القدس والأقصى / عين على الاقصى

المسجد الأقصى والعدوان المستمر

المسجد الأقصى والعدوان المستمر

د.عيسى القدومي

20-5-2013

استمراراً لمسيرة العدوان اليهودي على القدس وأهلها، وعلى المسجد الأقصى ومصليه، صعد اليهود في الأيام الأخيرة من وتيرة اعتداءاتهم الممنهجة، وأضحى دخول المتطرفين اليهود إلى باحات المسجد الأقصى شبه يومي وبأعداد كبيرة، وممارسات منظمة.    

فبعد أن كانت الاحتفالات التي تقيمها الجماعات اليهودية المتطرفة في القدس على أسوار المسجد الأقصى، وبعد أن أعلنت بلدية القدس تحويل ساحات المسجد إلى ساحات عامة، على اعتبار أن تلك الساحات ليس لها أية حرمة، وأنها أرضاً مشاع، وليست جزءاً من المسجد الأقصى، ولا قداسة لها . أضحت الاحتفالات والمسيرات والهتافات والنشاطات تُقام داخل أسوار المسجد الأقصى. 

وتعدى ذلك ليصل إلى تأدية بعض الشعائر التوراتية في ساحات المسجد الأقصى- وهي جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى- وبعضهم يلبسون لباساً خاصاً يطلقون عليه “لباس كهنة الهيكل”، وتأتي هذه الممارسات لتكريس احتلال القدس والتأكيد على أنها عاصمة دولة الاحتلال بشقيها الغربي والشرقي، وعدم الالتفات إلى القرارات الدولية واتفاقات السلام التي تعد شرقي القدس مناطق محتلة. فمسيرات التهويد أضحت ممارسة شهرية حسب التقويم العبري ، والاقتحامات  واعتبار ساحات المسجد الأقصى ساحات عامة مباحة للجميع !! 

وتطور الأمر ليمنع الآذان في صلاة العشاء في المسجد الأقصى ، وما زال المنع التام للآذان في المسجد الأقصى يناقش على مستوى البرلمان اليهودي في الكيان المحتل لأرض فلسطين .

وحقيقة ما يجري في القدس كتبها الباحث والمختص اليهودي مائير مارجليت ، وهي شهادة من أفواههم، سأنتقي منها ما يكشف مشروعهم في القدس .

شهادة مختص يهودي على ما يحدث في القدس الآن : 

"مائير مارجليت"[1] كتب شهادته على حقيقة ما يجري في القدس من استيلاء وتهويد في كتابه:" إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد"، والذي ترجمه إلى العربية مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عام 2011م .

وتأت أهمية هذا الكتاب كون كاتبه يهودي مختص في القدس وقد شغل مناصب رفيعة في القدس، وهو كذلك باحث وكاتب وناشط ومدافع عن حقوق العرب والمسلمين في القدس. وقد كشف الكثير من الخفايا، ومن أهمها أن المغتصبين اليهود – الذين يسمونهم مستوطنين-  ما هم إلا الذراع الطولي لحكومة الاحتلال لتمارس من خلالهم التهويد والتغيير، فهم يقومون بما لا تستطيع الحكومة عمله علانية. وما تقوم به قوات الاحتلال في شرقي القدس ما هو إلا نموذج لما يقوم به الاحتلال وعصاباته من المغتصبين في كل أراضي فلسطين .

وأوضح أن سكوت العالم أجمع على ما يجري في القدس – وكأنه أمر طبيعي – أعطى الضوء الأخضر لقوات الاحتلال ليمارسوا ويحققوا خططهم والتي أرادوا أن يتعامل معها العالم وكأنها يجب أن تكون أمراً طبيعياً.

