دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
مرفق النسخة الإلكترونية| "القدس دراسات في تاريخ المدينة" كتاب صهيوني يزور التاريخ
د. عيسى القدومي
"ياد تيسحاق بن تسفى " هي مؤسسة للأبحاث والدراسات تعمل في القدس، وتحمل اسم ثاني رؤساء " إسرائيل" لايتسحاق بن تسفي " الهدف الرئيسي لنشاطها العلمي هو تشجيع الأبحاث في تاريخ الديار المقدسة عامة والقدس خاصة، وتنشر عادة ثمرة نتائج الأبحاث العديدة التي تبعث في هذه المؤسسة بالعبرية وذلك في أكثر من عشرة كتب سنوياً، كما تنشر فصلية تصدر بالعبرية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً وتحمل اسم " كايتدرا " .
وتعقد مؤسسة الأبحاث " ياد تيسحاق بن تسفي " حلقات بحث علمي وندوات ومؤتمرات وتنشر أوراق العمل والبحوث والدراسات في كتب تصدر باسم تلك المؤسسة .
ويتبع " ياد تيسحاق بن تسفي " ، معهد أبحاث الديار المقدسة ( التي تسمى باللغة العبرية بارتس إسرائيل " .
ومن الإصدارات التي زورت وشوهت تاريخ القدس كتاب " القدس دراسات في تاريخ المدينة) ؛ يقول المستشرق اليهودي (أمنون كوهين) الأكاديمي والباحث النشط في الجامعة العبرية في القدس المحتلة في مقدمة تحريره لكتاب : " القدس دراسات في تاريخ المدينة) أن هناك أبحاثاً عديدة تجري في الوقت الراهن في جميع الجامعات والمعاهد العلمية المختصة في ( إسرائيل ) تتناول المجالات التي انتقيت منها أبحاث هذه المجموعة
-أي مجموعة البحوث التي جمعها في كتاب تحت عنوان " القدس – دراسات في تاريخ المدينة" شارك فيها عدة باحثين وأكاديميين يهود ومن جامعات مختلفة - .
ويضيف كوهين : " ومن الجدير أن تنقل نتائج هذه الدراسات، لا بل تفاصيلها أيضاً، إلى الباحثين العرب في الشرق الأوسط !!
لم يكتف هذا الباحث بنشر الأباطيل والتاريخ المشوه، والأحداث المصنوعة، بل ويطلب أيضاً وبكل جرأة بأن نوسع مداركنا – نحن العرب والمسلمين – ونقرأ كتابه الذي يسهم – حسب تعبيره – في توسيع فهم تاريخ القدس بين محبيها من أبناء جميع الأديان، وفي خلق جو يشجع زيادة التفاهم والتقارب بين اليهود والعرب"!!
بل ويصدر ويطبع كتابه باللغة العربية – بطباعةٍ متقنة – للقارئ العربي، فيقول : "والآن، نورد ولأول مرة للقارئ العربي دراسات مختارة نشرها بالعبرية باحثون (إسرائيليون) في كتب صدرت في العشر السنوات الأخيرة عن ( ياد بن تسفي) وتلقي هذه الدراسات الضوء على نواحي مختلفة لتاريخ القدس منذ صدر الإسلام وحتى أيامنا هذه [1] .
والكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين عمل وما زال لإكساب احتلالهم لبيت المقدس شرعية دينية وتاريخية وواقعية وأثرية وقانونية ،بل وإنسانية في بعض الأحيان!!
ويفسر لنا (بول فندلي) في كتابه : (الخداع) الآلية التي انتهجها الباحثون اليهود ليقبل ذلك الخداع ، كتب (فندلي) : " من الواضح أن قبول المغالطات حول (إسرائيل) ليس عرضياً ، إنه حصيلة عمل كثرة من الناس يسخّرون طاقاتهم للقيام بهذه المهمة بدأب والتزام " [2] .
