دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
نظرة في كتاب: قديم جديد 1-3 المسجد الأقصى.. الحقيقة والتاريخ
نظرة في كتاب: قديم جديد 1-3
د. محمد بن سعد الشويعر
الجمعة 2 شعبان 1430هـ الموافق 24/7/2009م العدد 13448 الجزيرة السعودية
هذا الكتاب هو (المسجد الأقصى.. الحقيقة والتاريخ)، ومؤلفه عيسى القدُّوميّ من الباحثين الفلسطينيين، وهو غني عن التعريف؛ لأن كتبه وتفهمه القضية الفلسطينية، وما قدم عنها وعن اليهود من دراسات، وما صدر له من مؤلفات متعددة، كافية في التعريف عنه، حيث نذر نفسه للقضية: مدافعاً بلسانه وقلمه مع المشاركات في المحافل والندوات.
وأما تسمية العنوان: بنظرة، فإنما نقدمه عن هذا الكتاب، ما هي إلا إلمامة يسيرة؛ لأن الموضوع وقرائنه يستحق وقفات، ودراسة متأنية؛ إذ امتلأت الكتب بالحديث عن هذه القضية التي لم يسبق لها في التاريخ نظير: حقوق تغتصب، وأرض وديار يشرد أهلها، لتعطى لشذاذ الآفاق، وتطلق أيديهم في ممتلكات أهلها، ويعانون في استباحة الحرمان بوعود جائرة في تمليكهم تلك الديار، بقوة السلاح، فيشرد أهل الحق من ديارهم في نظرة عامة: تشبه شريعة الغاب.
ويشهد لتلك الوقائع الكثيرة التي تدور منذ ستين عاماً، ما حصل لغزة منذ أشهر قليلة حيث شاهد العالم بأسره ما حلَّ بها من دمار، وبأهلها في سفك دماء وهلع وتشريد، وبمواطنيها من قتل لا يفرق بين نساء وأطفال وشيوخ ممن نهى الإسلام عن قتلهم، وأقرت هذا النهي القوانين العصرية.
ولكن اليهود قتلة أنبياء الله قد تأصل الإجرام فيهم، وهي سجية فيهم عُرفوا بها، مع ما ضرب الله عليهم: من الغضب والذلة والمسكنة وغير ذلك من صفات عديدة، جاءت في القرآن الكريم، إلا بحبل من الله، وحبل من الناس، يشتد عويلهم لجندي مأسور، ولا ينظرون لما في سجونهم من أبرياء مظلومين.. لينطبق عليهم قول الشاعر:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر
أما كون الكتاب: قديماً وجديداً، فإن المسجد الأقصى قديم في مكانته، وفي قداسته لدى المسلمين؛ لأنه مسرى رسول الله عندما عُرج به إلى السماء حيث أمَّ أنبياء الله والملائكة فيه تلك الليلة، وقد جعله رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال وتضاعف فيه الحسنات، وقد بناه نبي الله سليمان، ثم دخل تحت راية الإسلام في عهد عمر بن الخطاب، ولم يسلم كبير البطاركة مفاتيح بيت المقدس، إلا لقائد المسلمين، فإن رأوا نعته وصفاته التي في كتبهم، سلموا له بدون قتال؛ لأنهم يعلمون عن قدرته وعدله؛ ذلك أنهم أحبوه قبل أن يروه؛ لما وصف به عندهم من العدل وسلامة الحكم.
فلما وصل عمر بن الخطاب، ورأوا بساطته على ظهر راحلته المتواضعة وعليه سيماء الوقار وحسن الخلق التي هي من تعاليم الإسلام، دين الله الحق؛ فقابله كبير البطارقة مستبشراً وسلمه المفاتيح، مذعناً في أداء الجزية، والدخول في رعاية دولة الإسلام، وبعد الوثيقة التي تعتبر عهداً أعطاهم عمر بموجبه عهد الله وعهد رسوله، في وثيقة أشهد عليها كبار الصحابة، رضي الله عنهم، ولا يزالون يحتفظون بها، وسوف نوردها فيما بعد كما جاءت.
