمْ ترَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يبتغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثلُهُمْ فِي التوْرَاةِ وَمَثلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتغْلَظَ فَاسْتوَى عَلَى سُوقِهِ يعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } (الفتح: 29).
وقد انبثق الزرع فديار الإسلام، واستغلظ واستوى على سوقه، والدول الكافرة غاظها هذا الزرع، وهي تحاول حصده، لا بإعلامها وإذاعاتها وتلفزيوناتها وصحفها ومجلاتها فحسب، بل وبقنابلها وصواريخها وطائراتها ودباباتها، ولكن سيأتي يوم يكون للمسلمين من العزة، ما
يقضي على هذا الظلم والفساد والله غالب على أمره.
إن رؤيتنا ليست كرؤيا أصحاب الدنيا، إن رؤيتنا منبثقة من الهدي السماوي، والنور الإلهي، ومعالمه واضحة في الكتاب والسنة..".
وقد قسم الكتاب في ثلاثة عشر مبحثا، تناول كل مبحث مطالب عدة تحقق عنوان المبحث الرئيس، وإليك - أخي القارئ - بيانها بشيء من الإيجاز:
• المبحث الأول: اغتصاب اليهود أرض الإسراء
وقد بين فيه المؤلف باختصار كيف خطط اليهود للاستيلاء على فلسطين؟ وكيف أعانهم الصليبيون بتمكينهم على هذه الأرض، كما تطرق إلى حقيقة أهداف اليهود بعد احتلال فلسطين وعن الأسباب التي أدت إلى غلبة يهود وانتصارهم.
وقد حرص المؤلف في هذا المبحث أن يذكر الأمور على سبيل الإيجاز وبشكل نقاط تمهد لكتابه.
• المبحث الثاني: الجهود الذي بذلها المسلمون في مواجهة اليهود الغاصبين
وفي هذا المبحث سرد المؤلف صور من التاريخ المعاصر بدءا من الموقف المشرف للسلطان عبد الحميد والدولة العثمانية والإغراءات التي تعرض لها، ثم مرورا بتاريخ جهاد أهل فلسطين ومساندة أهل الإسلام لهم والخيانات التي وقعت خلال هذه الأحداث، وانتهاءاً بسقوط فلسطين بأيدي اليهود وحلول النكبة.
وقد وفق المؤلف في هذا المبحث في بيان كيف كان حال العالم الإسلامي يتعاطف ويتفاعل مع قضية فلسطين وكيف كان دور الإسلام في الذب والدفاع عن هذه الأرض المقدسة.
• المبحث الثالث: عظم المصاب باغتصاب فلسطين
وقد امتاز هذا المبحث بعرض المؤلف لمجموعة من الفتاوى التي صدرت من علماء فلسطين أو العالم الإسلامي مشرقه ومغربه في بيان الموقف من احتلال فلسطين والتنازل عنها أو تسليمها لليهود بمعاهدات موهومة أو مزعومة أو بيع أراضيها أو الاعتراف بالعدو المحتل... الخ، ثم بيان أهمية هذه الفتاوى لأنها شكلت الإجماع في العالم الإسلامي حول حقوق المسلمين في هذه الأرض المباركة، وكانت تمس الواقع وتعايشه، وكانت حجج وبينات واضحة في وجه كل من تسول له نفسه بيع فلسطين أو التنازل عن جزء منها.
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} (ق:٣٧)
• المبحث الرابع: التعريف بأرض الإسراء وبيان مدى أهميتها لدى المسلمين
وجاء هذا المبحث لبيان أهمية هذه الأرض لدى المسلمين وما تشكله من ميراث عهد به الله لهذه الأمة، وكيف عمل المسلمون على فتحها على عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مرورا بالفاتح صلاح الدين الأيوبي.
وقد ساق المؤلف في هذه المبحث تسلسلا زمنيا للتواريخ المهمة في قضية فلسطين مند بداية النكبة وما سبقها بقليل وحتى نهاية العام ٢٠٠٧ م.
ومما يؤخذ على هذا السرد أنه جاء على طريقة الصحفيين، وقد أهمل محطات مهمة – في تصوري - لدور العمل الإسلامي عبر هذا التاريخ، كما إنه لم يصل إلى عام ٢٠٠٩ م على الرغم من حداثة صدور الكتاب.
ومن الأمور التي ترفع هذا المبحث وتقويه إشارة المؤلف إلى مطلب عزيز عزف عليه المستشرقون واليهود في عصرنا، واستمدوا مادته من أقوال وكتب بعض الفرق الباطنية وهو (الأقصى في الأرض وليس في السماء) وقد رد المؤلف ردا موجزا محكما على من أشاعوا ذلك.
• المبحث الخامس: التعريف باليهود الغاصبين لأرض الإسراء
وأتى هذا المبحث لبيان حقيقة اليهود ونشأتهم وشيء من تاريخهم، مع بيان الشخصية اليهودية، ثم التعريف بالتوراة وبيان مدى التحريف الذي أصابها.
كما عقد المؤلف مطالب عدة في بيان ما يؤخذ وما يترك من التوراة، وذلك بدراسة تتبعية لنصوصها لاستلال كل ما جاء فيها مؤيدا لكتاب الله تعالى، وهو جهد مميز من المؤلف لإقامة الحجة على يهود فيزيف كثير من ادعاءاتهم، وعلى أن دين الإسلام هو الحق الواجب الإتباع. • المبحث السادس: حجة اليهود على استحقاقهم فلسطين
وجاء هذا المبحث موجزا فبيان ما ادعاه يهود في أرض فلسطين، والرد عليهم في فساد وعدم صلاحية ما احتجوا به من نصوص، وبيان عدم استحقاقهم للأرض المقدسة، ولعل هذا المبحث جاء كتوطئة للمبحث الذي يليه.
