دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

قراءة في كتاب "يهود أسلموا"

 

قراءة في كتاب يهود أسلموا

لجنة البحث العلمي

كما هي عادة مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية في إخراج كل جديد في موضوعه وبحثه، يطل علينا كتاب يهود أسلموا" تأليف علاء بكر ف إطار جديد مستخرج من كتب السير والتاريخ الإسلامي وغيرها من المراجع، يذكر فيه المؤلف على - وجه التخصيص- ذكر من أسلم من اليهود في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ممن استحق بذلك شرف الصحبة.

وعنوان الكتاب يدل دلالة واضحة على محتواه، ولكن لابد من قراءة مختصرة فيه للاطلاع على فوائده، فمثله مليء بالفوائد.

يذكر لمؤرخي المسلمين وعلمائهم أنهم لم يغفلوا ذكر من أسلم من اليهود وغيرهم من الملل الأخرى، ممن كان بالأمس- قبل إسلامه يكن العداوة للإسلام وأهله، ومعلوم من كتاب الله في العديد من آياته، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم - في الكثير من أحاديثه أن اليهود كانوا وما زالوا شديدي العداء والأذى لأنبياء الله وآياته ورسله، فهم كما شهر وعرف عنهم على الحقيقة - أنهم قتلة الأنبياء،} قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنبِيَاء اللّهِ مِن قَبْلُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ{(البقرة:91).

وأذكر مثالا من كتاب الله على أذيتهم لنبي من أنبياء الله كعادتهم وهو موسى- عليه السلام-} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا {(الاحزاب:69).

فقد فسر ابن كثير هذه الآية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم - الذي يذكر سبب نزولها؛ فقال: قال البخاري عند تفسير هذه الآية: ( في أحاديث الأنبياء) (بسنده) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن موسى عليه السلام كان رجلا حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا ما يتستر هذا التستر إلا من عيب في جلده إما برص وإما أدرة وإما آفة وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى عليه السلام فخلا يوما وحده فخلع ثيابه على حجر ثم اغتسل فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر فجعل يقول: ثوبي حجر ثوبي حجر حتى انتهى إلى ملا من بني إسرائيل فرأوه عريانا أحسن ما خلق الله عز وجل وأبرأه مما يقولون وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضربا بعصاه فوالله إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثة أو أربعا أو خمسا قال فذلك قوله تعالى :} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا {.. (بتصرف يسير).

فهذا يبين كيف أنهم لا يتورعون في كل زمان عن أذية من يعلمون يقينا أنه مبعوث من عند الله تعالى، وهذا هو المتوقع منهم كما ذكر في السير مع رسولنا- صلى الله عليه وسلم

رؤية لمادة الكتاب:

قد حصر مؤلف "يهود أسلموا" كتابه ف بابين وخمسة فصول تحت الباب الثاني، فجعل عنوان الباب الأول: مختصر لتاريخ اليهود في المدينة، وإخراجهم منها.

وقد وصف في هذا الباب المدينة قبل دخول الإسلام فيها فبين اسمها القديم وهو يثرب، وبأنها واحة خصبة التربة كثيرة المياه تحيط بها الحرات من جهاتها الأربع، ثم ذكر تلك الحرات وما يحدها من جهاتها الأربع.

ثم ذكر التاريخ القديم لتتابع هجرات اليهود إليها، وكيف ساكنوا العرب فيها، فبين أن ثلاث قبائل منهم قد توطنت المدينة، وهم بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة.

وسبب مجيء اليهود إلى الحجاز كما ذكر المؤلف أنهم يعلمون من كتبهم من وصف النبي القادم، وصفته، وصفة أمته، والأرض التي يهاجر إليها، لذلك كانوا يتوعدون العرب أنهم سيقاتلوهم معه ويحكمونهم، وهذا أكبر دليل على علمهم ويقينهم بنبوته - صلى الله عليه وسلم.

واليهود كما هي عادتهم يحاولون السيطرة على المجتمعات بالتعاملات الربوية، وإفساد ذات البين بين جيرانهم ليعلو سهمهم، وتقوى شوكتهم؛ فهم شعب لا يربو إلا على الخراب وإشاعة الفاحشة والحروب بين القبائل والأمم، كما حدث في المدينة حيث استوطنوا فقد أشعلوا فتيل

الحرب بين العرب ف المدينة ممثلين بقبيلتي الأوس والخزرج، حتى شاركوهم في الحروب.

