فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
بيغن حررها ... ونتنياهو بناها !!
بيغن حررها ... ونتنياهو بناها !!
عيسى القدومي
يذكرني خطاب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو في 22 آذار/مارس 2010 أمام لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) ؛ بخطاب مناحييم بيغن الموجه إلى الشعب المصري في 11/11/1977 م بعدما أعلن السادات استعداده لزيارة القدس ؛ حيث زعم ذلك المخرف بأن اليهود هم الذين حرروا أرض فلسطين من الاحتلال البريطاني ، حيث قال "أننا نحن الذين حررنا البلد من الحكم البريطاني وأقمنا استقلالنا في أراضينا لصالح كافة الأجيال المقبلة". وقصد بذلك أن اليهود حرروا فلسطين من الاحتلال البريطاني ( 1918- 1948م )
وكأن الأمم والشعوب والمؤرخون والمثقفون والساسة والإعلام لم يشهدوا بأم أعينهم الدور الخبيث الذي لعبته بريطانيا في تسهيل الهجرة اليهودية وتنشيطها والأخذ بيدها وإسكانها في فلسطين ، والتصدى لأهل فلسطين ومقاومتهم الهجرة اليهودية ، وتسليح المغتصبين من اليهود وأقامت المغتصبات القلاع المدججة بالسلاح وحمايتها !!
ولم يسمعوا " بوعد بلفور" الذي وعد اليهود في عام 1917م بجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود ؟! والذي تلاه الكتاب الأبيض والذي أصدره "ونستون تشرشل" وزير المستعمرات البريطاني في يونيو 1922م وأكد فيه أن الشعب اليهودي موجود في فلسطين كحق لا كَمنّةٍ ووعد بمنحِ البلاد حُكماً ذاتياً ، ونوه بضرورة زيادة عدد اليهود بالمهاجرة " (1)
وقد رد على تلك الافتراءات هنري فورد – المليونير العالمي – في كتابه اليهودي العالمي قبل أن ينطق بها قادة اليهود حيث كتب : "أن إدارة الانتداب البريطاني كانت يهودية ومن المتعذر على أي ناطق يهودي مهما افتقر إلى الشعور بالمسؤولية أن ينكر الحقيقة الواقعة وهي أن إدارة فلسطين يهودية، فالحكومة فيها يهودية، وإجراءات العمل يهودية ، والأساليب المستعملة يهودية . ولا ريب في أن فلسطين تقدم الدليل على ما يفعله اليهود عندما يصلون إلى الحكم" (2)
وأضاف تحت عنوان "اقتناص الأراضي" أنه : " لو عرف العالم حقيقة الأساليب التي اتُّبعت لاغتصاب أراضي فلسطين من أهلها العرب في الأيام الأولى من الغزو الصهيوني، أو لو سُمِحَ لهذا العالم بمعرفتها ، لَعمَّه السخط والاشمئزاز ، ولا ريب في أن هذه الأساليب كانت تجري بمعرفة صموئيل المندوب السامي اليهودي وتأييده " (3)
وهذا ما أكده "روجيه غارودي"بقوله: أن الصهاينة أيام وعد بلفور عام 1917 م كانوا لا يملكون إلا 2.5 % من الأراضي . وعندما تم تقسيم فلسطين بين العرب واليهود ، كانوا يملكون 6.5 % منها " (4)
وقد شهد أيا ايبان ؛ رئيس سابق للكيان الصهيوني بأن :" تاريخ اليهود يتمرد على قوانين كتابة التاريخ وعلى نهج البحوث المقارنة لأنه مزيج من الأسطورة والحقيقة، وقد ثبت أن نسبة الأسطورة والخرافة هي الأغلب في هذا التاريخ" (5)
ولا شك أن تلك الأقوال التي أشاعها بيغن تنم عن عقدة النقص التي تعتريه كلما قرأ في التاريخ أن لا دور لليهود في تاريخ فلسطين !!
تلك هي أقوال بيغن في عام 1977 م أما أقوال بنيامين نتنياهو في حديثه أمام "الأيباك" فهي أكثر غرابة وطرافة !!
