فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

العمل الخيري في فلسطين بين الإحلال والتسييس.

العمل الخيري في فلسطين

بين الإحلال والتسييس

قبل عامين تقريباً أعلنت مستشارة الأمن القومي الأميركي "كوندوليزا رايس" في إحدى زيارتها للمنطقة عن "تخصيص مليار دولار أميركي كبديل عن الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الجمعيات الإسلامية الفلسطينية".

واعترف تقرير صدر في حينها لمجلس السياسات الأميركية بواشنطن أعده "جيمس بروان " بأن "إعلان إدارة بوش عن مخطط اقتصادي وتنموي لتنمية المدن الفلسطينية ومواجهة الحركات الإسلامية سيواجه بمشكلات عديدة نظراً لفعالية هذه الحركات ودورها المتنامي في الداخل الفلسطيني". وبذلك حَمَل التقرير دلالات مهمة كاعترافه بقوة الجمعيات الإسلامية ، وأن البدائل لن تحقق الجدوى المطلوبة ، نظراً لطبيعة هذا الشعب وارتباطه في مؤسساته .

وترادف مع تلك التصريحات نشر الكيان اليهودي قائمة اللائحة السوداء التي تشمل كل الجمعيات الخيرية في فلسطين – تقريباً- العاملة في مجال الإغاثة ولم تستثني منها أحد ، وأدرجت معها كذلك بعض لجان الزكاة الصغيرة التابعة للقرى والمجالس القروية ، واتخذ الكيان اليهودي فعلاً إجراءات عملية تمثلت بالتالي :

تجفيف موارد الجمعيات الإسلامية من خلال الإغلاق والإتلاف والمصادرة ومنع التحويلات المالية من قبل القوات اليهودية مباشرة .

  ملاحقة الأجهزة الأمنية والعسكرية اليهودية للعاملين في المؤسسات الخيرية الإسلامية من خلال الاعتقال والمداهمة لفرض حالة من الرعب والتخويف للعاملين في المجال الخيري .

 إغلاق بعض الجمعيات الخيرية بأيدي السلطة الفلسطينية تنفيذاً لأوامر الكيان اليهودي ، حيث قُدم للسلطة قائمة بأسماء الجمعيات والمؤسسات الخيرية ، المطلوب إغلاقها وحذر أنشطتها ، وقد نُفذ هذا القرار ببعض الجمعيات القليلة حينها .

  الضغط على الحكومات العربية والإسلامية لملاحقة التمويل الشعبي والجمعيات الجامعة له.

 ملاحقة الأجهزة الأمنية الغربية والأميركية للجمعيات الإسلامية في الخارج من خلال محاصرة أنشطتها وإغلاق بعضها واعتقال بعض مسؤوليها.

 محاولة ربط النشاط العسكري لحركات المقاومة بالأعمال الإغاثية، ومحاولة خلق مشابهات في الذهن العام ما بين عمليات المقاومة والأعمال الإغاثية والخيرية للتأثير على الرأي العام ، ومحاصرة العمل الاجتماعي الخيري في الداخل والخارج.

وكانت نتيجة هذه الممارسات تعرض عشرات الجمعيات الخيرية للإغلاق والمنع من إتمام عملها، وذلك سواء من قبل السلطة الفلسطينية التي عملت على إغلاق عدد منها بضغط من قوات الاحتلال ، وقامت في أحيان أخرى بإغلاق الحسابات البنكية التي تعود للجمعيات ومصادرة أموالها.

 إغلاق مقر "جمعية القرآن والسنة" أنموذجاً للتضييق على العمل الخيري:

 جمعية القرآن والسنة كانت من الجمعيات المستهدفة مؤخراً من قبل قوات الاحتلال كما هو حال الكثير من الجمعيات الخيرية ، حيث اقتحمت قوات الاحتلال اليهودي مبنى "جمعية القرآن والسنة" ، وأغلقتها لمدة سنتين بحجج ومزاعم لا تنطلي على أحد .

حيث أفاد الشيخ خليل خضر مدير الجمعية ، أن مزاعم الاحتلال لإغلاق الجمعية هي مزاعم كاذبة، فالجمعية مرخصة من قبل وزارة الداخلية الفلسطينية، وخاضعة لإشراف السلطة الفلسطينية في جميع نشاطاتها. وإغلاق الجمعية يهدف إلى حرمان الكثير من العائلات الفلسطينية من المساعدات التي تقدمها الجمعية.