ثم ذكر الكاتب وضع المدينة بعد دخول الإسلام فيها، وأنه عندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجد بها يهودا قد توطنوا فيها، وعلى الرغم مما أعلمه الله تعالى لنبيه صلى

الله عليه وسلم من عدائهم وعنادهم وقتلهم من قبل لأنبيائهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتخذ ضد اليهود أي موقف ابتداء - من مواقف النفي أو التضييق أو المصادرة كما يفعلون هم الآن في الأرض عامة وفلسطين خاصة، بل بقي هؤلاء اليهود في المدينة مواطنون أحرارا، لهم شريعتهم وللمسلمين شريعتهم ودينهم، ولم يحدث أن أجبر الرسول صلى الله عليه وسلم أحدا منهم على الدخول ف الإسلام أو الخروج من المدينة.

بل قد ذهب النبي- صلى الله عليه وسلم- إلى أبعد من ذلك، حيث عقد معهم معاهدة تضمنت عدم الاعتداء، والدفاع المشترك عن المدينة رغبة منه في شيوع السلام في المنطقة.

وكما هي عادة اليهود}كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ {(المائدة: 6٤)، في الافساد والعداوة، فقد قابلوا الإسلام بالرفض وعدم القبول، الذي سرعان ما تحول إلى بغض وكراهية وحسد - وهذا خلقهم عموما - فتأمروا على الإسلام وأهله سرا وعلانية، وقد تنبه المسلمون بفضل الله لذلك فلم تفلح محاولاتهم، بل قد هموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم (كما هي عادتهم) فنجاه الله منهم.

استحقاقهم لغضب الله.

وتحت عنوان استحقاقهم لغضب الله استدل الكاتب على ذلك بأدلة من الكتاب والسنة، وبدأ بما جاء في كتاب الله:} فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي {(طه: 86).

قال ابن كثير ف تفسير هذه الآية: "وقوله} فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا {؛ أي بعدما أخبره تعالى بذلك ف غاية الغضب والحنق عليهم، هو فيما هو فيه من الاعتناء بأمرهم وتسلم التوراة التي فيها شريعتهم وفيها شرف لهم، وهم قوم قد عبدوا غير الله ما يعلم كل عاقل له لب وحزم بطلان ما هم فيه وسخافة عقولهم وأذهانهم. ولهذا قال: رجع إليهم غضبان أسفا والأسف شدة الغضب... قال قتادة والسدي أسفا حزينا على ما صنع قومه من بعده:} قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا {أي أما وعدكم على لساني كل خير في الدنيا والآخرة وحسن العاقبة كما شاهدتم من نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه وغير ذلك من أيادي الله} أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ {أي في انتظار ما وعدكم الله ونسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم} أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ {.... كأنه يقول بل أردتم بصنيعكم هذا أن يحل عليكم غضب من ربكم} فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي {(بتصرف).

نعم؛ بعدما كانوا أفضل العالمين عند الله} يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ {(البقرة:47)، فقد استبدلوا الرضى بالغضب لكفرهم على الدوام - بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق، وعصيانهم واعتراضهم على الحق، فاستحقوا وسمهم بصفة دائمة لهم ما داموا على يهوديتهم كتاب الله} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{(الفاتحة:7).

وقد أخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن حبان في صحيحه عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى). مسند أحمد 4/378؛ وعارضة الأحوذي ١١/ ٧٥؛ وانظر: الدر المنثور 1/42)

لذلك كان المتوقع منهم كما ذكرت آنفا العداء الشديد للدين الإسلامي وإن أظهروا الموادعة بداية، فهم في كل زمان ويظهر ذلك جليا ف زماننا أيضا يظهرون بمظهر الشعب المظلوم المضطهد، هذه الصورة هي حقيقة ما يشاع عنهم بسيطرتهم على الإعلام -حتى يستجدوا الشعوب الغربية وشعوب العالم - سوى المسلمين - لمساعدتهم والعمل على النهوض بشأنهم بين الدول، وقد جنى لهم هذا الأسلوب قديما وحديثا ثمارا عديدة- وما زال يجني لهم للأسف؛ منها وعد بلفور الأسود الذي مكنهم من احتلال الأرض الإسلامية الفلسطينية العزيزة.

