فلسطين التاريخ / تاريخ

الأعراب وقضية فلسطين.

 

لعل أكبر المآسي التي أحدثت تحولاً في تاريخ المنطقة حيث سقطت 77% من أرض فلسطين تحت الاحتلال الصهيوني كان ذلك كله نتيجة لقرار التقسيم لأرض فلسطين إلى دولتين 45% عربية , 54% يهودية , 1% دولية.

وفي هذه الفترة الحالكة كان قرار الدول العربية هو تولي أمر تحرير فلسطين بنفسها وألزم الفلسطينيون بإلقاء السلاح ([1])،

(كان قائد أحد الجيوش العربية جنرال بريطاني وهو جيش الأردن) وعندما انسحبت الجيوش العربية ذات الحمية والنخوة من فلسطين نظراً للهدنة ارتكبت القوات اليهودية أبشع مجزرتين , دير ياسين وصبرا وشاتيلا بعد أن نزع أصحاب النجدة من أبناء مضر وعدنان السلاح من أيدي الفلسطينيين وهذه كانت رسالة من اليهود إلى الأعراب.

يحكى بعض من شهد تلك النكبة يقول (( لا زلت أتذكر ذلك اليوم المشؤوم من أيام 48م عندما كنت طفلاً في التاسعة من عمري وبينما أنا ألهو وألعب بين يدي والدي إذ سمعت طرقاً شديداً على باب دارنا وصوتاً عالياً ينادي والدي , ذهب والدي وفتح الباب وإذ بقائد فرقة الجيش العربي الذي يرابط بجوار قريتنا لحماية القرية من قطعان الصهاينة الزاحفين لاغتصاب الأرض المباركة، وبكل وقاحة أطلقها ذلك القائد كلمة تجمدت لسماعها الدماء في عروقنا ... كلمة كانت النكبة ... لا بل هي ألف نكبة ونكبة قالها دون خجل سننسحب الليلة من قريتكم .. وسيدخل اليهود على إثرها ... فهيا ارحلوا وإلا أدرككم الصهاينة وذبحوكم ))([2]).

ماذا قدم الأعراب لفلسطين وهم من كانوا يتبجحون بأنهم سيرمون اليهود في البحر , أين ضجيجهم الإعلامي في صوت إذاعتهم (( إذا أرادت إسرائيل الحرب فأهلاً وسهلاً )) بل بلغ الغرور أن قالوا أن طائراتهم الميغ (( تتحدى القدر)) بل قال هؤلاء في افتتاحية مجلة الشعب السورية في 25/ إبريل / 67م يدعون فيها إلى (( خلق الإنسان الاشتراكي العربي الذي يؤمن أن الله والأديان ..... وكل القيم التي سادت المجتمع السابق ليست إلا دُمى محنطة في متاحف التاريخ )) .

حاول هؤلاء الأعراب أن يتبنوا القومية العربية والوطنية منهجاً في المقاومة ولم يرفعوا راية الإسلام لأن المعركة الحقيقية هي معركته ولم يفسحوا المجال لحامليه إن يرفعوا رايته وحجتهم في ذلك ثلاث حجج بواطل زاهقات : -

1- أنهم لا يريدون استخدام الدين وسيلة لتحقيق أهدافهم كما فعل اليهود فقاسوا الإسلام على اليهودية وساووا بين الحق البين والباطل الواضح .

2- أن استراتيجيتهم تتركز على إقامة دولة علمانية يعيش فيها اليهود والنصارى معاً لكسب الرأي العالمي الذي أخزاهم في مواطن الخطر وتخلى عنهم في البر والبحر.

3- وجود نسبة من النصارى في فلسطين على الرغم من ضآلة هذه النسبة وما أسعد النصارى في بقاع الأرض كلها بهذه الحجة  فمن أجل أقلياتهم في كل حدب وصوب من بلاد المدر والوبر فلنسقط الإسلام احتراماً لهم )) ([3]).

وقال زعيم الأعراب أنه لا يحارب اليهود أصحاب الدين السماوي وإنما يحارب إسرائيل ذات التوجه السياسي الاستعماري الصهيوني.