وأضاف بأن قوات الاحتلال لم يغلقوا خلال هذه الفترة جمعية القرآن والسنة وحدها بل قد أغلقوا في نفس اليوم لجنة زكاة جنين ، ودار الأيتام في بيت لحم ، وقبل أشهر أغلقوا لجنة زكاة طولكرم ، بل هم يعلنون الآن أنهم سيغلقون كل مؤسسة إسلامية في فسطين .

وعن أسباب هذه الممارسات أوضح الشيخ خليل خضر بأن ما تقوم به قوات الاحتلال يهدف إلى تخويف القائمين على المؤسسات الخيرية ، ووقف أعمالها ومساعدتها ، كما ويهدف إلى إيصال رسالة إلى الجهات الخيرية الداعمة لمنعها من إيصال المساعدات والإغاثات .

 103 جمعيات خيرية في الضفة والقطاع للإغلاق:

وعلى أبواب قدوم شهر رمضان لهذا العام نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية شكر رئيس الوزراء الصهيوني "إيهود أولمرت" لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على قرار رئيس حكومته حكومة تجميد أكثر من مائة جمعية فلسطينية خيرية . وذلك بعد أن أعلن "سلام فياض" عن تجميد حسابات وإغلاق 103 جمعيات ومؤسسات خيرية في الضفة الغربية وقطاع غزة بذريعة ارتكابها مخالفات قانونية وإدارية أو مالية" !!

وذكرت صحيفة هآرتس اليهودية في شهر أغسطس للعام 2007م  أن خطة إسرائيلية تم تقديمها أخيراً إلى مسؤولين في الحكومة الفلسطينية وتقضي بمحاربة حركة "حماس" من خلال تقديم خدمات اجتماعية للفلسطينيين كي تتمكن حركة "فتح" من الفوز في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة .

وتقول الصحيفة : "أن الذي أعد الخطة هو المستشار السابق للمدير العام لوزارة المال الإسرائيليين راني لوفينشتاين والذي كان يعتبر حلقة الوصل المركزية في الشؤون الاقتصادية بين إسرائيل والسلطة خلال السنوات الخمس الماضية كما يعتبر أحد الإسرائيليين الأكثر قربا من فياض" .

 واشنطن تدرج منظمات خيرية على " القائمة السوداء ":

 وسعت الولايات المتحدة الأميركية من حملتها لمحاربة الجمعيات الخيرية في فلسطين وأدرجت الحكومة الأميركية " جمعية الصلاح " . وهي واحدة من كبرى الجمعيات الخيرية الإسلامية في قطاع غزة ، على قائمتها السوداء في السابع من أغسطس 2007، لتكون أول منظمه خيريه مرتبطة بحماس تضاف إلى القائمة منذ عام 2003، وتمنع المنظمات المدرجة بالقائمة من التعامل مع النظام المصرفي الأميركي .

وأضيفت جمعية الصلاح إلى القائمة التي بدأ تسطير الجمعيات المحظورة فيها، والتي يظن أن لها علاقة بحركة حماس فيها منذ عام 2001م ، وهي كالتالي :

·    جمعية السنابل للإغاثة و التنمية ، ومقرها لبنان ، وقد أضيفت إلى القائمة السوداء في أغسطس 2003 . وقالت الحكومة الأميركية أن الجمعية تلقت مبالغ كبيرة جمعتها جمعيات تابعه لحماس في أوروبا والشرق الأوسط وبدورها زودت حماس بالأموال .

· وفي أغسطس 2003 قالت الحكومة الأميركية ، أنها اتخذت إجراءات صارمة ضد اثنتين ممن وصفتهما بأنهما " جامعو الأموال الأساسيون لحماس " في فرنسا وسويسرا ، هما " اللجنة الخيرية لمناصرة فلسطين – فرنسا " و " لجنه الإغاثة لفلسطين – سويسرا " .

· واستهدفت الحكومة الأميركية في أغسطس 2003 ، جماعه أخرى تعرف باسم صندوق الإغاثة والتنمية الفلسطيني "انتربال" . وقالت الحكومة الأميركية أن "انتربال" ومقرها في بريطانيا ، استخدم لتغطية تدفق الأموال على حماس .

·  مؤسسة الأقصى : وأدرجت على القائمة في مايو 2003 ومقرها في ألمانيا ، ولها مكاتب في هولندا والدنمارك وبلجيكيا والسويد وباكستان وجنوب إفريقيا واليمن ومناطق أخرى .

