قطوف مقدسية / فلسطين في وجدان الشيخ زيد الفياض
|25-28| المقاطعة الاقتصادية سلاح فتاك | هل هذا في مصلحة فلسطين؟
(25)
المقاطعة الاقتصادية سلاح فتاك
"اليمامة"، العدد (460)، في 8-10-١٣٨٣هـ
لم يُطِق الاستعماريون -الأصليون والجدد- السكوت؛ فقد أبرزوا نواياهم، وصاروا يُصرحون ويهددون، ويُعلنون عطفهم وحمايتهم لدُويلة العصابات، وهم في الحقيقة لم يأتوا بجديد؛ فلم يكن العرب ينتظرون إطلاقاً من هذه الدول أن ترحب باجتماع العرب، أو العمل لتخليص فلسطين من شرور الصهاينة وعُدوانهم.
ونقول: إن هذه الدول الاستعمارية -ولا سيما بريطانيا- لن تقنع بالحجج المنطقية، والبراهين الواضحة على صحة حقوق العرب في فلسطين، وهي الدولة التي عملت على ترسيخ أقدام الصهاينة، وبذلت لهم شتى المساعدات، وهي التي مزقت البلاد الإسلامية، وأذاقتها صنوفا من الطُّغيان الاستعماري، والمكر السياسي.
ولكن الذي يُقنعها هو الرد العملي بالوسائل المشروعة.
إن المقاطعة الاقتصادية مثلا يمكن أن تُعيد لساسة بريطانيا -الدولة التجارية- صوابهم، فلا يندفعون في سياستهم الخاطئة في تأييد الصهاينة ضد شعب فلسطين الذي شرده المعتدون.
إن الدول العربية لو استعملت هذا الحق، وقاطعت البضائع البريطانية، والمنتجات الإنكليزية بتاتا لأثَّرت تأثيراً كبيرا على أسواق بريطانيا وتجارتها، ولا سيما إذا انضمت إلى الدول العربية بقية الدول الإسلامية، وبعض الدول الأخرى.
إن هذا العمل بجانب الأعمال الأخرى الحازمة، وفي طليعتها: تدريب الشباب الفلسطيني على استعمال الأسلحة، تكون الحل العملي لقضية فلسطين، التي دخلت مرحلة جديدة في تاريخها بعد خمسة عشر عاما، فلنجرب الحلول العملية التي يفهمها المستعمرون والصهيونيون، "ولا يفُلُّ الحديد إلا الحديد"، "وإن غدا لناظره قريب".
قضية فلسطين، ص64-66.
(26)
هل هذا في مصلحة فلسطين؟
"الجزيرة"، العدد (30)، في 17-9-1384هـ
كانت جريدة "الندوة" قد نشرت في عددها (1766) الصادر يوم السبت 17 رجب 1384هـ في صفحتها الأولى بعنوان: "مصير جوازات حكومة عموم فلسطين" في حديث لرئيس منظمة التحرير الأستاذ أحمد الشقيري جاء فيه:
"أما بالنسبة إلى جوازات السفر التي تصدرها حكومة عموم فلسطين، فستظل سارية المفعول حتى انتهاء مدتها، وبعد ذلك تُستبدل بجوازات سفر اللاجئين الفلسطينيين، التي تُصدرها الدول المضيفة للعائدين الفلسطينيين؛ استناداً إلى قرار جامعة الدول العربية في هذا الشأن؛ الذي نص على أن تُصدر كل دولة عربية فيها فلسطينيون وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين، تحمل اسم الحكومة التي يُقيمون فيها، ويتمتع حاملوها بما يتمتع به المواطنون في تلك الدول، ويتنقل حاملوها في أقطار العالم كما يتنقل رعايا تلك الدول".
ومع أنه قد مضى على نشر هذا الحديث ما يُقارب الشهرين، فإني لم أطلع على تعليق من الصحفيين والكتاب في المملكة، لا من الفلسطينيين ولا من غيرهم.
