فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

أحداث غزة.. دروس وعبر

منذر قاسم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له؛ القائل: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يرْقبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يرْضُونَكُم بِأَفوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قلُوبُهُمْ وَأَكْثرُهُمْ فَاسِقُونَ{(التوبة:8)، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله القائل: " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذنب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أبو داود رقم (٣٠٠٣).

اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إن ما يجري في غزة ليؤكد بشكل جازم لا يحتمل أي شك أو تردد صدق قول الله تعالى:}وَلَا يزَالُونَ يقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}(البقرة: 217) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعْضٍ إِلَّا تفْعَلُوهُ تَكُن فِتنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ{ (الانفال:73) ولا أدل على ذلك من القرار الأخير للإدارة الأمريكية بالدعم اللامتناهي للكيان اليهود، وأن لليهود حقا في الدفاع عن أنفسهم؛ فأصبح قتل الأبرياء، وهدم المنازل على أصحابها دفاعا عن النفس، وأما الضحية فهو المطلوب منه أن يموت بصمت دون أي ردة فعل!!

إن تجرؤ اليهود على المسلمين هو بسبب ضعفهم وهوانهم على الناس، وذلك مصداقا، لحديث النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في مسنده عن ثوبان مولى رسول الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم من كل أفق كما تداعى الأكلة على قصعتها! قال: قلنا يا رسول الله: أمن قلة بنا يومئذ؟ قال: أنتم يومئذ كثير؛ ولكن تكونون غثاء كغثاء السيل ينتزع المهابة من قلوب عدوكم، ويجعل ف قلوبكم الوهن.. قال: قلنا: وما الوهن؟ قال: حب الحياة وكراهية الموت".

وإن ما وقع لأهلنا في غزة يجعل المسلم يقف بينه وبين نفسه مع الدروس العظيمة التي يجب أن يأخذها من هذه الأحداث، والتي تؤكد صدق ما أخبرنا عنه القرآن وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وسأذكر بعضا منها:

أولا: إن من أعظم أسباب ضعف المسلمين، هذا التفرق والتشرذم والاختلاف الذي يورث الخور والضعف كما قال تعالى: } وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تنَازَعُوا فتفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ { ( الانفال: 46)، وكذلك أين المسلمون من قوله تعالى:  {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنهَا كَذَٰلِكَ يبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ{ (أل عمران 103)، ومن قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ{ (الروم: ٣١)، وكما روى ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يجمع الله هذه الأمة على الضلالة أبدا، ويد الله على الجماعة فمن شذ شذ في النار" رواه الحاكم.

من أسباب ضعف المسلمين وتجرؤ الكافرين حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم" إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"، وكذلك الحكم بغير ما أنزل الله وغيرها من الأمراض المستشرية في الأمة.

ثانيا: من أعظم الدروس المستفادة من هذه الحرب هي أن الله عز وجل يبتلي المؤمنين حتى يميز الخبيث من الطيب، وسيرة الأنبياء مليئة بالابتلاءات، فمنهم من كذب ومنهم من استهزئ به ومنهم من قتل قال تعالى : {وَلَقَدِ اسْتهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتهْزِئُونَ{ ( الأنبياء:41)، وقال تعالى: {أَمْ حَسِبتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قبْلِكُم مَّسَّتهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ {(البقرة: 214)، قال الإمام ابن كثير في تفسيره: يقول تعالى:} أَمْ حَسِبتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ { قبل أن تبتلوا وتختبروا وتمتحنوا، كما فعل بالذين من قبلكم من الأمم؛ ولهذا قال:}وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ{ وهي: الأمراض؛ والأسقام، والآلام، والمصائب والنوائب، }وَزُلْزِلُوا{ خوفا من الأعداء زلزالا شديدا، وامتحنوا امتحانا عظيما.

وقوله:} وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ {؛ أي: يستفتحون على أعدائهم، ويدعون بقرب الفرج والمخرج، عند ضيق الحال والشدة. قال الله تعالى:}أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ{: كما قال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا{.

وكذلك لما أقبل إليه خباب.. وقد تفلت ساعة من العذاب.. وجعل يدافع عبراته ويقول: يا رسول الله.. ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا؟ فيقعد صلى الله عليه وسلم وهو محمر وجهه فيقول: "قد كان من كان قبلكم ليمشط بأمشاط الحديد ما دون عظامه من لحم أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله عز وجل والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ".. دواه البخاري.

فهذه سنة الله لا تتبدل ولا تتغير، وإن ما رأيناه فأهل غزة من الصمود والصبر على الأذى وذكر الله عند المصيبة وحب الشهادة في سبيل الله، دلائل تبشر بالخير في هذه الأمة؛ فما نسمع منهم إلا الكلمات التي فيها ذكر الله سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين.

