دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات
نظرة في كتاب: قديم جديد 3-3 المسجد الأقصى.. الحقيقة والتاريخ
نظرة في كتاب قديم 3-3
د. محمد بن سعد الشويعر
الجمعة 16 شعبان 1430هـ الموافق 7/8/2009م العدد 13462 الجزيرة السعودية
ويقول المؤرخ الإنجليزي (ول ديورانت): ذهب عدد من المسيحيين الذين غادروا القدس، إلى أنطاكية المسيحيّة، فلم يكن من نصيبهم إلا أن طردهم وأبى أن يضيفهم، فساروا على وجوههم في بلاد المسلمين فقوبلوا بكلّ تِرْحاب.. وقد خرج البطريك (ستانلي) بأموال وذخائره الكثيرة دون أن يصرف منها شيئاً، في فداء الفقراء، والمساكين فقيل لصلاح الدين، لِمَ لا تصادر هذا؟
فيما يحمل وتستعمله فيما تقوي به أمر المسلمين؟ فقال: (لا نأخذ منه إلا عشرة دنانير، ولا أغدر به).
وفي هذا يقول ستانلي لين بول: قد وصل الأمر إلى أن سلطاناً مسلماً، يُلْقي على راهب مسيحي دَرْساً في معنى البرّ والإحسان (ص 56 - 57).
وإلى جانب هذه المعاملة الحسنة من المسلمين وِفْقَ تعاليم دينهم، نرى المؤلف ينقل ضدّ ذلك في عملهم ضد المسلمين بشهادة واحد من مشاهيرهم، وهو غوستاف لوبون في كتابه: حضارة العرب، حيث يقول في معاملة الصليبيين للمسلمين في القدس، ووثّق ذلك بشهادة (ريمون أجيل)، الذي وصف بشاعتهم بالآتي: لقد حدث ما هو عجيب، عندما استولى قومنا الصّليبيون على أسوار القدس وبروجها، فقد قطعت رؤوس بعض العرب، في شوارع القدس وميادينها، وبقرت بطون النساء، وبطون بعضهم، وقُذِفَ بجزء منهم من أعلى الأسوار، وحُرّق بعضهم في النّار، وكان لا يُرى سوى أكداس من رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهم.. فأفنوهم على بكرة أبيهم، في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم: امرأة ولا ولداً ولا شيخاً (ص 59).
ونحن وكل القراّء نقول مع المؤلف: إنّ الشّاهد القريب ما عمله اليهود الصهاينة في غزّة، الذي بان أثره في الإعلام العالميّ كلّه رغم محاولة التّعتيم إعلامياً بوسائل اليهود، وقبل هذا ما عمله الصهاينة في دير ياسين، وصبرا وشاتيلا وغيرها من المآسي والفواجع التي تهدّ الجبال، مع قتل الأبرياء والنساء والعجزة.
وفي الفصل الثالث: الذي خصّصه للمسجد الأقصى وأكاذيب اليهود، يورد شبهات عديدة ودورها وهي كذب، ويرد عليها. نأخذ منها واحدة، هي قوله: يزعم اليهود أنهم ورثة أنبياء الله: إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وسليمان عليهم السلام الذين كانت لهم الإمامة والرسالة، على أرض فلسطين.
فكان ردّه: نقول اليهود كفروا بالله، ورفضوا الاعتراف له بالألوهيّة والربوبيّة، وقالوا: (سمعنا وعصينا) ونسبوا إلى الله الولد، (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) (التوبة 30)، ووصفوا الأنبياء بأشنع الأوصاف، فالأنبياء الذين تذكرهم توراتهم، ليسوا هم الأنبياء الذين ذكرهم الله في القرآن، وإن اتفقوا في الاسم، لأن الأنبياء الذين ورد ذكرهم في التوراة لا يكاد ينجو منهم نبي من افتراء وبهتان اليهود، وهم مطهرون من ذلك.
