دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
قافلة الحرية .. بارقة أمل
قافلة الحرية .. بارقة أمل
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحصار الجائر الظالم والهجمة العنيفة الشرسة التي يتعرض لها إخواننا المسلمون من أهل قطاع غزة في فلسطين، ليست عشوائية بل خَطط لها أعداء هذا الدين، من قادة ومنظري السياسة في البيت الأبيض، بالتعاون مع الصهاينة المستعمرين لأرض فلسطين. فقد نشرت وكالات الأنباء قبل أحداث غزة الأخيرة العديد من التقارير التي أفصحت عن مخطط أمريكي صهيوني يهدف إلى عزل غزة عن بقية أرض فلسطين المحتلة، وممارسة الحصار عليها بأشكاله المتنوعة، كما عمد الأعداء إلى تقسيم البلاد هناك إلى معسكرين أحدهما ينعم بالمساعدات الدولية وبالرخاء وشيء من الأمن ولا يلاحق القاطنون فيه، والآخر يُحاصر ويجوع ويضطهد ويمنع من المعونات ويعزل سياسياً، وتصفى حركات الجهاد ورجال المقاومة الشريفة الذين يرابطون في ذلك الثغر العظيم.
ولم يعد هذا الأمر سراً، فها هي ذي طلائع تلك الحرب الظالمة قد بدت للعيان، وهاهم إخواننا من أهل غزة يشهدون الغارات تلو الغارات، ويمارس بحقهم أقسى أنواع العزل والحصار الاقتصادي والسياسي والاجتماعي ويستمر مسلسل التجويع وقطع المعونات ومنع التعاملات المالية مع وجود تآمر عليهم من الداخل الفلسطيني وتحريض للعدو الصهيوني والدول الغربية لتضييق الخناق على أهالي غزة وتواطأت بعض الدول العربية في تضييق الخناق بمشورة ودعم من الأعداء ، فتم بناء الجدار الفولاذي العازل الذي يمنع من حفر الأنفاق التي كان إخواننا في غزة يدخلون عبرها ما يحتاجون إليه من مصر فازداد الوضع في غزة مأساوية مع الصمت المطبق إلا صرخات خافته من بعض الدول العربية والإسلامية بل لقد تحركت بعض الدول الغربية واتخذت مواقف أفضل من الدول العربية والإسلامية وتحرك الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية في دول الغرب قبل الدول العربية والإسلامية وتتابعت القوافل الإنسانية لكسر الحصار عن غزة ووصلت قافلة الحرية الأخيرة فجر يوم الإثنين الموافق 17 / جمادي الآخرة /1431هـ الموافق 31 /5/2010م فيها بعض المساعدات الإنسانية لأهالي القطاع وعلى متنها سبعمائة وخمسون إنسانا يمثلون أربعين دولة من مختلف الأديان والأعراق والمنظمات الحقوقية حركتهم دوافع مختلفة منها ما هو ديني ومنها ما هو إنساني جمعهم شيء واحد هو نصرة المظلومين المحاصرين في غزة وكسر الحصار المفروض عليهم لكن اليهود الصهاينة اعتدوا على هذه القافلة فقتلوا البعض وجرحوا البعض الآخر واقتيد الباقون إلى سجون الصهاينة ـ حصل ذلك الاعتداء على مرأى ومسمع من العالم كله ـ ولم يكن لهذه القافلة من ذنب سوى أنها تحركت ضمائرها يوم ماتت ضمائر المليارات من الناس فجمعوا بعضا من المساعدات الإنسانية التي لا تمثل سوى رمزا وإلا فإن حاجة المحاصرين كثيرة ومتنوعة فهم قرابة مليونين محاصر لقد رأى العالم كله كيف قوبل هذا السلوك الإنساني بالسلوك اليهودي المبني على كراهية الآخر والمبني على الطغيان والتعطش للدماء .وصدق الله حيث قال : ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).
وعسى أن يكون هذا الحدث فيه إيقاظ للضمير العالمي أولا بأن يقرر قراره العادل ويقف في وجه الظلم والغطرسة الصهيونية ويسير القوافل المتتالية والتي تتبناه الدول بدلا من المنظمات والأفراد .
وأيقاظ للأمة الإسلامية ثانيا فترجع إلى دينها وشريعة ربها وتقلع عن المعاصي التي هي سبب لمثل هذه النكبات فالأمة كالجسد الواحد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول :(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير) ويقول سبحانه : ( أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ) فالسبب عندنا وليس من عند الأعداء فالله تعالى إنما سلط علينا العدو بسبب معاصينا ومخالفتنا لأوامر ربنا جل وعلا .
