القدس والأقصى / عين على الاقصى

أضواء على جهود الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (2)

 

أضواء على جهود الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (2)

أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

إعداد / اللجنة العلمية

قبسات من أقوال العلامة محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (الحلقة الثانية)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

عود على بدء:

ذكرنا في الحلقة الماضية جانبا من مواقف وأقوال العلامة محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية ونستكمل في هذه الحلقة بإذن الله ما بدأناه وسيكون ذلك في اقتباسات نستخلص منها ما يكون فيه النفع والفائدة، ولسنا هنا في معرض الاستطراد وذكر الصفحات تلو الصفحات في كل مقال للهلالي، وكما يقولون "حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق"

مناصرة أهل فلسطين:

"إن مجاهدي فلسطين -لعمر الله! - ضربوا مثلا يشابه ما خلفه لهم أسلافهم، ولكن بقدر ما نال أهل فلسطين من إعجاب العالم وتمجيده لهم؛ نال الشعب العربي والإسلامي سخرية الناس ومقتهم وإهانتهم.

إن هذه النكبة الفلسطينية كشفت ستر أغنيائنا وفضحت أمرهم للعالمين، ولم يبق في إمكان أحد أن يدلس أو يزعم او يغطي الحقيقة؛ فقد علمت الجن والإنس أن أهل فلسطين أصيبوا بظلم فادح، وهضم فاضح، وأنهم ألجئوا إلى محاربة ربع أهل الأرض، وهم قبضة من الناس، فإن كانت لهم أمة أو كان لهم ناصر؛ فماذا ينتظر؟ لا عطر بعد عروس.. على أن الظلم الذي يقاسيه أهل فلسطين لا يقاس بظلم أولئك إلا كما تقاس الحمى الخفيفة بالنار الحامية، {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ} (في عُقْرِ دارِهم) {بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} (الحج: ٣٩)". (١)

• النصر ليس بالكثرة، والغثاء لا فائدة منه:

"الاستعمار حية رقطاء أبادت العرب والإسلام، وسامتهم سوء العذاب! وحدوا صفوفكم! واستعينوا بالله! واصبروا! وناجزوا هؤلاء البريطانيين وأذنابهم الفرنسيين! وكل مستعمر لشبر فما فوقه من بلاد الإسلام والعرب!

قد اتحد المستعمرون على باطلهم وعدوانهم وهم أقوياء من حيث المادة؛ فلم لا نتحد ونتعاون على حقنا ونحن ضعفاء من جهة المادة، وإن كنا أقوياء بالحق والإيمان؟!

يجب أن يتألف حرب الدفاع من المؤمنين المجاهدين؛ لمحاربة الاستعمار، وطرد أهله من بلداننا المغتصبة، ومقاطعة كل مستعمر على وجه الأرض، وجعل الحد الفاصل بين الكفر والإيمان والولاء والبراءة هو الاستعمار، فمن والى هذا الحزب وآمن بعقيدته؛ فهو من حزب الله، ومن حاد عنه؛ فهو من حزب الشيطان.

كيف أقدر أن أعتقد أن وراء فلسطين أربع مئة مليون مسلم يفدونها بأموالهم وأنفسهم، والحال أن عدد البريطانيين واليهود جميعا نحو خمسين أو نيف وخمسين مليونا، هذا وفلسطين محاطة من كل جهة بالمسلمين وفي قلب بلادهم، وأعداؤها إنما يغزونها من مكان سحيق؛ فهم غير بالغيها إلا بشق الأنفس، وهم مبطلون، وهؤلاء الملايين الأربع مائة محقون، ومع ذلك يعجز العدد الأخر المحق الموعود من الله بالنصر ولو كان قليلا عن تطهير بلاده المقدسة لديه من ذلك العدد القليل من المعتدين المغيرين! وماذا أعمل بهذه الآيات: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (البقرة:249)، {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} (الأنفال:65).. أنا لا أقدر أن أكذب هذه الآيات؛ بل تكذيب وجود أربع مئة مليون مسلم أهون علي وأجدر بالقبول في فهمي وإدراكي، دعونا من التشبع بالغثاء، وهلموا إلى التصفية، ولا يهولنكم وجود المنافقين؛ فقد وجدوا مع من هو خير منكم، وجدوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فلا تطمعوا بالمحال وتعتدوا بكثرة المنافقين الذين هم شر ألف مرة من الذين قال الله فيهم: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ } ( التوبة:42)، وقال في نفي الإيمان عنهم: {لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ   وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ } (التوبة: 44-46).

