فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار
تقرير: فظاعات معبر قلنديا: إذلال يومي للوصول إلى المدينة المقدسة
تقرير: فظاعات معبر قلنديا: إذلال يومي للوصول إلى المدينة المقدسة
التاريخ: 20/4/1431 الموافق 05-04-2010
شارك مراسل وكالة "اسوشييتدبرس" العالمية المعاناة التي يقاسي الفلسطينيون منها عند معبر قلنديا، واطلع بنفسه على التجاوزات والاهانات التي يمارسها جنود الاحتلال من دون تفرقة بين نساء او اطفال او كبار السن. وسرد في تقريره الذي بثته الوكالة اليوم الاحد يوميات المكان والعابرين ليصوغ صورة سوداء لسياسات الفصل العنصري الاسرائيلية والممارسات التي اتخذها المراسل عينة على فظاعات اسرائيل تجاه فلسطينيي القدس ومناوراتها في تهويد المدينة المقدسة وطرد سكانها الفلسطينيين باي وسيلة.
وجاء التقرير على النحو التالي: "بالنسبة لعشرات الآلاف من الفلسطينيين فإن الرحلة إلى مدينة القدس تبدأ من حظيرة رطبة مملوءة بالنفايات. وهم يتحركون داخل ممرات شبيهة بالأقفاص وحواجز دوارة ترتفع كل منها لأكثر من مترين، بينما يتحصن الجنود الاسرائيليون وراء زجاج مقاوم للرصاص لاجراء الفحوصات الامنية. وكثيرا ما يصرخ الجنود بهم عبر مكبرات الصوت. وهم الذين يفترض أن يعمل كل اثنين منهم في تأمين مرور مرور الأفراد بسرعة، بيد ان أحدهما يكون على الارجح نائما وواضعا قدميه على مكتبه.
معبر قلنديا بين رام الله والقدس هو المكان الذي يتم فيه الكشف عمن يعتقد الجنود انهم من المهاجمين المحتملين قبل عبورهم القدس. ويقول الفلسطينيون أن ما يجري هناك هو إذلال يومي لهم عليهم أن يتحملوه للوصول إلى أعمالهم وعائلاتهم ومواعيد علاجهم ومدارسهم. وبما ان الجدار الفاصل يخترق عددا من الأحياء العربية المقدسية فانه يجعل قلنديا الطريق الوحيد لحوالي 60 ألفا من دافعي الضرائب المقدسيين للوصول إلى مدينتهم. ثم ان عليهم هم أيضا الانتظام في طوابير مع عشرات الآلاف من مواطني الضفة الغربية الذين يريدون العبور الى اسرائيل للعمل، شريطة أن يتحلوا بالصبر، وأن تكون بحوزتهم تصاريح ولا يثيرون الشبهات.
وقد انتظرت "أسوشييتدبرس" معهم طيلة خمسة أيام:
*الأحد : أدخل زياد أبو جليل (36 عاما) يديه في جيوبه ليتفادى برد الصقيع قبيل الفجر أثناء دخول الحظيرة للانضمام إلى واحد من الطوابير الطويلة المتعددة. كان ذاهبا الى عمل يوفر له 35 دولارا كل يوم في مسلخ اسرائيلي، حيث يحمل الدجاج من الاقفاص ليتم ذبحه وفقا لاصول الشريعة اليهودية "الكاشروت".
حتى ماقبل عشر سنوات كانت رحلته من قريته التي تبعد 20 كيلومترا إلى الشمال تستغرق أقل من ساعة. وبعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية أواخر العام 2000، بدات الحواجز الاسرائيلية في الظهور. وأصبح معبر قلنديا بشكل متزايد أكثر إزعاجا، والآن يترتب على أبو جليل أن يستيقظ في الرابعة والنصف فجرا.
وعدا عن ساعات الذروة فإن اجتياز المعبر يمكن أن يتم خلال دقائق فقط. الا أن ابو جليل يجب أن يكون على رأس عمله قبل السابعة صباحا، وهو لا يعرف مطلقا كيف سيكون عليه طول الطابور في قلنديا.
وأحيانا ربما يتأخر قليلا عن عمله ويُعاد إلى بيته من دون أجر، ويقول ان: "المعبر هو دائما السبب في تأخرنا" .
وحتى التلميح الى ان شخصا يحاول تجاوز الطابور كاف لأن يشعل خلافات او شجارا باللكمات. وفي طابور ابو جليل، فان الرجال يقفون على بعد سنتيمترات من بعضهم، يمسكون معاطف من هم امامهم للمحافظة على مكانهم.
