دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

تحصيل الأنس لزائر القدس

 

 

"تحصيل الأنس لزائر القدس"

 

نشر: 14/5/2010 – جريدة الغد الأردنية

 

أسامة شحادة

يأتي صدور كتاب "تحصيل الأنس لزائر القدس" المتعلق بالقدس، في وقت تتعرض فيه مدينة القدس إلى هجمة يهودية شرسة جديدة، تحاول ابتلاع القدس وسلبها من أهلها عبر التهجير والاستيلاء والاستيطان الغاشم، والاعتداء على المسجد الأقصى والقدس لم يقتصر على الجانب المادي فقط، بل يمتد إلى الجانب المعنوي من خلال ترويج الأكاذيب عن ضعف مكانة الأقصى والقدس في الإسلام، بعكس مكانة القدس والهيكل في اليهودية!! وأن مكانة القدس لدى المسلمين هي من صنع الأمويين فقط!!

ولما للقدس من مكانة عظيمة عند المسلمين فقد تتابع العلماء على إفراد الكتب في فضائل بيت المقدس والمسجد الأقصى، وعلى منوالهم سار ابن هشام الأنصاري في كتابه، فقد جمع فيه بعض الآيات والأحاديث والآثار في فضل المسجد الأقصى وبركته وبركة الأرض المقدسة حوله، وشد الرحال إليه، مما يوطن في النفوس حب المسجد الأقصى وحب بيت المقدس، ويربط المسلمين كافة بأولى القبلتين بروابط محكمة لا تنفك، ولذلك رغم مرور قريب من نصف قرن على احتلال القدس إلا أن أحفاد المرابطين في القدس من المغرب وأفريقيا وغيرهم
ما يزالون يرابطون في أحيائهم المعروفة في القدس القديمة برغم المعاناة التي تطالهم من اعتقال وحصار وقتل، في امتداد لمسيرة أجدادهم المرابطين والمجاهدين في القدس.

لأول مرة يطبع كتاب "تحصيل الأنس لزائر القدس" وهو من الكتب غير المعروفة لجمال الدين أبي محمد عبدالله بن هشام الأنصاري، النحوي الشهير مؤلف " قطر الندى" و "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" و"الإعراب عن قواعد الإعراب"، ومن هنا تأتي أهمية خروج هذه المخطوطة إلى عالم النور بعد مئات السنوات.

وقد قام على إخراج هذا الكتاب وضبطه وتخريجه وكتابة مقدمة مهمة حول رد شبهات المستشرقين واليهود حول المسجد الأقصى الأخوان الكريمان عيسى القدومي وخالد نواصره، وذلك عن مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية.

كما نبه ابن هشام على بعض المفاهيم والسلوكيات غير الصحيحة حول القدس والمسجد الأقصى، مثل زعم بعض الناس أن دكة المؤذنين في الأقصى هي عرش بلقيسّ!! أو اجتماع البعض يوم عرفة عند الصخرة وبعضهم يطوف بها!!! وعند الغروب ينفرون ويرجعون القهقرى!! وهذا كله مما لا يصح شرعاً بل هو ضلال.

ومما زاد الكتاب قيمة المقدمة الضافية والقيمة حول تفنيد مزاعم اليهود بعدم قدسية ومكانة القدس عند المسلمين، هذه المزاعم التي روجها بعض المستشرقين والباحثين اليهود، والتي اعتمدوا فيها على روايات مكذوبة ومخترعة في بعض كتب الشيعة تعتبر أن المسجد الأقصى هو مسجد في السماء!! وخرافات تبنتها شخصيات وفرق ضالة كالقاديانية التي تزعم أن المسجد الأقصى هو في قاديان بالهند!! وبعض من القاديانيين يجعل المسجد النبوي هو المسجد الأقصى!! وهذا يوضح سبب دعم إسرائيل لانتشار القاديانية بين الفلسطينيين.

