القدس والأقصى / عين على الاقصى

أضواء على جهود الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (ا)

 

أضواء على جهود الشيخ محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (ا)

أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

إعداد / اللجنة العلمية

قبسات من أقوال العلامة محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (الحلقة الأولى)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

• فاتحة القول:

يقول الشيخ أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان: في ربع قرن وزيادة عشتها مع تراث العلامة محمد تقي الدين الهلالي -رحمه الله تعالى-؛ رأيته كثيرا ما يذكر قضية فلسطين بمشاعر الألم والهم التي تعتصر القلب غما وكمدا على ضياعها وتفريط المسلمين فيها؛ بل ويذكر أحيانا بكاءه ونحيبه على أهلها الذين يعذبون ويقتلون.

فأصغ إليه وهو يقول: «الآن بكيت بكاء منذ زمان طويل ما بكيت مثله، ولولا أني بادرت بقطع سببه وهو الاستماع إلى الإذاعة الآتي ذكرها- لاستمررت في نحيب وبكاء، ولما قدرت أن أنهنه دموعي، وأن أسكن ارتجاف بدني ما دمت أسمع ».

 وهو -رحمه الله تعالى- يذكر الألم والأمل، ويشخص الداء، يصف الدواء، ويربط بين الماضي والحاضر، ويستلهم من قوة المسلمين عند أسلافهم دواء لواقعهم المنكود، ويذكرهم بعزهم المفقود، وماضيهم المنشود، ويقرر أنه لا بد أن يعود ذلك كله، بشرط أن يمشي الخلف على منهج السلف، وأن يسيروا كما ساروا، وأن يعتصموا بكتاب الله - تعالى- وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم-، وأن ذلك لا بد أن يكون، {ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا} (الإسراء: 51).

وكانت فكرة جمع جهود الهلالي حول اليهود وقضية فلسطين تراودني كلما رأيته

• وكانت فحرة جمع جهود الهلالي حول اليهود وقضية فلسطين كما رأيته يكثر من ذكرها ويسهب، وله فيها إفاضات وإضافات بتحرير وتدقيق، وغيرة إيمانية ظاهرة، وأفاد وأجاد في ذلك كله، وأحاط - فيما تطرق إليه- بقضايا كلية، وله نظرات إصلاحية عملية واقعية، واقترح حلولا شرعية مهمة، لو أخذ المسلمون بها؛ لما تمكن اليهود هذا التمكين!

• لقد كتب الهلالي مقالات كثيرة عن قضايا المسلمين العامة والخاصة، وذكر حلولا لبعضها، فكتب ف مجلة الفتح المصرية مقالة بعنوان: (حالنا المحزنة - علاجها، الجاحد والجامد والمعتدل)، قال فيها: «لا يخفى على أولي الألباب ما ألم بالأمة الاسلامية من نكبات حطتها من أوج عليائها إلى حضيض الهوان: في العلم، والدين، والأخلاق، والمال، والعزة القومية المعبر عنها بالحريه والاستقلال، والراي مجمع على وجوب إصلاح هذا الفساد وبذل النفس والنفيس في ذلك، حتى يرجع إلى الإسلام مجده الغابر، وتعتق رقاب أهله من أسر العبودية الأجنبية، ويستنشق أهله نسيم الحرية، ويرفعوا رءوسهم أمام أمم الأرض، فلا يبقى عليهم سلطان إلا لذلك الأغلى، هذه أمنية كل ذي شعور وقلب حي من المسلمين، وفد شعر كثير من المصلحين ي العمل، ولكن الموفق منهم قليل»...

• والهلالي ف نظرته للأحداث يعتمد على أمور كلية، وسنن ربانية، وهي التي تدور الأحداث، والأيام دول، ولا بد أن تعود كما بدأت، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.