ويأخذ الطابور ابو جليل الى قفص طوله 4 امتار من القضبان المعدنية، عرضه بالكاد يسمح لرجل ضخم البنية وطويل القامة ان يقف فيه منتصبا. وفي الطرف البعيد، يضغط زر فتح الباب الدوار، سامحا لنحو 10 اشخاص بالمرور في كل مرة قبل ان يضغط زر اغلاقه مرة اخرى.
انها مشكلة شائعة. احيانا طوابير معينة تقبل فقط بطاقات هوية معينة، ولكن العمال لا يعرفون ذلك قبل ان يصلوا الى النافذة. والجندي يمكن ان يغلق نافذته من دون الاعلان عن ذلك، تاركا الناس ينتظرون سدى. وليس هناك خط ساخن او مشرف لتلقي الشكاوى.
وعندما وصل ابو جليل اخيرا الى النافذة، فحص جندي شاب يرتدي قبعة بيسبول بطاقة هويته قبل ان يومىء له بالعبور بحركة امالة للرأس. وهذا اللقاء الصامت هو الوحيد له مع اسرائيلي عند نقطة التفتيش.
مدة اجتياز المعبر اليوم 22 دقيقة.
*الاثنين: الشرطة الاسرائيلية تعتقل فلسطينيا عند قلنديا هذا الصباح بحوزته مسدس واربعة سكاكين. وقالت الشرطة انه اخبر المحققين بأنه كان يخطط لتنفيذ هجوم.
ويقول الناطق باسم الشرطة ميكي روزنفيلد ان حوالي 24 الف فلسطيني يجتازون قلنديا كل يوم سيرا على الأقدام او في سيارات وأن الشرطة لاحظت ارتفاعا في محاولات ادخال اسلحة منذ افتتاح المعبر عام 2005. ويمكنهم الآن اعتقال نحو 20 كل شهر. وفي حادثة مصورة في 25 تشرين الأول (نوفمبر) 2005، قامت امرأة فلسطينية بطعن حارس امن اسرائيلي في خاصرته.
ويزعم الناطق باسم الشرطة الاسرائيلية مارك ريغيف ان: "الناس ينسون ان المعبر هنا لسبب وليس لأن اسرائيل قررت جعل الفلسطينيين ينتظرون في طابور". ويقول ان الجدار والمعبر اقيما بعد "موجة من العمليات التفجيرية القاتلة جدا التي اودت بحياة مدنيين ابرياء".
وفي ذروة الهجمات في مطلع 2002، كانت العمليات التفجيرية حدثا شبه يومي في اسرائيل، وغالبا في القدس. ويقول ريغيف انه لم تقع اية عمليات تفجيرية منذ عامين، مما يثبت ان نقاط التفتيش ناجعة.
تحول معبرقلنديا على مر السنين من حاجز صغير يحرسه عدد قليل من الجنود إلى معبر كبير بحجم صناعي مزود بالتقنية التي تساعد على تسريع العملية. وبينما لا يزال معظم الافراد يبرزون بطاقات هوياتهم وتصاريحهم بشكل يدوي، فإن البعض أصبح يستخدم البطاقات الممغنطة أو يضعون أكفهم على ماسحات الأيدي الضوئية التي تزود الجنود ببياناتهم.
وتقول الشرطة إن هناك مسلكا خاصا بحركة سير الحافلات سيتم فتحه في غضون بضعة أسابيع. ومع ذلك، فإن الفلسطينيين يقولون إن من الممكن تشغيل العبور بطريقة أكثر كفاءة.
ويقول سمير وهو صاحب محل بقالة يبلغ من العمر 31 عاما: "نحن ندخل مثل الحيوانات ونخرج كالحيوانات، إنهم يجعلوننا ننتظر في بعض الأحيان بينما يلعب الجنود في الداخل".
ويقسم الحاجز ضاحية القدس التي يقيم فيها، تاركا إياه "في الداخل" والعديد من أقاربه "خارج" الجدار الاسمنتي المرتفع. ويضيف: "يفترض أن أصل الى منزل عمي بقطع خطوتين، لكن يستغرق الأمر ساعة حتى أصل هناك الآن".
مدة عبور الحاجز كما استغرق أبو جليل 22 دقيقة.
*الثلاثاء: قبيل الساعة السادسة صباحا، اقدم أحدهم على اختراق الصف في "الحظيرة" فصرخ الجميع عليه، فيما هم يتقدمون الى الأمام، وتحول سبيل العبور الى كتلة من الأجساد المتصارعة.