وقال في وجوب التصفية: "وإن الاختلاط بهم مضر ومفسد على المجاهدين أمرهم: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} (التوبة: 47).. فقضية فلسطين وما يليها من القضايا؛ كقضية شمال إفريقية، ولواء إسكندرونة، وبقية بلاد الشام، وحضرموت، وعمان: تريد مجاهدين مؤمنين، وتريد تصفية وصدعا بالحق وإعلانا له، وعدم الخلط بين المسلمين والمجرمين، {لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (الأنفال: ٣٧). (٢)

المجاهدون في رقابكم:

فيا أيها المسلمون! اتقوا الله في إخوانكم المجاهدين، وفي بلادكم المقدسة أن تتخلوا عنها لليهود المتشردين؛ فتحق عليكم كلمة العذاب، ويتم عليكم سخط الجبار، {وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا} (الكهف:20).. هؤلاء اليهود لا يزيد عددهم في الدنيا - كلها- على خمسة عشر مليونا، وقد طبقوا هذا الحديث، وصاروا كالجسد الواحد؛ فتمكنوا بذلك من اغتصاب ثالث المساجد المقدسة الذي قال الله - تعالى - فيها: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (الإسراء:١)، فهذه ثلاثة ملايين ونيف من أخلاط اليهود المختلفين في الألوان واللغات والأوطان، ولا يجمعهم إلا التعصب الديني؛ يصولون ويجولون في فلسطين وما حولها من البلاد اللبنانية، وسائر البلاد الشامية والمصرية؛ تحدية ومراغمة لسبع مائة مليون مسلم بزعمه، فلو كان المسلمون يحجون بإيمان وعلم صارم، ويشهدون منافع الحج في كل سنة؛ لما صاروا إلى هذه الحال التي تبكي الصديق، وتضحك العدو..

البذل والإنفاق لفلسطين:

"هؤلاء اليهود -الذين ضربت عليهم الذلة والمسكنة، وشتت الله شملهم- استطاعوا أن ينتزعوا من المسلمين قسما كبيرا من الأرض المقدسة بلا خيل، ولا رجل، ولا قنابل، ولا قنابر، ولا جيوش برية ولا جوية ولا بحرية؛ وإنما استطاعوا ذلك ببذل المال.

وقد يزعم بعض المسلمين أن اليهود أغنياء، والمسلمون فقراء، وهذا زعم باطل! فان الأراضي التي بأيدي المسلمين اليوم ليس بأيدي اليهود ولا جزء من ألف منها، على أن الأموال التي يشربها المسلمون دخانا، وينفقونها في لذاتهم، لو بذلوا نصفها؛ لما قدر اليهود أن يشتروا شبرا من الأرض في فلسطين، بل حتى الآن لو أن المسلمين ينفقون بالنسبة إلى ثروتهم؛ لأنقذوا فلسطين وغيرها من الأراضي المغصوبة منهم.

فإيتاء المال، وبذله في الجهاد، واحتقاره في جميع أنواع الخير التي تعود على الأمة بالهناء والسعادة؛ هو أعظم أركان البر، وقد بين الله مواضع إنفاقه؛ فقال: {ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} وهو الضيف، {وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} أي: في فداء الرقاب، ويوجد اليوم آلاف من الأسرى في فلسطين يذاقون العذاب ألوانا مما سمعتم وقرأتم؛ فهل من الإيمان في شيء التغافل عنه، وعدم المبادرة إلى جمع المال لإعتاقهم وإنقاذهم؟! ..على أننا لا ننصح المسلمين ببذل الرشا لأعداء الحق (البريطانيين)، ولكننا ننصح لهم بإنفاق المال في تقوية الجهاد، وإيصال الأسلحة والأقوات إلى أسد الله، وليوث الوغى (المجاهدين) - نضر الله وجوههم-، فذلك كاف لإنقاذ الأسارى، وفك رقابهم.