وهذا مما يدعو للعجب إن لم يكن للأسى، فأمرٌ كهذا يهمُّ الفلسطينيين والعرب والمسلمين لا ينبغي أن يمر عليه دون تعليق، وتوضيح لأهدافه ومراميه، وواجب الصحافة هنا وفي البلدان الإسلامية أن تعنى بمثل هذه الأحاديث ونقدها، إذا كان فيها ما يضر بقضية فلسطين.
ونحن الآن نريد أن نعرف بهدوء ما إذا كان هذا الإجراء من صالح شعب فلسطين المشرد، أم بالعكس؟
إننا نعلم أن مؤامرات شريرة تَحيكها دول معروفة ضد فلسطين والعرب والمسلمين، متواطئةً مع الصهيونية العالمية قبل نكبة فلسطين وبعدها.
وفي نفس الوقت كانت تعمل لإذابة قضية فلسطين، في شكل مشاريع براقة، تهدف إلى تصفية القضية نهائيا، وضمان الاستقرار لليهود كمشروع غوردون كلاب، وبلاند فورد وكين، ومشروع سيناء، ثم مشروع جونستون عام 1955م، ومشروع همرشولد عام 1959م.
وكلها مشاريع تهدف إلى إضاعة القضية، والتعويض للاجئين عن ممتلكاتهم، ومنح الدول العربية التي تقبل هذه الأوضاع مساعدات باسم المعونات والمساعدات؛ لإسكان اللاجئين.
ومع أننا لا نشك في الأستاذ الشقيري، ومواقفه في هيئة الأمم المتحدة واضحةٌ وصريحة، إلا أن هذا لا يمنع من مناقشة الموضوع؛ ليتبين وجه الحق به.
وذلك ما يدعونا لأن نقول: "إن إعطاء الفلسطينيين وثائق سفر تحمل اسم الحكومة التي يقيمون فيها، ويتمتع حاملوها بما يتمتع به المواطنون في تلك الدول" كما جاء في حديث الأستاذ الشقيري – خطوة في فصل الفلسطينيين عن بلادهم، وربطهم بالدول التي يقيمون فيها، وبالتالي يصبح الفلسطيني مواطنا في الدولة المضيفة، فيكسل عن الاستعداد لخوض المعركة؛ لأنه لم يجد الوسائل المشجعة، ويركن إلى العيش الرخي، ثم ينسى الأحفادُ فلسطين، ومعركة فلسطين ونكبتها، بل إنه من الصعب التفريق بين هذا العمل، وبين ما تطلبه الدول الضالعة مع الصهاينة في مشاريع توطين اللاجئين، وإسكانهم وتشغيلهم في البلدان المضيفة.
إنه قد لا يقل عنها نتائج إن لم يفقها خطرا!
وكما قلت سابقا: فلسنا نشك في الشقيري، ولكنه لن يجزم بأن رأيه على صواب دائما فيما أعتقد، والمسألة لا تهمُّ فردا أو هيئة أو حزبا، ولكنها أهمُّ من ذلك وأعظم.
إنها قضية المسلمين، وهذا جهد متواضع أرى الإسهام به، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمن نفسي والشيطان، والرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل، والله الموفق.
قضية فلسطين، ص67-71.
(27)
هذا لا يكفي
"البلاد"، العدد (1839)، في 18-10-1384هـ
ألمانيا الغربية منذ قيام ما يُسمى بدويلة إسرائيل العدوانية، وهي تُمِدُّها بالقروض الطائلة، والتعويضات لضحايا النازية من اليهود، كما تدعي حكومة ألمانيا.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المساعدات العسكرية والاقتصادية والخبراء الألمان تتدفق على إسرائيل، ولم تهتم الحكومة الألمانية باحتجاجات العرب وتصريحاتهم، ولكنها تمادت وأسرفت في التودد إلى إسرائيل، غير عابئة بالعرب، ولا مراعية لمشاعر المسلمين في جميع أنحاء العالم.