والمهم في مباحثه - رحمه الله -: تركيزه على الحل وطريقة العلاج، وأنها تدور على التمسك بعقيدة السلف، وحمل الناس على تربيتهم كما تربوا، وقيامهم بالمهام التي حملوها، وعاشوا من أجلها، والله الموفق، لا رب سواه، ولا نعبد إلا إياه، وحسبنا فيما يلي أن نورد قبسات من أقوال العلامة محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية:

في التحذير من اليهود يقول الهلالي رحمه الله:

"الميزان يقضي بإخراج كل يهودي غريب دخل فلسطين متلصلصا كما يدخل الهر برج الحمام، حاملا معه من الخبث والقسوة والجرائم ما لا يعرفه سكان الجزيرة من أفدم عصورهم، لا في جاهليتهم ولا في إسلامهم، ولا في نصرانيتهم ولا في شر كهم، وجريمة دير ياسين لا تزال جديدة، وهذا الميزان أوضح من شمس الضحى، يعرفه الجاهل والعالم، ولكن الصهيونيين ومن ينصرهم تجاهلوه، ولن يردهم إلى صوابهم إلا الحديد"(1).

في الالتزام بأوامر الله يحث الهلالي جنود المسلمين بقوله:

"ويجب على الجنود أن يلتزموا الصلاة في حال القتال على الوجه الذي عينه الكتاب المبين، وأن يتجنبوا المسكرات والغلول، ويسبوا الأخذ من الغنائم قبل قسمتها، فبذلك يرون من نصر الله العجب العجاب، وإذا جاءهم نصر من الله فلا ينبغي لهم أن يعقبوه بليلة ساهرة راقصة سكرى فاجرة؛ بل يقابلون النصر بشكر الله وطاعته، ولا يجوز لهم أن يفتخروا بانتصارهم كما يفعله سفهاء أوربة؛ بل يتواضعون لله ليزيدهم وفقة، وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم- مكة عام الفتح، وإن رأسه ليكاد يمس غارب بعيره ؛ تواضعا لله، {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}(النحل:128)" (2).

وفي التحذير من الدور الأمريكي يقول الهلالي رحمه الله:

"والعائم كله يعلم حق العلم أن حكومة الولايات المتحدة هي أشد الدول نصرة لقضية الوطن القومي اليهودي في البلاد المقدسة، لا تختلف في ذلك أحزابها، ولا رؤساء حكوماتها، ولا وزراء خارجيتها، من روزفلت إلى ترومن، وحتى مستر والاس -الذي يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية- هو من الغالين في نصرة الدولة اليهودية المتمناة؛ فكيف تغيرت سياسة أميركية مجمع عليها منذ سنين في لحظة واحدة؟!!". (3)

وعن القائد الإسلامي الفذ صلاح الدين الأيوبي يقول الهلالي:

"حقا إن صلاح الدين رحمه الله- ببسالته العربية الإسلامية المحمدية وأخلاقه الكريمة، أفهم الإنجليز أن شجاعة رتشارد ومكائده الحربية لها حد محدود تقف عنده، وحال بينه وبين ما كان يشتهي هو وقومه من إنقاذ الأرض المقدسة من أيدي المشركين! المحتوية بزعمهم على قبر ربهم عيسى!! وأراه أن تلك الأمنية العزيزة ليست على طرف التمام كما ظن رتشارد قلت الأسد، وكما وعده الأساقفة والقسيسون، وما وعدوه إلا غرورا"(4)

• وتحت عنوان (العرب فلسطين.. وفلسطين العرب) يقول الهلالي:

"اصيبت فسطين - الأرض المقدسة، معقل العروبة- بالنكعة المضاعفة التي لم تصب بها أرض، وشاهدت من تكالب حثالة بني إسرائيل وتألبهم وجدهم واجتهادهم ابتلاع تلك الأرض ما أيقظ أهلها من سنة الغافلين، وكان درسا اجتماعيا نافعا لا يمكن أن يتلقى في أية جامعة وإن بلغت في الرقي العلمي ما بلغت، فبعد هذا الدرس المر هبوا جميعا عن بكرة أبيهم -لا فرق بين مسلم ونصراني- يقاومون العدو المغير بما يقدرون، وفي الوقت نفسه أسمعوا العالم أصوات احتجاجهم، وأسمعوا عرب الدنيا أصوات استغاثتهم، ودعوتهم إلى الاجتماع والتوحيد، وإيقاظ إخوانهم إلى أن الخطر ليس مقصورا على فلسطين، بل هو يتهدد وجود العرب كلهم؛ فتقاعس أكثر العرب عن القيام بالواجب، وبعضهم جعلوا أصابعهم في آذانهم ولم يحبوا أن يسمعوا صوت إخوانهم، وبعضهم تأولوا القضية على غير وجهها". (5)

