فتاوى فلسطينية / الفقه والأحكام

زيارة القدس وقبر الخليل وبعض البدع والسنن/ شيخ الإسلام ابن تيمية

السؤال: سُئِلَ رَحِمَهُ اللهُ عَنْ زيارَةِ القُدْسِ وقَبرِ الخليلِ عَليهِ السلامُ، وما في أكْلِ الخُبزِ والعدسِ مِنَ البَرَكةِ، ونقلِهِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ للبَركَةِ، وما في ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ والبِدعَةِ؟ ([1])

 

الإجابَةُ: الحَمدُ للهِ، أمَّا السَفَرُ إلَى بَيْتِ المَقْدِسِ للصلاةِ فيهِ، والاعتكافِ، أو القراءَةِ، أو الذِكْرِ، أو الدعاءِ فَمَشروعٌ مُستحبٌّ باتفاقِ عُلماءِ المُسلِمينَ، وقد ثَبَتَ في الصَّحيحيْنِ عَنِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام مِنْ حَديثِ أبى هُريرةَ وأبى سَعيدٍ رضيَ اللهُ عنهُما أنَّهُ قالَ: ( لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَساجِدَ: مَسجدِ الحَرَام،ِ ومَسجدِ الأَقْصَى، ومَسْجِدي هذا )([2])، والمَسجِدُ الحَرَامُ ومَسجِدُ رَسُولِ اللهِ عليه الصلاة والسلام أفضَلُ مِنهُ؛ وفى الصحيحَيْنِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أنَّهُ قالَ: ( صلاةٌ في مَسجدي هذا خَيرٌ مِنْ ألفِ صلاةٍ فيما سِواه إلاَّ المَسجدَ الحَرَامَ )([3]).

وأمَّا السَّفَرُ إِلَى مُجَرَّدِ زيارَةِ قَبْرِ الخليلِ أو غَيرِهِ مِنْ مقابِرِ الأنبياءِ والصالحينَ، ومَشاهِدِهِم وآثارِهِم، فَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ أحَدٌ مِنْ أئمَةِ المُسلمينَ، لا الأربَعَةُ ولا غَيرُهُم، بَلْ لو نَذَرَ ذَلِكَ ناذِرٌ لَمْ يَجِبْ عَليهِ الوفاءُ بِهذا النذرِ عِندَ الأَئِمَّةِ الأربَعَةِ وغيرِهِم، بِخلافِ المَساجِدِ الثلاثَةِ، فإنَّهُ إذا نَذَرَ السفرَ إِلَى المَسجِدِ الحَرَامِ لِحَجٍّ أو عُمرَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ باتفاقِ الأَئِمَّةِ، وإذا نَذَرَ السفَرَ إِلَى المَسجدينِ الآخَرَينِ لَزِمَهُ السفرُ عِندَ أكثرِهِم كَمالِكٍ وأحْمَدَ والشَّافِعِيِّ في أظهَرِ قولَيهِ، لِقولِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام: ( مَنْ نَذَرَ أنْ يُطيعَ اللهَ فَلْيُطعْهُ، ومَنْ نَذَرَ أنْ يَعْصِيه فلا يَعْصِهِ )([4]) رواهُ البخارىُّ، وإنَّما يَجِبُ الوفاءُ بِنَذْرِ كُلِّ ما كَانَ طاعَةً مِثْلَ مَنْ نَذَرَ صَلاةً أو صَومًا أو اعتكافًا أو صَدَقةً للهِ أو حَجًّا، ولِهذا لا يَجِبُ بالنَّذرِ السفَرُ إِلَى غَيرِ الْمَساجِدِ الثلاثَةِ، لأنَّهُ ليسَ بِطاعَةٍ لِقَولِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام: ( لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَساجِدَ...)([5])، فَمَنَعَ مِنَ السَفَرِ إِلَى مَسجِدٍ غَيرِ المَساجِدِ الثلاثَةِ ، فغيرُ المَساجِدِ أَوْلى بالمَنعِ؛ لأَنَّ العبادَةَ في المَساجِدِ أفضلُ منها في غَيْرِ المَساجِدِ وغيرِ البيوتِ بلا رَيْبٍ، ولأنَّهُ قَد ثَبَتَ في الصَّحيحِ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أنَّهُ قالَ: ( أحَبُّ البقاعِ إِلَى اللهِ المَساجِد )([6])، مَعَ أنَّ قَولَهُ لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَساجِدَ يتناولُ المَنعَ مِنَ السفَرِ إِلَى كُلِّ بُقعَةٍ مَقصودَةٍ، بِخلافِ السَفَرِ للتجارَةِ، وطَلَبِ العِلْمِ ونَحوِ ذَلِكَ، فإنَّ السَفَرِ لِطَلَبِ تِلكَ الحاجَةِ حيثُ كانَتْ وكَذَلِكَ السفرُ لزيارَةِ الأخِ في اللهِ فإنَّهُ هُوَ المَقصودُ حيثُ كانَ.

 

المصدر: موسوعة الفتاوى الفلسطينية ص129.



([1]) المرجع: مجموع فتاوى شَيْخِ الإِسلامِ ابنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللهُ، (27 /20).

([2]) رواه البخاري رقم ( 1995 )واللفظ له، ومسلم رقم (1379) .

([3]) رواه البخاري رقم (1190 ) واللفظ له ، ومسلم  ( 1394 ).

([4]) رواه البخاري رقم ( 6696 ).

([5]) سبق تخريجه ص .

([6]) رواه مسلم رقم ( 671 ) من حديث أبِي هُريْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ: ( أَحَبُّ البِلادِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ الْبِلادِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ).

.