ولألمانيا مصالح اقتصادية وسياسية تتعرض للضرر العظيم في حالة إقدام العرب على اتخاذ عمل جاد.
ولكن العرب وقد تنبهوا لما يُحاك لهم، وما يجب عليهم عمله أخلفوا ظن ألمانيا، فوقفوا موقفا مشرفا، وأعلنوا تصميمهم بالرد على إمداد ألمانيا لإسرائيل بشحنات الأسلحة الضخمة، التي اضطُرت الحكومة الألمانية للاعتراف بها؛ ردا ليس في صالح ألمانيا قطعا، وينتج عنه أضرار عاجلة للمصالح الألمانية، والاقتصاد الألماني، وحتى للسياسة الألمانية.
وهنا فقط - ولأول مرة – تراجعت الحكومة الألمانية، وهدأت حملة صحافتها على العرب، وجاءت الأنباء تتوارد عن إعادة الحكومة الألمانية النظر في صفقات الأسلحة التي باعتها لإسرائيل، والتي تشكل تهديدا خطيرا للعرب.
ولكنَّ قرار ألمانيا بوقف إرسال الأسلحة لا يكفي لتراجع العرب عن اتخاذ الخطوات الهامة إزاء ألمانيا؛ فهناك التعويضات المزعومة التي تبذلها ألمانيا لإسرائيل، والمساعدات الأخرى، وهناك الدول التي لا تدع مناسبة تمر إلا وتعلن مساندتها لإسرائيل ضد حقوق العرب ومصالحهم، والتي تقدم لها المال الجزيل والمساعدات المتنوعة، والأسلحة الحديثة، والمهندسين والخبراء، ويتبارى ساستها في كسب عطف الصهيونية، ويُعلنون حمايتها، والتعهد بالحفاظ على كيانها، ولا يقيمون للعرب والمسلمين أيَّ وزن أو اعتبار، بل ولا يفكرون في مصالحهم الضخمة، التي يستطيع العرب أن يزلزلوها، وأن يُحدثوا في بلاد تلك الدول هزات اقتصادية عنيفة فيما لو تيقنت تلك الدول أن العرب جادُّون في اتخاذ موقف موحد، ومُقدِمون على عمل جدي بعيد عن التصريحات، والاحتجاجات التي لا تُثمر.
إن الخطوة التالية يجب أن تكون مع هذه الدول التي ما فتئت تُهدر كرامة العرب والمسلمين، وتقف ضد رغباتهم وآمالهم متحدية لهم، مستهينة بطاقاتهم وعزائمهم، وإن العرب يجب ألا يسكتوا على ضيم، وأن ينفضوا عبار الخمول الذي طال استقراره، وأن يُثبتوا أنهم أمة قوية أبية، تُحسن استخدام وسائلها إذا لزم الأمر، وأن أوهام المستعمرين والصهيونيين والدعاوى المسمومة لا تلبث أن تضمحل أمام التصميم والعزيمة الصادقة.
إن هذا ليس فورة عاطفية، ولكنه تعبير عن آمال الشعوب العربية والإسلامية، وهو مقتضى الوعي المتطور، وها قد مرت سِنون كثيرة، وقد جرب العرب مصانعة الدول الكبرى واستعطافها، وإظهار الحقائق لها، وفي المحافل الدولية كانت الأصوات تدوي بإبراز القضايا العربية والإسلامية، فلم تعبأ الدول (الحرة!) التي تُلقِّب نفسها بهذا اللقب، أو بـ (العالم الحر!)، ولم تفلح معها تلك الوسائل، وبقي تجربة الوسائل الأُخر، والعزم الأكيد، ولا ريب أنها ستنجح، وستعود الدول المعادية عن خطئها؛ حفاظا على مصالح بلادها، وستضرب بروابطها مع دويلة العصابات عُرضَ الحائط.