حوا لاتسروس يافه:
كتبت (حوا لاتسروس يافه) 1 بحثاً أكدت فيها: أن المسجد المذكور في آية الإسراء قد فهم منذ البداية أنه مسجد بعيد قصي سماوي، ولم يقصد منه ذلك المسجد الذي لم يقم في القدس إلا زمن (الأمويين) !!
ودعمت (لاتسروس) فكرتها بمقال كتبه : (جوزيف هوروفيتش) حول الموضوع نفسه أكد فيه: أن المسجد الذي عنته آية الإسراء إنما هو مصلى سماوي يقع في القدس السماوية العليا، وقال: " ينبغي أن نفهم أقوال مفسري القرآن الأقدمين على هذا النحو، حيث يجمعون عادة على أن المسجد الأقصى معناه: بيت المقدس. وأن حسب رأيه - تقصد جوزيف - فإنهم يقصدون القدس العليا، غير أن المصطلحات اختلطت على مر الأجيال، وفُهِمَ المسجد الأقصى الذي في القدس العليا، على أنه موجود في القدس الحاضرة "2.
وقبل ذلك نقلت الثابت عند المسلمين في أن مسجد الأقصى هو مسجد القدس، ولكن بعبارات فيها تشكيك قائلة : " والقرآن على ما يبدو لم يذكر القدس صراحة بالرغم من أن معظم المفسرين المسلمين، وقسم من الباحثين يميلون إلى الاعتقاد بأن الآية الأولى من سورة الإسراء أو سورة بني إسرائيل ترمز إلى القدس"3 وتضيف : " قدسية فلسطين، ووعد الله بني إسرائيل بأنهم سيرثونها تظهر من أقوال موسى في حكاية النقباء: " يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم " 1.
وحول فتح بيت المقدس كتبت مشككة : " إن الضباب يكتنف فتح مدينة القدس رغم الروايات الكثيرة العديدة التي وصلتنا وهناك شك حتى في السنة التي تم فيها فتح المدينة " ... فالمصادر الإسلامية العربية تعطي معلومات متناقضة عن هذا الحدث"2 .
وخلصت المستشرقة (لاتزروس يافه) إلى أنّ الذي عزّز مكانة القدس في الإسلام هو مجيء الحملات الصليبية وتحويل قبة الصخرة كنيسة مسيحية؛ حيث حدث ردّ فعلٍ في الإسلام فبدأ الفقهاء يدّعون ويعزّزون قدسية القدس في الإسلام، وبدأت الدعوة إلى الجهاد بغية استردادها من أيدي الكفار، ومن جرّاء ذلك ازدهرت آداب فضائل القدس التي كانت جذورها وطيدة في الإسلام، وعلى أثر تحرير القدس على أيدي المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي (عام 1187م-583هـ) لا سيما في القرن الثالث عشر الميلادي السابع الهجري فصاعداً، نفّذت مشاريع بنائية كثيرة حول (الحرم)، وفي المدينة خصوصاً من أجل التأكيد على طابعها الإسلامي، وعلى الرغم من ذلك فقد أعاد المسلمون القدس (عام 1229م/ 626هـ) سلمياً (ما عدا الحرم نفسه) ، مع بعض المناطق في الجليل إلى (فردريك الثاني) إمبراطور ألمانيا وملك الصليبيين"3 .
وكتب الباحث اليهودي (شلومو دوف غويتاين) في بحثه المنشور في كتاب: «القدس دراسات في تاريخ المدينة» الآتي: «من الناحية الثقافية؛ فقد بقيت القدس مدينة جانبية لا تأثير يذكر لها، والقدس لم تلعب في الإسلام قط دوراً مركزيّاً ثقافيّاً، والمسلمون شعروا جيداً أنها كانت في الأساس مكاناً مقدساً لليهود والمسيحيين»([3]).
