فلسطين التاريخ / تقارير

بيان حول مسابقة ما يسمى: ملكة جمال فلسطين

بسم الله الرحمن الرحيم

 

فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا

بيان حول مسابقة ما يسمى " ملكة جمال فلسطين"

 

غزة – مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية – الشيخ: بسام الصفدي حفظه الله:

 

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، وبعد :

      ففي الوقت الذي يعاني فيه شعبنا –في غزة والضفة والشتات- الآلام والويلات ، من حصار وتضييق ، وعذاب وتشريد ، وقتل وأسر ، وظلم وبطش ، مع توسع للاستيطان ، وتهويد للقدس ، وهدم للبيوت ، ومصادرة للأراضي ، وتسلط للأعداء ، مما يفتِّت الأكباد ، ويقطِّع القلوب ، وتشيب منه الرؤوس ، كل هذا وغيره يحدث مع قلة الناصر ، وضعف المعين ، وتعاظم المكر ، وكثرة الكيد ، وخذلان القريب والبعيد ، حتى لم يبق لنا إلا الله القريب المجيب .

       في هذا الوقت المر العصيب تعلن شركة أزياء فلسطينية " تريب فاشن" في الضفة الغربية "رام الله" على لسان مديرتها "سلوى يوسف" عن مهزلة ما يسمى مسابقة "ملكة جمال فلسطين" .

        وقالت مديرة الشركة : إن هذا الحدث هو الأول من نوعه في الوطن، يجمع بين فتيات من الضفة الغربية، ومن أراضي عام 48 ... وقالت : إن كل مشاركة سترتدي أربعة فساتين ، وإنه تم التغاضي عن لباس البحر ، بسبب عادات وتقاليد مجتمعنا الفلسطيني ، باعتباره مجتمع محافظ ... وأضافت : إن المسابقة تلقت الدعم المعنوي من السلطة الوطنية ، حيث سيشارك في لجنة التحكيم وزارة الإعلام ، والثقافة ، إضافة إلى دعم مادي من بعض الشركات المحلية ... وأعربت عن أملها بأن تنجح المسابقة، وأن يكون هناك مشاركات فلسطينية عالمية في المستقبل في العديد من المسابقات الفنية والثقافية ، وقالت : إن الفائزة في المسابقة ستحصل على سيارة حديثة ، ورحلة إلى تركيا لمدة عشرة أيام ، إضافة إلى عشرة آلاف شيقل .... إلى غير ذلك من المخازي التي بثتها وسائل الإعلام .

        ما أبأس الإنسان وأشقاه حين تنطمس بصيرته ، وتنتكس فطرته ، ويجترئ على ربه ، وينسلخ من الحياء ، ويتجرد من العفة والطهارة ، والمروءة والأخلاق ، ولا تزيده المصائب والنكبات إلا عتواً وفجوراً واستكباراً وتمرداً على شريعة خالقه .

         تالله لو أن الذي حلَّ بنا وأصابنا أصاب شعباً ملحداً كافراً بالله ؛ لسلك إلى العزة والكرامة كل سبيل ، وترفَّع عن السفاسف والدنايا ، ونفض عن كاهله غبار الذل والهوان ، ولم يرض لنفسه أن يرتع في الأوحال وقد أصابه ما أصابه .

        أيليق بشعب لم تجف دماء أبنائه ، ولم تندمل جراحهم ، ويرقد من أبنائه في سجون عدوه أحد عشر ألف أسير ، وقد ركبه من الذل والهوان ، والألم والمصاب ما لو وُزِّع على أهل الأرض لوسعهم وكفاهم - ، أيليق بمن هذا حاله أن يصنع هذا .

         إن الله تعالى يبتلي العباد بالحسنات والسيئات ، والخير والشر ، والشدة والرخاء حتى يعودوا إليه ، ويقلعوا عن ذنوبهم ومعاصيهم ، لا أن يزيدوا في عتوهم وضلالهم واستكبارهم .

         قد يُتصور ممن ابتلي برغد العيش ، وفتن الدنيا وملهياتها ، أن لا يرفع رأساً بدين ولا خلق ولا عزة ولا كرامة ، أما من حاله كحالنا قد نزلت به النوازل ، ودهته الدواهي ، وركبه المصاب ، وأثقلته المحن ، فلا والله لا يقبل منه إلا العزم والحزم ، والمضاء والإباء ، والجد والاجتهاد ، والصبر والمصابرة ، والتوبة والإنابة ، والذلة والانكسار بين يدي العزيز الجبار حتى يكشف عنها ما هو فيه .

       قال تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ، فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [الأنعام43،42] .

