أنشطة المركز / فعاليات

من فعاليات أسبوع الأقصى الاول - الكويت الأقصى في الإسلام ومنزلة الشعر في الإسلام

الأقصى في الإسلام ومنزلة الشعر في الإسلام

محمود الحمود 

          الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين أما بعد .

فقد كان للشعر عند العرب منزلة عظيمة وهو كما قال ابن عباس ( ديوان العرب ) ، فقد كان الشعر عند العرب بمثابة وزارة الإعلام بل بمثابة وزارة الإعلام والثقافة والتربية فلا غرابه أن يحتفل العرب إذا نبغ شاعر فيهم وأن يقيموا للشعر والشعراء الأسواق والمهرجانات العظيمة فهم يدركون ما للشعر من منزلة عندهم فبيت واحد من الشعراء يرفع قبيلته إلى الأوج ويأت آخر يهبط بمنزلة قبيلة أخرى إلى الحضيض ، والشواهد على ذلك كثيرة لا تخفى .

          وإذا نظرنا إلى كتب الحديث والسيرة وكتب التاريخ والكتب المصنفة في أسماء الصحابة وسيرهم تبين لنا أن كثيراً من الصحابة كانوا شعراء أو خطباء يعرفون كلام العرب وخطبهم ويتذوقون الشعر والنثر وجوامع الكلم .

          وقد جاء مدح الشعر والشعراء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم ، ويقصد بذلك الشعر الحسن الذي يأخذ بمجامع القلوب ويسحر ألو الألباب فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابن  عمر رضي الله عنهما قال ( قدم رجلان من المشرق فخطبا فعجب الناس لبيانهما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن من البيان لسحر " ) أي يسحر القلوب ويشد الأسماع وفيه أيضاً من حديث أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن من الشعر لحكمة " والحكمة هي ما وافق الصواب أو ما وافق الحق فبيت الشعر الحكيم يحض الإنسان على فعل الخير وترك الشر.

 

          وقد ذكر ابن هشام وغيره ممن ألف في السيرة أشعاراً كثيرة فيما يتعلق ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم وحياته وجهاده وغزواته وسيرته وما قال فيه أهل الشرك وما قاله فيه دفاعاً أهل الإسلام والنبي صلى الله عليه وسلم كان يسمع الشعر ويستحسنه ويطلب سماعه ويحرص على ذلك أحياناً كما في الحديث المتفق عليه أنه صلى الله عليه وسلم مدح بيتاً من الشعر فقال " أصدق كلمة قالها شاعر لبيد" أو كلمة لبيد يقصد لبيد بن ربيعة العامري وهو أحد الشعراء الفرسان وأحد أصحاب المعلقات أدرك الإسلام وآمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وترك الشعر يقول عليه الصلاة والسلام : " أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد ( ألا كل شيء ما خلى الله باطل كل شيء سوى الله فهو باطل ) قال هذه أصدق كلمة قال شاعر . ويقول الشريد بن سويد ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقال " هل معك من شعر أمية ابن أبي الصلت شيء " و أمبة ابن أبي الصلت كان من حكماء الجاهلية وممن ينطق شعره بالتوحيد ونفي الوثنية وكان لا يأكل ما قدم للأصنام ، وشعره يفصح بالحكمة فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي هل معك من شعر أمية ابن أبي الصلت شيء قال نعم قال هِيه يعني قل وتكلم فأنشده بيتاً فقال هِيه قال ثم أنشديه بيتاً فقال هِيه حتى أنشدته مائة بيت وهو يستمع عليه الصلاة والسلام ، يقول الإمام القرطبي " وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعاً وطبعاً وإنما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية لأنه كان حكيماً ، النبي صلى الله عليه وسلم كان يحفظ بعض الأشعار ولم يكن هو صلى الله عليه وسلم شاعراً ولم يقول الشعر بل هو أكرم وأرفع قدراً من أن يكون شاعر .

 

          قال عز وجل ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) ، ولكنه عليه الصلاة والسلام كان يحفظ بعض الأبيات ، ففي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم دميت إصبعه ( جرحت ) فقال " ما أنت إلا إصبعٌ دميت وفي سبيل الله ما لقيت " ، وعن البراء قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقل التراب يوم الخندق حتى اغبر بطنه يقول " والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن السكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الأولى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا " يرفع بها صوته أبينا أبينا ، والحديث في الصحيحين .

          وأيضاً عن أنس جعل المهاجرون والأنصار يحفرون الخندق وينقلون التراب وهم يقولون " نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا " ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجيبهم قائلا " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة عليه أفضل الصلاة والسلام .