وكتب -أيضاً-: «لم تتحول القدس إلى مدينة عربية؛ لا في ظاهرها ولا من ناحية تركيبها السكاني»([4])، ويضيف (غويتاين): «لم تكن للمدينة أهمية تذكر من الناحية الإستراتيجية والإدارية...»([5]). )[6] (
شغف اليهود بالدراسات المتعلقة ببيت المقدس :
شغف الباحثين اليهود ومؤسساتهم الأكاديمية ومؤرخيهم واهتمامهم كبير بالحصول على المخطوطات المتعلقة بفضائل المسجد الأقصى والقدس ، ودراستها واستخلاص نتائج خاصة تخدم مستقبلهم ووجودهم على تلك الأرض المغتصبة .
وهذا الشغف لدراسة كتب الفضائل المتعلقة ببيت المقدس وبلاد الشام ليست ترفاً فكرياً ولا إعجاباً بهذه المكانة التي تعلقت بها قلوب المسلمين وحواسهم على مر العصور والأزمان ، بل هذا الاهتمام ينصبّ في دائرة واسعة تبدأ بمعرفة الماضي واستلهام دروسه والاهتمام بالحاضر وقراءة المستقبل .
والمستشرقون من الغربيين واليهود قد أولو كتب الفضائل عناية أكبر بكثير من اهتمام طلبة العلم والأكاديميين من العرب والمسلمين في العصر الحديث ، وقد درس الباحثون اليهود وحققوا ونشروا عددا من تلك الدراسات ، منها ما قام به اسحق حسون من تحقيق كتاب الواسطى : (فضائل البيت المقدس) ونشره في القدس سنة 1979، كما حقق (تشارنز مانيوز) الأمريكي كلا من : (باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس) لابن الفركاح، و: ( مثير الغرام إلى زيارة الخليل عليه الصلاة والسلام ) لاسحق بن إبراهيم التدمري .
وفي مدى اهتمام اليهود بكتب الفضائل بالذات يقول الشيخ المحقق مشهور حسن آل سلمان:"ولا بدّ من الإشارة إلى أن اليهود نشروا كتباً كثيرة في فضائل الأقصى ، ولديهم حبٌّ وولعٌ في اقتناء الكتب في فضائل البلدان؛ ولا سيما مكة والمدينة، ولديهم دراسات عن مشاعر المسلمين نحو مقدساتهم من خلال كتب الفضائل؛ كي يتبين لهم الخط البياني لنمو المشاعر أو ضمورها، فحينئذ يسهمون في بث ما يؤدي إلى ضمورها استعدادا ً للمعركة " [7].
ويؤكد د. محمود إبراهيم في كتابه فضائل بيت المقدس في مخطوطات عربية قديمة : أن من بين ثلاثة وعشرين شخصاً ممن نشروا بعضاً من مخطوطات فضائل القدس ، أو ترجموها كلياً أو جزئياً ، أو أعدوا دراسات عنها ، العرب هم أقل النِسَب ، إذ كان عددهم ستة أشخاص ، في حين أن السبعة عشر شخصاً الآخرين كانوا من الأجانب ، ومن بين هؤلاء الأجانب نسبة عالية من الكتاب اليهود [8].
فقد أخذ المستشرقون يبحثون وينقّبون في تراثنا العربي الإسلاميّ من مخطوط ومطبوع؛ ليستطيعوا أنْ ينفذوا بواسطته إلى التشكيك والتقليل من أهمية مدينة القدس في الإسلام، وأنها فقط مقدسة لدى اليهود، وأنّ كل الأحاديث التي وردت جاءت متأخرة في المصنفات الحديثية... إلى آخر تلك الترهات ؛ وتم بحث هذا الموضوع تحت عنوان : (أدب فضائل المدن) ، و : (فضائل بيت المقدس) بالذات. [9]
دافع هذا الشغف والاهتمام البرهنة على أن مكانة بيت المقدس في الإسلام مكانة ثانوية ؛ ففي كثير من كتابات المستشرقين اليهود أو من هم من أشياعهم خط ثابت لا يتغير هو محاولة بيان أن بيت المقدس ليست لها أهمية كبرى في عقيدة المسلمين ، ويكفينا مثلاً ما خلص إليه الباحث اليهودي سيفان ( E.Sivan ) بأن : " زمان أول الرسائل التي كتبت في فضائل بيت المقدس ومكانها يدفعنا إلى استنتاج لا مناص منه وهو أن القدس لم يكن لها في واقع الأمر تلك المكانة السامية في وعي العالم الإسلامي" [10] .
