دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
فلسطين .. سلام لا فصلاً عنصريًّا
"فلسطين .. سلام لا فصلاً عنصريًّا"
كتاب لكارتر عن فلسطين يثير حفيظة اللوبي اليهودي
"جيمي كارتر" الرئيس الأميركي الأسبق والحائز على جائزة نوبل للسلام ، ألف كتابا بعنوان "فلسطين .. سلام لا فصلا عنصريا"، صدر عن دار نشر سيمون إند شوستر في 264 صفحة ويضم 16 فصلا ، ومنذ نشره لم تتوقف الحملات القاسية عليه وعلى كتابه من قبل اللوبي اليهودي الفاعل في الولايات المتحدة ووسائل الإعلام الأمريكية ورموز المحافظين والإذاعات اليمينية التي لم تعتاد على هذا النوع من الكتابات في معالجة القضية الفلسطينية ، لدرجة اتهامه بمعاداة السامية.
ونشر كارتر مقالا بعد حملة الانتقادات في صحيفة لوس أنجلوس تايمز تحت عنوان " لنتكلم بصراحة عن إسرائيل وفلسطين"، جاء فيه أن كتابه هو خلاصة تجربته بعد القيام بثلاث مهمات لمراقبة الانتخابات خلال الأعوام 1996 و2005 و2006م .
ردود الأفعال :
فور صدور الكتاب أعد مركز سيمون فيزنتال أحد ابرز المجموعات العالمية للدفاع عن مصالح اليهود في العالم ، عريضة ضد عراب اتفاقية كامب ديفيد في أيلول/سبتمبر 1978 التي أقرت السلام بين مصر وإسرائيل. واصفا كارتر " بأحد أشرس منتقدي إسرائيل، والمتحدث الافتراضي باسم القضية الفلسطينية" .
وقام عدد من أعضاء اللوبي في الولايات المتحدة، بحملة مضادة للكتاب والكاتب حيث اتهموه بعدم الدقة العلمية، وان كتابه محشو بالأخطاء، واتهموه أيضا بالسطحية، على حد قولهم. وقامت نانسي بيلوسي، المتحدثة باسم الغالبية في الكونغرس الأمريكي بإصدار بيان قبل نشر كتاب جيمي كارتر، قالت فيه : "إن الرئيس السابق لا يتحدث باسم الديمقراطيين فيما يتعلق بإسرائيل" .
وَرَد كارتر على منتقديه بالقول أن كلمة "الفصل العنصري" لا تدل على أي عنصرية من قبل إسرائيل بحق الفلسطينيين بل على "سعي أقلية من الإسرائيليين إلى مصادرة واستيطان مواقع فلسطينية" !! .
وتابع كارتر أن : "الكتاب يصف القمع البشع في الأراضي الفلسطينية المحتلة ونظام الأذونات الصارم للتنقل والفصل الشديد بين مواطنين فلسطينيين ومستوطنين يهود في الضفة الغربية ، وفي كثير من الأوجه يتعرض الفلسطينيون لقمع ابشع من ذلك الذي كان يتعرض له السود في جنوب أفريقيا خلال فترة الفصل العنصري". ويعزو كارتر "الامتناع الشديد عن انتقاد السياسة الإسرائيلية" في الولايات المتحدة إلى النشاط الهائل للوبي المؤيد لإسرائيل وغياب أصوات معترضة فاعلة" .
التسلسل التاريخي للصراع :
مقدمة الكتاب هي عبارة عن تسلسل تاريخي للأحداث الكبرى التي شهدتها الأراضي المقدسة منذ انتقال إبراهيم عليه السلام من العراق إلى أرض كنعان وحتى مقاطعة الولايات المتحدة وأوربا حكومة حماس مع التركيز على تطور الصراع العربي الإسرائيلي، ويقول كارتر في المقدمة إن مراجعة التطورات التاريخية التي مرت بها منطقة "الشرق الأوسط" ربما تكون أفضل وسيلة لفهم الواقع الجاري .
ذكريات كامب ديفيد :
الفصول الخمسة الأولى من الكتاب تتناول خبرة وذكريات الرئيس كارتر الشخصية مع الصراع العربي الصهيوني وعملية السلام ، حيث بدأ بسرد تفاصيل أول زيارة قام بها للكيان الصهيوني عام 1973 قبل أن يصبح رئيسا، وكيف أن هذه الزيارة قد كشفت له عن واقع جديد لم يكن يعرفه من قبل عن طبيعة الحياة في "إسرائيل" وتفاصيل معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الداخل والخارج.