· مؤسسة الأراضي المقدسة للإغاثة والتنمية : وأدرجت بالقائمة في ديسمبر عام 2001 ثم أدرجت بعد ذلك في مايو 2002 . واتهمت الولايات المتحدة المؤسسة التي أنشئت في البداية في كاليفورنيا ، ثم انتقلت بعد ذلك إلي تكساس ، بتقديم دعم مادي ودعم في والمؤونة بملايين الدولارات لحماس .

فلسطين وتحديات استمرار العمل الخيري :

في الوقت الذي تبلغ فيه نسبة الفقر في المجتمع الفلسطيني ما بين 80% إلى 85% حسب التقارير الرسمية ، بسبب الحالة التي فرضها الكيان اليهودي على المناطق الفلسطينية وعجز السلطة كذلك عن تلبية الاحتياجات الأساسية للكثير من الأسر المحتاجة ، ألقي العبء الرئيس تماماً على الجمعيات الخيرية الإسلامية في إعانة هؤلاء وتخفيف آلامهم . حيث أن ما نسبتهّ 70  في المائة من أبناء الشعب الفلسطيني ، هم لاجئون يعيشون في تسعة مخيمات في قطاع غزة وواحد وعشرين مخيماً في الضفة الغربية ، وهم جميعاً أو أغلبهم يعيشون في قسط وافر من مستلزماتهم على المعونات .

ومع ذلك مازال مسلسل التضييق على العمل الخيري والجمعيات الإسلامية في فلسطين مستمراً ، والحرب ضد الأنشطة المتعلقة بالأيتام والأرامل والأسر والفقراء والمرضى والمعوقين ، يتنامى مع استمرار الهجمة الشرسة على كل ما يخفف معاناة هذا الشعب في ظل الاحتلال .

 أهداف ضرب العمل الخيري لفلسطين :

بينما يعد انتشار المؤسسات الخيرية والتطوعية مقياس تقدم المجتمع وتطوره ، ولاستمراره تولى حكومات الدول المتحضرة اهتماماً خاصاً في العمل الخيري والتطوعي وتبعده عن العمل السياسي لتحسين فاعلية ، وتدعمه ليكون شريك للقطاع الحكومي والتجاري في عمليات التنمية ، نجد في عالمنا العربي والإسلامي يُضيق على العمل الخيري ، ليكون ضحية جديدة من ضحايا مؤسسات المجتمع المدني . وفي فلسطين بالخصوص نجد أن العمل الخيري من الضحايا الجدد للمشروع الصهيوني هناك وبأيادي متنوعة ...

فالكيان اليهودي يعتبر العمل الخيري لفلسطين خطراً لابد من بتره ، لأنه يمثل الرباط العقدي والنصرة الواجبة بين المسلمين ، فقطع الصلة بين أبناء هذه الأمة عبر ما يقدموه من دعم مادي ومعنوي لإخوانهم في أرض فلسطين ، هدف يهودي لابد من تحقيقه خلال الفترة الحالية لعزل أهل فلسطين عن نصرة إخوانهم في العقيدة ، فأصبحت أصابع الاتهام تُشار إلى كل عمل خيري يهدف رفع معاناة أهل فلسطين ، لتدور حوله الشبهات والشكوك لإرباكه وتقليل ثقة الناس به !!

واليهود على يقين بأن تلك المؤسسات لا تمت إلى العمل العسكري بصلة ، ولكن العمل الخيري من وجهة نظر الكيان اليهودي يمثل رافداً يعمل على تخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني ، بعد أن أصبح لدى اللجان والجمعيات من المساعدات ما تعجز عنه السلطة ومؤسساتها بسبب الأوضاع التي تمر بها ، وهذا يمثل دعماً للمسلمين على أرض فلسطين ، وثباتهم على أرضهم والدفاع على مقدساتهم .

ولا شك أن إعلان الحرب على الشعب الفلسطيني ، القصد هو إيصاله إلى درجة الإحباط والاستسلام التام، لزعزعة أركانه ووجوده على أرضه وتمسكه بعقيدته ومقدساته ، ومع ذلك لا تسمع لمنظمات ومؤسسات حقوق الإنسان صوتاً ، وكأنها وضعت لنوع خاص من الناس وليس لكل الناس .

فهدف اليهود من هذا التضييق واضح جليّ ، فالمطلوب إبقاؤهم أذلاء على أبواب الاحتلال يستجدون لقمة عيشهم ولا يفكرون بكرامتهم وعزتهم ، أما الشعب العربي والإسلامي المتحرق لدعم الشعب الفلسطيني بكل السبل الذي يجد نفسه عاجزاً أمام نكبتهم اليومية ولا يجد غير ماله ليجود به على إخوانه الفلسطينيين فإن المطلوب منه الآن التخلي عن ذلك القليل الذي يقدمه.