رصدت المقدمة المسجد الأقصى في كتابات اليهود والمستشرقين، وفندت مزاعمهم، ونذكر منها النقاط التالية:

-1 زعمهم أن المسجد الأقصى مسجد في السماء، وهذا قول باطل لم يعرف إلا في بعض مصادر الشيعة، وقد تبناه اليوم جعفر العاملي في كتابه"المسجد الأقصى أين" وكتابه"صحيح السيرة"، ومن الغريب أن جعفر العاملي هو ضيف دائم في قناة المنار!!

والقرآن قد نص على وجود بركة حول المسجد الأقصى فكيف بورك ما حوله وهو في السماء؟ والنبي صلى الله عليه وسلم أخبرنا" أنه ثاني مسجد وضع في الأرض" فكيف يكون في السماء؟

-2 زعمهم أن الأمويين هم الذين روجوا أحاديث فضائل القدس والمسجد الأقصى بواسطة الإمام الزهري، نكاية في ابن الزبير!! وهذا من أبطل الباطل، ففضل الأقصى والقدس ورد في القرآن الكريم أصلاً، ولم ينفرد به الأمويون أو الزهري!! كما أن الزهري لم يقابل الأمويين إلا بعد وفاة ابن الزبير!! وبعد هذا كله فإنه لم يذكر هذه الفرية إلا المؤرخ اليعقوبي وهو شيعي كاره لبني أمية!!

-3 زعمهم أن علماء الحديث أنكروا أحاديث فضائل بيت المقدس، وهذه الفرية مثال عملي لخداع وخيانة اليهود والمستشرقين للبحث العلمي، فالحقيقة أن علماء الحديث لدقتهم وأمانتهم العلمية بينوا بطلان بعض الروايات في فضائل بيت المقدس لعدم استيفائها الشروط الدقيقة، ومع تعظيمهم للأقصى وبيت المقدس إلا أن هذا لا يبرر اعتماد وترويج روايات لم تثبت بشكل علمي، فالآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة غنية عن الروايات الضعيفة المكذوبة.

-4زعمهم أن المسجد الأقصى والقدس لم يكن لهما دور في الإسلام كمركز للثقافة والحضارة، وفي هذا تجاوز على بدهيات التاريخ التي منها أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب قد قدم بنفسه من المدينة المنورة لفتح القدس، وأذن بها بلال لأول مرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سكن القدس العديد من الصحابة رضوان الله عليهم لما للقدس من مكانة ودور وقد كلف الفاروق الصحابي عبادة بن الصامت رضي الله عنه القضاء والتعليم في بيت المقدس.

وقد تتابعت المدارس في القدس بعد ذلك حتى بلغت في بعض الأحيان أكثر من ستين مدرسة، وقد عرف التاريخ الإسلامي العديد من العلماء الذين نسبوا للقدس وعرفوا باسم "المقادسة" أو "المقدسي".

-5 زعمهم أن مكانة المسجد الأقصى والقدس كانت موضع خلاف في بداية الإسلام وأن هذه المكانة حديثة العهد، ويبطل هذا أن فضل الأقصى والقدس ذكر في القرآن، ولم يستطع هؤلاء اليهود والمستشرقون إيراد نص عن أي عالم مسلم يدل على زعمهم هذا، بل تاريخ القدس في الإسلام يبرهن على أن القدس كانت تستقبل الكثير من المسلمين من مختلف البلدان للمجاورة في القدس وفي أوقات الجهاد كانت القدس وجهة كثير من المرابطين للجهاد.

لقد أحسن الأخوان الكريمان عيسى القدومي وخالد نواصره في إخراج هذا الكتاب لعالم النور وتفنيد شبهات أعداء الأقصى والقدس في هذا الوقت العصيب من تاريخ القدس، من خلال الجمع بين التراث والمعاصرة لتكتمل العدة في الدفاع عن القدس.

 

 

.