فهل لنا أن نترقب الخطوة التالية على نحو يعيد للأمة الإسلامية عزتها وكرامتها؟ إننا لمنتظرون ومتفائلون.
قضية فلسطين، ص72-75.
(28)
الموقف الخطِر
أرسلت لـ "المدينة"، في 28-11-1384هـ
ما الذي يجري في فلسطين المحتلة؟ وما الذي يمكن أن يحصل نتيجة للأحداث الراهنة؟
هذا ما ينبغي التفكير فيه جيدا ودراسته، والاستفادة من أخطاء الماضي، وعمل الاحتياطات الممكنة، حتى لا تكون المفاجآت سببا للارتباكات والفشل.
والدين الإسلامي يدعو إلى أخذ الحِذر، والاستعداد بالقوة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا}[النساء:71]، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}[الأنفال:60].
إن واجب المسلمين أن يَستعدوا بكل قوة ممكنة، وسلاح جديد، وكِفاح دائب؛ فهم أمامَ أعداء ماكرين، لا يدَّخرون جهداً في القضاء على المسلمين.
فها هي فلسطين كمثل على ما جابهته الأمة الإسلامية، وما تآمر به عليها الأعداء المتخاصمون، وما بقوم به زعماء الصهاينة في هذه الأيام من نشاط محموم في البلدان التي عُرفت بعدائها للمسلمين بدافع الحقد الصليبي، والأطماع الاستعمارية الظاهرة أحيانا، والمتخفية في غلائل الاقتصاد والثقافة آناً، كل هذا يقضي أن يكون المسلمون مستعدين.
إن قضية فلسطين قضية المسلمين، هذه حقيقة يجب أن يعيها من لا يزال في عناده سادراً، ومنذ نكبة فلسطين حتى اليوم والأحداث تبرهن على صحة هذه النظرية وثبوتها.
وإن الفلسطينيين يجب أن يكونوا في طليعة المدافعين عن حقوقهم، واسترداد بلادهم بقوة السلاح، وبالعلم والسياسة.
إن التناحر بين بعض البلاد الإسلامية والبعض الآخر يجب أن ينتهي، وأن يوفروا جهودهم لأعدائهم الذين يريدون القضاء عليهم بضرب بعضهم ببعض.
وإن المُهاترات التي توجهها بعض الأجهزة الإعلامية ضد بلدان إسلامية يجب وقفها.
وإن المناداة بالشعارات والمبادئ المستوردة التي لا تتفق ودين الإسلام ومُثُلَ الأمة ومبادئها يجب نبذُها وطرحها بعيدا، فما نال منها معتنقوها إلا الخراب والدمار، وسوء العيش، ونكد الطالع، وعند المسلمين الغُنية -كلُّ الغُنية- في دينهم وشريعتهم.
ومن الواجب أن تستعد البُلدان الإسلامية استعداداً يتفق مع الأخطار المحيطة بهم، فيجعلوا التجنيد إجبارياً لأجل التدريب على استعمال الأسلحة، والتعرف على فنون القتال.
وأن يكون هناك دعاية قوية على كل المستويات الرسمية والشعبية، في جميع أنحاء العالم؛ لكي يعرف العالم وجهة نظرهم، وصحة دعواهم.
هذه أشياء لا بد منها إذا ما أريد لفلسطين وللأمة الإسلامية أن تتجنب أحابيل المستعمرين، وأن تكون على أُهبة الاستعداد، لتدافع عن عقيدتها وبلادها.
وواجب الصحافة في هذا الظرف أن تضع النُّقط على الحروف، وألا تكتم الحقائق عن الشعب؛ لئلا تساهم في تضليله عن قصد أو غير قصد.
هذا، ونسأل الله أن يوفق الأمة الإسلامية لما فيه مجدها وعزها.
قضية فلسطين، ص80-84.
.