ثالثا: ومن الدروس المستفادة، وقفة المسلمين في جميع العالم مع إخوانهم في غزة، وهذا الشيء أعاد للأمة وحدتها وتعاطفها وتماسكها، فأنت ترى الكبير والصغير والرجل والمرأة، الكل يتحدث ويتأمل لمصاب أهل غزة والجميع في المساجد يرفع أكف الضراعة يدعون الله عز وجل بأن يفرج كرب أهل غزة، وهذا جزء من واجب النصرة لهم كما وروى البخاري ومسلم.

من طريق الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه"، وما رواه الإمام البخاري من حديث أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوما، أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟ قال: تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره ".

وكما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بين بشير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم بالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

وجاء في صحيح مسلم: "المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله " (رواه مسلم رقم (4687).

وقال ابن القيم رحمه الله (ت ٧٥١) ف (إعلام الموقعين ١٢١/٢): "وأي دين، وأي خير، فيمن يرى محارم الله تنتهك، وحدوده تضاع، ودينه يترك، وسنة رسول الله يرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت اللسان، شيطان أخرس، كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق! وهل بلية الدين إلا من هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مأكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين!، وخيارهم المتحزن المتلمظ، ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو ماله بذل وتبذل، وجمد واجتهد، واستعمل مرات الإنكار الثلاثة بحسب وسعه، وهؤلاء - مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم- قد بلوا ف الدنيا بأعظم بلية تكون وهم لا يشعرون، وهو موت القلوب؛ فإنه القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله أقوى وانتصاره للدين أكمل".

رابعا: إن ما قام به أهل غزة هو من جهاد الدفع المتعين على كل مسلم قادر على صد العدوان، ووجوب فك الحصار عنهم بالوسائل المستطاعة وقد ذكر الإمام ابن قدامة المقدسي في المغني (ج ٩ ص ١٦٣)، قال: (ويتعين الجهاد في ثلاثة مواضع: - أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان حرم على من حضر الانصراف وتعين عليه المقام... الثاني: إذا نزل الكفار ببلد، تعين على أهله قتالهم ودفعهم... الثالث: إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه .٠٠).

ويقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الفروسية "... فقتال الدفع أوسع من قتال الطلب وأعم وجوبا، ولهذا يتعين على كل أحد أن يقوم ويجاهد فيه العبد بإذن سيده وبدون إذنه، والولد بدون إذن أبويه، والغريم بغير إذن غريمه، وهذا كجهاد المسلمين يوم أحد والخندق.

ولا يشترط في هذا النوع من الجهاد أن يكون العدو ضعفي المسلمين فما دون، فإنهم كانوا يوم أحد والخندق أضعاف المسلمين، فكان الجهاد واجبا عليهم؛ لأنه حينئذ جهاد ضرورة ودفع، لا جهاد اختيار.

وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في شريط له: إذا حاصر العدو بلدك صار الجهاد واجبا لأنه جهاد دفاع، لأن العدو إذا حاصر البلد معناها أن أهلها يكونون عرضة للهلاك، لاسيما في مثل وقتنا الحاضر، إذا حاصر العدو البلد وقطع الكهرباء، وقطع المياه، وقطع الغاز، وما أشبه ذلك، معناها أن الأمة سوف تهلك فيجب الدفاع، ما دام عندكم ما يمكن أن يدافعوا به، يجب عليهم أن يدافعوا" أهـ.

وقال فشريط آخر:" أما جهاد الدفاع، فإن الكفار إذا حاصروا بلدا من بلدان المسلمين أو دخلوه عنوة، وجب على جميع المسلمين أن يذودوا عن هذا البلد، وأن يخرجوا هؤلاء الكفار منها، لأن المسلمين ف جميع أقطار الدنيا كلهم أمة واحدة، وكلهم بلد واحد، فإذا حوصر بلد من بلدان المسلمين في أي بقعة من الأرض فإن الواجب على جميع المسلمين أن يقوموا بفك الحصار عنهم". أهـ.

خامسا: مع الألم الشديد الذي أصاب قلوبنا من قتل الأطفال والنساء الأبرياء في غزة إلا أن هناك أمل بالنصر، وليس وجود القتل فأهل غزة دليل على بطلان وفساد جهادهم، فالأمور لا تقاس بهذا المقياس دائما، فهناك أنبياء قتلوا أثناء أدائهم تبليغ الدعوة وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أقوام كانوا يمشطون بأمشاط الحديد ما دون لحمهم وعظمهم، وينشروا بالمنشار فيكونوا نصفين لا يردهم عن دينهم شيء. والغلام الذي قتله صاحب الأخدود وإلقاء المؤمنين بالنار، ولكن هذا القتل أدى إلى النصر والتمكين.. وها هو شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- توفي وهو بالسجن لثباته على مواقفه، ومع ذلك انتصر ابن تيمية وذلك عندما أصبحت كتب ابن تيمية إلى وقتنا هذا تدرس وتتداول بين ملايين المسلمين..