وذلك القول يعد أنموذجاً للموقف الذي يستخلصه الباحثون اليهود بعد دراستهم المستفيضة لكتب فضائل المسجد الأقصى وبيت المقدس وبركة فلسطين وبلاد الشام . ويستوي قول الباحث اليهودي (سيفان)، مع أقوال زملائه (كقسطر) ، و(هوشبرج)، و(جويثاين) ، و(حسون) .. وغيرهم .
وللجامعات العبرية وجيش البروفسورات الذين يعملون في أروقتها دور كبير في إشاعة التهوين من مكانة المسجد الأقصى عند المسلمين ؛ لقد قام الأساتذة والأكاديميون الذين كلفوا من المؤسسة العسكرية اليهودية بتأدية مهمات مباشرة للبحث والكتابة في الشؤون العربية والفلسطينية وقضايا الصراع في المنطقة، وكذلك التحقيق في كتبنا التراثية والمخطوطات التي سرقوها من المكتبات الفلسطينية العريقة بعد أن تمكنوا من احتلال أرضها؛ حيث أصبح من المتعذر التمييز بين أكاديمي أو باحث مدني وآخر عسكري في الكيان الصهيوني، من ناحية الارتباط بالمؤسسة العسكرية، فيغلب على العملية البحثية في الكيان اليهودي طابع ( العمل المؤسسي ) المرتبط وظيفياً بأداء الدولة وتوجهاتها؛ حيث ينتمي معظم الباحثين إلى مؤسسات بحثية -رسمية أو خاصة- تعنى بتنظيم نشاطاتهم، وتمدهم بالمعلومات الأولية وبالمعطيات اللازمة لعملهم، ثم تزج بنتاجهم في خدمة المشروع اليهودي ككل.
وهذا ما دعا نقابة الجامعات والمعاهد ببريطانيا « يو سي يو » كبرى نقابات التعليم العالي في بريطانيا الذي يضم في عضويته أكثر من (120) ألف منتسب، تبني قرار مقاطعة الجامعات العبرية تضامنا مع الفلسطينيين؛ بل طالب القرار الاتحاد الأوروبي العمل على مقاطعة المؤسسات الأكاديمية العبرية ووقف الدعم المالي لها [11].
لأن الاستقلالية المعرفية للأبحاث الصهيونية ذابت، وتستخدم في حقيقتها بوصفها وسيلة صراعية ، أي: سلاحاً في مواجهة الأمة العربية والإسلامية، والجامعات العبرية تعد الأطر الأكثر اتساعاً في العملية البحثية داخل فلسطين المحتلة؛ إذ تتوفر لها الكفاءات والخبرات العلمية والظروف الأكاديمية، فضلاً عن توفر الإمكانات المادية والمعنوية اللازمة لعمليتي التدريس والبحث.
فالجامعة العبرية في القدس تضم مكتبة ضخمة فيها نحو: (مليون ونصف المليون) مجلد، ويعمل فيها (60) أمين مكتبة رئيساً وثانويّاً، و(20) كاتباً وموظفاً، وقد عنيت هذه المكتبة بالحصول على تركات كثير من المستشرقين والباحثين اليهود من مختلف أنحاء العالم، وأفردت في داخلها أجنحة خاصة لمكتباتهم ومؤلفاتهم، وفي مقدمة هؤلاء المستشرقين الهنغاري اليهودي الشهير ( آجنتس جولد تسيهر )، الذي تضم مكتبة الجامعة مختلف المواد البحثية التي كان يعتمدها أو ينتجها. وكذلك العديد من المراكز والمعاهد كمعهد (بن تسفي للدراسات اليهودية)، وغيره الكثير[12].