أكذوبة أن اليهود بنوا القدس:
خاطب رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو الاثنين (22 مارس 2010 مؤتمر لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (ايباك) قائلاً إن "القدس ليست مستوطنة". وتابع قائلاً إن الصلة التاريخية بين الشعب اليهودي وأرض إسرائيل لا يمكن نكرانها. وأضاف أنه لا يمكن أيضاً نكران الصلة بين الشعب اليهودي والقدس. وأصر على أن "الشعب اليهودي كان يبني القدس قبل 3000 سنة، والشعب اليهودي يبني القدس اليوم". وجاء دفاع نتنياهو عن قرار حكومته هذا أثناء كلمة لها أمام اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة أنه ببساطة يتبع سياسات الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال القدس في حرب الأيام الستة عام 1967. وقد صفق له مستمعيه الـ 7500 فرد حضروا ذلك اللقاء .
انتظرنا لنرى ردود عربية على تلك الأكاذيب التي أطلقها نتنياهو ، وخاب ظننا في أن نرى ردوداً وافية من ساسة وإعلاميين وأكاديميين ومثقفين عرب ومسلمين ، وإذا بنا نقرأ رداً جميلاً من خارج الوطن العربي ويتكلم بغير لساننا لكنه متخصص في التاريخ وهو : "خوان كول" الأستاذ الجامعي الأميركي والمؤرخ الغربي ، في جامعة ديربورن ميتشيغان ، فقد كتب بحثاً عنوانه "الأسباب الـ10 الأولى لعدم كون القدس الشرقية ملكاً للإسرائيليين- اليهود" يفند فيه مزاعم رئيس حكومة الاحتلال الحالي بنيامين نتنياهو بشأن المدينة المقدسة.
ومما جاء فيه : "لقد خلط نتنياهو كليشيهات رومانسية - قومية بسلسلة من التأكيدات التاريخية المغلوطة. ولكن الأكثر أهمية كان كل ما تركه خارج التاريخ، واستشهاده بتاريخه المحرف وغير الدقيق بدلاً من النظر إلى القوانين، والحقوق أو اللياقة الإنسانية العامة نحو الآخرين وليس فقط نحو مجموعته العرقية.
وأورد الأسباب التي يعتبر فيها نتنياهو مخطئاً خطأً فادحاً وتثبت أن القدس الشرقية ليست ملكاً له سأنقلها باختصار :
- "في القانون الدولي، القدس الشرقية منطقة محتلة، مثلها مثل أنحاء الضفة الغربية الأخرى والتي ضمتها إسرائيل من جانب واحد إلى قضاء القدس. إن اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 وقوانين لاهاي للعام 1907 تمنع القوى المحتلة من تغيير أساليب حياة المدنيين الذين هم تحت الاحتلال وتمنع توطين أناس من بلد المحتلين في الأرض المحتلة. إن طرد إسرائيل للفلسطينيين من منازلهم في القدس الشرقية، واغتصابها ممتلكات فلسطينية هناك، وتوطينها إسرائيليين على أراض فلسطينية هي كلها انتهاكات سافرة للقانون الدولي. إن ادعاءات الإسرائيليين أنهم لا يحتلون الفلسطينيين لأن الفلسطينيين ليس لهم دولة هي ادعاءات قاسية ومجرد لغو لا يقيم أي حجة سليمة. وادعاءات الإسرائيليين بأنهم يبنون على أرض فضاء مثيرة للضحك. إن باحتي الخلفية فارغة ولكن هذا لا يعطي نتنياهو الحق لبناء مجمع شقق عليها.
- الحكومات الإسرائيلية لم تكن في الواقع متحدة أو على سياسة ثابتة بشأن ما ستفعله بالنسبة إلى القدس الشرقية والضفة الغربية، وذلك بخلاف ما يقوله نتنياهو. لقد تم تبني خطة غاليلي للاستيطان في الضفة الغربية عام 1973. وأعطى رئيس الوزراء اسحق رابين تعهدات كجزء من عملية سلام أوسلو بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية ومنح الفلسطينيين دولة، وهما وعدان اغتاله بسببهما اليمين الإسرائيلي المتطرف (الذي تدعم بعض عناصره الآن حكومة نتنياهو). في وقت حديث حداثة العام 2000 ادعى رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك أنه أعطى تعهدات شفوية بأنه يمكن للفلسطينيين أن يأخذوا الضفة الغربية برمتها تقريباً وأن تكون لهم ترتيبات يمكن بموجبها أن تصبح القدس الشرقية عاصمتهم. وقد حاول نتنياهو إعطاء انطباع بأن سياسة ليكود اليمينية المتطرفة بخصوص القدس الشرقية والضفة الغربية هي سياسة اشتركت فيها الحكومات الإسرائيلية السابقة كلها، ولكن هذا ببساطة ليس صحيحاً.