ومع عظم سيطرتهم واستفحال أمرهم في العالم فهم ما زالوا يحافظون على بقاء انتشار مثل هذه الدعاية حتى يبقى التأييد الدولي العالمي لهذا الشعب المسكين المغتصب - عفوا (المضطهد!!!) زعما منهم -.

عداء اليهود للمسلمين:

وذكر المؤلف موضحا أنه يمكن تفسير عداء اليهود للمسلمين ف المدينة بأمور منها:

1- كون النبي - صلى الله عليه وسلم ليس من جنسهم، وهم يريدون نبيا من جنسهم، يقيم لهم مملكتهم من جديد، ويسودون معه العالم.

٢- أن دعوة الإسلام ألفت بين عرب المدينة من الأوس والخزرج، وأطفأت نار العداوة في النفوس، مما يعني توحد الأوس والخزرج واجتماعهم - تحت مظلة الإسلام، وهذا يؤثر على مكانة اليهود التجارية والسياسية والاقتصادية.

٣- أن الإسلام يحرم التعامل بالربا، وهذا أساس ثروة اليهود في المدينة، وعماد اقتصادهم، ومنع الاسلام التعامل بالربا يؤثر على المعاملات الربوية لليهود ويفقدهم مصدر دخلهم.

٤- أن أحبار اليهود وزعماؤهم أظهروا مبكرا رفض الإسلام عنادا ومكابرة، رغم ما يعلمون من صفته- صلى الله عليه وسلم وصفة أمته المكتوب عندهم في التوراة تفصيلا، بل إنهم ما هاجروا إلى أرض الحجاز إلا انتظارا لخروجه كما بشرت بذلك التوراة، وكانوا من قبل يستفتحون على العرب بأنه إذا ظهر فيهم هذا النبي، وقد قرب زمان ظهوره، سيقاتلونهم معه، ويقتلونهم قتل عاد وثمود.

وقد تابع عوام اليهود هؤلاء الأحبار والزعماء في هذا الرفض إذ أن شريعتهم- فيما يعتقدون- تقوم على طاعة الأحبار والانقياد لهم وتقليدهم.

رفضهم للإسلام} وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً {(النساء:46).

اليهود أمة طغيان وكفر، فهم دائما إلى الكفر أسرع منهم للإيمان، وهذا الوصف موجود في آيات عديدة من كتاب الله المجيد.} وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ {(غافر:34).

وقد ذكر المؤلف أمثلة على رفضهم للإسلام منها:

ما رواه البيهقي في" دلائل النبوة" بسنده عن سلمة بن سلامة بن وقش قال:" كان بين أبياتنا يهودي، فخرج على نادي قومه بني عبد الأشهل ذات غداة، فذكر البعث والقيامة والجنة والنار والحساب والميزان، فقال ذلك لأصحاب وثن لا يرون أن بعثا كائن بعد موت، وذلك قبيل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ويحك يا فلان- وفي رواية: ويلك يا فلان- وهذا كائن، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون من أعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به لوددت أن حظي من تلك النار أن توقدوا أعظم تنور في داركم فتحمونه ثم تقذفوني فيه ثم تطينون على، وأني أنجو من النار غدا؛ فقيل: يا فلان، فما علامة ذلك؟ قال: نبي يبعث من ناحية هذه البلاد واشار بيده نحو مكة واليمن فقالوا: فمتى تراه؟ فرمى بطرفه فرآني وأنا مضطجع بفناء باب أهلي، وأنا أحدث القوم، فقال: إن يستنفذ هذا الغلام عمره يدركه. فما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنه لحي بين أظهرهم، فأمنا به وصدقناه، وكفر به بغيا وحسدا، فقلنا: يا فلان: ألست الذي قلت ما قلت وأخبرتنا؟ قال: ليس به. (إسناده حسن. أخرجه البيهقي (٢/ ٧٩٧٨). وأحمد (٣/ ٤٦٧). والبخاري في التاريخ (٦٩٦٨/٤). والحاكم (٣/ ٤١٨٤١٧). وأبو نعيم في "الدلائل" (٣٤).

وقد كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤساء من أحبار اليهود، منهم: عبد الله بن صوري الأعور، وكعب بن أسد، فقال لهم: "يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق"، قالوا: ما نعرف ذلك يا محمد، وجحدوا ما عرفوا، وأصروا على الكفر، فأنزل الله عز وجل فيهم:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً {(النساء: ٤٧). ("دلائل النبوة" للبيهقي (٥٣٤/٢).

وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى دور رؤساء اليهود وأحبارهم في صد يهود المدينة عن دخول الإسلام، فقد روى البخاري بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: "لو آمن بي عشرة من اليهود لأمن بي اليهود

وفي رواية لأحمد "لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود لأمن بي كل يهودي على وجه الأرض". وفي رواية: لو آمن عشرة من أحبار اليهود آمنوا بي كلهم". (البخاري (٣٩٤١)، ومسلم (3793)، وأحمد (2/346-363-416).

ومع أنهم قد عاهدوا المسلمين على الدفاع المشترك أي المشاركة في القتال، فقد منعوا من الاشتراك في الحروب مع المسلمين كما يذكر المؤلف نظرا لعنادهم وكفرهم وصدهم عن سبيل الله، وظهور عداوتهم للإسلام وأهله، فذكر الكاتب هنا وعدد أدلة على ذلك أذكر منها:

أخرج أبو عبد الله الحاكم عن أبي حميد الساعدي، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة، قال: "من هؤلاء؟" قالوا: بنو قينقاع، وهم رهط عبد الله بن سلام، قال: وأسلموا؟" قالوا: لا بل هم على دينهم. قال: "قولوا لهم فليرجعوا فانا لا نستعين بالمشركين". (استدرت على الصحيحين -2/122-).

ثم نوه- المؤلف- أن ما ذكر من أحاديث في شأن اشتراك اليهود مع النبي -صلى الله عليه وسلم - ضعيف ولا يصح.

اضطرار المسلمين إلى إخراج اليهود من المدينة.

هذا عنوان فرعي تحت الباب الاول ذكر فيه الكاتب مواقف اليهود العدائية المتكررة وأن هذا أدى إلى إخراجهم بالكلية من المدينة على مراحل لاختلاف زمن ظهور هذا العداء عند قبائلهم مع المسلمين.

فذكر قصة إجلاء يهود بنى القينقاع - بداية - بعد غزوة بدر الكبرى، وذلك لتغيظهم من انتصار الرسول صلى الله عليه وسلم - على المشركين وإظهار ذلك ف تصريحاتهم، وهذا بين ف إظهار النية المبيتة لنقض العهد مع المسلمين في الدفاع عن المدينة، ثم تحرش أحدهم بمسلمة في سوقهم، وقتلهم لذلك المسلم الذي أهلك المتحرش اليهودي، فكانت هذه نهاية وجودهم في المدينة باجلاء النبي صلى الله عليه وسلم- لهم.

وقصة إجلاء بني النضير بعد إظهارهم العداء الصريح للمسلمين، ومحاولتهم قتل النبي صلى الله عليه وسلم فأنتهى أمرهم ووجودهم بذلك في المدينة، فخربوا بيوتهم قبل أن يخرجوا منها كيلا ينتفع منها المسلمون، فأنزل الله تعالى في خبرهم هذا:} هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ {(الحشر: ٢).

فكان جلاؤهم هذا سببا في فتح خيبر من حيث لا يشعرون، بعد نزول بعض رؤساء بني النضير خيبر وتحريضهم لهم على المسلمين، ثم قتال الرسول- صلى الله عليه وسلم لهم، والقصة معروفة ذكرها المؤلف، وهي موجودة أيضا في السير لمن أراد الاستزادة.

ثم قصة غدر يهود بني قريظة بالمسلمين في غزوة الخندق، وكيف ان هذا كان هو السبب في قتال النبي صلى الله عليه وسلم لهم، وكيف أنهم قبلوا النزول على حكم سعد فحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى نساؤهم وذريتهم، وأن تقسم أموالهم، فتم ذلك.

وهكذا كما يقول المؤلف انتهى وجود اليهود في الجزيرة العربية، وهذا ما كان يريده صلى الله عليه وسلم أن لا يجتمع في جزيرة العرب دينان، ففي الحديث المرفوع: لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أد إلا مسلما". (صحيح مسلم بشرح النووي/ كتاب الجهاد باب إجلاء اليهود من الحجاز (12/90-92).

من أسلم من اليهود في حياته- صلى الله عليه وسلم -

هذا هو الباب الثاني كما عنونه المؤلف، حيث جعل فيه خمسة فصول؛ وهي كالاتي:

الأول: من أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم من اليهود وعرف اسمه.

الثاني: من أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم من اليهود ولم يعرف اسمه تحديدا.

الثالث: من اختلف ف كونه من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود.

الرابع: من أسلم في حياته صلى الله عليه وسلم من نساء اليهود.