• المبحث السابع: المصائب والرزايا التي حلت باليهود جراء غضب الله عليهم
وهنا يعرض المؤلف للأسباب التي أدت إلى غضب الله على اليهود وفقدهم للخيرية التي كانوا أعطوها من قبل، وفيه مسرد تاريخي مهم كيف أن الله تعالى بعث عليهم من يسومهم سوء العذاب بكفرهم على مر التاريخ.
وختم المؤلف هذا المبحث بمطلب مهم وهو السؤال الذي يتبادر لذهن الكثيرين: لم أذن الله لليهود بإقامة دولة في فلسطين؟
• المبحث الثامن: النصر على اليهود قادم بحول الله وقوته
وهذا المبحث هو أساس الكتاب ومطلبه الرئيس، وقد حشد فيه المؤلف المبشرات الكثيرة العامة الشاملة لاستعادة فلسطين.. وغيرها في تحقق النصر لهذه الأمة على أعدائها، وعلى تحقق الوعد الإلهي بتدمير المسلمين للعلو اليهودي في الأرض.
وقد وضع المؤلف تصوره المعاصر في تفسير آيات الإسراء، وهو بذلك يخالف أكثر المفسرين من السلف والخلف حول مفهوم هذه الآيات، ولا يعاب مثل هذا المنهج على من أوتي سعة من العلم وحظا من الاجتهاد، وما يزال القرآن معينا لا ينضب، ما دام المفسر لم يخالف قواعد التفسير المعتمدة عند أهل العلم.
فالدلالات التي تحملها الآيات والواقع الذي نعيشه مقارنة مع التاريخ كله يدفع باتجاه وضع تصور معاصر حول تفسير مثل هذه الآيات، ولم يكن المؤلف أول من أشار لذلك وقد سبقه جمع من أهل العلم المعاصرين.
كما حوى هذا المبحث على مجموعة من الإحصاءات المنوعة والثرية حول الانتهاكات اليهودية لفلسطين في شتى الجوانب، ولكن كل هذه الاحصاءات تقف عند نهاية عام ٢٠٠٧ م، والجدير بالذكر أن الإحصاءات المتعلقة بفلسطين تحديدا تجدد كل شهر، وهو مما يعد نقطة ضعف ف هذا المطلب، إلا أن يكون ليس هدف المؤلف الاستقصاء والتتبع، وإنما الإشارة لفداحة وعظم الإجرام اليهودي، فمثل هذا يقبل.
•المبحث التاسع: ذهاب الإسلام وعودة الناس للجاهلية آخر الزمان
ويأتي هذا المبحث مقتضبا ومتمما للحديث عن البشارات التي تقع للمسلمين قبل قيام الساعة، وأن الخاتمة لا تكون إلا على شرار الناس.
• المبحث العاشر: علاقة المسلمين ببني إسرائيل
ويبدا هذا المبحث من علاقة نبي الله إسماعيل بإخوته أبناء إبراهيم عليهم صلوات الله وسلامه، ثم علاقة اليهود بالعرب وأسباب استقرارهم بالجزيرة العربية، وموقفهم من رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ومن أسلم منهم، ومن جحد وعاند، ثم كيدهم للإسلام والمسلمين ولنبي هذه الأمة ونقضهم للعهود.
• المبحث الحادي عشر: بشائر التوراة والأنبياء برسولنا وأصحابه وأمته
وهو مبحث استقرائي لنصوص الوحيين ابتداءا في سرد هذه البشارات، ثم في نصوص كتب أهل الكتاب في بيان هذه البشارات.
• المبحث الثاني عشر: موقف المسلم من الحلول التي تدعو للتنازل عن بعض فلسطين
وفيه يقدم المؤلف خلاصة فكره وبحثه للموقف الواجب المحتم على كل مسلم حكاما ومحكومين دولا وأفرادا حكومات وشعوب أن يمتثلوه إزاء قضية فلسطين ليحققوا بذلك موعود الله ويستحقوا نصره، ويأذن سبحانه برفع الذلة عن هذه الأمة.
• المبحث الثالث عشر: كيف تستعيد الأمة الإسلامية فلسطين
وختام هذه المباحث ساق المؤلف الصفات العظام التي يجب على الأمة أن تعمل بها من أجل استعادة الأقصى وفلسطين، وخلاصتها:
١ - أن يكونوا ربانيين مصبوغين بصبغة الإسلام.
٢- الوحدة على أساس من التقى والصلاح.
٣ - بناء القوة العسكرية الفائقة.
4- تولي الله ورسوله والذين آمنوا.
5- اليقين بأن الاتفاقات مع اليهود لن تقود إلى سلام حقيقي معهم، ولن توقف عدوانهم علينا، وستبقى تفتل لنا في الذروة والغارب حتى تنهي وجودنا، وتزيل قوتنا، وتجعلنا عبيدا لهم.
• واخيرا؛ فان الكتاب منظومة متكاملة متسلسلة تأخذ بالقارئ من أول وهلة فلا تتركه يدع الكتاب حتى ينتهي من آخر ورقة فيه، وذلك بما يشعر فيه القارئ بأن نفس الشيخ د. عمر الأشقر وعمره قد كانا يمدان قلمه ويرعاه في كل سطر من هذا الكتاب.
أسال الله تعالى أن يبارك ف عمر الشيخ وعمله، ويجعله دائما سباقا ي إثراء مكتبة الأمة بكل ما هو جديد ونافع.... آمين.
مجلة بيت المقدس للدراسات - العدد التاسع
.