وإذا ما نجحوا في وقف هذا الدعم الإنساني المحدود أو التضييق عليه؛ فإنه من المؤكد أن تسوء الأحوال الإنسانية في فلسطين بشكل أكبر، لأن القليل الذي تؤمنه الجمعيات الإسلامية كفيل فقط بتخفيف الفقر والجوع.

لماذا إغلاق الجمعيات الخيرية ؟

 لاشك أن تلك الجمعيات لها أثرها على الشارع الفلسطيني ، والتي تحسست آلام الفقراء والمحتاجين ، تلك الجمعيات بتوجهاتها المختلفة ، أُريد لها أن تغلق بتوصية أمريكية وصهيونية ، ومن هنا بدء صراع ملأ الفراغ ، بحرب مكشوفة ومعلنة ، فحركة "فتح" ترى أن الجمعيات الخيرية وسيلة من وسائل الانتشار في الشارع الفلسطيني ، ولتكريس سلطتها في الضفة الغربية يجب أن تكون المساعدات والهبات بيدها لكسب الرأي العام الفلسطيني ، وبظنها أن من يتصدر لإغاثة الشعب المنكوب في فلسطين سيكسبه إلى صفه !!

لذا أدرجت جمعيات فاعله جديدة ضمن قائمة الإرهاب لم تكن مدرجة في السابق كجمعية الصلاح ، التي تمتاز بحضورها القوي والمحسوبة على حركة "حماس" ، حيث جمدت البنوك الفلسطينية الحسابات المصرفية لتلك الجمعية تحت ذريعة أنها ساعدت على دفع حماس إلى السلطة ، وجاء تصريح "محمد الهباش" وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة فياض  بأنّ لحكومته الحق في استهداف الجمعيات الخيرية الإسلامية لأنها تساعد حماس في معركتها ضد السلطة !!

وما يزيد من حجم المأساة الجارية هو استمرار حملات الاحتلال ضد هذه الجمعيات، حيث يقوم الجيش الصهيوني باقتحامها ومصادرة ممتلكاتها، وإغلاق مكاتبها، واختطاف القائمين عليها، وتجفيف منابعها المالية.

وما يثير الغرابة برأي مراقبين أن تعمد السلطة الفلسطينية إلى تسييس ورقة العمل الخيري وتشديد الخناق على الجانب الإنساني، كإصدار "مرسوم رئاسي" بإلغاء تسجيل الجمعيات والمؤسسات الأهلية ذات النفع العام القائمة، وفي مقدمتها الجمعيات الخيرية، وهو ما اعتبره حقوقيون بمثابة "مجزرة قانونية"، ما يلحق الضرر البالغ بحياة الشريحة الفقيرة الواسعة من الشعب الفلسطيني، التي تدفع الثمن غالياً بسبب هذه السياسات التي تكتسب طابع التواطؤ المبرمج.

 تسييس العمل الخيري :

 وقد اتخذت مؤسسة النقد سياسة الحجر على كل التحويلات إلى مؤسسات العمل الخيري ، وهي ممارسات جديدة ظهرت على ساحة العمل الخيري مخالفة لكل ما خطوه من لوائح ونظم عمل المؤسسات الخيرية .

وتقوم السلطة الفلسطينية متمثلة بحركة "فتح" بتأسيس وترخيص العديد من المؤسسات الخيرية ، وهي إستراتيجية تنفذها السلطة لتطبيق الإحلال في مجال العمل الخيري . ولتسهيل عمل تلك الجمعيات المؤسسة حديثاً والتي تتبع طرفاً أحادياً ، ويفتقر أعضائها والعاملين بها إلى الخبرة والبرامج الخيرية بل لضوابط العمل الخيري ومصارف الأموال الشرعية ، تقوم السفارات الفلسطينية في الخارج بتسهيل إخراج سمات الدخول لزيارة وفود تلك الجمعيات إلى الدول العربية والأوروبية لجمع التبرعات وبناء العلاقات مع المؤسسات الداعمة والمانحة للمساعدات . 