الخامس: يهوديات اختلف في إسلامهن ف حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

نعم؛ كل هذا العناد والكفر الذي كان زاد أحبار اليهود في محاربة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع بصيص نور الإيمان أن يدخل إلى بعض القلوب الطاهرة من قلوب عوام اليهود وبعض أحبارهم الذين لم يستطيعوا أمام كل هذه الدلائل على نبوة رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم أن يتابعوا رؤسائهم ف معاندتهم، بل ارتعدت قلوبهم بصدع الحق لما طرق أسماعهم، وتحركت فيهم مشاعر الصدق التي لا تكون إلا لمؤمن، فآمنوا بدعوته واتبعوا دينه ورسالته صلى الله عليه وسلم فدخلوا في أفضل زمرة عرفها التاريخ البشري منذ نشأته وحتى زواله، صاروا من جملة أصحابه الذين يترضى المسلمون عليهم- صباح مساء في كل بقاع الأرض. نعم؛ دخلوا في خير الناس وهم قرن النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين المؤمنين، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وانسلخ عنهم مسمى اليهودية، ولبسوا رداء الإسلام والإيمان، فصاروا نجما مضيئا في سماء الصحابة.

يذكر المؤلف بعضا منهم رضي الله عنهم أجمعين-:

فهذا أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث، الإمام الحبر، المشهود له بالجنة، حليف الأنصار؛ أسلم قديما عند قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان من أحبار اليهود، فأصبح يعد من خواص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو من ولد يوسف بن يعقوب صلى الله عليهما وسلم.

قال عبد الله بن سلام: خرجت ف جماعة من أهل المدينة لننظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - في حين دخوله المدينة، فنظرت إليه وتأملت وجهه فعلمت أنه ليس بوجه كذاب، وكان أول شيء سمعته منه: "ايها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام". (الترمذي (2485) وقال صحيح. وابن ماجه (١٣٣٤). وأحمد (٢٣٨٣٥). وصحيح الجامع (٧٨٦٥).

وفي الحديث عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لعبد الله بن سلام أن عاشر عشرة في الجنة". قال ابن عبد البر. وهو حديث حسن الإسناد صحيح. (الاستيعاب (٢ / ١٨٨). والبخاري في "التاريخ": (٤ / ١٣٥). وأحمد (٢٢١٥٧) والحاكم (٣٣٤). والطبراني (٢٣٨). وغيرهم. وانظر صحيح الجامع (٣٩٧٥).

ثم دأب المؤلف في ذكر من أسلم منهم في حياته- صلى الله عليه وسلم فذكر منهم: محمد بن عبد الله بن سلام، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وثعلبة بن سلام، وميمون بن يامن، وسفيان بن عمير، وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين-.

من أسلم من نساء اليهود.

تطرق المؤلف أيضا كما بين في فصوله على هذا الباب- لذكر من أسلم من نساء اليهود، فذكر منهن:

أم المؤمنين صفية بنت حيي رضي الله عنها تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن وقعت في السبي يوم خيبر، وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي، فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه بأرؤس اختلف في عددها.

وريحانة بنت عمرو بن خناقة رضي الله عنها وكانت من إمائه صلى الله عليه وسلم؛ وخالدة دنت الحارث، وتميمة بنت وهب، وزينب دنت الحارث.

فكان إسلام ذلك النفر من اليهود وهم أهل كتاب ومن معهم من بعض الأحبار لهو دليل صريح على صدق نبوته - صلى الله عليه وسلم عندهم في كتابهم، ودليل على أن من كفر من اليهود، كفر وهو يعلم يقينا أنه دين الحق وأن محمد بن عبد الله هو رسول الله حقا - صلى الله عليه وسلم -ولكن....

} وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ {(النمل:١٤).

في الختام نقول:

يخرج علينا هذا المبحث بعدد صفحات تبلغ ١٤٥ صفحة من القطع المتوسط، قد حصر فيه المؤلف مادة جيدة نافعة، فأجاد عرض فصول الكتاب، وأمتع في توضيح مادته.

فانصح القراء الأعزاء بقرائته فضلا عن اقتنائه، حتى تزدهر مكتباتهم بتخليد ذكر أمثال هؤلاء الأصحاب ممن أسلم من اليهود.

مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد الثامن

تحميل الموضوع بصيغة:(PDF).. من هنا 👇

 

.

تحميل الملف المرفق