ويؤكد المؤلف من خلال تجربته وإطلاعه على المخططات التي تعامل معها وأطلع عليها، بأن الاحتلال يتطلع إلى ابتلاع الأرض، ولكنه لا يريد العنصر البشري المتواجد عليها، ولهذا فهي تتبع سياسة من شقين: الأول تهويد الأرض بشكل مثابر.  والشق الثاني" هو تقليل الوجود الفلسطيني إلى أدنى حد – أي طرد الفلسطينيين وتهجيرهم.

وأوضح الكاتب تحت عنوان " سياسات الفصل العنصري" بأن الاستيلاء على الأرض سبق الاستيلاء على الكرامة الإنسانية للعرب، وسياسة سكان المستوطنات هي سياسة احتقار العرب، لذا ممارستهم أكثر عنفاً مع من يحاورهم من العرب.

ومن الممارسات العنصرية اعتبار الفلسطينيين في القدس هم مجرد مقيمين بينما اليهود مواطنون، والفلسطينيين أدنى مكانة، وبالتالي فإن المناطق التي يعيشون فيها تعتبر مناطق من الدرجة الثانية.

وحول نشاط المستوطنين خارج البلدة القديمة يقول الكاتب: ليس بالصدفة انتشار المستوطنين في أماكن معينة، بل هو ينسجم مع برنامج استراتيجي متبلور، له تبعاته الدينية والسياسية، فخطة المستوطنين هي خلق شريط من التجمعات اليهودية حول البلدة القديمة يضطلع بدورين، الأول هو قطع التواصل الأرضي بين شمال المدينة وجنوبها. وثانياً: تغليف البلدة بـ " جزر" يهودية تستبعد نهائياً أي احتمال بأن تصبح القدس عاصمة للدولة الفلسطينية في المستقبل. ويلخص ذلك بقوله : " إن استراتيجية المستوطنين واضحة، إنهم ينوون خلق وضع يستحيل فيه الاتفاق الدبلوماسي على تقسيم القدس مستقبلاً " .

وبالإضافة إلى الأملاك التي استولى عليها المستوطنون، فهم يسيطرون على مجمعات الحفريات الأثرية ومتنزه داوود الوطني. وهذه هي الحالة الوحيدة في إسرائيل التي قامت بها سلطة الآثار الحكومية بنقل السيطرة على مواقع الحفريات الأثرية إلى جمعية للمستوطنين، أي إلى إلعاد. وقد أعرب عدد من رجال الآثار "غير المستوطنين" عن قلقهم لما أسموه "حفريات أثرية ضحلة ومتوحشة"، وقالوا إن المستوطنين يقومون بجمع تلك المواد التي تؤيد وجهة نظرهم فقط، ويدمرون أو يهملون مواد لها صلة بتاريخ تواجد إسلامي أو مسيحي قديماً.

لقد تعلم المستوطن اليهودي أن يقفز عن القرى العربية، وأن ينظر فوقها، بدلاً من النظر إليها وعليها. لأنه لا ينظر إليها مباشرة، بما أن وجودها أمر عبثي ومزعج؛ على كل حال إنه يزدريها، ينظر إليها من عَلٍ، وليس مواجهة كنظرة السيد إلى خدمه. إن القرية العربية مصدر إزعاج لحركة الإستيطان، إذا كان المرء لا يستطيع محوها، فإنه يستطيع على الأقل تجاهلها.

والأسلوب نفسه ينطبق ليس فقط على الأبنية، بل أيضاً على منظر البشر. سيمر المستوطن اليهودي في طريقه إلى بيته بالعديد من العرب الذين يعيشون بالقرب منه، ولكنه لن يعي وجودهم، سيتجاهله، لأنهم غير موجودين بالنسبة له. في أحسن الأحوال إنهم غائبون – موجودون، كظلال مخلوقات أدنى مكانة. وتُبذَل أيضاً جهود كبيرة لمحو تاريخ المنطقة، لمحو الرواية التي سبقت الحي اليهودي. إن الساكن اليهودي لا يبدي حب استطلاع لمعرفة كيف انتهت الأرض إلى حوزته.