- نوح عليه السلام: يصوّرونه سكيراً، يتعرى داخل خبائه، حتى أنّ أصغر أولاده يرى عورته، فيسخر منه مع إخوانه (ينظر الإصحاح التاسع من سفر التكوين).
- ولوط النبي الكريم، الذي آتاه الله حلماً وعلماً، يدّعون زوراً وبهتاناً أنّه يزني بابنتيه، وتحملان منه سفاحاً. (ينظر سفر التكوين 19-30-37).
- وأبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام، يصوّرونه رجلاً ماديا، شرهاً نهماً لا يهمّه إلاّ جمع المال، حتى أنّه يتاجر بزوجته الحسناء عند الملوك، ليأكل ويربح، بهذه الطريقة (ينظر سفر التكوين 19 - 20).
- ودنّسوا صورة يعقوب عليه السلام، فصوّروه على أنّه سارق نبوّة أخيه العيص.
- وداوود عليه السلام، يرمونه بالزنى، مع امرأة واحد من جنوده، ثم يقصّون بهتاناً: كيف احتال على الجنديّ من أجل أن يضاجع زوجته، حتى ينسب إليه الحمل، ولما أبى الجنديّ، أنْ يذهب إلى بيته، تآمر عليه داوود ليستر جريمته، بجريمة قتل القائد.
- وسليمان عليه السلام بزعمهم: ابن هذه المرأة الزانية، التي زنى بها داوود، وقتل زوجها.. قاتلهم الله على هذه الافتراءات على أنبياء الله، ولم يسلم منهم الملائكة: (جبريل وميكائيل وغيرهم ممن أخبر عنهم القرآن الكريم).
ولذا فإن التّوراة التي صورت الأنبياء الطاهرين، بهذه الصورة البشعة لا يمكن أن تكون من عند الله، وهؤلاء الأنبياء ليسوا هم أنبياء الله، ومن هنا فإنّ مضمون أسفار التوراة، التي بأيديهم لا يمثّل التاريخ، بل ليس من التاريخ ولا عن الله، وإنّما هي قصص تمثل نفوساً وضيعة (68 - 71) إلى آخر أكاذيبهم وتفنيدها.
ويدخل في أكاذيبهم الهيكل المزعوم، عند اليهود، لأنّ عندهم آراء ونظريات عدّة بشأن مكان الهيكل، تبرهن على كذبهم لبعد بضعها عن بعض، وقد فنّد هذه الأكذوبة (ص 72 - 73).
كما أن من أكاذيب اليهود التي ذكر: أن القدس ليست مقدّسة عند المسلمين، وردّ عليهم بنصوص شرعية (ص 74- 75).
والفصل الرابع: جعله عن المسجد الأقصى، والحقد اليهودي وتحته (24) عنواناً، بدأه بإحصائية عن عدد اليهود في القدس حيث لم يبدأ تواجدهم إلا في عام 1297م، بعائلتين يهوديتين، وفي عام 1560م عددهم 115 يهودياً، وفي عام 1905م كان عددهم 400 يهودي، أما أيام الانتداب البريطاني، حيث جاء (وعد بلفور) المشئوم فلا يزيد عددهم عن 33960 يهودياً (ص 81) ثم قال:
وفي فجر يوم الخميس 21-8-1969م استيقظ المسلمون، من القدس الشرقية، على صوت التكبير عبر المآذن، في وقت مبكر، وشاع الخبر بأن حريقاً أصاب المسجد الأقصى المبارك، وهبّ المسلمون للنجدة، واستبسلوا في عمليات الإطفاء، التي تمّتْ رغم سلطات الاحتلال، التي حاولت تعطيل إطفاء الحريق، ومنعت المسلمين وسيارات الإطفاء، وقطعتِ المياه عن منطقة المسجد الأقصى، فور ظهور الحريق، وأتتْ ألسنة النّيران على المحراب، ومنبر صلاح الدين الأيوبي، وبلغت المسافة المحرقة، أكثر من ثلث مساحة المسجد الأقصى الإجمالية، حيث احترق ما يزيد عن 1500م2، من المساحة الأصلية البالغة 4400م2، وكذبوا في ادّعاء أنّ تماسًّا كهربائيا كان سبب الحريق لكن المهندسين العرب، أثبتوا أنه تمّ بفعل أيد مجرمة، مع سابق الإصرار والتصميم.