ثم يتحدث عن فترة رئاسته التي كانت إحدى أولوياتها تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط مستهلا بتوضيح كيفية تأثير حرب أكتوبر 1973 في تغيير موقف إسرائيل الذي يسيطر عليه منطق القوة والتفوق العسكري. ويكشف كارتر في صفحات هذه الفصول عن تفاصيل وجهود اتصالاته المكثفة والمطولة مع اللاعبين الأساسين في الصراع خاصة مناحم بيغن وأنور السادات، وتطرق كارتر إلى الحديث عن فشل جهوده لإقناع سوريا والأردن ومنظمة التحرير بالتفاوض. ويحاول كارتر بشكل أو بأخر توضيح الأسباب التي دفعت بمنظمة التحرير الفلسطينية لانتهاج العنف والقيام بعمليات إرهابية في السبعينات والثمانينات وينقل عن ياسر عرفات بعض أقواله التي صرح بها في لقاء جمعهما عام 1990 مثل أن منظمة التحرير لم تتبن أبدا فكرة تدمير إسرائيل .
عوائق في طريق السلام :
يتتبع الرئيس كارتر في الفصول التالية إخفاق كافة جهود السلام عبر الإدارات الأمريكية المختلفة قائلا : " إنه ومنذ معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 أريقت دماء كثيرة بلا ضرورة ، وتكرر مشهد فشل مبادرات السلام واحدة تلو الأخرى بين إسرائيل وجاراتها في خلال سنوات إدارة الرئيس ريغان ومن بعده جورج بوش الأب .
ويضيف كارتر أن هناك عائقين أمام إقامة سلام حقيقي ودائم في الشرق الأوسط هما:
1. بعض الإسرائيليين يؤمنون بأن لديهم الحق في احتلال والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وتبرير ذلك.
2. بعض الفلسطينيين يباركون العمليات الانتحارية ويعتبرون منفذيها شهداء وتصوير قتل الإسرائيليين على انه تحقيق انتصار. ونتيجة لذلك هناك- طبقا لوجهة نظر كارتر - دائرة مفرغة تنشأ بسبب القمع الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين من جهة ورفض الجماعات المسلحة الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل والرغبة في تدميرها من جهة أخرى.
" وإنه قام بتغطية جميع الانتخابات الفلسطينية منذ عهد ياسر عرفات الرئيس الفلسطيني الراحل، والتي جرت عام 1996، وعام 2005، وكان أخرها التي جرت عام 2006، وفازت بها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، مشيرا إلى انه لم يلاحظ أي أخطاء فيها، وكانت المشاركة فيها عالية، باستثناء مدينة القدس الشرقية، والتي منعتها الإجراءات الإسرائيلية المتشددة.
الجدار يحول حياة الفلسطينيين إلى سجن :
بعد أن استعرض نتائج الانتخابات التشريعية الفلسطينية التي كان هو وزوجته من مراقبيها، وبعد أن وصف واقع الحصار المفروض على الفلسطينيين بسبب نتائج الانتخابات ووصول حماس إلى السلطة ، انتقل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في الفصل الأخير من الكتاب للحديث عن الجدار العازل بوصفه سجن للفصل العنصري.
يقول كارتر :" إنه بإحكام إسرائيل السيطرة على القدس الشرقية ومحاصرة الجدار العازل لما تبقى من الضفة الغربية، وفي ظل بقاء آلاف المستوطنين شرق الجدار في حماية قوات احتلال كثيفة ، مع تحرك بعض الساسة الإسرائيليين في السنوات الأخيرة لاتخاذ قرارات وسياسات أحادية الجانب انطلاق من هذه المعطيات معتقدين أن سياسة الحواجز والجدران هي الوسيلة الناجعة لحل المشكلة الفلسطينية !!.
لاشك أن الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أطلق صيحة تحذير مدوية حملت إدانة صريحة لأساليب عزل الفلسطينيين بعد الشروع في بناء الجدار العازل بالأراضي المحتلة ، وطالب بأن تنأى أمريكا بنفسها عن التساهل إزاء سياسات المصادرة واستعمار الأراضي الفلسطينية التي تؤدي إلى تصاعد الإرهاب العالمي الموجه للولايات المتحدة..
نعم "فلسطين .. سلام لا فصلا عنصريا" :
"فلسطين ..سلام لا فصلا عنصريا" عبارةٌ كم تمنينا أن ينطقها رئيس للولايات المتحدة وهو على رأس قيادته ، لا بعد أن ينفك من قيود اللوبي اليهودي بعد أن أخذوا ما أرادوا منه وتركوه لذكرياته وضميره إن أبقوا له شيئا ، ألم تكن لدي" كارتر" هذه الرؤى عندما كان على رأس السلطة ?!!
ولا شك أن كارتر في كتابه يعترف أيضاً بحق دولة الكيان بالوجود ويدين العنف ، خاصة العمليات الجهادية الفلسطينية، ويروج لكل الاتفاقيات الموقعة مع العدو الصهيوني، كأوسلو، وبالرغم من ذلك ، تعرض حالياً لهجمة إعلامية شرسة من أنصار اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة! فلا يحتمل هذا اللوبي أي خروجٍ عن طوعه من السياسيين والمثقفين الأمريكيين، حتى لو كانوا قد قدموا له خدماتٍ جليلةٍ من قبل !!
عيسى القدومي
العدد الثالث – مجلة بيت المقدس للدراسات
.