وعندما ذهب عمر - رضي الله عنه - معه، ليريه كنيستهم الكبرى (كنيسة القمامة) طلب عمر أن يصلي فيها، فقال وفق نظرته البعيدة: أخشى أن يغلبكم عليها المسلمون، ولكن أصلي هاهنا.. في موقع خارجها، وقريب من بابها.
وقد تحقق ما نوه عنه عمر - رضي الله عنه -؛ إذ أصبح هذا المكان مسجداً يصلي فيه المسلمون، وقد هدمه الصليبيون وأعاده صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله -، وأما كونه جديداً، فإنه موضوع الأمة وما يمر بأهالي فلسطين من كوارث ومصائب.
وفي هذا الكتاب الذي نشرته جمعية إحياء التراث الإسلامي بالكويت، بالتعاون مع مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية عام 1428هـ - 2007م، الطبعة الأولى، الإصدار الثامن عشر، وسوف نسير خطوات يستنير بها القارئ، ولن نستطيع الوفاء بكل ما قاله المؤلف، مع أن صفحات الكتاب بالفهارس والمصادر (150) مائة وخمسون صفحة من القطع الكبير، ويتخلل الصفحات صور وإحصائيات ووثائق، يقع الكتاب في خمسة فصول هي:
الفصل الأول: المسجد الأقصى: معالم وفضائل، والفصل الثاني: المسجد الأقصى، وشهادة التاريخ، الفصل الثالث: المسجد الأقصى وأكاذيب اليهود، والفصل الرابع: المسجد الأقصى والحقد اليهودي، والفصل الخامس: المسجد الأقصى وواجب النصرة والتأييد.
وتحت كل فصل من هذه الفصول عناوين وموضوعات كثيرة ومهمة، تحدث عنها المؤلف بإيجاز مفيد وبإشارات عميقة الدلالة، تحرك المشاعر، وخير الكلام ما قل ودل، ولم يكثر فيمل.. وقد ختم كتابه هذا ب(خريطة فلسطين الطبيعية)، ثم المراجع والفهارس.
وتحت عنوان في هذا الإصدار، والتي جاءت في الغلاف الخارجي: تحدث المؤلف بإيجاز، عما يحويه كتابه هذا فقال: بين الحقيقة والخيال، ورغم الأحداث والجراح، نجول في رحاب المسجد الأقصى؛ للعيش عبق تاريخه، ومراحل بنائه من لدن الأنبياء جميعاً والصحابة الكرام، وروعة فتحه وعمارته، وتناوب جهابذة العلماء والمحدثين عليه: للتعليم والوعظ، بشهادة التاريخ، ثم ما كان من احتلاله على يد الصليبيين، وتحريره من دنس الأوثان على يد البطل المسلم: صلاح الدين الأيوبي - رحمه الله -.
وبعد ذلك احتلاله وإحراقه، والعبث فيه على يد اليهود الغاصبين، مع بيان شبهات اليهود والمستشرقين والرد عليهم، وتفاصيل الحقد اليهودي في حفر الأنفاق تحت المسجد الأقصى، ونبش مقابر الصحابة وبناء المتحف اليهودي، وهدم طريق باب المغاربة.
وما أعد اليهود لهدم بيت من بيوت الله: المسجد الأقصى، وما حوله من البناء لقيام معبدهم المزعوم، على أنقاضه.
وبعد ذلك كله التوجه للمسلمين جميعاً، بالنهوض والقيام بواجب النصرة والتأييد، ومناشدتهم حماية القدس، والأقصى السليب، قبل فوات الأوان. أ.هـ.
وهذه الكلمة التي جعلها المؤلف في نهاية كتابه، وقد أبرزها بحكم موقعها في صفحة مستقلة هي تمثل الختام، ولكن واقعها يعني منهج المؤلف في كل ما طرحه، من آراء ومعلومات في كتابه، مخالفاً المنهج عند كثير من المؤلفين بأن يكون مثل هذا في البداية: إما في المقدمة أو بعنوان مستقل.
