فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

"الشرق أوسطية" و "إسرائيل العظمى"

       سعى اليهود لتحقيق الحلم التوراتي المزعوم بحدود " دولة إسرائيل " لتكون من الفرات إلى النيل ، ولتحقيق هذا الحلم عمل اليهود بكل ما بوسعهم للتوسع في الأرض العربية ، وكان هذا الحلم منطلقاً من منطلقات الصهيونية في المنطقة .

  

       وبعد أن أوجدت الصهيونية كياناً مزروعاً في القلب الإسلامي ، أحس قادة اليهود الصهاينة أن الكثير من المصطلحات والأساطير والأكاذيب بحاجة إلى إعادة صياغة لما يحقق لليهود التلون حسب المرحلة والزمن ، واستحدث "المؤرخون الجدد" – وهم مؤرخون وأكاديميين في الجامعات العبرية - أسلوباً جديداً ، حيث أعادوا صياغة التاريخ المعاصر والذي ترادف مع قيام الكيان اليهودي على أرض فلسطين ، وانتقدوا بل دحضوا الكثير من الأساطير والأكاذيب ، لمتطلبات المرحلة القادمة من الانفتاح على العرب وأسواقهم تحت مسمى "شرق أوسطية جديد" .

 

 

 

       ومن تلك المصطلحات التي أبدلت مصطلح " إسرائيل العظمى " بدلا من " إسرائيل الكبرى " بعد أن تهاوى الحلم  التوراتي المزيف لحدود "إسرائيل" الجغرافية ، وثبت فشله، ليحل محله مشروع "إسرائيل العظمى" من خلال تغلغل  الكيان اليهودي في أرجاء الوطن العربي لبناء نظام شرق أوسطي جديد ، يتحول فيه وطننا إلى أجزاء ممزقة ، مقطعة الأوصال ، ويكون الدور القائد والمهيمن فيه للأقوى .

 

 

 

       وهذا يعني ببساطة تحويل طموح " إسرائيل الكبرى " إلى طموح " إسرائيل العظمى " وهذا التحويل يقتضي الخلاص من تبعات الصهيونية وتجاوزاتها ، فهم يرون أن " إسرائيل" أصبحت بحكم الأمر الواقع دولة موجودة وقوية ومتفوقة ، ويبقى إيجاد الصيغة المناسبة لاستمراريتها ، ومن أنجح الصيغ صيغة " الشرق أوسطية " ، و "السوق شرق أوسطي" و "شرق أوسط جديد" ، و " شرق أوسط كبير "!! .

 

 

 

       وقد عبر " بيريز " – رئيس الوزراء السابق - أن عظمة "إسرائيل" تكمن في عظمة أسواقها . وذلك يفرض على السوق شرق أوسطية سمات أساسية منها : أن هذه السوق لا هوية لها ، ولا تعرف الزمان أو التاريخ فهي مكتفية بذاتها ، وأنها ليست عربية أو إسلامية ، وإنما تنتمي إلى مكان دون زمان أو تاريخ ، وهذا المكان هو الشرق الأوسط ، وعلاقة الدول في "الشرق أوسطية" علاقة تعاقدية ، وعليه يجب أن يصبح الوطن العربي رقعة بلا تاريخ ولا ذاكرة ولا هوية ولا مصالح مستقلة ، وأن تكرس سياسة المصلحة الضيقة الخاصة لكل دولة ، ومصطلح "الأردن أولاً" مثالٌ حيٌ على ذلك ، لنسيان شيء أسمه المصلحة العربية العليا أو الإسلامية العليا ، أو الأمن العربي والإسلامي أو السوق العربية المشتركة .

 

                 

 

       وحتى يتحقق لليهود " إسرائيل العظمى " كان لابد من تجزئة التجزئة وإحداث تغيرات ضرورية في المنطقة ، تحقق الأمن للكيان اليهودي ، وتعيد رسم خريطة المنطقة – بسايس بيكو جديد - وهو ما يطلق علية تجزئة التجزئة ، لما يحقق الأهداف بأسرع الطرق ، والأهم من ذلك كان لابد من تقسيم المنطقة على أساس طوائف وأجناس وأصول قومية ومذاهب ، وإعادة صياغة المنطقة باعتبارها فسيفساء من أقليات إثنية ودينية ـ كما الحال في العراق الآن.

 

 ـ يستمر بينها قدر من الصراع المعقول الذي يمكن التحكم فيه من قبل القوى المهيمنة في المنطقة ، ومع ذلك لا تقبل الفوضى الشاملة ، إذ لابد أن يستمر البيع والشراء والإنتاج والاستهلاك وسلب الموارد .

 

 

 

     و" إسرائيل العظمى" تحاول أن تجعل المنطقة المحيطة بها لا مركز لها ، لا تدور حول عقيدة ولا ذاكرة ، ثقافتها محدودة ، وفي هذه الحالة تظهر الهيمنة الاقتصادية والسياسية والعسكرية للكيان اليهودي باعتباره المركز الوحيد في عالم لا مركز له وهي المنطقة العربية .

 

 

 

     وهذا ما عبر عنه " أرئيل شارون " في لقائه مع صحيفة هآرتس 13/4/2003م حيث " أبدى ارتياحه من إزالة العراق كتهديد لأمن " إسرائيل" ، مما وفر فرصة لتغيرات كبيرة في الشرق الأوسط ، وأهمها بناء علاقات مغايرة مع الدول العربية ومع الفلسطينيين ... " . 

 

 

 

       ومن المتوقع في المرحلة القادمة حدوث تغيرات سريعة منها رفع المقاطعة العربية لتدعيم الدور الجديد في "السوق شرق أوسطية"، ليصبح الوطن العربي رقعة بلا تاريخ!! ولا ذاكرة !!ولا هوية!! ولا مصالح مستقلة !!.

 

 

 

 

 

 

 

عيسى القدومي

 

 

 

.