والتسويغات الدعائية التي ينشرها اليهود عبر تلك البحوث دافعها الأول: هو المتطلبات المستقبلية، هذا ما عبر عنه البروفسور (أوريال هايد)[13] – في دراسة له نشرت عام 1961م عن دافعين للاهتمام الصهيوني بالشؤون الاستشراقية أبحاث الصراع، هما : المتطلبات المستقبلية واستيعاب اليهود والشرقيين ... ووعينا بتلك المتطلبات يزيد عما لدى المستشرقين من بلدان الغرب"[14].
ولاشك أن هذه الأبحاث والدراسات والكتب التي تصدر وتنشر كذلك بالعربية هي ( أبحاث الصراع ) ، وهذا مصطلح مناسب لتلك الأبحاث ؛ لأنهم قصدوا منها مقاصد كبيرة وكثيرة منها : تخطيط المستقبل ؛ لأنها لاشك من متطلبات إدارة المستقبل ومعرفته ؛ ولإدارة الصراع بطرائق فاعلة ، وهذا لا يتم إلا إذا حددت كيفية إدارة ذلك الصراع ، واستيعاب اليهود والشرقيين بكتابة تاريخ ومعتقدات وأبعاد يتقبلها الشتات اليهودي غير المنسجم ؛ ولتقريب الغرب من اليهود وتعاطفهم معهم ومع وجودهم على هذه الأرض المباركة.
فقد عملت وما زالت قيادة الاحتلال الصهيوني تعمل على تأمين الكثير من متطلبات العمل البحثي، ودفع الباحثين اليهود إلى المضي قدماً في تلك الأبحاث لتحقيق الأغراض المحددة لها . وأصبح من المتعذر التمييز بين أكاديمي أو باحث مدني وآخر عسكري في الكيان الصهيوني، من ناحية الارتباط بالمؤسسة العسكرية ، حتى يغلب على العملية البحثية في الكيان اليهودي طابع (العمل المؤسسي) المرتبط وظيفياً بأداء الدولة وتوجهاتها ؛ حيث ينتمي معظم الباحثين إلى مؤسسات بحثية- رسمية أو خاصة- تعنى بتنظيم نشاطاتهم، وتمدهم بالمعلومات الأولية وبالمعطيات اللازمة لعملهم، ثم تزج بنتاجهم في خدمة المشروع اليهودي.
فمركز الدراسات الأسيوية والأفريقية في الجامعة العبرية يوفر كل ما يحتاجه الباحثون ويوفر لهم البيئة المناسبة للبحث ؛ والكادر الأكاديمي في الجامعات العبرية يحصل على ميزات لا مثيل لها من الوظائف الكبيرة في الدولة، ولا يقتصر الدعم على الجانب المادي بل يتعداه إلى الدعم الإداري والعلمي والمحتوى، فالباحث اليهودي يُمكّن من الاطلاع على محتويات مراكز الأرشيف المتعددة في الكيان الغاصب، والمعلومات والوثائق كلها تحت تصرف الباحثين، فضلاً عن الاهتمام بنتاجهم العلمي وتهيئة مشاركتهم في المؤتمرات العالمية المتعلقة بفلسطين والاستشراق، وتوفر لهم كل الإمكانات لزيارة مراكز المخطوطات والوثائق في اسطنبول ولندن وألمانيا وبريطانيا وغيرها[15].
والمستشرقون اليهود لهم ارتباط عملي بالمؤسسات الاحتلالية ؛ فهم موظفون وعاملون في المؤسسات العلمية والأكاديمية الصهيونية ، ولهذا يوظفون دراستهم لتخدم الفكر والسياسة والدعاية والإعلان، ويؤدون دوراً خطيراً ضمن أهداف وضعتها وبرمجتها القيادة اليهودية المحتلة لأرض فلسطين .
وينظر الكيان الغاصب إلى المستشرقين والباحثين في مواقعهم التي حددت لهم على أنهم يؤلفون قسماً رئيساً من جهاز رجال الفكر الذي لا غنى عنه في بناء المشروع الصهيوني واستكماله "[16] .