الأعراب الذين خاضوا معارك مع اليهود لم يعودوا حتى بخفي حنين فحربهم في 48م كانت نكبة وفي 56م العدوان الثلاثي التي كانت هزيمة وفي 67م كانت نكسة وحرب 73م الذي يسميها البعض حرب التحريك لأنها حركت الأجواء إلى سلام الشجعان في كامب ديفيد وبعد ذلك فتح الباب لتنال الأمة الويلات بسبب الأعراب هؤلاء الذين يظنون أنهم الأعلم والأفقه وهم أجدر ألا يعلموا فبسبب حنكتهم صارت الأمور إلى الأسوأ فحدثت حرب الخليج الثانية وحرب أفغانستان وحرب الخليج الثالثة وسقطت أفغانستان والعراق.

وكما يقول الدكتور عبد العزيز كامل: يؤكد وقوع حرب في كل عقد أمر يهودي لازم وضروري وهذا ما أسماه إسحاق شامير رئيس الوزراء اليهودي الأسبق بـ (( ... سياسة تقليع الإنسان )) قبل الكارثة / 19 الصادر عن المنتدى الإسلامي لندن.

وكان الأعراب الذين شكلوا حركات تحريرية دون اعتناق أي أيدلوجية دينية معتمدين على الوطنية والشعبية نجد هذه الحركات بعد أن كانت تطالب بتحرير فلسطين المحتلة في 48 م و67م صارت تطالب بحدود 67م فقط .

والتنظيم الذي يفقد هوية عقائدية محددة سيجد نفسه عرضة لعدد من المشاكل والتحديات، منها:

1- مع غياب الهوية العقائدية كثيراً ما تلعب المصلحة وضغط الأمر الواقع أدواراً أكبر وتحل الاعتبارات التكتيكية مكان الرؤى الاستراتيجية .. وبالتالي تفقد بوصلتها وتحيد عن دربها وتتحجم طموحاتها وأهدافها .

2- إن وجود رؤى فكرية مختلفة يوجد تعارضات جدية في مفاهيم وأساليب التربية والتعبئة والتوجيه وفي الطرح السياسي والإعلامي وفي تحديد الأصدقاء والأعداء وعقد التحالفات وفي استيعاب الأحداث والتعامل معها وفي اتخاذ القرارات.

3- إن الجذورالأيدلوجية والحزبية السابقة للأعضاء أوجدت مناخاً ملائماً للخلافات ولنمو الكتل الداخلية والمجموعات المحسوبة على شخصيات قيادية مما يهدد بالانشقاق والصراعات الداخلية ([4]).

وفي الختام، القومية أو الوطنية لا تحرر القدس ولا المسجد الأقصى لأن القدس عنوان عزة أمة أسست على عقيدة عالمية هي العقيدة الإسلامية فلا يحرر القدس إلا حركة تحرير إسلامية مبنية على مبادئ الإسلام وقيمه وأخلاقياته وإن الذي ينقص حركات التحرير الفلسطينية التي ظهرت خلال النصف من القرن المضي هي تلك المبادئ والقيم الإسلامية رغم أنها العناصر الوحيدة التي تضمن تحرير القدس بل تكاد تنتهي ببيعها القضية للصهاينة.

يقول أحد الكتاب في مجلة المجتمع العدد (1409):

(( هذا ما حققته قيادة شعب فلسطين الثورية المعاصرة مع أن القضية برمتها كانت إسلامية عند العثمانيين ثم أصبحت عربية عند القوميين العرب حتى موعد انطلاقة منظمة التحرير الفلسطينية التي اختزلتها باسم الفلسطينيين – مقاتلين وغير مقاتلين – ثم صارت قضية المقاتلين الفلسطينيين فقط )).

فالأعراب خاسرون تماماً في كل معاركهم مع العدو ولذلك رفعوا رايات الاستسلام واتجهوا إلى سلام الشجعان كما زعموا وبعد أن كان زعيمهم يسمي السلام الذي حدث بين السادات ومناحيم بيجن رئيس الوزراء الصهيوني أنها خيانة كبرى، وبعد عشرين عاماً صار يمارس نفس الدور والسيناريو الذي مارسه السادات.

 

.