          والله سبحانه وتعالى قد ذكر الشعر والشعراء في كتابه وبيّن أن منهم المؤمنون ومنهم سوى ذلك ، قال سبحانه وتعالى ( والشعراء يتبعهم الغاوون ألم ترى انهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .

 

          كعب ابن مالك من شعراء الصحابة رضي الله عنه وأرضاه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد أنزل في الشعر ما أنزل ، يقصد هذه الآيات فقال صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما ترمونهم به    النبل المؤمن يجاهد بلسانه ويده  " فجعل الشعر من الجهاد باللسان إذا كان موجهاً ضد دعايات أهل الشرك والكفران فاضحاً لخططهم وأساليبهم مبيناً لعوارهم محذراً من سلوك سبيلهم وهذا الحديث رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح حتى حسان ابن ثابت وهو شاعر الرسول صلى الله عليه وسلم الأول قال له اهجوا المشركين فإن جبريل معك اهجوا المشركين والهجاء الذم والعيب لأهل الشرك قال له اهجوا المشركين فإن جبريل معك وكان يقول أيضاً لحسان " أجب عني اللهم أيده بروح القدس اللهم أيده بروح القدس " يعني جبريل عليه السلام الذي هو كبير الملائكة ورئيسهم فكان مؤيداً بجبريل .

          ويقول أيضاً عليه الصلاة والسلام كما في حديث عائشة عند مسلم " اهجوا قريش فإنه أشد عليهم من رشق النبل " هذا كما قاله العرب ( وجرح اللسان كجرح اليد ) هذه القصائد كانت تجرحهم كجرح السهام والسيوف لأن للشعر عندهم منزلة عظيمة ، ويقول لحسان " إن روح القدس لا زال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله " ، نافحت يعني دافعت .

          وقال عليه الصلاة والسلام " هجاهم حسان فشفى واشتفى " ، شفى صدور المؤمنين لأن في قلوب المؤمنين غيظ على أعداء الله إذا هجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أهل الشرك قد وقعوا في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا فيه فانتصر حسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقال فيما قال ( فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاءوا هجوت محمداً براً كريماً رسول الله شيمته الوفاء ) في أبيات عظيمة ذكرها الإمام مسلم في صحيحه .

          لكن يا اخوة الشعر كلام حسنه حسن وقبيحة قبيح وهذا ما جاء الشرع بذمه وذم الاستكثار منه ، يقول عليه الصلاة والسلام " لأن يمتلئ جوف رجلٍ قيحاً يريه خير من أن يمتلئ شعراً " والحديث في الصحيحين ، لأن يمتلئ بالقيح ويفسد جوفه وبطنه خير له من أن يمتلئ شعراً ، ويمتلئ بالشعر دون ذكر الله ودون كتاب الله فيكون ما يحفظ من الشعر والكلام أكثر مما يعرف من كتاب الله وكلامه .

          وعن أبي سعيد الخدري قال : بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان ، لأن يمتلئ جوف رجل قيحاً خير له من أن يمتلئ شعراً " والحديث في مسلم .

          قال العلماء إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بهذا الرجل لما علمه من حالة فلعله كان ممن عرف من حاله أنه اتخذ الشعر طريقة للكسب فيفرط في المدح إذا أعطي وفي الهجوا والذم إذا منع فيؤذي الناس في أموالهم وأعراضهم ولا خلاف أنه من كان على مثل هذه الحالة أن شعره مذموم ويقول عليه الصلاة والسلام " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً ، وأن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون "  الثرثرة والكلام فيما لا ينفع ولا يفيد ويضيع الزمان هذا مذموم ومكروه وكذلك إذا اشتمل على قبيح أو اشتمل على تشبيب بامرأة مسلمة أو تكلم في عرض فلان وفلان فإن هذا يصل إلى درجة التحريم ، يقول القرطبي رحمه الله ( وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم فهو المتكلم بالباطل حتى يفضل أجبن الناس على عنترة وأشحهم على حاتم وأن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي وأن يفرطوا بالقول بما لم يفعله المرء رغبة في تسلية النفس وتحسين القول ) وللأسف الشديد أن كثيراً من صفحات الجرائد اليوم تطفح بمثل هذا الشعر الذميم الذي ليس فيه إلا التشبيب بالنساء وذكر محاسنهن وذكر الحب والغرام والهيام والبعد عن ذكر الله تبارك وتعالى والانتصار لقضايا المسلمين المعاصرة ولمس جروحهم والبعد كذلك عن العيش في آلامهم وآمالهم فإن هذا يدل على بعد صاحبه عن الإسلام فإن من لم يهتم بأمر المسلمين ليس منهم كمال قال بعض السلف.