        قال ابن كثير : " قَوْله : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَم مِنْ قَبْلك فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ ) يَعْنِي : الْفَقْر وَالضِّيق فِي الْعَيْش  (وَالضَّرَّاء ) وَهِيَ الْأَمْرَاض وَالْأَسْقَام ( لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ ) أَيْ : يَدْعُونَ اللَّه وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ وَيَخْشَعُونَ ... ( فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسنَا تَضَرَّعُوا ) أَيْ : فَهَلَّا إِذْ اِبْتَلَيْنَاهُمْ بِذَلِكَ تَضَرَّعُوا إِلَيْنَا وَتَمَسْكَنُوا لَدَيْنَا (وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبهمْ ) أَيْ : مَا رَقَّتْ وَلَا خَشَعَتْ  (وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَان مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) أَيْ : مِنْ الشِّرْك وَالْمُعَانَدَة وَالْمَعَاصِي " [ التفسير 6/36] .

         وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " في هذه الآية الكريمة حث من الله سبحانه لعباده ، وترغيب لهم إذا حلت بهم المصائب من الأمراض والجراح والقتال والزلازل والريح والعاصفة وغير ذلك من المصائب، أن يتضرعوا إليه ويفتقروا إليه فيسألوه العون " [مقال للشيخ على موقعه بعنوان "واجب التوبة إلى الله عند حلول المصائب" ] .

       وقال سيد قطب رحمه الله : " إنها المواجهة بنموذج من بأس الله سبحانه ، نموذج من الواقع التاريخي ، نموذج يعرض ويفسر كيف يتعرض الناس لبأس الله ، وكيف تكون عاقبة تعرضهم له ، وكيف يمنحهم الله الفرصة بعد الفرصة ، ويسوق إليهم التنبيه بعد التنبيه ؛ فإذا نسوا ما ذكروا به ، ولم توجههم الشدة إلى التوجه إلى الله والتضرع له ، ولم توجههم النعمة إلى الشكر والحذر من الفتنة ؛ كانت فطرتهم قد فسدت الفساد الذي لا يرجى معه صلاح ، وكانت حياتهم قد فسدت الفساد الذي لا تصلح معه للبقاء . فحقت عليهم كلمة الله . ونزل بساحتهم الدمار الذي لا تنجو منه ديار " [الظلال 3/212،211] .

وقال تعالى : ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) [الأعراف 168] .

وقال سبحانه : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) [الأنبياء 35] .

        قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " فإن الله عز وجل بحكمته البالغة ، وحجته القاطعة ، وعلمه المحيط بكل شيء ، يبتلي عباده بالسراء والضراء، والشدة والرخاء، وبالنعم والنقم، ليمتحن صبرهم وشكرهم، فمن صبر عند البلاء، وشكر عند الرخاء وضرع إلى الله سبحانه عند حصول المصائب، يشكو إليه ذنوبه وتقصيره ويسأله رحمته وعفوه، أفلح كل الفلاح وفاز بالعاقبة الحميدة ... قال عز وجل: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) ، وقال سبحانه : (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والحسنات هنا : هي النعم من الخصب والرخاء والصحة والعزة ، والنصر على الأعداء ونحو ذلك ، والسيئات هنا : هي المصائب ، كالأمراض وتسليط الأعداء والزلازل ، والرياح والعواصف والسيول الجارفة المدمرة ونحو ذلك ... " [ المقال السابق ] .

وإزاء هذه المهزلة والمهانة نؤكد على ما يلي :

أولاً : إن أبناء الإسلام في فلسطين يبرءون إلى الله من هذه المهازل والمخازي، ويسألونه أن يعينهم

على وأدها ومحاربتها وتسفيهها .

ثانياً : إن الواجب على أهل العلم وحملته في العالم الإسلامي عامة ، وفي فلسطين خاصة أن يقفوا في وجه التغريب والإفساد الذي يراد لأهل بيت المقدس ، وأن يبينوا للناس خطورة ما يجري ، وأن ينصحوا الجهات القائمة على تلك المهزلة بالسبل المتاحة ، فإن استجابوا وإلا فالإنكار بالمستطاع ، أداء لأمانة العلم ، وإبراء للذمة ، وإعذاراً إلى الله حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً .

ثالثاً : إن الذنوب والمعاصي أساس كل بلية ، وسبب كل مصيبة تصيب الناس في دنياهم وأخراهم ، وإن الإيمان بالله وتوحيده ، وطاعته وطاعة رسوله ، والتزام أمره وشريعته أساس كل خير يعود على الناس في دنياهم وأخراهم .  

 

.