- القومية الرومانسية تتخيل "شعباً" باعتباره خالداً وله صلة أبدية بقطعة أرض معينة. إن طريقة التفكير هذه خيالية وميثولوجية. إن الشعوب تتكون وتتغير وأحياناً ينتهي وجودها مع أنه قد يكون لهم نسل تخلوا عن ذلك الدين أو تلك الاثنية أو اللغة. لقد تحرك الآدميون في كل أنحاء الأرض وهم غير مرتبطين مباشرةً بأي رقعة أرض بطريقة حصرية بالنظر إلى أن مجموعات كثيرة عاشت على معظم قطع الأراضي. القدس لم يؤسسها اليهود، أي أتباع الديانة اليهودية. لقد أسست المدينة بين سنة 3000 قبل ميلاد المسيح و2600 سنة قبل ميلاده ...بأيدي الكنعانيين ... وعندما أسست، لم يكن اليهود موجودين.
- لم يكن "الشعب اليهودي" يقوم ببناء القدس قبل 3000 سنة، أي سنة 1000 قبل الميلاد بالمرة، وليس من الواضح بدقة متى اتخذت اليهودية، كديانة متركزة على عبادة الإله الواحد، شكلاً راسخاً. ويبدو أن هذا كان تطوراً متأخراً بالنظر إلى أنه لم يتم العثور على أي شيء سوى الآلهة الكنعانية في المواقع الأثرية طوال حقبة 100 ق.م.
- لم يحصل غزو لفلسطين الجغرافية من مصر من جانب عبيد سابقين في سنوات القرن الثاني عشر قبل الميلاد. كانت الأهرامات قد بنيت قبل ذلك بزمن طويل ولم يستخدم عبيد في بنائها. ولا يعرف سجل الحوادث في عهد رمسيس الثاني والمدون على جدار الأقصر عن أي حالات تمرد عبيد كبيرة أو هرب عبيد إلى شبه جزيرة سيناء. ولم تسمع المصادر المصرية عن موسى أو الـ 12 طاعوناً الخ. لقد برز اليهود واليهودية من طبقة اجتماعية معينة من الكنعانيين على مدى فترة قرون من الزمن داخل فلسطين.
- وبما أن علم الآثار لا يظهر وجود مملكة يهودية أو ممالك في فترة ما يسمى بالهيكل الأول، فليس من الواضح متى بالضبط يكون الشعب اليهودي قد حكم القدس باستثناء مملكة الحشمونائيم. وقد احتل البابليون القدس عام 722 وسيطروا عليها عام 597 وحكموها إلى أن وجدوا أنفسهم يتعرضون للغزو عام 539 على يد الأخميديين في إيران القديمة. وحكم أحفاد الاسكندر، البطالمة، القدس حتى 198 عندما استولى أحفاد آخرون للاسكندر، السلوقيون، على المدينة. ومع الثورة المكابية عام 168 قبل الميلاد، لم يحكم الحشمونائيم اليهود القدس حتى 37 قبل الميلاد، ولكن انتيغونوس الثاني ماتاثياس، آخر الحشمونائيم، استولى على القدس فقط مساعدة من سلالة البارثيين عام 40 قبل الميلاد. وحكم هيرودوس من عام 37 حتى غزا الرومانيون ما سموه فلسطين عام 6 بعد الميلاد. وحكم الرومانيون ثم الامبراطورية الرومانية الشرقية البيزنطية القدس من 6 بعد الميلاد حتى 614 بعد الميلاد عندما احتلتها الإمبراطورية الساسانية الإيرانية التي حكمت المدينة حتى 629 عندما أعاد البيزنطيون احتلالها.
- وسيطر المسلمون على القدس عام 638 وحكموها حتى 1099 عندما احتلها الصليبيون. وقام الصليبيون بقتل أو طرد اليهود والمسلمين من المدينة. واستعادها المسلمون تحت قيادة صلاح الدين عام 1187 بعد الميلاد وسمحوا لليهود بالعودة، وحكمها المسلمون حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، أو لما مجموعه 1192 عاماً.
إن إتباع اليهودية لم يؤسسوا القدس. فقد كانت قائمة لنحو 2700 عام ربما قبل نهوض أي شيء قد نعرفه كيهودية. والحكم اليهودي لم يكن ربما أطول من 170 عاما أو نحو ذلك، في مملكة الحشمونائيم.
- بناءً على ذلك، فانه إذا كان البناء التاريخي للقدس والصلة التاريخية بالقدس تؤسس السيادة مثلما يزعم نتنياهو، فإن هناك مجموعات تملك حقاً أكبر بادعاء السيادة على المدينة:
أ- المسلمون، الذين حكموها وبنوها على مدى 1191 عاماً.