فقد تكون في بعض الفترات من الأزمنة الدائرة على المسلمين، ويكون هذا الأمر بسبب المسلمين أنفسهم كما قال تعالى:}أَوَلَمَّا أَصَابتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبتُم مِّثلَيهَا قلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{(آل عمران: ١6٥)، ولكن العاقبة تكون للمؤمنين.

سادسا: إن وعد الله بالنصر يكون للمؤمنين منحة منه سبحانه كما قال تعالى: {وَلَقَدْ سَبقَتْ كَلِمَتنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ{(الصافات: 171-173)، فجميع آيات النصر تدلل على أن النصر يكون من الله سبحانه وتعالى، وأن المطلوب من المؤمنين أن يعدوا العدة ما استطاعوا، فأكثر المعارك التي خاضها المسلمون كان عددهم وعدتهم فيها أقل من الكفار، ومع ذلك كان النصر حليفهم، والتاريخ حافل بالانتصارات، واقرا ما ذكره الله سبحانه وتعالى عن قصة طالوت مع قومه وكيف انتصر طالوت مع قلتهم ويقينهم بالله عز وجل، قال تعالى :}فلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبتَلِيكُم بِنهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنهُمْ فلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَاقُو اللَّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {(البقرة: 249)؛ فجميع آيات النصر تنسب النصر أنه من الله كما قال تعالى: {أَمْ حَسِبتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قبْلِكُم مَّسَّتهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ{ ( البقرة: 214)، وقال تعالى:   {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ{ (النصر:1)، وقال: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَار} (الحشر: 2)، فقال  {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ{؛ فنسب إخراجهم من المدينة لنفسه بعد أن ظننتم أيها المسلمون أنهم لن يخرجوا، وكما ظن اليهود أن حصونهم مانعة من الله، ولكن الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نبَإِ الْمُرْسَلِينَ{(الانعام: 34)، وقال تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا اسْتيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ{(يوسف:110).

ولكن كيف ينتصر المسلمون؟

·       لابد من الاجتهاد في إعداد جيل النصر الذي سيحمل على عاتقه دعوة الناس وإعادتهم إلى طريق الخير، لأن أزمتنا ليست أزمة دين ولكنها أزمة جيل، والعدو لم يدخل علينا من حدودنا ولكنه دخل من عيوبنا، ولابد من تربيته تربية جادة، ومن هنا يعلم كل فرد في هذه الأمة أهمية التربية، والتي يأتي على رأسها التربية العقدية والتربية الإيمانية، إذ هي الركيزة الأساسية في حظيرة الإيمان، وقنطرة الإسلام، وبدونها لا ينهض العبد بمسؤولية ولا يتصف بأمانة، ولا يعرف لرعاية، ولا يعمل لمثل أعلى أو هدف أو غاية. بل بدونها يعيش عيش البهائم لا هم له إلا أن يسد جوعته ويشبع غريزته، وهل هذه إلا معيشة الأنعام كما قال تعالى:} وَالَّذِينَ كَفَرُوا يتَمَتعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنعَامُ وَالنَّارُ مَثوًى لَّهُمْ{(محمد.:12).

·       الاهتمام بكلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة، فأي وحدة مبنية على المصالح المؤقتة أو القوميات أو العصبيات مصيرها إلى الزوال، لذلك من أهم ما يدعو السلفيون إليه هي كلمة التوحيد التي فرط فيها كثير من الجماعات والفرق فلم يجعلوها أول اهتماماتهم، فهم على استعداد من الوقوف مع المنحرفين الضالين مقابل تحقيق أهدافهم.

·       التغيير كما قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ{(الرعد:١1)، ف(ما) الأولى في الآية هي العقوبات و(ما) الثانية هي المخالفات، أي أن الله لا يغير ما بكم من عقوبة حتى تغيروا بما بكم من مخالفات، أو إن الله لا يغير النعمة التي بكم حتى تغيروا ما بكم من الصلاح مصداقا لقوله تعالى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنعَمَهَا عَلَىٰ قوْمٍ حَتَّىٰ يغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الانفال:53).

·       وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله-:

س: ما تفسير قول الحق تبارك وتعالى في سورة الرعد: {إِنَّ اللَّهَ لَا يغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ{(الرعد.١١)؟

ج: الآية الكريمة آية عظيمة تدل على أن الله تبارك وتعالى بكمال عدله وكمال حكمته لا يغير ما بقوم من خير إلى شر، ومن شر إلى خير ومن رخاء إلى شدة، ومن شدة إلى رخاء حتى يغيروا ما بأنفسهم، فإذا كانوا في صلاح واستقامة وغيروا؛ غير الله عليهم بالعقوبات والنكبات والشدائد والجدب والقحط، والتفرق وغير هذا من أنواع العقوبات جزاء وفاقا قال سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ{.

