أنشطة المركز / للمركز كلمة

هل لنا في " الجواميس" عبرة ؟!!

هل لنا في " الجواميس"  عبرة ؟!!

 

مقطع فيديو لدقائق معدودة عرضته المحطات الإخبارية ، وصوّره سائح خلال وجوده في رحلة سافاري في أفريقيا ، لجاموس صغير نجح في الفرار من بين أنياب 6 لبؤات وتمساح ، والمشهد فيه عبرة وعظه ، فالضحية تكالب عليها أشد الحيوانات افتراساً وقوة ، ومع ذلك نجت من الافتراس ، سأسرد الحكاية بتفاصيلها ، وما لها من عظات وعبر ...

السائح لم يتوقع أحداث ذلك المشهد المؤثر ، وكذلك مرشد الرحلة الذي لم يشاهد في حياته حدثاً بهذا الشكل من قبل – حسب قوله – حيث يظهر المقطع في البداية قطيعاً من الجاموس البري وهو يسير بمحاذاة نهر في إحدى غابات السافانا في جنوب أفريقيا، غير منتبه لمجموعة من اللبؤات اللاتي ينتظرن الانقضاض على أحد أعضاء القطيع.

وتنقض اللبؤات على القطيع وتقتنص منه جاموساً صغيراً بمحاذاة بركة ماء ، وحين تتمكن إحدى اللبؤات الشرسة من الانقضاض على الجاموس تقع هي وهو على ضفة البحيرة المذكورة، لتنزل بقية اللبؤات لتتقاسم الصيد، وبينما تقوم إحدى اللبؤات بجر الجاموس من الماء ، ظهرت مفاجأة أخرى... تمساح ضخم ينهشه ويجر به إلى الماء ، واللبؤات تجر الصيد من الطرف الآخر ، وتمكنت اللبؤات من سحبه إلى اليابسة... وإلى هنا المشهد لم ينته ، فهناك مفاجأة لم تكن في الحسبان !!

وما أن استعدت اللبؤات لأكل صيدها ، وإذا بقطيع الجواميس يستجمع قواه بقرار موفق وبوقت مناسب ، شكل فريق مهاجم لينقذ الضحية ، ولم يتخلف عن الأمر أحداً من القطيع ، بعد إعلان وحدة الصف والهدف والمصير في مواجهة أعتى قوة في الغابة ، ويهجم على الأسود كهجمة جاموس واحد، وبنطحات موفقة ومدروسة، بدأت بعض اللبؤات في الهرب وسرعان ما تفرق جمعهم وبدأن في الهرب فيما بدأ بعض أفراد القطيع في مطارداتهن. وإذا بهم يتركون الضحية " الجاموس " ويهربون ، والمفاجأة أن يشاهد الجاموس الصغير وهو ينضم إلى القطيع بعد أن أفلت من قبضة اللبؤات ، ويكمل مسيره مع بني جنسه.

 

عبرة وعظه

 

مشهد وقفت عنده كثيراً ، لخص لي حالنا فالكل ينهش بنا وبضعفائنا ، ومن أرضنا كنهش الجوعى من الأكلة ، ونحن ننظر وكأن قلوبنا خلت من حراكها !! أليس لنا عبرة في " الجواميس " أليس هذا حالنا ، ألنا خيار غير وحدتنا والتمسك بعقيدتنا وثوابتنا وأوطاننا وحقوق شعوبنا بأن تعيش حياة كريمة لا ذل ولا خضوع ولا خنوع فيها إلا لله تبارك تعالى .

ألسنا بحاجة إلى " كلمة سواء " أين الوحدة التي تخيف أعداؤنا . أين ثوابتنا التي تسقط أمامها المؤامرات والشبهات . أليس الحل هو الاعتصام بحبل الله جميعاً ، وأن نكون كجسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى .

حقاً إنه لموقف معبر ... فقرارهم كان سريعاً قبل أن تُفترس الضحية ، ولم يطيلوا مشاوراتهم فيما بينهم ليحددوا العمل المطلوب لإنقاذ أحدهم من مخالب اللبؤات ، ولم يقولوا للبؤات المفترسة تعالوا نتفاوض لعلنا نحصل على الضحية !! ولم يسأل القطيع عن الضحية " من أباه من أمه " ، بل كان قرارهم مادام هو أحدنا فلنكن معاً حتى الموت ، ولنوحد أفعالنا ولا نكتفي بأقوالنا ، فالقطيع امتثل لأمر قائده الذي نزع الخوف من قلب القطيع ، فاعتبروا يا أولي الأبصار...  فإن كانت الأمة قد بعدت عن كتابها وسنة نبيها ، وحوادث الأزمان ، لعلها تعتبر من ذلك المشهد !!

والمشهد ذكرنا بالحديث الصحيح الذي قال فيه الرسول الله صلى الله عليه وسلم : "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: أومن قلة يا رسول الله؟ قال - صلى الله عليه وسلم-: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب أعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال -صلى الله عليه وسلم- : حب الدنيا وكراهية الموت" .

 

فالحديث أرشد إلى طريق الخلاص مما نحن فيه ، بنبذ الكثرة التي لا قرار لها ، والأخذ بأسباب النجاح والفلاح في الدنيا والآخرة ، حتى نعود كما كان أسلافنا " يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة " ، فهذه الأمم قد تداعت على أمة الإسلام والمسلمين على الرغم من اختلاف مشاربهم وعقائدهم ، كتداعي الأكلة على قصعتها ، ودافعهم النهمة الشديدة والطمع الشديد لأعداء المسلمين في خيرات المسلمين ، الذين يتنافسون ويتصارعون فيما بينهم، أيهم تكون له حصة الأسد؟!

وأدعو من لم يشاهد ذلك المقطع أن يشاهده ... لنوقن أنها أمم أمثالنا تعيش وتحافظ على وجودها ، وتقاوم من يعتدي عليها ، بل تنكل به وتدفعه حيث لا رجعة لتكرار عدوانه عليها . قال تبارك وتعالى : " وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ " ، فهي أمم أمثالنا في الخلق والرزق والموت والبعث والاقتصاص وتوقي المهالك ، قال الإمام القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرءان "إلا أمم أمثالكم "أي هم جماعات مثلكم في أن الله خلقهم وتكفل بأرزاقهم وعدل عليهم فلا ينبغي أن تظلموهم ولا تجاوزوا فيهم ما أمر تم به " .

والخالق عز وجل كرم بني آدم على سائر الكائنات وفضلهم على كثير من خلقه كما قال تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً). وميزهم بالتكليف الذي رفع عن البهائم والدواب . ومن الناس من أبى إلا أن يكون كالدواب بل أضل سبيلاً " إنْ هُمْ إلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً"  ...

نسأل الله تعالى أن يمن على أمتنا بقائد عظيم صاحب قرار حكيم ذو علم ودراية ، يستنهض الأمة لتعود كما كانت خير أمة أخرجت للناس ... وما ذلك على الله ببعيد .

والحمد لله رب العالمين

عيسى القدومي

 

.