دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

القدس أولاً !

 

 

 

 

"القدس أولاً"!

 

جريدة الغد الأردنية: 16/10/2009 

 

أسامة شحادة*

"القدس أولاً" يا له من شعار جميل، لو كان شعاراً للعرب والمسلمين، لكنه للأسف ترجمة لعنوان كتاب عبري مصور باسم "كيدم يورشلايم" نشر قبل سنتين تقريباً تحت شعار "تطوير السياحة في القدس" بالتعاون بين سلطة تطوير القدس، وبلدية القدس المحتلة.

والخطورة في هذا الكتاب، الذي صدر عن جهات رسمية يهودية، تكمن في الحقيقة في أنه تعبير عن المخطط القادم للقدس، مزود بالصور والوثائق والمخططات الهندسية لمستقبل القدس، حيث نصت مقدمة الكتاب على أنه "عصارة دراسات وأفكار ومخططات لمشروع (كيدم يورشلايم) وذلك تغيير وضع الحوض التاريخي في القدس – أي البلدة القديمة وما جاورها – كعمل وطني يشارك به الشعب اليهودي"!

وقد كان لمؤسسة الأقصى، التي يديرها الشيخ رائد صلاح، الفضل في الكشف عن هذه الوثيقة، ومن ثم قام مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية بمهمة ترجمة هذه الوثيقة وطباعتها ونشرها في سنة 2008 بعنوان "المخطط اليهودي لإقامة الهيكل وتهويد القدس" في 50 صفحة ملونة تحتوي على الصور الافتراضية لمستقبل القدس والمخططات الإدارية والهندسية لهذا المشروع.

وما الأحداث التي تجرى في القدس اليوم وفي ساحات الأقصى إلا من إفرازات مثل هذه المشاريع التي تصطف خلفها القوى اليهودية الرسمية والشعبية، في حين تعصف الخلافات في الصف الفلسطيني والعربي والإسلامي!

ومع أن هذا الكتاب وغيره مطروح في الأسواق منذ سنين، إلا أنه لا توجد أية إستراتيجية عملية حقيقة لنصرة القدس، بل للأسف لا تزال الأنظمة والمعارضة تعملان بأسلوب رد الفعل العفوي وغير المدروس، ولذلك لا تتمخض عن هذه الردات على المستوى الحكومي أو الشعبي أية تغييرات حقيقية، وهذا ما لخصته الثقافة الشعبية في الحكمة الدقيقة "العليق عند الغارة ما ينفع".

وأستثني من هذا التقاعس مؤسسة الأقصى بقيادة الشيخ رائد صلاح والتي بيقظتها ومتابعتها أفشلت هذا الاعتداء وغيره، من خلال وضع إستراتيجية عمل لا رد فعل، ولذلك كان وضعهم للمعتكفين في المسجد الأقصى القشة التي قصمت ظهر البعير اليهودي، وفي هذا دلالة للعقلاء على قدرة المسلمين على الفعل والمقاومة والنجاح بإمكانيات بسيطة حين تكون الحكمة والقيادة الواعية هي القائدة وليست العباطة أو العضلات المجردة.

وصدق أبو تمام حين قال:

الرأي قبل شجاعة الشجعان              هو أول وهي المحل الثاني

ولأن غالب الأفراد المسلمين اليوم يقفون عاجزين عن التأثير والتغيير في مواقف القيادات المنقسمة والمتناحرة أو المنهزمة فضلاً عن التأثير في مواقف دول وشعوب العالم فلم يبقَ للمخلصين من أبناء الأمة إلا التركيز على توعية أبنائهم وإخوانهم وأصدقائهم، من هنا جاء الكتاب الرائع لمركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية "المسجد الأقصى: الحقيقة والتاريخ" وهو من إعداد الأستاذ عيسى القدومي، الباحث الجاد في الشؤون الفلسطينية، وصاحب المؤلفات العديدة، مثل: "أكذوبة بيع الأرض" وكتاب "مصطلحات يهودية فاحذروها" وتولى قبل ذلك المراجعة التاريخية لـ"موسوعة فلسطين المصورة" التي أصدرها د.طارق سويدان.

ويعدّ مركز بيت المقدس أحد المؤسسات السلفية الفلسطينية الواعية، التي تهتم بنشر الوعي والثقافة حول القضية الفلسطينية.

كتاب "المسجد الأقصى الحقيقة والتاريخ" جاء في 150 صفحة ملونة من القطع الكبير، ليكون مصدر ثقافة ومعرفة للمسلمين صغاراً وكباراً بحقيقة المسجد الأقصى ومكانته وقضيته واعتداء اليهود عليه، ومن ميزات الكتاب العدد الكبير من الصور التي تتعلق بالمسجد الأقصى والقدس مما تكاد تنساه ذاكرة الأجيال الحديثة، تحت ركام الصور المتدفقة من القنوات وشبكة الإنترنت والتي كثير منها يهدف لمسخ أولويات الجيل والعبث بعقله.

وقد حوت فصول الكتاب تاريخ المسجد الأقصى وفضائله وأكاذيب اليهود حوله، وأكبر هذه الأكاذيب "أن القدس ليست مقدسة عند المسلمين" معتمدين على روايات وردت في كتب بعض الفرق المنسوبة للإسلام، ومعلوم أن قدسية مدينة القدس والمسجد الأقصى محل إجماع بين المسلمين لورود العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حول مكانة القدس والأقصى، منها قوله تعالى:" سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله" (الإسراء:1).

وفي حديث أبى ذر قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: أمسجد رسول الله أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً" رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي والألباني. والشطن هو الحبل الذي يربط فيه الفرس.

ولعل هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم حيث أن مجريات الأحداث تكاد تنطبق اليوم على القدس وأهلها، فإن أمنية الكثير من المسلمين الصادقين اليوم هي مجاورة المسجد الأقصى، والتمتع برؤيته في زمن العدوان اليهودي الذي حرم المصلين والعاكفين من الوصول إليه إلا بشق الأنفس وتعريض الأرواح للقتل، ويرافق هذا العدوان على سكان القدس تهجيرهم ونزع منازلهم من أيديهم. 

* كاتب أردني

 

.