أيها المؤمنون! إن الله وهو الغني الحميد، وهو الرزاق ذو القوة المتين، يستقرضكم أموالكم ليضاعفها لكم أضعافا كثيرة في الدنيا والاخرة، فمن كان يؤمن بالله، ويصدق وعد الله؛ فلينفق ماله وليقرض الله، وسواء أكان قليلا أم كثيرا، فأرسلوا هذا القرض إلى المجاهدين في فلسطين؛ لتشاركوهم في الجهاد المقدس، ويكون لكم في خزانة الادخار الربانية قرض يضاعف لكم وينمو ويربو، حتى إن الثمرة لتصير مثل الجبل كما في الحديث الصحيح". (3)

 أطفال فلسطين المطرودون عن ديارهم:

"خمسة عشر ألف طفل يحملون في الطائرات بالمجان، ويطعمون ويشربون ويخدمون بالمجان، ولماذا؟ أفي حاجة هم إلى مأوى أو مأكل أو مشرب؟ لا، إذن فلم تنفق هذه الملايين من الماركات؟!

قال المذيع: «لأن برلين صارت في المنطقة الروسية كالجزيرة؛ فأطفالها ليس لهم متنزه يبدلون فيه الهواء، ويستحمون فيه، ويستريحون من عناء السنة الدراسية، ويستعدون لحملة أخرى في السنة المقبلة.. فهل فكر العرب في أطفال أهل فلسطين المطرودين عن ديارهم وأموالهم بسبب سياسة العرب الخرقاء، ثم خذلانهم عندما اغتصب اليهود أرضهم، وعدم إيوائهم حين صاروا يفترشون الأرض ويلتحفون السماء؟ "(٤).

• قضية فلسطين على المحك والميزان:

"عند العرب - اليوم- والمسلمين قضية هي المحك والميزان: ألا وهي قضية فلسطين؛ التي هي قضية موت أو حياة للعرب والمسلمين - جميعا- إلى الأبد، لا لفلسطين -وحدها-، فاذا صدق العرب والمسلمون أنفسهم وملتهم، وكافحوا حتى أرضوا الله، وأخذوا حقهم في هذه القضية التي لها ما بعدها؛ فإنهم ينالون سائر حقوقهم، وتحترمهم أمم العالم، وتعترف بوجودهم، وإن تماوتوا وتخاذلوا، ولانت قناتهم.. الأعداء؛ فإنهم لن يفلحوا -إذا - أبدا، ومن زعم منهم الفتوة أو الشهامة؛ يكون مسخرة للعالم، ويقول له أهل الأرض -كلهم-...

إن مسألة فلسطين هي معضلة العضال، وقد تجاسر (ترومان) فبعث شبه تهديد لبعض حكومات العرب يأمرهم أن يصبروا على الأذى، ويغمضوا الجفن على القذى، ويتركوا الصهاينة يحققون أحلام آبائهم منذ خمسة آلاف سنة، فيقيمون مملكة (يهووى) إله إسرائيل- على جبل صهيون، ويحطمون العرب الأنجاس المشركين تحطيم آنية الفخار..". (5)

"لمزيد توضيح وبيان ينبغي الاطلاع على كتاب الشيخ مشهور بن حسن أل سلمان وهو بعنوان: "جهود العلامة محمد تقي الدين الهلالي حفظه الله في كشف دسائس اليهود ونصرة فلسطين" وهو مصنف نفيس استللنا منه تلك الشذرات المباركات، وسنكمل ما بدأناه هنا في حلقات قادمة بإذن الله تعالى. "

• الهوامش:

١- من مقالة (مباحث في الكتاب والسنة)، نشرت في مجلة «دار الحديث الحسنية، الرباطية، العدد الأول، سنة ١٣٩٩ هـ

٢- من مقالة (الثقافة التي نحتاج إليها)، نشرت في مجلة «الجامعة الاسلامية»، السنة الأولى، العدد الثالث، ذو القعدة ١٣٨٩ هـ

٣- من مقالة (الهدي النبوي الذي ضيعه المسلمون) الحديث السادس، من أوراق الهلالي الخاصة.

٤- من مقالة (الوحدة العربية والوحدة الألمانية)، نشرت في مجلة «التمدن الإسلامي» الدمشقية، السنة العشرون، الجزءان (٣٧، ٣٨)، صفر ١٣٤٧ هـ

5- من مقالة (الراديو العربي الحر)، نشرت في مجلة «الفتح» المصرية، المجلد الثالث عشر، عدد (٦٤٦)، ٢٠ صفر ١٣٥٨هـ

يمكن تحميله PDF من هنا 👇

.

تحميل الملف المرفق