فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار

إدارة المخيمات الفلسطينية في المشرق العربي... سيناريوهات جديدة

التاريخ: 3/12/1430 الموافق 21-11-2009

 

شهدت الجامعة الأميركية في بيروت على مدى يومين، ورشة عمل بعنوان "الحكم والإدارة في المخيمات الفلسطينية في المشرق العربي"، نظمها معهد عصام فارس للسياسة العامة والشؤون الدولية.

وتهدف الورشة إلى نشر نتائج مشروع بحثي (2008) يحمل العنوان نفسه، إلى جانب مناقشة هذه النتائج مع مختلف الجهات المعنية بإدارة المخيمات، واقتراح توصيات وخطط عمل، علماً بأن البحث أشرف عليه مدير برنامج المخيمات في "المعهد" وأستاذ علم الاجتماع في "الأميركية"، ساري حنفي، في محاولة لاستشكاف العلاقة بين السلطة والسيادة والمكان في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في كل من لبنان، سوريا، الأردن، الضفة الغربية وقطاع غزة. وذلك من خلال دراسة آلية الحكم داخل هذه المخيمات، التي تساهم فيها جهات عدة، وعلى رأسها السلطات المضيفة، ومنظمة التحريرالفلسطينية، والفصائل واللجان الشعبية، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ـ الأونروا.

في الجلسة الأولى، التي أدارتها سميرة صلاح، من لجنة اللاجئين في المجلس الوطني الفلسطيني، ميّز حنفي بين الهيكلية التقليدية للتفكير بالحكم، ومفهوم "الحوكمة" الذي يمكن أن يشكل أداة إضافية لفهم قوة الدفع (أو النفوذ أو السلطة) باعتبارها مسألة يتم توازعها بدلا من أن تكون هابطة بالمظلة من أعلى. كما تتيح "الحوكمة" إعادة النظر في أشكال الحكم القائم، على أساس التمييز، بدلا من الأساس الأمني الراهن.

ويقسم حنفي السلطات في المخيمات في البلدان المضيفة على الشكل التالي:

السلطة الأولى هي: اللجان المحلية (عن الدائرة العامة لشؤون اللاجئين العرب الفلسطينيين (DORA) في سوريا، واللجان المحلية المعنية من قبل دائرة شؤون الفلسطينيين في الأردن، واللجان الشعبية نصف المنتخبة (عن دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية) في الضفة الغربية، ولجنة مصالحة شبه منتخبة في قطاع غزة، لجان شعبية غير منتخبة في لبنان.

السلطة الثانية: لجنة التنمية (DORA) في سوريا، منظمات غير حكومية مقرّبة من "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن، الفصائل وعلى رأسها "فتح" في الضفة الغربية، و"حماس" في قطاع غزة، والفصائل (إما "فتح" أو "حماس") في لبنان.

ثم هناك السلطة "الشبحية": وهي الأونروا في مخيمات الضفة وغزة ولبنان، بالإضافة إلى ما أسماه "الحوكمة الإسلامية" وتتألف من: "حماس" والجماعات الإسلامية الشعبية المحافظة في سوريا، و"جبهة العمل الإسلامي" والجماعات الإسلامية الشعبية المحافظة في الأردن، و"حماس" و"حزب التحرير" في الضفة الغربية، "حماس" في قطاع غزة، و"حماس" والجماعات الإسلامية الشعبية المحافظة في لبنان.

ويكرر حنفي ما سبق أن قاله في مداخلات مختلفة، ضمن مؤتمرات عدة سابقة، وهو أن الأونروا ما زالت تتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين على أنهم ضحايا محتاجون، ولذلك وطأة أساسية برأيه، لا سيما في ظل فشل المساعي إلى تغيير النظرة إلى المخيم باعتباره امتداداً مدينياً، أكثر تركيباً وتعقيداً من مجرد رقعة أرض مستأجرة مؤقتاً لإيواء مجموعة من البشر سيعودون من حيث أتوا، وقد استمر هذا الوضع طوال أكثر من ستين عاماً بكل ما يعني ذلك من تغيرات ديموغرافية واجتماعية وسياسية - اقتصادية.

وينتقل حنفي إلى "الإجراءات الأمنية". فيلفت إلى وجود مخافر للشرطة في مخيمات كل من سوريا وغزة والأردن، وهي غالباً على مداخل المخيمات، ويفترض أن "تخدم" منطقة المخيم والمنطقة المحيطة بها، في حين لا توجد مخافر للشرطة في مخيمات الضفة، ولا في لبنان.. ولو أن الأخير يخطط لإقامة مخفر في داخل مخيم نهر البارد ليخدم منطقة المخيم حصرياً.

