القدس والأقصى / حقائق مقدسية

الانتهاكات الصهيونية في مدينة القدس

19 نوفمبر 2014

د. هاني البسوس

 

بدأت رحلة قضية القدس عندما أوصت لجنة بيل الملكية البريطانية في عام 1937 بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية ويهودية، على أن تبقى الأماكن المقدسة تحت الانتداب البريطاني. وجاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 في عام 1947، قرار التقسيم، بشأن القدس والقضية الفلسطينية مؤكداً على تدويل مدينة القدس. مع الأخذ بعين الاعتبار المصالح الدينية الإسلامية واليهودية والمسيحية في فلسطين. ولكن منذ قيام الكيان الصهيوني واحتلال المدينة المقدسة أصبح يرى أن القدس عاصمته الأبدية والموحدة ولا يعتبر البناء فيها استيطاناً، بينما ما زال الشعب الفلسطيني يؤمن ويؤكد على أن القدس عاصمة لدولته المستقبلية ويندد بالاستيطان الصهيوني فيها.

مع الأهمية الخاصة لمدينة القدس نظراً لوجود أهم الأماكن الدينية المقدسة للمسلمين فيها، المسجد الأقصى، إلا أنها تعتبر جزءً لا يتجزأ عن فلسطين المحتلة، وينطبق عليها ما ينطبق على قضية فلسطين من حيث عدم جواز اكتساب الأراضي بالغزو العسكري وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعدم الاعتراف بالتغييرات الجغرافية والديموغرافية التي كرسها الاحتلال الصهيوني. ذلك أن القانون الدولي لا يعترف باستخدام القوة والقيام بعدوان عسكري والاستيلاء على الأراضي ونزع طابعها العربي وتهويدها بقوة الاحتلال. لذلك، تعتبر قضية القدس عنصراً جوهرياً في الصراع الدائم بمنطقة الشرق الأوسط، وصدرت بشأنها قرارات أممية تؤكد على ضرورة الحفاظ على الطابع القانوني الخاص بالمدينة المقدسة كأرض محتلة. وعلى الرغم من صدور العديد من المشاريع العربية والصهيونية والدولية من أجل حل الصراع العربي الصهيوني إلا أنه لا يوجد مشروع بعينه تناول قضية القدس بالذات، مع علم جميع الأطراف المعنية في الصراع أن قضية القدس تمثل جوهر الصراع في الشرق الأوسط.

في الحقيقة أن العرب والمسلمين وقفوا ضد تدويل مدينة القدس، مستندين إلى مجموعة من الحجج في مقدمتها أن القدس مدينة عربية إسلامية محتلة، والتدويل ينزع ملكيتها رغماً‌ عنهم، وينتهك حقوق سكانها المسلمين، كذلك عرفت المدينة الاستقرار في ظل الحكم العربي والإسلامي لها، ولم تكن هناك مشاكل طوال فترة السيطرة العربية على المدينة. أما الكيان الصهيوني فقد ساند في البداية مشروع تدويل القدس، عندما لم يكن قد وضع يده عليها، ولكن بعد أن خضعت المدينة للكيان، سارع بإعلانها عاصمة أبدية ودائمة له، ورفض أي دعاوى لتدويلها.

و كانت القوات الصهيونية قد احتلت مدينة القدس بأحيائها العربية، وسيطرت على القسم الغربي منها عام 1948 وأكملت احتلال القسم الشرقي عام 1967. وفي أغسطس 1980 أقدم الكيان على ضم القدس واعتبرها عاصمته الموحدة، وكان هذا العمل تحدياً للمجتمع الدولي بأسره، وانتهاكاً لمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان التي أخذت جميع دول العالم على عاتقها احترامها والالتزام بها. كان الهدف من لجوء الكيان الصهيوني إلى هذه الإجراءات تثبيت أقدامه تدريجياً في الأراضي العربية المحتلة متبعاً سياسة إقامة المستوطنات لتكون في المستقبل بمثابة أمر واقع. وذلك من خلال الأساليب المادية والمعنوية والنفسية التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين لتهجيرهم ومصادرة أراضيهم.