يقول مصطفى شبانة: "أعمل بالساعة، وإذا تأخرت سيخصمون من أجري". ويتقدم دافعا الجموع.
تتحرك الآن الصفوف ببطء. بينما يدوي صوت مجندة مشوشا من خلال مكبر صوت باللغة العربية: "إلى الوراء، إلى الوراء!" أو "جاكيت، جاكيت!" وهي تعني أن على المسافر أن يضع متعلقاته في جهاز الأشعة السينية.
وفي بعض الأحيان يتجشأ الجنود من خلال مكبرات الصوت على الناس العابرين أو يسخرون من محاولاتهم للتحدث بالعبرية.
ويختلط بالعمال عشرات الأطفال، بعضهم صغار في سن التاسعة، يحملون حقائب الظهر في طريقهم الى المدارس. وتفتح بعض الفتيات دفاتر لدراسة امتحان في مادة الجغرافيا.
يصل شبانة الى النافذة ليجد الجنديين غارقين في النوم داخل الكشك الزجاجي. ويطرق على النافذة فيقف أحد الجنود، ويفحص تصاريحه ثم يشير له بالمرور. أما الآخر المتدثر بمعطف، فلا يتحرك.
ورأى مراسل "الأسوشيتدبرس" الجنود ينامون في المقصورات أربع مرات خلال الأيام الخمسة على الحاجز. وحين أخبر بذلك الناطق باسم الجيش الاسرائيلي بيتر ليرنر، وهو منسق النشاطات الحكومية في الأراضي الفلسطينية، قال إنه "متفاجئ"، وأضاف: "لا بد من التحقق من هذا أكثر".
مدة العبورلهذا اليوم 45 دقيقة.
* الأربعاء: تنظر ريحانة عواد من خلال قضبان البوابة الدوارة بينما يندلع عراك. تفرق أحد الصفوف عندما دفع أحد الطلاب بشدة وقام عامل بلكمه في وجهه. ويخلع شاب آخر حزامه ملوحا ببكلته المعدنية قبل أن يقوم آخرون بتهدئته. وتقول ريحانة: "هذا أسوأ مكان رأيته في حياتي"، وتهز برأسها.
عبرت ريحانة قلنديا عدة مرات في الأسبوع خلال خمسة أعوام، منذ أصاب زوجها مرض الشلل الرعاش وسكتة دماغية وترك طريح الفراش في احدى مستشفيات القدس.
عائلة عواد من ضمن 60 ألف مقدسي يقيمون في جانب الضفة الغربية من الجدار. وتعني الضرائب التي تدفعها في القدس أن تأمينها يغطي نفقات بقاء زوجها في المستشفى، لكن عليها أن تعبر حاجز قلنديا لرؤيته.
وبينما تنتظر ريحانة عواد، وهي امرأة قصيرة بشعر مصبوغ، تفتح كرسيا مطويا تحضره معها لأن الوقوف في الصف يؤلم ساقيها.
وقد عاشت عواد وعائلتها في لوس أنجيليس لمدة 11 عاما، لكنها عادت لأن زوجها أراد أن يموت في المكان الذي ولد فيه. وقالت: "لقد ارتكبت أكبر خطأ في حياتي بالعودة الى هنا".
مدة العبور: 33 دقيقة.
* الخميس: عمل مصطفى طه (45 عاما) على مدى 15 عاما، في مسمكة يهودية في القدس. وهو يتحدث العبرية بطلاقة، ويعرف زبائنه ويكسب أكثر مما قد يفعل في الضفة الغربية.
يقول إن زملاءه اليهود لا يعلمون ما يمر به حتى يصل الى العمل. فالقانون الاسرائيلي يمنع الاسرائيليين من العبور الى المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، لذلك لا يكاد أحد منهم يرى قلنديا.
ويقول طه: "إذا تأخرت، فإن رئيسي في العمل يقول لي: لقد حصلت لك على تصريح، فكيف يمكن أن تتأخر؟ ليست لديه فكرة عما يبدو عليه الوضع هنا"، ويضيف: "لو كان هناك خيار آخر، لما وضع أحد نفسه في هذا الوضع، لكن عليك أن تعيش".
ويسير عبر البوابة الأخيرة، بجوار لافتة مكتوبة باللغات العربية والعبرية والانكليزية تقول: "تمتع بزيارة آمنة وممتعة".
مدة العبور: 25 دقيقة.
المصدر: صحيفة القدس