ثم أوضح الكاتب حقيقة المستوطنين اليهود الذين - أسموهم زوراً مستوطنين-وكيف تُغَذي دوافعهم الدينية؟ وما مدى ارتباط هؤلاء مع مخططات دولة الاحتلال ، وكيف تسرق الأرض في القدس قطعة قطعة ومنزل منزل ؟

 فتحت عنوان أيديولوجية المستوطنين كتب الآتي : إن الإيديولوجية التي تحرك المستوطنين في القدس الشرقية هي خليط من الأفكار المسيحيانية والقومية، وهذا لا يختلف عن بقية المستوطنين في أماكن أخرى من الضفة الغربية. فهدفهم الأساسي هو استعادة الأرض في القدس الشرقية وتسليمها إلى الشعب اليهودي.

وتلك الأنشطة هي جزء من عملية إعادة الشعب اليهودي الطبيعية إلى وطنه، إلى المكان الذي طُرد منه؛ ولا يكمن فيها أي توجه سياسي – بناء القدس هو هوية الشعب الوطني". ويحدد إعلان لعطرات كوهانيم هدف المنظمة على أنه العمل في "الشراء والتحديث، وجلب سكان يهود جدد إلى بيوت وأملاك في البلدة القديمة وحولها، قطعة أرض بعد قطعة أرض، ومنزل بعد منزل، وخطوة خطوة، القليل في كل مرة".

وحول الدافع الديني الذي يغذي هؤلاء المستوطنين ذكر الحقيقة التالية : إن ما يُغذي دوافع المستوطنين هي الوصايا الدينية، وبما أن خطة مقدسة هي التي تهدي عملهم فإنهم متأكدون بأن الزمن إلى جانبهم وبأن "رب إسرائيل لن يخيب الآمال". لذا فإنهم يعتبرون عملهم في القدس الشرقية بمثابة رسالة، واجب لا يحقق الأهداف العليا للأمة وحسب، بل هو مشيئة إلهية كذلك. إنه إيمان يُضفي على حياتهم أهمية ويملأهم بالفخر. تحمل سيدة مستوطنة في مجمع مدينة داوود مثل هذه المشاعر، وقد قالت: "إن العيش هنا هو امتياز هائل! إنه يعني العيش في مكان له قيمة هائلة، ليست أثرية وتاريخية، بل مكاناً يحمل في داخله قيمة روحية. إنه حقاً الأرض المقدسة. والعيش هنا يعني أن ترتبط بقيمة أبدية .

ويضيف : "لقد طفت إلى السطح بشكل مستمر فكرة بناء "الهيكل الثالث"، وذلك منذ احتلال البلدة القديمة من القدس في 1967م. وتستند الفكرة إلى إيمان ديني بأن بناء الهيكل هو مرحلة ضرورية يتطلبها الإسراع في مجيء المسيح. لذا فإن مجمل مفهوم "الخلاص" يكمن في تدمير المسجد الأقصى، ومن ثم بناء الهيكل.

وتواجه هذه الفكرة صعوبات رئيسة تنبع من القانون الديني اليهودي (الهالاخا(، على سبيل المثال هل الشعب اليهودي نقي بما فيه الكفاية كي يدخل المعبد، ولكن العقبة الرئيسة هي الوجود الإسلامي في ساحة الحرم على شكل المسجدين الكبيرين. ومن هذه الزاوية، يشكل المسجدان ليس مشكلة سياسية وحسب، بل أيضاً عقبة أمام فكرة "الخلاص" بحد ذاتها. فاليهودي الذي يرغب في التسريع في الخلاص و"عودة" المسيح يجب أن يفعل كل ما في وسعه لحل هذه المشكلة.

وهذا المفهوم ليس مقصوراً على أطراف المجتمع المتدين، بل هو منتشر بين صفوف الحركة الدينية – الصهيونية الوسطية؛ ويتبعها أيضاً العديد ممن في مؤسسات الدولة.