 

          أما أيها الأخوة أختم كلمتي بما جاء عن المسجد الأقصى السليب حرره الله تعالى وسهل ذلك فقد جاء في هذا المسجد المبارك آيات من كتاب الله أعظمها وأوضحها قوله عز وجل في مطلع سورة الإسراء بعد تسبيح نفسه وتنزيهها قائلاً ( سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ) ، يسبح الله تعالى نفسه على هذا الفعل العظيم العجيب لكون النبي صلى الله عليه وسلم يسرى به في ليلة واحدة فيصل من مكة من المسجد الحرام يصل إلى بيت المقدس إلى المسجد الأقصى ثم يعود في نفس الليلة بعد أن يعرج به إلى السماوات العلى وهذا كله من عجيب قدرة الله وليس على قدرة الله سبحانه وتعالى شيء بعيد ولا عجيب لكنه مما يتعجب منه في ما نعلمه من النواميس العادية  الطبيعية ، وعاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة وأصبح بين ظهراني قومه وطفق قومه يسألونه أتزعم أنك أتيت بيت المقدس في ليلة وأصبحت فينا ونحن نضرب اليه أكباد الإبل في شهر ، صف لنا بيت المقدس ؟ فكرب النبي صلى الله عليه وسلم كربة ما كرب مثلها لأنه ضاعت عليه بعض أوصاف البيت قال لما كذبتني قريش في الحجر كربت كربة فجلى الله لي بيت المقدس كشف لي ستار الغيب فنظر إلى بيت المقدس فما يسألونه عن شيء إلا ويخبرهم بصفته وشكله حتى أقام عليهم الحجة وقطع عنهم العذر في التكذيب ، وصلى عليه الصلاة والسلام بالأنبياء الكرام وجمعوا له في تلك الليلة فرأى ابراهيم وموسى وعيسى وآدم عليهم الصلاة والسلام وصلى بهم في ذلك المكان المقدس المبارك ثم عرج به إلى السماوات العلى ، وبيت المقدس كما جاء في الصحيحين أحد المساجد الثلاثة التي يجوز للرجل أن يشد الرحال إليها بقصد العبادة والصلاة فيها ، قال عليه الصلاة والسلام " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى " والمسجد الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام بناه يعقوب عليه الصلاة السلام حفيد ابراهيم عليه الصلاة والسلام وجدد عمارته سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام ففي مسند الإمام أحمد ( أن سليمان لما بنى بيت المقدس سأل ربه ثلاث فأعطاه اثنتين وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة ، سأله حكماً يصادف حكمه فأعطاه إياه ، وسأله ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده فأعطاه إياه ، وسأله أيما رجل خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة فيه في هذا المسجد خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه ) .

 

    ويقول أيضاً أبو ذر ( تذاكرنا ونحن عند النبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس فقال صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ( يعني الصلاة تعدل فيه خمسين ومائتين صلاة ) ولنعم المصلى هو ، وليوشكن أن يكون للرجل مثل بسط فرشه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا أو قال خير له من الدنيا وما فيها ) .

 

          وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رؤية بيت المقدس اليوم على المسلمين شبه مستحيلة لأن يفرش بسطه فيجلس ويرى بيت المسجد خير له من الدنيا وما فيها لأنه ممنوع عليه وهو أولى القبلتين فقد صلى الله عليه وسلم إليه النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر أو سبعة عشر شهراً قبل أن يحول إلى المسجد الحرام وهذا المسجد السليب الذي غصبه أعداء الله من اليهود لن يعود الى المسلمين إلا بعد أن يعودوا إلى دينهم يرفعوا الذل عن أنفسهم بترك معصية الله والتوبة إلى الله وإصلاح الأحوال مع الله تبارك وتعالى فعند ذلك يهيئ الله عز وجل رجوعه للمسلمين بإذنه " ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله " وإنه ليوم آتٍ قريب إن شاء الله إن اجتهدنا في طاعة الله وفي دعوة من قصر منا وزجره عن معصية الله وأن لا يكون ذلك بحماسات فارغة لا تجدي عن المسلمين شيئاً ولا تقدم ولا تأخر بل الطريق لا بد أن يكون بالعودة إلى كتاب الله وتحكيمه بيننا وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفهم صحابة نبينا عليه أفض الصلاة والتسليم .

 

أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بما قلنا من الحق والحمد لله رب العالمين

.