ب- المصريون، الذين حكموها كدولة تابعة لبضع مئات من السنين في الألفية الثانية قبل الميلاد.
ج- الايطاليون، الذين حكموها لـ444 عاماً حتى سقوط الإمبراطورية الرومانية عام 450 بعد الميلاد.
د- الفرس، الذين حكموها لـ205 سنوات تحت الاخميديين، ولثلاث سنوات في عهد البارثيين (بما أن الحشمونائيم كانوا فعلياً تابعين لهم) ولـ15 عاما تحت حكم الساسانيين.
هـ- اليونانيون، الذين حكموها لأكثر من 160 عاماً إذا اعتبرنا البطالمة والسلوقيين يونانيين. وإذا اعتبرناهم مصريين وسوريين، فان هذا سيزيد الادعاء المصري ويطرح ادعاء سوريا.
و- والدول الخليفة للبيزنطيين، التي يمكن أن تكون إما يونانية أو تركية، والتي حكمت القدس لـ188 عاماً، رغم أنها إذا اعتبرنا الوريثة بأنها يونانية وأضفنا فترة السلالات الهيلينية اليونانية التي حكمتها، فان هذا سيعطي اليونان نحو 350 عاماً كحاكم للقدس.
ز- هناك ادعاء عراقي في القدس استناداً إلى الغزو الآشوري والبابلي، وربما حكم الأيوبيين (سلالة صلاح الدين) والأكراد من العراق.
- بالطبع، فان اليهود مرتبطون تاريخياً بالقدس بواسطة الهيكل، أياً يكن التاريخ الذي تعود إليه تلك الصلة. ولكن تلك الصلة كانت غالباً في وقت لم تكن لليهود فيه أي سيطرة سياسية على المدينة، تحت حكم الإيرانيين واليونان والرومانيين. ولذلك فإنه لا يمكن طرحها للمطالبة بسيطرة سياسية على المدينة كلها.
- يهود القدس وبقية فلسطين بغالبيتهم لم يغادروا بعد فشل ثورة بار كوخفاه ضد الرومان عام 136 بعد الميلاد. وواصلوا العيش والزراعة في فلسطين تحت الحكم الروماني والبيزنطي بعده. وقد اعتنقوا بشكل تدريجي الديانة المسيحية. وبعد عام 638 اعتنقوا الإسلام جميعاً باستثناء 10 في المائة. وفلسطينيو اليوم منحدرون من أصل اليهود القدماء ولديهم كل الحق في العيش في المكان الذي عاش فيه أسلافهم لقرون" (6)
ذلك هو ما جاء في خطاب نتنياهو وتلك هي بعض الردود على أباطيله ، نعم لقد استخدم نتنياهو أقل العبارات والألفاظ لإبراز أكبر الأهداف وأخطرها ، بكل وضوح وجرأة ، على الرغم أنها أكاذيب وهو يعرف هذا !! فهو يصر على تكرار الكذب والتحريف .
وموقف اللاّردّ ، أو اللامبالاة من الجانب العربي والإسلامي ، له أبعاده الخطيرة على الصعيدين العربي والدولي، وخاصة أن الجانب اليهودي يصر على التحدي، والجانب العربي لا ينهض للتصدي.
وفي النهاية يقولون للشعوب المغفلة بأنهم حرروا فلسطين في الماضي من الصليبيين !! وفي الحاضر من البريطانيين !! وأنهم بنوا القدس بعد أن كانت صحراء خالية !! القدس التي عمرها التاريخي أكثر من خمسة آلاف عام ، دامت صحراء خالية إلى أن أتى نتنياهو وجماعته ليبنوها!!
1- "الوثائق الرئيسة في قضية فلسطين " المجموعة الأولى 1915 – 1946 ، إصدار جامعة الدول العربية القاهرة 1957 م .
2- هنري فورد ، اليهودي العالمي ، دار الآفاق الجديدة - بيروت ، ص 152 .
3- هنري فورد ، اليهودي العالمي ، دار الآفاق الجديدة - بيروت ، ص 154 .
4- روجيه غارودي ، الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية ، ترجمة حافظ الجمالي – صياح الجهيم ، بيروت : دار عطية للنشر ،1996 م ، الطبعة الثانية ، ص 192- 193.
5- الخداع على صفحات مقدسة، ص185.
6- أنظر : مجلة الوطن العربي عدد 7/4/2010 م ، وصحيفة القدس 30/3/2010 م ، والعديد من المواقع الإخبارية والمنتديات.