وهذه الطريقة بدأ كثير من المؤلفين يستحسنها؛ ليسهل على القارئ قبل الشراء معرفة المحتويات، وما طرح فيه من آراء وأفكار.
أما الإهداء، فقد جعله المؤلف، بكلمة موجزة، وفي مكان بارز بصفحة مستقلة، لافتاً النظر، وهذا نصه: (إلى القلوب الحية، التي تعلقت بحب المسجد الأقصى).. فهي كلمة - إن شاء الله - مثلما خرجت من قلب صادق، فسوف تلج القلوب المؤمنة المخلصة، متى ما أخذها القراء، بإخلاص ومحبة في الوفاء.
وقبل الدخول في مادة الكتاب وفصوله الخمسة نرى في صفحة 6 يستفتح بقول الله سبحانه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) (1) سورة الإسراء، بخط بارز جميل في وسط الصفحة وبارز، بين صورتين: العليا منهما الكعبة المشرفة، بيت الله الحرام، وفي الجزء الأسفل من الصفحة: المسجد الأقصى.. وهذا الإخراج يرمز إلى مكانة المساجد الثلاثة المسجد الحرام، الذي قدسه الله، وبناه أبو الأنبياء إبراهيم، يساعده ابنه اسماعيل عليهما السلام، والثاني الحرم المدني ومسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بناه في مكان مهاجره المدينة، والثالث: المسجد الأقصى الذي بناه سليمان عليه السلام.
فهو يورد في صفحة 7 تحت صورتين: للمسجد الأقصى خاصة، والأخرى لنفس المسجد، ويبرز فيها مسجد الصخرة وتحتهما هذا العنوان: لماذا المسجد الأقصى: الحقيقة والتاريخ؟ يعرف بالمحتوى المقدم للقراء بين دفتي هذا الكتاب: فيقول: جهد نقدمه إلى الأمة الإسلامية؛ إسهاماً بالكلمة والصورة في معركة الدفاع عن المسجد الأقصى، وبيت المقدس، وأرض فلسطين لتثبيت الحقائق، حول مكانة المسجد الأقصى في الشرع الإسلامي، والرد على شبهات اليهود وأكاذيبهم والتي أرادوا من إشاعتها، أن يسلب المسجد الأقصى من أصحابه الشرعيين: عقيدةً وتاريخاً وتراثاً، مثلما سلب منهم: حساً وواقعاً، وتسليط الضوء على واقع المسجد الأقصى المبارك، في ظل الاحتلال، لنعي حجم المؤامرة لسلب مسرى النبي الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم -.. إصدار يضاف إلى ما كتب عن المسجد الأقصى، ومدينة القدس وأرض فلسطين، إلى أن قال: فهذا هو تاريخنا لمن أراد شهادة التاريخ، وهذه أدلة شرعنا على حقنا في مقدساتنا، وتلك هي الوثائق والعهود على مر العصور، ماثلة أمامنا، ولا تخفى على أحد، تضحيات المسلمين في دفاعهم عن أرض فلسطين، وتلك هي مخططات اليهود، قتلة الأنبياء، ومحرفي الكتب والرسالات، نسطرها للمسلمين؛ لتكون عوناً وترسيخاً، لتبرز الحقائق واضحة، جلية من غير تشويه ولا تحريف، في زمن أصبح فيه قلب الحقائق، وطمس التاريخ، وعولمة الأكاذيب، وافتراءات اليهود، أحد مقومات الإعلام العالمي المنحاز لليهود وافتراءاتهم (ص7).
ثم يؤكد ارتباط الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، بالدفاع عن كل شبر من أرض فلسطين؛ فالقدس هي فلسطين، وفلسطين قضيتنا الأولى ولن نتنازل عن أي جزء منها؛ لأنها قضية إسلامية عالمية.