وهذه الأحداث تعري تلك الأنظمة المتواطئة مع الأعداء وتكشف حقيقتها لا لشعوبها وإنما للعالم بأسره فلعلهم يخجلون ويقفون موقفا مشرفا وأقل ذلك أن يوقفوا التطبيع ويسحبوا السفراء والاعتراف بهذا الكيان النكد الذي أثبت أنه ليس له عهد ولا ميثاق مهما حاول البعض أن يتشبث بالاتفاقات التي سرعان ما ينقضها هذا الكيان ومهما قدم له من التنازلات فلن تنتهي أطماعه.
وأخيرا أبعث بعض الرسائل العاجلة :
الرسالة الأولى : إلى سكان القطاع أن أصبروا فإن الفرج قريب بإذن الله تعالى وها هي بوادره تأتي من كل حدب وصوب وما تصابون به إنما هو ابتلاء واختبار وتمحيص يجري وفق قضاء الله وقدره ( فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط ) والله جل وعلى يأجركم على ذلك فاصمدوا على أرضكم الطاهرة وانصروا دين الله وأقيموا شريعته وسينصركم الله عاجلا أو آجلا ( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصرك ويثبت أقدامكم).
الرسالة الثانية : إلى سكان الضفة الغربية أن واجبكم نصرة إخوانكم ولا يجوز لكم أن تقفوا موقف المتفرج على إخوانكم وما آمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع .
الرسالة الثالثة :إلى حكام المسلمين أن اتقوا الله في إخوانكم في فلسطين فالقضية هناك قضيتنا جميعا وليست قضية الفلسلطينيين ونصرهم يكون بأمور:
1ـ بتحكيم شريعة الله عز وجل في جميع مناحي الحياة فمن مهماتكم وأولوياتكم إقامة الدين وسياسة الدنيا بموجبه .
2ـ بمواقفكم الموحدة والمشرفة أمام مجلس الأمن وهيئة الأمم .
3ـ بمواقفكم الحازمة مع الكيان الصهيوني من خلال عدم الاعتراف به ووقف التطبيع معه لمن طبع العلاقات وسحب السفراء .
4ـ بالمقاطعة التامة ومنها المقاطعة التجارية .
5ـ بمساعدة أبناء فلسطين وتسيير القوافل لفك الحصار عنهم ومساعدتهم بشتى الوسائل فلا يجوز لكم أن تروا إخوانكم يموتون موتا بطيئا وأنتم تنعمون في هذه الحياة فما آمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع .
الرسالة الرابعة : إلى منظمة المؤتمر الإسلامي أن تقوم بدورها في نصرة أبناء غزة عبر الوسائل المتاحة وأن تخرج عن الرتابة في اتخاذ المواقف فالمسلمون ينتظرون التوجيهات من مثلكم .
الرسالة الخامسة إلى العلماء والدعاة إلى الله :أن يقوموا بدورهم في نصرة إخوانهم ويكون ذلك من خلال :
1ـ العودة إلى منهاج سلف الأمة والعمل الدؤوب على توحيد كلمة الأمة على هذا المنهاج السديد والابتعاد عن التهارش الذي أضعف الأمة .
2ـ من خلال تبصير الأمة بما تحتاج إليه من العقائد والعبادات والتحذير من الشركيات والبدع التي أوهنت الأمة وكانت سببا في تسليط الأعداء .
3ـ من خلال حث عامة المسلمين على التفاعل مع قضايا الأمة ونصرتها بالوسائل المتاحة .
الرسالة السادسة : إلى الكتاب والصحفيين وأصحاب المواقع الإلكترونية بأن يقوموا بدورهم في الكتابة والتوعية ومخاطبة جميع شرائح المجتمعات العربية وغير العربية والتواصل مع المواقع الأجنبية بالمقالات الهادئة والهادفة التي تشكل الرأي العام وتوعي المخاطبين بقضايا المسلمين في فلسطين خاصة وفي بقية البلدان عامة .
الرسالة السابعة :إلى عامة المسلمين بأن يعودوا إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار والابتعاد عن المخالفات الشرعية والتزام منهج أهل السنة والجماعة فإن الذنوب والمعاصي من أسباب النكبات وتسليط الأعداء ولنا عبرة بما حدث في غزوة أحد بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحول النصر إلى هزيمة بسبب مخالفة واحدة من بعض الأفراد .
أسأل الله تعالى أن ينصر الإسلام والمسلمين وأن يحكم في المسلمين شريعته وأن يجعل لإخواننا في غزة خاصة وفي فلسطين عامة من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وبعد عسر يسرا .
وكتب : د / عقيل بن محمـد المقطري
صباح الخميس – 21/ جمادى ثاني 1431هـ