فلسطين التاريخ / تاريخ

غزة الماضي ... عذرًا لحاضرك ؟!!

د.عيسى القدومي

        لغزة تاريخ مجيد، فالكنعانيون هم أقدم من سكنها وبنوا مدنها وقراها وأقاموا عمرانها، وكانت أهم الطرق التجارية التي عرفها العالم القديم التي تصل بين الشام ومصر ، فالخيرات التي تحملها القوافل التجارية كانت تجمع في غزة وتنقل إلى مختلف المدن والأقطار الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط .

 

      وكانت أنظار تجار قريش تتجه إليها في رحلتهم الصيفية إلى ديار الشام ، وفيها توفي هاشم بن عبد مناف جد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا تسمى " غزة هاشم " حيث خرج إلى الشام تاجراً .

 

        وغزة كانت أول قضاء فتحه المسلمون في فلسطين، وكان ذلك في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه " 13هـ على يد الصحابي الجليل " عمرو بن العاص " رضي الله عنه ، حيث استقبلهم سكانها العرب بكل ترحاب.

 

       وقد عرف الكثير من الصحابة غزة – قبل الفتح الإسلامي - وأقام بها الصحابي الجليل " أبو قرصافة " ودفن فيها " عبد الله بن أبي سرح " ، ويكفي غزة فخراً أنها أنجبت "الإمام الشافعي" ، واشتهر أيضا في تلك الحقبة من غزة : "الحسن بن الفرج الغزي" و "محمد بن عمرو بن الجراح الغزي" وغيرهم الكثير من العلماء والفقهاء والمحدثين .

 

        واصطبغت غزة بالصبغة الإسلامية واكتسبت أهمية تجارية وحربية حتى الحروب الصليبية التي صمدت أمامها لعشر سنوات بعد سقوط القدس بأيدي الصليبيين، ولم يتمكنوا منها إلا بعد أن أريق بها الكثير من دماء المجاهدين في مختلف أنحاء القضاء في سنة 502هـ - 1109م . وعادت للمسلمين كسابق عهدها بعد معركة "حطين" سنة 583هـ - 1187م .

 

    وحكمت الخلافة العثمانية غزة كسائر أراضي فلسطين لمئات السنين حتى الحرب العالمية الأولى ، وبعدها أصبحت جزءًا من الانتداب البريطاني على فلسطين .

 

      وقبل حرب 1948م كان يسمى لواء غزة وسمي بعد اتفاقيات الهدنة عام 1949 م "قطاع غزة" كاصطلاح عسكري وليس بوصفه إقليماً جغرافياً متميزاً بتاريخه العريق . وهو قطعة من الأرض مستطيلة الشكل يحدها من الغرب البحر المتوسط ومن الشمال والشرق " الكيان اليهودي " ومن الجنوب مصر .

 

      وما تبقى من فلسطين بعد حرب 1948 م لا يتجاوز 23 % من أرضها وهي قسمين :

  1. الضفة الغربية : ومساحتها 5878 كم2 (21,7 %من مساحة فلسطين) و ألحقت بالأردن .
  2. قطاع غزة : ومساحته 363 كم2 ( 1,3 % من مساحة فلسطين ) وألحق بالإدارة المصرية .

 

         وفي حرب يونيو 1967م وخلال بضعة أيام احتل الكيان الصهيوني باقي فلسطين - 23 % ممن تبقى من أرض فلسطين التاريخية - فسقطت الضفة الغربية بما فيها شرقي القدس ، وقطاع غزة .

 

       وتقدر غزة ب 1,3 % من مساحة فلسطين ، حيث سيطر اليهود منذ 1967حتى الانسحاب منها في عام 2005م على 43 % من مساحتها وأقاموا 19مغتصبة منها الاستيطانية المدنية ومنها الزراعية ومنها الصناعية ومنها العسكرية ومنها نقاط المراقبة توزعت كل 20 كم2 في المتوسط ، وكان عدد المغتصبين في غزة يترواح ما بين 3800 إلى 8000 مغتصب ، كان يقوم بحماية المغتصبات ما يقارب من 30000 إلى 35000 جندي يهودي .

 

      الكثافة السكانية في قطاع غزة هي  الأعلى في العالم " 54000 شخص " لكل كم2 الواحد . ويعيش معظم سكان غزة وعددهم  1.4 مليون 70-80%  تحت خط الفقر ( 2 دولار يومياً ) .