لذا فإن الباحثين اليهود عملوا على الكثير من الدراسات حول القدس وفلسطين، فضلاً عن أعمالهم في المؤسسات الأكاديمية العبرية، فهم مستشارون وقياديون في مواقع مرموقة في الدولة ومؤسساتها ، فقد عمل (أمنون كوهين) لسنوات عدة مستشاراً لحاكم الضفة الغربية، وشغل (يهوشفاط هوكابي) و(شلومو غازيت) منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، وكان (شلومو أفنيري) مديراً عاماً لوزارة الخارجية، وتولى (مناحيم ميسلون) منصب رئيس الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وترأس كل من الباحث (تسفى لنير) والمستشرق (يتسحاق أورون) مركز البحوث السياسية في وزارة الخارجية، وعمل المستشرق (تسفى البيلغ) حاكماً عسكرياً خمس مرات، وخدم المستشرق (موشى معوز) منسقاً للأعمال في المناطق المحتلة، كما عمل (معوز) مستشاراً لوزير الدفاع (غير روايزمان) للشؤون العربية، وكان المستشرق (يوسف جينات) مستشاراً لوزير الزراعة وكبير مساعدي الوزير (موشي آرنس) للشؤون العربية ( حتى آخر العام 1986م)[17].
وما تحقيق الباحث اليهودي (اسحق حسون) لمخطوطة فضائل البيت المقدس لأبي بكر الواسطي ، إلا دعماً لهذا الاتجاه، فقد تم توفير المخطوط الذي سرق من جامع عكا ، مع توفير التفرغ والدعم والإمكانات للباحث لإنجاز ذلك التحقيق[18].
ويغلب على العملية البحثية ( الاسرائيلية ) طابع العمل المؤسسي المرتبط وظيفياً بأداء الدولة وتوجهاتها ؛ حيث ينتمي معظم الباحثين اليهود إلى مؤسسات بحثية- رسمية أو خاصة – تعنى بتنظيم نشاطاتهم، وتمدهم بالمعلومات الأولية وبالمعطيات اللازمة لعملهم، ثم تزج بنتاجاتهم في خدمة المشروع الصهيوني ككل"([19]).
لذا توزع الكتب والدراسات التي يعدها الباحثون اليهود المختصون بالشئون العربية والإسلامية داخل الجيش ، وتوجه الدعوة إلى بعض هؤلاء للكتابة في النشرات والمطبوعات الداخلية للجيش ، وبعضهم يشرف على تلك المطبوعات والتوجيهات التي يتلقاها عناصر الجيش وقياداته . وأصاب من أطلق على هؤلاء الباحثين مسمى : (جيش البروفسور) و(خبراء الشئون العربية) ؛ ومؤسساتهم ومراكزهم البحثية ما هي إلا مراكز للدفاع عن الوجود والاستمرار .
والخلاصة : إن الباحثين اليهود لجؤوا إلى دراسة كتب الفضائل والتاريخ والسير والحديث وما سطره الرحالة في مخطوطاتهم ، لإسباغ الهوية اليهودية على تلك البقعة ، واختلاق تاريخ وحضارة يهودية متجذرة في تلك البقعة ، ومعرفة طبيعة اهتمام العرب والمسلمين بمقدساتهم ، ودوافع هذا الاهتمام ، وعقيدتهم في مكانة المسجد الأقصى والأرض المباركة ، وما جاء من أخبار ثابتة عند علماء المسلمين في أحداث آخر الزمان ومآل الأمور، ومستقبل فلسطين في عقيدة أهل الإسلام.
واليهود على يقين أن تلك الدراسات والبحوث ضرورية ، ولا مناص من العمل فيها وتوفير أدواتها بوصفها أساساً للتعامل مع المسلمين والعرب وأهل فلسطين ، حتى لا يكون مصيرهم كمصير الصليبين ، ولا يتكرر معهم ما حدث مع غيرهم . ولتلك الأسباب أضحت مسؤولية تلك الدراسات والأبحاث ونتاجها مسؤولية الجميع أفراداً ومؤسسات وقيادة في خدمة المشروع الصهيوني .
