قطوف مقدسية / فلسطين في وجدان الشيخ زيد الفياض
|16-18| انبِذوا خلافاتكم أيها العرب، ماذا دهاكم؟!
(16)
انبِذوا خلافاتكم أيها العرب
إن التصريحات المرتجلة، والخطبة الحماسية ليست هي التي ترد المعتدي، وتهزم الجيوش، ولكن العمل الإيجابي السريع، والخطط المحكمة المدروسة والثقة القوية، والإيمان بالله، وأنه ينصر الحق وأهله -هذه الأشياء هي العوامل الفعالة لسحق العدوان، واسترجاع فلسطين من الصهاينة المغتصبين، ومع الأسف فإن واقع العرب لا يشجع، ولا يبعث على الاطمئنان، طالما أنهم في شحناء وتناحر وسِباب، يقتل بعضهم بعضا، ويشتم بعضهم بعضا!
وكيف يخوضون معركة واحدة وقد انتزعت الثقة منهم، وكل منهم ينظر للآخر على أنه "عدو لدود" و"مجرم خائن"، وكيف يرسمون الخطط، وينظمون الصفوف، ويواجهون العدو وهم على هذه الحال؟!
إن الأمر خطير حقا، ويجب أن يُحسب له حسابه، وإن على عقلاء العرب ومفكريهم وقادتهم أن يغيروا من نزرتهم لبعضهم البعض، وأن يعملوا ما وسعهم الجهد على نبذ الخلافات، وإزالة الأحقاد، وبث روح الصفاء والإخاء بين شعوبهم؛ ليتهيؤوا للدور الخطير الذي يتوقع حدوثه، حتى لا يؤخذوا على غرة.
إن واجبهم أن يدركوا أن قضية فلسطين لا تخص الأمة العربية وحدها، وإنما هي قضية الأمة الإسلامية جمعاء، وأن المستعمرين الذين يناصرون الصهاينة إنما يعملون ذلك حقدا على الإسلام، وتحطيما للمسلمين في شتى أقطارهم، وتنوع أمصارهم، وكفى مجاملة وتزييفا وخورا!
ولسنا في حاجة إلى ضرب الأمثال، وذكر الوقائع؛ فالتاريخ البعيد، والتاريخ القريب، وواقع المستعمرين وفعالهم الراهنة، تبرهن بوضوح على أن عقليتهم هي هي لم تتغير، وأن أحقادهم الدفينة تظهر عند كل حادث، وما أحسب الأمة الإسلامية في درجة من البلاهة بحيث تخفى عليها حقيقة المستعمرين ودوافعهم.
فهل يعتبرون بالأحداث، ويأخذون من الوقائع درسا ينفعهم في المستقبل؟!
قضية فلسطين، ص31-33.
(17)
ماذا دهاكم أيها العرب؟!
لماذا كلُّ هذا التطاحن والعداء بين عربٍ مسلمين؟!
أما كان الأحرى أن تصرف هذه الطاقات في استرداد فلسطين المغتصبة؟!
اربَؤوا على أنفسكم أيها العرب، ووفروا جهودكم لرفع مستوى بلادكم، وتضميد جراحاتها الدامية، ومآسيها السالفة، واستعدوا لقتال عدوكم الذي نزق الأمة العربية والإسلامية، والذي غرس شوكة مسمومة في قلب بلادكم؛ هي الصهيونية المجرمة.
إن الاستعمار ينظر لكم في قتال بعضكم بعضا في جذل وغبطة، ويسلط بعضكم على بعض، لتكفوه مؤنة قتالكم، وليسهل عليه نهب ثروات بلادكم، واستعادة نفوذه، والتمكين لدويلة الصهاينة من الاستقرار والتوسع.
وإن واجبكم أن تفوتوا على العدو الفرصة، فلا تدعوا له منفذاً بينكم، وأن تعودوا إلى صوابكم، وتنبذوا الخلافات التي تضعفكم وتُشتت شملكم.
قضية فلسطين، ص ٣٤-٣٥.
(18)
ماذا دهاكم أيها العرب؟!
من المآسي وقوعُ خلافاتٍ بين الفلسطينيين أنفسهم، فالجامعة العربية والشقيري في طرف، والهيئة العربية العليا ومؤيدوها في طرف آخر، والصراع يزداد ويَعنُف.
هذا في الوقت الذي تتعرض فيه قضية فلسطين لأخطر المؤامرات، وتحاول الدول التي تبني صرح إسرائيل فرض الصُلح على العرب، وإهدار حقوق الفلسطينيين بتوطينهم في البلاد العربية وأمريكا اللاتينية، وإعطاء الفلسطينيين أو الحكومات المضيفة لهم تعويضات تافهة؛ لتُمحى قضية فلسطين، ولتكون أندلساً أخرى!
أيها العرب: كفى خصاماً وقتالاً، ووحدوا صفوفكم، واستعدوا لمقابلة أعدائكم من الصهاينة والمستعمرين، واصرفوا طاقاتكم لما هو أجدى وأنفع، ومن الخير أن يمُدَّ العربُ أيديهم إلى إخوانهم المسلمين في شتى أصقاع الأرض؛ ليكونوا يداً واحدة، وقوةً صامدة؛ فقد أعلنها الصليبيون الحاقدون حرباً شعواء على العرب والمسلمين، ولن يصمد أمامهم إلا قوةٌ إسلامية متحدة، فهل يدرك المسلمون -زعماءَ وشعوباً- هذه الحقيقة، ويعملون لما تتطلبه من تعاون وبذل، وتكتيلِ جهود؟! ذلك ما نرجوه.
قضية فلسطين، ص ٣٥-٣٦.
.