وقد يمهلهم سبحانه ويملي لهم ويستدرجهم لعلهم يرجعون ثم يؤخذون على غرة كما قال سبحانه: {فلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ{ (الانعام:٤٤) يعني آيسون من كل خير، نعوذ بالله من عذاب الله ونقمته، وقد يؤجلون إلى يوم القيامة فيكون عذابهم أشد كما قال سبحانه: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يؤَخِّرُهُمْ لِيوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم:42) والمعنى أنهم يؤجلون ويمهلون إلى ما بعد الموت، فيكون ذلك أعظم في العقوبة وأشد نقمة.

وقد يكونون في شر وبلاء ومعاصي ثم يتوبون إلى الله ويرجعون إليه ويندمون ويستقيمون على الطاعة فيغير الله ما بهم من بؤس وفرقة ومن شدة وفقر إلى رخاء ونعمة واجتماع كلمة وصلاح حال بأسباب أعمالهم الطيبة وتوبتهم إلى الله سبحانه وتعالى وقد جاء في الآية الأخرى: {ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنعَمَهَا عَلَىٰ قوْمٍ حَتَّىٰ يغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ{؛ فهذه الآية تبين لنا أنهم إذا كانوا في نعمة ورخاء وخير ثم غيروا بالمعاصي غير عليهم- ولا حول ولا قوة إلا بالله- وقد يمهلون كما تقدم والعكس كذلك إذا كانوا فيسوء ومعاص، أو كفر وضلال ثم تابوا وندموا واستقاموا على طاعة الله غير الله حالهم من الحالة السيئة إلى الحالة الحسنة، غير تفرقهم إلى اجتماع ووئام، وغير شدتهم إلى نعمة وعافية ورخاء، وغير حالهم من جدب وقحط وقلة مياه ونحو ذلك إلى إنزال الغيث ونبات الأرض وغير ذلك من أنواع الخير". (من برنامج نور على الدرب الشريط الثالث عشر)

• العمل على تحكيم الشريعة ونبذ القوانين الوضعية التي أخرت المسلمين.

• تقديم النصيحة والتوجيه لمن يرفعون راية الجهاد، وقادة الفصائل المقاومة في فلسطين؛ فكثير من الأخطاء تقع باسم الجهاد والاستشهاد، لأن الجهاد ليس هدفا بذاته بل هو وسيلة للنصر، وتعبيد الناس لله عز وجل؛ فلا يقولن قائل إنهم يقاتلون اليهود وليس الوقت وقت نصيحة، فقد أخرج البخاري في الصحيح من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولوا صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر، ودفع إلى كل رجل منا أسيره، حتى إذا كان يوم أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال:" اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد مرتين" .

ونقل ابن حجر عن الخطابي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعاقب خالدا لأنه كان مجتهدا، وتبرأ من فعله ليعلم الناس أنه لم يأذن في هذا، ولينزجر غير خالد بعد ذلك عن مثل فعله.

• الرجوع إلى أهل العلم في مثل هذه النوازل، حتى وإن كانت فتواهم تخالف الهوى والنفس، فالعامة تريد العلماء أن يفتوا بما يريدون، وإذا ما خالفهم ترى الهمز واللمز بهم، حتى أصبحنا نرى الهمز واللمز ممن ينتسبون إلى الدعاة والجماعات نسأل الله العافية، ليس معنى هذا أننا نرى العصمة لهم، أو عدم الرد عليهم إذا أخطئوا، وإنما الحذر من أن تكون تخطئة العالم سبيلا للحط من قدرهم وانتقاصهم، فالتهوين من أهل العلم وازدرائهم هدف يسعى إليه العلمانيون والمنافقون وأصحاب الفرق المنحرفة وأعداء الملة.

وكثير من النوازل أفتى فيها العلماء على غير مراد المتحمسين والعامة وكان الحق مع العلماء، واقرأ قول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} (الحجرات: 7)، هذه الآية قيلت للصحابة فكيف بنا في هذا الوقت، نسأل الله العافية.

وأخيرا، إن الصراع بين الحق والباطل سيستمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهذه الأيام دول، فالأمة قد تمرض ولكنها لن تموت بإذن الله، ولاتزال تنجب الأبطال والمجددين من العلماء والدعاة ليقوموا بدورهم في بناء الأمة، وإن الله وعدنا أننا سننتصر على اليهود

وأملنا في الله كبير فالعاقبة ستكون للمؤمنين، ولكن الأمر يحتاج إلى صبر ومثابرة حتى يتحقق موعود الله لنا، والله غالت على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد السابع

.