• وعن واجب المرابطة في فلسطين يقول الهلالي:

"فيا أيها العرب! فكروا في الهجرة والمرابطة في فلسطين وتعميرها؛ لتصدوا أطماع الغرباء، وتنقذوا أنفسكم وإخوانكم من الحالقة التي تحلق الدين والشرف، لا الشعر؛ بل تحلق الحياة، وتحتم الموت!"

اعقدوا المؤتمرات الجدية التي يعقبها العمل، أين المجاهدون؟ أين المتطوعون؟ أين حماة الحمى؟ {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران: ٣٩)، إن المسلمين والمنصفين معكم، إن الله معكم، {وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا} (النساء: ٤٥). (٦)

• وفي الدفاع عن أهل فلسطين وإنصافهم في مواقفهم يقول الهلالي رحمه الله:

ولعمري! ما قصر أهل فلسطين في الدفاع عن بلادهم؛ بل لقد عملوا أكثر مما وجب عليهم، ولكنهم وقعوا بين ظالمين وبين خاذلين؛ فأما الظالمان؛ فبريطانية واليهود، وأما الخاذلان؛ فالعرب وغير العرب.. وإن موقف المسلمين من إخوانهم المظلومين مما تنفطر له الجبال؛ فكيف بالقلوب؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم... فالحلم الدائم مع الأعداء مذموم، وهو من الرذائل، فمتى جهل عليك عدوك، وهضم حقك، وبغى عليك وظلمك؛ فقابل الجهل بالجهل والعنف بالعنف، فانه لا دواء للعدو الجائر إلا العنف! (٧)

• وفي توجيه نفيس يقول الهلالي:

أيها العاملون لفلسطين، والمتألمون لما أصابها، والعاطفون عليها! لا يخفى عليكم أن اليهود والبريطانيين ملأوا الدنيا دعاية لتشويه قضية الأرض المقدسة، وتضليل الناس فيها، بألسنتهم، وصحفهم، وكتبهم، وشركات أخبارهم، التي منها روتر، وخادمتها هافاس، وأقل ما يجب عليكم لإبطال ذلك التضليل، وكشف الحقيقة: هو الدعاية المنظمة الحقيقية، وهي لا تنفع إلا باللغات الأوربية: الإنجليزية، والجرمانية، والفرنسية، والإيطالية، وإن الناس في أوربا لا يعلمون عن الحقيقة إلا شيئا ضئيلا مشوها، وقد انبحت أصواتنا في تفهيمهم الحق... اتركوا بعض ما تنشرونه بالعربية، وانشروا هذه الحقائق باللغات الأجنبية، وبادروا إلى هذا الأمر ولا تتأخروا". (8)

• من فتاوى تقي الدين الهلالي في فلسطين:

وتقي الدين الهلالي له فتاوى قيمة في بيان الوسائل الكفيلة بإخراج المغتصبين من الأرض المقدسة فلسطين، وفتاوى عظيمة محذرة للذين يبيعون الأراضي للصهيونيين، ومن ذلك قوله: "ولا نظن أحدا من المسلمين يتجرا على القول بأن من تسبب في إخراج أحد المساجد الثلاثة من أيدي أهل الإسلام أنه مسلم، ومعاذ الله من ذلك!.. ولولا ذهاب الإسلام واندراس معالمه ما احتاجت هذه القضية الى استفتاء؛ لأن شرح الواضحات من الفاضحات، فهذا ما نعتقد وندين الله به، والسلام ".