 

     تعيش غزة منذ أكثر من سبع سنوات عقاباً جماعياً ، بل إبادة وحشية لا ماء ولا غذاء ، ولا كهرباء ، وحصار ظالم منع وصول الأغذية والوقود والتجهيزات الأساسية ، سُجن مليون ونصف داخل أسوارٍ هي في حقيقتها سجن وسجانون مدججون على أبوابه ، ومعابر مغلقة ، قتل وقصف يومي نال كل الأعمار والأجناس ، واقعٌ من الصعب أن يحتمله إنسان على وجه الأرض .  وحصار أوعزهم " الكيلو من الطحين" ، ومعابر مغلقة ، وحياة يومية بلا كهرباء ولا ماء ولا وقود ، ليحكموا على المليون ونصف المليون نسمة بالقتل البطيء !!

 

    وبين حين وآخر تتجدد الحرب على غزة، وتتكرر مشاهد الاعتداءات اليهودية على أهلها، وما زالت صور الاعتداءات اليهود السابقة ماثلة أمامنا ، فذاكرتنا لم تمسح بعد... وإذا بنا نعيش في رمضان 1435 هجرية حرباً جديدة

... وكالعادة ترادفت مع مشاهد الأشلاء والقصف المدمر  صيحات التنديد ...

 

     ومع ذلك فاليهود - قادة وشعبا وأحزابا ومؤسسات - سائرون في مخططاتهم واستفزازاتهم ، وما زالت الاعتداءات مستمرة ، والممارسات مدروسة ومحسوبة النتائج ومفضوحة الأهداف لكل من عرف تاريخ اليهود وافتعالهم للأحداث لينالوا أهدافاً أخرى يرجونها ، فالحقيقة التي يجب أن يعرفها الجميع هي أن اليهود يصعدون ويعملون على استمرار الأحداث في فلسطين ، وفي هذا استمرار لوجودهم!!

 

نتساءل لماذا هذا العدوان ؟!

    سؤال يجيب عليه قادة اليهود ويلخصه"إيهود باراك" في رده على صحفي أمريكي حينما سأله لماذا هذا الإذلال للشعب الفلسطيني فأجاب " : إسرائيل تعلمت أنه ليس ثمة سبيل لتحقيق النصر بالاحتلال، وأن الطريق الوحيد هو اختيار شدة المهانة " !! هذا ما قاله نصاً ً وزير دفاع الكيان اليهودي السابق "إيهود باراك".

     فقادة الاحتلال على قناعة بأن تمكين هذا الكيان على أرض فلسطين لن يكون إلا بافتعال أسباب تلك الحروب ، ومعه الحصار التجويع ، وحواجز الإذلال الموزعة في الضفة على أكثر من 475 بقعة يقف أمامها الفلسطينيين بالساعات بل بالليالي أحيانا يعانون الذل والهوان، وهدفهم واحد هو الإذلال ، وتدنيس المقدسات والاعتداءات والممارسات في تغيير معالم القدس فتلك ممارساتهم حتى يدوم احتلالهم.

    منذ مذبحة دير ياسين إلى ما نراه الآن في غزة المشهد يتكرر بسناريوهات وأحداث متكررة ومتسارعة ... ومع ذلك نقول : المستقبل للإسلام والمسلمين في غزة وفلسطين، نعم  المستقبل لنا في غزة والقدس وكل فلسطين بمدنها وبساتينها وبحارها وسهولها وجبالها ووديانها... ليس شعاراً نرفعه لنتكئ على الأمل والرجاء ... بل هو منهج وعقيدة ، نؤمن يقيناً ، بأن أرض فلسطين ستعود .. ولن يطول الانتظار إن رجعنا وتمسكنا بأسباب عزنا ونصرنا ؛ مهما أدلهمت الظلمات ، وتكالبت الأعداء ، وتداعت الأمم ، وتحالف المخذلون ، سيبزغ نور الفجر من جديد بإذنه تعالى . 

 

والظلم سيزول كما زال ظلم الجبابرة على مر العصور ... ونقول لكم يا من احتللتم أرضنا فأنكم راحلون ... ونحن باقون ... رغم المآسي والآلام ... ورغم الجراح والشتات ... ونحن على يقين بأن المستقبل لنا ... لا تيأسي يا أمة ... رغم الحال الذي نعيش.... 

 

   وإلى أن يزول الظلم ... واجبنا جميعاً أن نعمل على نصرة إخواننا في غزة ، نصرة مليون ونصف المليون مسلم الذين يقتلون ، ويُحكم عليهم الحصار ، ويمنع عنهم القوت والدواء... 

 

    ونذكر أنفسنا جميعاً بما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( ما من امرئ يخذل امرءاً مسلما في موطن ينتقص فيه عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته . رواه احمد وأبو داوود وهو صحيح  . وقوله صلى الله عليه وسلم: "أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عز وجل" صحيح الجامع.

.