يعتبر المستوطنون الراديكاليون أن اندلاع حرب بين العالم الإسلامي ودولة إسرائيل يشعلها إلحاق أضرار بالمسجدين هو مرحلة نحو حدوث حرب بين أجوج وماجوج  ، الحرب الهائلة المُنتظَرة، والتي ستسبق "الخلاص" وتُسرِّعه. إنهم يحلمون بتقريب ذلك الحدث بأية وسيلة، حتى يؤدي مجيء المسيح، ابن داوود، بالتسريع في إقامة مملكة إسرائيل. لذا فإن تواجد المستوطنين في حي المسجد الأقصى في البلدة القديمة يشكل خطراً كبيراً على الأمن العام.

وكتب تحت عنوان : مصادر قوة المستوطنين وسلطتهم: إن نشاط المستوطنين في شرقي المدينة ليس من نوع نشاط "الأنصار"، تقوم به مجموعة كوادر مثالية توجد على هامش مؤسسة الدولة. المستوطنون هم ذراع الحكومة الإسرائيلية الطولى يقومون بالأعمال القذرة التي لا تستطيع الدولة نفسها القيام بها. إنهم مرتبطون بمركز الحكومة اللوجيستي، وتغذيهم أمواله، ويعملون بوحي منه، كما أنهم يخضعون لسلطته.

ويضيف : وليس ثمة ما يثير الدهشة في أن المسؤولين في البلدية الذين يدركون بأن جميع الأبواب مفتوحة أمام المستوطنين، يوفرون للمستوطنين خدمات علنية وسرية ، وتكشف سجلات البلدية بأن مستوطنين من جمعية إلعاد قد ساهموا بنشاط في اجتماعات البلدية التي عالجت موضوع تخطيط المنطقة، وقاموا بدفع التكاليف مباشرة إلى المهندس المعماري الذي صمَّم المنطقة. وللخطة الرئيسة التي تم إعدادها عدة مزايا بالنسبة للمستوطنين، وتتجاهل أيضاً احتياجات السكان الفلسطينيين. لقد تصرفت البلدية بشكل غير سليم عندما تبنت الخطة الرئيسة؛ وقد تبنتها دون أن تكون قد حصلت على تخويل رسمي لذلك، وسمحت أيضاً لجمعية إلعاد بأن تتقدم ببرنامج البناء وفقاً للمخطط الذي كانت الجمعية شريكاُ في إعداده وتمويله.

نعم هذه شهادة من مختص يهودي عضواً  في بلدية القدس، أوضح أن ما  تعيشه القدس معاناة حقيقية وتواطؤ دولي وعالمي لم يشهد له مثيل، ومع ذلك ما زال بعض الكتاب الذين يحملون أسماء عربية يشككون في أن ممارسات اليهود ستؤدي إلى تهويد القدس، بل وبعضهم يُحسن الظن باليهود وممارساتهم !!   

وأقول في الختام : الحقيقة التي نراها بأعيننا تتلخص بأن مشاريع تهويد القدس والمسجد الأقصى مشاريع عملية وليست مجرد آمال وتطلعات، بل هي ممارسات وإجراءات ومنشآت تفرض على الأرض، والسكوت عن تلك الممارسات تحت مسوغ انشغال الشعوب العربية بالربيع العربي، دفع اليهود للمزيد من تصعيد الممارسات، فاليهود يجيدون استغلال الفرص ، ودراسة أوضاعنا وردود أفعالنا .

نسأل الله تعالى أن يرد كيد اليهود، ويحفظ المسجد الأقصى وأرض المسرى من دنس اليهود ومن كل ظالم جحود.


[1] - دكتور باحث في تاريخ المجتمع اليهودي في فلسطين إبان الانتداب البريطاني، وهو عضو في مجلس بلدية مدينة القدس الغربية، ويعد خبيراً في قضايا سياسة بلدية القدس، ويعمل مارجليت أيضاً مستشاراً للعديد من المنظمات الدولية.

 

.