فعاد اليهود وكيانهم، ليدّعى أنّ شاباً أسترالياً، يدعى: (دينيس مايكل)، ويبلغ من العمر 28 عاماً، هو المسئول عن الحريق، وسيقدّم للمحاكمة.
وفي وقت قصير: قامتْ محاكم الكيان اليهودي، بتبرئة مساحته وأطلق سراحه، بحجة أنّه مجنون (ص82) فكان شعارهم بعد هذا: فليبن الهيكل، وليهدم الأقصى، الذي تحدث فيه طويلاً المؤلف: مبيناً مسيرة الإحراق، وما يُبيّتُ من تصميمهم وما يبيّتون من تدبيرات وأساليب، لإزالة المسجد الأقصى عن الوجود، ومن ثم بناء هيكلهم المزعوم مكانه (84-90).
وعن ممارسات الصهاينة من اليهود، لهدم الأقصى، وضح عن إجراءات اتخذوها من طقوسهم، وإبراز سدنة المعبد، وهم يباركون البقرة الحمراء قبل ذبحها، بالصورة والحركة، المثيرة لأحاسيس اليهود، ويربطون ذلك - كمعتقد ديني- بعلاقة هدم المسجد الأقصى، بالبقرة الحمراء، وما يدور حولها من اعتقادات، ينموّنها جيلاً بعد جيل، ويقرّبون وقتها مع بناء الهيكل، الذي جهزوا رسومه وأبراجه، ليمثل حقيقة - كما يزعمون- بعد هدم المسجد الأقصى (ص 91 - 97).
وقد حوّل اليهود مقدّسات المسلمين، والمساجد إلى ممتلكات يهوديّة، بوضع اليد، وبعض المساجد إلى كُنُسٍ ومعابد، ثم أبان المؤلف عن سعيهم في هذا الفصل، الجادّ في تهويد كل شيء (98 - 131).
أما الفصل الخامس والأخير فقد عنون له ب: المسجد الأقصى وواجب النصرة والتأييد يستحث فيها المسلمين بهذا الأمر، مع أدعية أوردها: نحو القدس والمسجد الأقصى وأن العاقبة للمتقين طال الزمن، أو قصر، إنه نداء للمسلمين بهذا الأمر مع أدعية أوردها لتحرير الأقصى والقدس من اليهود الغاصبين (ص136-145).
وختم الكتاب بخريطة طبيعية لفلسطين ثم المراجع والفهارس (146 - 150).
وهو كتاب قيّم توثيقي،، يناقش الموضوعات المطروحة، بأسلوب هادئ وحجج يحرّك بها المشاعر، ويلامس أوتار القلوب، لأنّه يأتي بالحقائق الشرعية، والقرائن التاريخية، ويبرز عدالة الإسلام وقياداتهم، مع جميع الأمم، وعلى مرّ التاريخ، وظلم وخيانة الوافدين على ديار الإسلام لكي يستولوا عليها: قهراً ليستوطنوها، فيحرك عند الإسلام الصّمود أمامهم، وأنّ الحق لا يضيع مهما طال، وفي المقارنة بين حالين، كأنّه يصور، قول الشاعر بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي:
حَكَمْنَا فَكانَ العدلُ شيمة حُكْمِنا
ولما حكمتم سال بالدم أبطح
نسأل الله أن يجمع كلمة المسلمين على الحقّ، وينصر بهم دينه، ويخذل أعداء شرعه فهو القادر سبحانه.