 إن من الشعر لحكمة:

وقد نظم تقي الدين الهلالي قصائد وأشعارا حول ما أصاب المسلمين والعرب من نكبات وخاطب فيها المسلمين والعرب أن يدعوا البكاء والعويل ويقوموا لأخذ الثأر والانتقام من البريطاني الظالم المستعمر الذي جنى على الفلسطينيين وسعى لإهلاكهم وتدميرهم؛ لأنه ارتكب جرما عظيما وفعلا قبيحا استشهد به خلق كثير من العرب وسالت دمائهم من غير ذنب منهم، ويجري الدمع من كل العيون، ويبكي كل من في قلبه رحمة أو محب للإنصاف والعدل، إلا الصهاينة والأراذل فلم يرجعوا عن ظلمهم وخبثهم، ومن شك في ذلك فليذهب إلى فلسطين ويشاهد الآيات ويبصر العبر..

• وعن مصائب هذا الزمان يقول الهلالي:

تحت عنوان: (مصيبة المسلمين في هذا الزمان من أعظم مصائبهم).. قال تعالى: {فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم} (النساء:62)، وأي مصيبة أعظم مما أصاب المسلمين في هذا الزمان؟! بل لم يصابوا بمثل هذه المصيبة قط! حتى في زمان الحروب مع التتار، وفي زمان الحروب مع الصليبيين، فان الحروب الصليبية استمرت مئة وتسعين سنة؛ كما في «مختصر تاريخ أوربا» المقرر دراسته في المدارس الإنجليزية العليا، وفيه: أن الصليبيين استولوا على فلسطين وكثير من البلدان حواليها، ثم هزموا شر هزيمة على يد السلطان صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله رحمة واسعة-، ولم تبق دولة ف أوربا -شمالها وجنوبها

وشرقها وغربها- إلا اشتركت في الحروب بملكها وجيشها"(٩).

خلاصة القول:

وهكذا ندرك حقيقة أن موضوع فلسطين لم يكن موضوعا عابرا عند العلامة تقي الدين الهلالي العالم المغربي المعروف - بل كان أمرا عاش يناضل من أجله، وبذل وقته وجهده وماله في الدفاع عنه، وفضح الإنجليز واليهود بإبراز جرائمهم وفظائعهم، ونقلها إلى الغرب، ولمزيد من التوضيح والبيان ينبغي الاطلاع على كتاب الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان - حفظه الله - وهو بعنوان : "جهود العلامة محمد تقي الدين الهلالي في كشف دسائس اليهود ونصرة فلسطين" وهو مصنف نفيس استللنا منه تلك الشذرات المباركات، وسنكمل ما بدأناه هنا في حلقات قادمة بإذن الله تعالى .

 

الهوامش:

١ -من مقالة نشرت في جريدة «السجل» البغدادية، السنة السادسة عشرة، العدد (٣٤٨)، الثلاثاء ١١ رجب ١٣٦٧هـ.

٢ - المصدر السابق.

٣- من مقالة نشرت في جريدة «السجل» البغدادية، السنة السادسة عشرة، العدد (٣١٣)، الأحد ٢٤ جمادى الأولى ١٣٦٧ هـ.

٤- من مقالة نشرت في مجلة «الفتح» المصرية، المجلد السابع، عدد (٣٢١)، ٣ شعبان ١٣٥١هـ.

5- من مقالة نشرت في جريدة «الجامعة الاسلامية» الفلسطينية - يافا، السنة الثانية، العدد (٣٣٨)،

الأربعاء٢ جمادى الأول ١٣٥٢ هـ

٦ - من مقالة نشرت في جريدة «الناس» البغدادية، العدد (١٢٣١)، ٢٠ صفر ١٣٦٧هـ.

٧ من مقالة نشرت في مجلة «الفتح» المصرية، المجلد الثاني عشر، عدد (٥٩٣)، ١٥ المحرم ١٣٥٧ هـ

٨- من مقالة نشرت في صحيفة الشباب العدد (١٢٠)، ٣ رمضان ١٣٥٧ هـ

٩- من مقالة (مباحث في الكتاب والسنة)، نشرت في مجلة «دار الحديث الحسنية» الرباطية، العدد

الأول، سنة ١٣٩٩ هـ

يمكن تحميله PDF من هنا 👇

 

.

تحميل الملف المرفق