ويفنّد حنفي حالتين يبدو فيهما المخيم مساحة "للاستثناء" (على طريقة جورجيو أغامبن) وهما غزة ولبنان. ففي غزة ذهبت السلطة الوطنية الفلسطينية إلى تشكيل مجالس بلدية للمخيمات خارج المدينة (مثل البريج، مغازي، والنصيرات) لوضع خطط وتقديم خدمات بلدية راهنة. أما الاستثناء اللبناني فيدلل عليه بالإشارة إلى وثيقة فيينا (نسبة إلى مؤتمر المانحين في فيينا لإعادة إعمار مخيم نهرالبارد) والذي جعل الحكم في مخيم البارد مثلاً مرتكزاً إلى رقابة قوى الأمن الداخلي (اللبنانية) من دون الالتفات إلى المشاكل المتجذرة في المخيم، ما يدعّم المقاربة الأمنية لهذا الملف ويكرّس مفهوم "الاستثناء" في المخيمات. بمعنى أن أهلها يبقون خارج فضاء المدينة التي يقع فيها المخيم لجهة التنمية والمشاكل الصحية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي الوقت نفسه هي في داخل هذا الفضاء المديني بالمعنى الأمني ودفع الضرائب.

ويأخذ حنفي، كنموذج للحكم من الأعلى إلى الأدنى، مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، فيلفت إلى أنه قبل التسعينيات أدت المفوضية دوراً مبهماً إما في التهميش أو الترويج لتأثير الأعيان في المخيم. أما بعد التسعينيات فقد اقتنعت المفوضية بأن إدارة المخيمات تتطلب قدراً من المشاركة المحلية، فاضطلعت بدور أكثر فاعلية في دفع هذه المشاركة قدماً وتنظيم انتخابات اللجان الشعبية أو المحلية المولجة بإدارة الشؤون اليومية للمخيم.

نموذج "بورتو أليغري"

ولعل من أكثر توصيات الدراسة، التي طرحها حنفي، إثارة للاهتمام والنقاش لم يكتمل خلال الورشة، هي الاحتذاء بنموذج الحكم والإدارة في "بورتو أليغري" البرازيلية. وملخص دينامية هذا النموذج هو إنشاء منتديات شعبية، إما على مستوى الأحياء أو طبقاً للموضوع الذي تتم مناقشته، وذلك للمشاركة مثلاً في إقرار الموازنة البلدية أو وضع الخطط الخدماتية والتنموية للمدينة. إذ ترفع توصيات كل منتدى، عبر مندوبين، إلى منتديات أصغر ثم أصغر، وصولاً إلى نقطة القرار المركزي حيث تؤخذ التوصيات والمطالب بعين الاعتبار لصياغة سياسات إدارة شؤون وحياة أهل المدينة.

وهنا دار نقاش لم يأخذ حقه، حول فكرة أن هذا النموذج حقق نجاحاً كبيراً في "بورتو أليغري" في التسعينيات، عندما دفع به قدماً حزب العمال، في حين أنه عاد وخمد عندما تغيّر شكل السلطة في البرازيل. وهذا ما فتح الباب على استذكار تجربة مخيم شاتيلا في عام 2005 عندما أفضت مشكلة مستعصية في التغذية بالتيارالكهربائي إلى تشكيل لجان الإدارة الشعبية بواسطة الانتخابات (وكان ذلك بدفع من نشطاء مدنيين من داخل أحياء المخيم)، فأجبرت التنظيمات والفصائل على خوض هذه الانتخابات رغم أنها كانت تتخوّف منها. وهنا تبدو المقارنة مثيرة للاهتمام، بين النموذج البرازيلي الذي دفع إليه حزب سياسي، وبين نموذج شاتيلا الذي دفع إليه ضغط شعبي تحرر لوهلة من ضغوطات سياسية وأمنية كانت تمارس عليه قبل عام 2005.