وهذا الإحلال خطر جداً وتجاوز لكل المؤسسات الخيرية في فلسطين ، لأن العلاقة الرئيسية في العمل الخيري بين المتبرع والجهة الخيرية هي علاقة الثقة ، فإذا عدمت فقد العمل الخيري تواصله مع المتبرعين والمؤسسات الداعمة . والكثير من المتبرعين إذا تيقنوا أن المؤسسات الخيرية في فلسطين هي تتبع للسلطة ترخيصاً وإدارة وصرفاً فإن هذا يعني انعدام ثقة المتبرعين ، و بالتالي فلا تبرع ولا حاجه  إلى التعامل مع تلك المؤسسات ، ويتحقق بذلك مقصد الكيان اليهودي في قطع الصلة بين أهل فلسطين وامتدادهم الإسلامي والعربي .

وهذه جريمة ترتكب بحق الشعب الفلسطيني , وتدمير للعمل الخيري ، تزيد معاناته , وتقطع العمل الخيري عن هذا الشعب ، لان البديل ليس موضع ثقة بل هو متهم بالسرقات وانعدام الأمانة ، فالجميع يتساءل أين أموال منظمه التحرير لسنوات عديدة والتي كان مصيرها كما نرى ونسمع ؟ بل أن فتح نفسها تنتقد المنتفعين والفسدة في داخل هيكلها التنظيمي !! 

تأميم العمل الخيري لصالح من ؟!!

تلك الإجراءات تعيد إلى الذاكرة ما قام به محمد علي باشا في عام 1224هـ من تغييب القطاع الخيري الإسلامي من موقعه الإداري والاعتباري في دول العالم العربي ، حينما أمم العمل الخيري بتأميم الأوقاف والمساجد وأنظمتها ، وذلك بمشورة بعض الخبراء الفرنسيين ، وأصبحت الأعمال الخيرية مرسَّمة وتابعة للدولة على حساب الأمة .

وبهذا التأميم والترسيم أُعطيت الأعمال الخيرية فضول المواقع الإدارية والأوقات والأموال لتعطي فضول النتائج ، وأصبحت بذلك الأوقاف والمؤسسات الإسلامية وبيوتات المال تعاني العجز والإهمال وعبئاً على الدولة ، بعد أن كانت وعلى مدى 12 قرناً من الزمان قوة مساندة للأمة ، تقف في مواجهة النوازل والنكبات .

وهذا ما تدفع به أطراف يهودية وأمريكية لتأميم العمل الخيري ، فمؤسسة النقد الفلسطينية عندما تحجز الحوالات إلا إذا كانت هذه الحوالات لمؤسسات فتحاوية !! وتغلق الجمعيات القائمة وتؤسس جمعيات جديدة ، لحركة وحيدة !! وتتجاوز كل اللوائح والقوانين المنظمة للعمل الخيري ، فهذه حرب على العمل الخيري بأطيافه ، وليس مؤسسات حماس فقط .

وإن كان ظاهر هذا الإحلال في العمل الخيري هو إغلاق مؤسسات خيرية واجتماعية حمساوية ، وإبدالها بمؤسسات خيرية فتحاوية ، إلا أن حقيقة الأمر هو العمل على إغلاق جميع المؤسسات الغير فتحاوية ، وإعطاء المؤسسات التابعة لحركة فتح حرية الحركة والانتشار في الداخل والخارج وجمع التبرعات باسم فقراء وأيتام ومرضى فلسطين!!

نداء للمؤسسات الخيرية :

وهذا نداء للمؤسسات الخيرية ، إذا أردنا أن يستمر العمل الخيري في فلسطين والعالم العربي والإسلامي فلا بد من استقلاليته عن العمل الحزبي المقيت الذي يُأطر العمل الخيري بإطار مصلحة الحزب أولاً وأخيراً . ولابد من أن تتفق الجمعيات الخيرية في طريق تعاملها مع هذه الهيئات والمؤسسات الحادثة على الساحة الفلسطينية ، فالعمل الخيري من أنبل الأعمال وأفضلها لما فيه عظيم الأجر من الله تبارك وتعالى ، والنفع والخير للبلاد والعباد ، فهو بحاجة إلى أيادي نظيفة متوضئة وجباه ساجدة وإخلاص في القصد والنية وابتغاء وجه الله عز وجل وحده وأن يكون متبعا فيه للكتاب والسنة .

وفي الختام نقول " من الظلم الشديد على الشعب الفلسطيني أن يحرم حتى من الإغاثة والإعانة وقطع سبل دعمه وتمكينه على أرضه من قبل اليهود وأذرعهم  !!

عيسى القدومي

العدد الرابع – مجلة بيت المقدس للدراسات

.