لقد أكدت القرارات الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة على أن مدينة القدس واقعة تحت الاحتلال الصهيوني وعلى عدم جواز احتلال أراضٍ بالقوة وبطلان ضم القدس للكيان الصهيوني، وتحذير سلطات الاحتلال من جراء أي تغيير في معالم المدينة المقدسة سياسياً أو قانونياً أو جغرافياً أو سكانياً. وأشارت بعض القرارات إلى اعتبار الإجراءات التي نفذتها سلطات الاحتلال في القدس أعمال عدوانية وتعرض حقوق الإنسان للخطر. وما تنص عليه اتفاقية جنيف الرابعة والقانون الدولي واضح في أن سلطات الاحتلال يجب أن تحافظ على المنطقة المحتلة متماسكة، ودون تغيير في معالمها بقدر الإمكان. إن معظم تلك القرارات الدولية تنطبق عليها المادة 103 من الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على أنه إذا تعارضت الالتزامات التي ترتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي أخر يرتبطون به، تكون العبرة لالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق. مما يعني أن قرارات مجلس الأمن تكون ملزمة لجميع الأعضاء وتكون التزاماتها أهم من الالتزامات الخاصة للدول. وبالنسبة لوضع مدينة القدس فإن التزامات الكيان الصهيوني تجاه ميثاق الأمم المتحدة من المفروض أن يحترم ويطبق أكثر من الالتزامات المحلية الصهيونية، خاصة أن المادة 25 من الميثاق تنص أنه على أعضاء الأمم المتحدة القبول بقرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق.

لقد أدانت القرارات الأممية إجراءات الكيان الصهيوني في القدس وطالبت بإلغاء جميع الإجراءات الإدارية والقانونية التي تمت وأثرت على الوضع الديني والتاريخي للمدينة بما في ذلك مصادرة الأراضي وترحيل المواطنين ومنع المصلين المسلمين من الوصول إلى المسجد الأقصى. وأكدت القرارات على إلغاء كل الإجراءات التي اتخذت لتغيير الوضع الجغرافي والديموغرافي للقدس، وطالبت بتفكيك جميع المستوطنات اليهودية في المدينة، والسماح للنازحين الفلسطينيين بالعودة إليها. بالرغم من قرارات الأمم المتحدة، أعلن الكيان الصهيوني مدينة القدس عاصمته الموحدة، وذلك بعد أن أكمل السيطرة على الأرض وتهويدها وإضعاف الوجود العربي الإسلامي فيها وتفريغها من سكانها العرب وتشجيع الاستيطان الصهيوني فيها. وبالتالي حسمت الوضع الديموغرافي للمدينة ونجحت في استبعاد أي دور للأمم المتحدة. هذا كله مخالف لجميع القرارات الدولية السابقة. لذلك اتخذ مجلس الأمن الدولي قرارات انتقدت بشدة قرار الكيان الصهيوني واعتبرت هذا التصرف بأنه مخالف للقرارات الدولية واتفاقية جنيف لعام 1949.

إن قرارات الأمم المتحدة المستندة الى الميثاق والعهود الدولية والقانون الدولي واضحة تماماً بخصوص القدس، وهي تعتبر أن القدس جزءً لا يتجزأ من الأراضي العربية المحتلة، وتؤكد عدم شرعية الإجراءات الصهيونية في المدينة. وأكدت هذه القرارات على عدم جواز احتلال أراضٍ بالقوة، وبطلان ضم القدس للكيان الصهيوني وعدم إجراء تغييرات على معالم المدينة واعتبار الإجراءات التي نفذتها أعمال عدوانية تعرض حقوق الفلسطينيين للخطر.

في النهاية فإن الموقف الفلسطيني والعربي يتناقض مع الموقف الصهيوني في قضية القدس تناقضا كبيراً. الكيان الصهيوني يريد توحيد المدينة لكي تبقى عاصمة له بدون سكانها الأصليين من المسلمين، ويريد الفلسطينيون إقامة عاصمة دولة فلسطين المستقبلية في القدس، وأن تبقى المدينة مفتوحة أمام الوافدين إليها من كل الديانات. ولا شك أن قوة الموقف الصهيوني تعود إلى التغييرات التي فرضها الكيان منذ احتلال المدينة المقدسة، خاصة المستوطنات المتداخلة مع التجمعات السكانية الفلسطينية. ونجاحه في تهويد القدس، وإزالة الطابع العربي خاصة عن القسم الغربي للمدينة. وأما قوة الموقف الفلسطيني، فتعود إلى عدم اعتراف المجتمع الدولي بالتغييرات التي قام بها الكيان الصهيوني، ولا اعتبار القدس عاصمة موحدة للكيان. كما أن القرارات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة استنكرت باستمرار الموقف الصهيوني ولم تعترف بالقدس عاصمة موحدة له وطالبته بالعودة عن قراراته المتعلقة بتغيير معالم المدينة.

وبالرغم من إدانة المجتمع الدولي للكيان الصهيوني وتبني مواقف وقرارات من قِبل الأمم المتحدة لوقف الانتهاكات الصهيونية، إلا أن سطوة قوات الاحتلال واضطهاده للفلسطينيين، خاصة في مدينة القدس، تصاعدت بشكل تراجيدي منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 وصولاً إلى التصعيد الحالي في انتهاكات حقوق الإنسان الفلسطيني من حيث الكم والخطورة.

 

د. هاني البسوس

أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الإسلامية وعضو مشارك في بعض المؤسسات الأكاديمية والمراكز البحثية

.