فلسطين التاريخ / منتقى الأخبار
لأول مرة.. الاحتلال يقرر هدم مسجد بالقدس
التاريخ: 5/1/1431 الموافق 22-12-2009
بمساحته التي لا تتجاوز الـ 80 مترا مربعا.. وجدرانه المتواضعة المصنوعة من الصفيح، أشاع روح الاطمئنان والسلام لأهالي حي المكبر العريق بالقدس الشرقية المحتلة، فهو المسجد الوحيد بالحي.. ولكن سرعان ما تبددت هذه الطمأنينة وتحول الأمن إلى خوف وإشفاق بعد أن قررت سلطات الاحتلال هدم المسجد.
ففي ضاحية "آل جمعة" بهذا الحي المقدسي الذي عايش الاحتلال منذ قدومه عام 1967، يتربع "مسجد السلام" الذي بناه أبناء الحي بأيديهم وبين بيوتهم منذ قرابة العامين، كي لا يضطروا لقطع مسافات طويلة قاصدين مساجد الأحياء الأخرى.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها منذ احتلال مدينة القدس عام67، سلمت طواقم تابعة لبلدية الاحتلال في القدس قرارا بهدم المسجد خلال عشرة أيام، بالإضافة إلى قرارات هدم أخرى بحق ثمانية منازل لعائلة جمعة المقدسية في جبل المكبر جنوب مدينة القدس المحتلة، والذي يعيش فيها ما يزيد عن 51 فردًا منهم 33 طفلا.
المسجد الوحيد
بعيون ملؤها الحزن على الفراق، وحيرة لا تستطيع الحروف رسم ملامحها، يجلس موسى جمعة "أبو تامر" (40 عاما) أحد أبناء حي المكبر يرمق أطراف المسجد.. يتفقدها، وكأنه يلقي النظرة الأخيرة عليه، ولسان حاله يقول "الوداع يا مسجدنا الوحيد".
يتمتم أبو تامر بعبارة "لا حول ولا قوة إلا بالله"، ثم ينهض ليتلمس جدران المسجد قائلا لـ"إسلام أون لاين.نت": "لم يكن لدينا مسجد نصلي فيه، وكنا نضطر إلى الذهاب للصلاة في مساجد الأحياء الأخرى التي تبعد عنا أكثر من 2 كيلو متر، فقررنا أن نبني مسجدا صغيرا يتسع لأهالي الحي".
ويروي قصة إقامة هذا المسجد والعقبات التي واجهوها من جانب الاحتلال لتصير تلك الأمتار مسجدا بدائيا في شكله، عظيما في مكانته وروحانياته، فيقول: "حاولنا الحصول على ترخيص رسمي من بلدية الاحتلال في التسعينيات لبناء مسجد كباقي المساجد من الإسمنت والحجر، لكن طلبنا قوبل بالرفض؛ والسبب أن هذا الحي ممنوع البناء فيه، وبعد أن أيقنا أن الاحتلال لن يمنحنا شيئا قررنا بناء المسجد من ألواح الحديد والصفيح".
ويتذكر أبو تامر بعضا من ذكرياته في بناء المسجد، قائلا: "الكل كان يشارك في بنائه، وكأنه منزله الخاص، وعشنا فيه ذكريات حلوة مع أهالي الحي، واليوم نحن على موعد لفراقه، كما نحن على موعد لفراق بيوتنا التي سيهدمها الاحتلال".
وعمن يقوم بخدمة المسجد وإقامة الصلاة فيه يتحدث أبو تامر قائلا: "أهالي الحي هم من يقومون على خدمة المسجد، وأداء جميع الشعائر والصلوات بداخله".
انتهاكات الاحتلال
وتعاني الكثير من المساجد في مدينة القدس وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك من انتهاكات الاحتلال ضده، وتقوم الجهات الخيرية في أغلب الأحيان بجمع تبرعات من الأهالي لتشكل المورد الرئيس لإدارة هذه المساجد، ودفع رواتب المؤذنين.
وبحسب تقديرات مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في فلسطين المحتلة عام 48، فإن مساجد مدينة القدس يصل عددها إلى نحو 100 مسجد منتشرة في البلدة القديمة وأحياء المحافظة.
وقدرت معطيات المؤسسة التي حصلت عليها "إسلام أون لاين.نت" أن عدد المساجد في فلسطين المحتلة يصل ما بين 600 – 700 مسجد ومصلى، منها ما يعود بناؤه لما قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 48 ومنها ما تم بناؤه خلال السنوات الماضية.
معاذ الزعتري، مدير عام مؤسسة المقدسي لتنمية المجتمع، اعتبر بدوره إجراءات بلدية القدس تمثل انتهاكا لحقوق الفلسطينيين.
ويضيف لـ"إسلام أون لاين.نت": "الانتهاكات الإسرائيلية باتت في الآونة الأخيرة بالجملة، وهي سياسية ممنهجة تهدف إلى تهجير المقدسيين إلى خارج حدود المدينة، واستمرارًا بالتطهير العرقي والتهجير القسري للمقدسي".
ويوضح أن الاحتلال يحاول التضييق على الأهالي في هذا الحي من خلال بناء جدار الفصل العنصري الذي عزل هذا الحي عن مناطق أخرى، إضافة إلى وجود مخطط لإقامة جسر يربط المستوطنات الإسرائيلية المتواجدة على أطراف الحي بالمستوطنات خارج الجدار.
حي المكبر
ويعتبر حي المكبر الواقع في الجهة الجنوبية لمدينة القدس الشرقية من الأحياء التاريخية بالمدينة، ويوجَد في الحيّ منازل تمّ بناؤها منذ عام 1948، وأخرى قبل حرب 1967، ومنازل تم بناؤها في السبعينيات.
وما يميز الحي موقعه المرتفع والمطل على البلدة القديمة والحرم القدسي، وسمي بـ"المكبر"؛ حيث وقف عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما فتح مدينة القدس، وكبّر عليه فسمي بجبل المكبر، وبعد دخول الاحتلال أطلق عليه لقب "حي الفاروق".
ويعيش في الحي المئات من المواطنين، ويُعَدّ من الناحية الجغرافية امتدادا لأراضي حي سلوان، وغالبية السكان الذين يقطنون الحي من عائلات سلوان والسواحرة.
وفي عام 2004 باشرت قوات الاحتلال بإقامة الجدار الفاصل بمحاذاة الحي، وهو ما أدى إلى مصادرة مزيد من أراضيه، ويسعى الاحتلال من خلال قرارات هدم البيوت بالحي إلى توسيع بعض المستوطنات المقامة على أطراف الحي، ومحاولة شق طرق تربط هذه المستوطنات فيما بينها.
ولا يكاد يمر يوم دون أن تتحدث الأرقام عن مصادرة أراضٍ ومنازل وتهجير سكان عرب من قلب مدينتهم المحتلة؛ بغية تغيير التركيبة الديموغرافية لصالح اليهود، استعدادا ليوم تُطرح فيه القدس على طاولة المفاوضات.
وفي وقت سابق من شهر نوفمبر الماضي، كشف تقرير لمركز إعلام القدس عن 7 مشاريع استيطانية جديدة تشرع الحكومة الإسرائيلية في بنائها بالقدس المحتلة، بخلاف مستوطنة جيلو التي أعلن عنها مؤخرًا، يهدف مشروعان منها إلى فصل المدينة عن الضفة الغربية المحتلة، وترمي الأخرى إلى فصل البلدة القديمة عن باقي أحياء القدس الشرقية.
المصدر: إسلام أون لاين