الضفة والأردن والبارد

ثم عرض الصحافي والباحث المستقل، مصطفى هلال شتّا، لنتائج الدراسة في مخيمات الضفة الغربية. ومن أبرز ما جاء في مداخلته حول 24 مخيماً، 19 منها "رسمية" أي برعاية الأونروا، أولاً أن "حماس" كحركة سياسية لا تعمل اخل مخيمات الضفة واللجان الشعبية هي مجالس خدماتية مصغّرة تشكّل من قبل منظمة التحرير (فتح، الشعبية، الديموقراطية، وحزب الشعب). يضيف أن الإرباكات السياسية وأحياناً الانقسامات الداخلية "بين حرس قديم وغيره"، تربك عمل اللجان، لا سيما إثر تراجع دور العائلات والعشائر. واستذكر شتّا كيف أنه لم تكن هناك رغبة للسلطة الفلسطينية بالتواجد الفاعل داخل المخيمات إلا من بعد الانتفاضة. لكن، من ناحية ثانية، أضعف الاقتتال الداخلي النسيج الاجتماعي، لا سيما إثر موجة الاعتقالات، في حين أنه لا وجود لأي مخفر قريب من المخيمات "منعاً للاحتكاكات". أما بالنسبة إلى الأونروا، فبسبب تقليص المساعدات ودورها المدني الهندسي، أقفلت بعض المراكز في عدد من المخيمات لأنه لم يتم إحقاق مطالب اللجان الشعبية.

بدورها، عرضت الباحثة في علم الاجتماع، د.نازك صالح، للصورة الأردنية حيث يعيش 18 إلى 20 في المائة فقط من اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات، وعددها في الأردن 13 مخيماً أكبرها مخيم البقعة من حيث الكثافة السكانية. وأخذت نموذج مخيم جبل الحسين، وهو أحد أقدم المخيمات في الأردن ويضم حوالي 30 ألف نسمة، ومبني بنسبة مائة في المائة، مما يعني أن لا مساحات فيه لأي متنفّس أو ملعب، كما تبلغ نسبة الفقر فيه حوالي 50 في المائة. لكن، من جهة ثانية، تبلغ نسبة البطالة بين الذكور (الحائزين شهادة البكالوريا وأقل) حوالي 50 في المائة، فيما تتدنى نسبة البطالة إلى 20 في المائة بين الذكور الحائزين الدبلوم أو الليسانس وما فوق.

وعن نموذج مخيم نهرالبارد تحدث المهندس اسماعيل الشيخ حسن، من هيئة الحركة المدنية والدراسات لإعادة إعمار البارد، فقال "إن ما لا نقدر عليه هو طرح سيناريوهات جديدة للحكم في المخيمات بسبب فقدان المشاركة التي قد تؤدي إلى صياغات فاشلة لأنها ستكون بعيدة عن احتياجات الناس. فلبنانياً، ثمة رغبة بتغيير القوانين التمييزية ضد الفلسطينيين، لكن هذا الأمر يتأخر بسبب غياب القرارالسياسي". وعدّد ميزات مخيم نهر البارد فقال إنه تاريخياً كان منطلق الثورة الفلسطينية، ثم تحول إلى مركز تجاري مهم وسط مجتمع زراعي إذ استفاد من التضخم الاقتصادي وحركة التجارة والسكن الرخيص فيه. ولما بدأ التمدد العمراني من حوله، في الثمانينيات، بسبب التزايد السكاني، ظلت الدولة (أي النطاق البلدي) غائبة عن الرقعة التي سميت "المخيم الجديد" (لا بنى تحتية، ولا شق طرقات، ولا جمع نفايات..). وذكّر الشيخ حسن بأن اللجان الشعبية في البارد، قبل الحرب الأخيرة، كانت فاعلة على صعيد لجان أحياء وروابط مهندسين وأطباء. وإذ توقف عند "الدور الضعيف لمنظمة التحرير، في مؤتمر فيينا، لا سيما لجهة إيصال اعتراضات الناس على التعامل مع المخيم الذي يتم السعي إلى إعادة إعماره من منطلق أمني"، فقد اعتبر أن وثيقة المؤتمر أحدثت فجوة بين الدولة اللبنانية والأهالي الذين لم يؤخذ بملاحظاتهم حول مشروع الإعمار بالقدر الكافي من الجدية، الأمر الذي ضاعفه التشديد الأمني والتصاريح العسكرية المطلوبة من كل من يدخل المخيم أو يخرج منه، إضافة إلى قرار إنشاء قاعدة عسكرية بحرية.. "هكذا، بعد عامين على انتهاء الحرب، ما زال أكثر من مائة مبنى مهدماً وعلى الأرض، بسبب مركزية القرار في بيروت، ومحدودية النقاش مع القوى المحلية في هذا الملف".

المصدر: الوطن القطرية

 

.