لتحميل النسخة الإلكترونية من الكتاب التي عمل على نشرها لأول مرة إلكترونيا "مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية" اضغط هنا
[1] - أنظر القدس دراسات في تاريخ المدينة : ص 9 .
1- باحثة يهودية مستشرقة، قدمت بحوثاً عدة لمؤسسة : ( ياد يتسحاق بن تسفي ) المتخصصة في الأبحاث والدراسات المتعلقة في تاريخ القدس. وتعد من من أبرز المستشرقين اليهود في حقل الدراسات الخاصة بالإسلام في الجامعة العبرية ، بدأت دراستها حول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه منذ بداية الثمانينات لمعرفة دوره في الإسلام !!وقد أشرفت على العديد من أطروحات الدكتوراه والماجستير التي يتقدم بها طلبة الجامعة العبرية . ولها العديد من الكتب المتخصصة تناولت فيها جوانب عدة من الإسلام وتاريخ القدس . ومن كتبها كتاب نشر ضمن سلسلة تدعى : (الجامعة المفتوحة) يصدرها الجيش بعد بثَها من إذاعته. . أنظر : الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل ، ص187.
2- القدس دراسات في تاريخ المدينة ، حواء لاتسروس يافه : ص 39 .
3- المصدر السابق نفسه : ص35 .
1- المرجع السابق نفسه : ص35.
2- المرجع السابق نفسه : ص36.
3- المرجع السابق نفسه : ص42- 43
[6] ( تم الرد على جل تلك الأكاذيب في كتاب أكاذيب أشاعها اليهود لعيسى القدومي
[7] - ندوة بلاد الشام ومستقبل الإسلام : ص 20-21، وانظر كذلك : مقدمة تحقيق مخطوط :( تحصيل الأنس لزائر القدس) : ص 27 .
[8] - مخطوطات بيت المقدس في مخطوطات عربية قديمة : ص 135 .
[9] - القدس في العقل الصهيوني- نظرة على دراسات المستشرقين اليهود ، بحث منشور في عدة مواقع على الشبكة العالمية ، انظر موقع : مؤسسة القدس الدولية www.alquds-online.org .
[10] - أنظر : د.كامل جميل العسلي ، مخطوطات بيت المقدس ( دراسة وبيبليوغرافيا ) ؛ دار البشير – عمَّان ، 1405هـ -1984م ، ص19 .
[11] - انظر : صحيفة الشرق الأوسط ، الجمعـة 15 جمـادى الأولى 1428 هـ 1؛ الموافق يونيو 2007 ، العدد 10412 .
[12] - انظر للاستزادة : الاستشراق وأبحاث الصراع لدى إسرائيل ، ص 104 .
[13]- عمل أستاذاً لقسم الدراسات الشرقية في الجامعة العبرية بالقدس .
[14]- الاستشراق ، ص67. نقلاً عن : (المستشرقون ومعاهد الاستشراق في إسرائيل) في مجلة : (شئون فلسطين)، العدد 49، أيلول/ سبتمبر 1975 – ص177، 178 عن مجلة (همزاح هحداش الإسرائيلية) المجلد 11 (ع 1-2) 1961- ص2 .
([15]) انظر للاستزادة : الاستشراق ، ص69/ 70، وسلسلة بيت القدس للدراسات ، العدد 5 ، شتاء 2008م ، الأرشيف العثماني وكنوز تاريخ القدس .
[18]-وقد أعاد مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية تحقيق ذلك الكتاب ضمن خطته في إعادة تحقيق المخطوطات التي حققها باحثون يهود كأمثال إسحق حسون، الذي يُعد من الباحثين والمستشرقين اليهود الذين أسهموا في نشر الأكاذيب وألبسها اللباس العلمي البحثي !! .