فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول

حروب المياه بين العرب واليهود

إن أساس الأمن في المجتمع والكيان والدولة هو الأمن المائي لأنه حاضر الحياة بل كل الحياة وهذا ما يهدد الكيان الصهيوني في وقتنا الحاضر لذلك فإن محاولة الالتفاف على الثروات العربية وبخاصة الثروة المائية حول فلسطين هو مطلب يهودي إسرائيلي مهم جداً وذلك بسبب شحة الأراضي الفلسطينية بالمياه لأن معظم المخزون المائي حول فلسطين غير كاف، فلذلك أصبح هذا الماء هو الهاجس الأكبر لليهود لأنهم يعتقدون أن بقاءهم ككيان مقترن بالماء خارج فلسطين ولعل هذا من أسباب اختيار اليهود الخطين الأزرقين في العلم الإسرائيلي الرامزين إلى النيل والفرات بحيث تتوسطهما نجمة داود التي ترمز إلى الدولة.

 

ففي مذكرات هرتزل التي كتبها عام 1885م تحدث عن ضرورة ضم جنوب لبنان وجبل الشيخ إلى الدولة اليهودية وقال ابن جوريون عام 1917م أي قبل إعلان الدولة بنحو ثلاثين سنة يجب أن نسيطر على منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وجبل الشيخ ونهر اليرموك ، وعندما خاض اليهود الحرب ضد مصر 1965م قال بن جوريون نخوض معاركنا على المياه وعليها سيتوقف مستقبل إسرائيل.

 

وعندما ما طرح شمعون بيريز مشروعه البائد ( الشرق الأوسط الجديد ) قال (( نحتاج في الحرب إلى من يمدنا بالسلاح ونحتاج في السلام إلى من يمدنا بالماء )).

 

وقد سعت الدولة اليهودية جادةً في السيطرة على كل المناطق التي ترى أنها ستوفر مدداً مائياً للشعب اليهودي فاستنزفت جُل نهر الأردن ولوثت المتبقي منه وخططت للسيطرة على نهر الليطاني بلبنان منذ عام 1952م ضمن ما يسمى بمشروع بن جوريون وعندما أشعلت دولة الكيان الصهيوني حرب 67م واحتلت الجولان لضمان السيطرة على بحيرة طبرية, وعندما أقدمت على احتلال جنوب لبنان والذي يشتمل على منطقة مزارع شبعا الغنية بالمياه والتي تمتنع الدولة اليهودية حتى الآن عن إعادتها للبنانيين رغم انسحابها من كل الجنوب اللبناني باستثناء أراضي تلك المزارع, ولا يزال الصراع قائم إلى الآن.

 

وقد تكون أول جولة في سلسلة (حروب المياه) التي يتوقع كثير من المراقبين أن يشعلها اليهود بالأصالة أو النيابة في مناطق عدة من أجل تأمين وجودهم في فلسطين ومن المعروف أن (إسرائيل) أقامت تحالفاً مع تركيا وتسعى للاستفادة منه في خنق سوريا عبر التحكم بمياه نهر دجلة والفرات عن طريق حجز المياه خلف (سد أتاتورك) وهي تهدد أيضاَ بتفجير هذا السد لإغراق سوريا تماماً كما هددت مصر.

 

سوريا والعراق اجتمع عليها كل من أمريكا وتركيا التي تستغل (إسرائيل) علاقتها المتميزة معهما في الإضرار المائي بالعرب فقد كشف عن اتفاقات سرية لتزويد الكيان اليهودي بحصص من مياه دجلة والفرات وقد أطلق المسئولون الصهاينة تصريحات تدعو سوريا إلى تأمين ما تحتاجه من المياه التركية لأن المياه السورية التي تستغلها الدولة اليهودية في هضبة الجولان ستظل تحت السيطرة الإسرائيلية وجاء ذلك على لسان شيمون بيريز وأما بحيرة طبرية فقد قال إيهود باراك (( إن أقدام السوريين لن تبتل يوماً بمياه بحيرة طبرية )).

 

إن معظم مصادر المياه خارج فلسطين تنبع من لبنان أو تمر في أراضيها كمياه الحاصباني والليطاني والدان وجبل الشيخ الذي يشكل هضبة الجولان السورية المحتلة خزاناً ضخماً لمياه المناطق الجنوبية لبلاد الشام فقد وضع اليهود أيديهم على مناطق طولها 30 ك.م من مجرى نهر الليطاني يمتد احتلالهم للشريط الحدودي واستعملوا مخازن جوفية بواسطة أنابيب ضخ كبيرة استولوا بها على 80 مليون متر مكعب من مياه الحاصباني وفي سبتمبر عام 2002م أطلق شارون الشرارة الأولى من حرب المياه وذلك بتهديد اللبنانين بالحرب لمنعهم من الاستفادة من نهر الوزاني وبالجملة فإن دولة اليهود تستولي سنوياً على 330 مليون متر مكعب من لبنان وحدها ولهذا سيظل إبعاد سوريا عن السيطرة على لبنان ومرتفعات الجولان أمراً مهماً، وبدأ اليهود يسرقون 90% من استهلاكهم المائي من المياه العربية وبخاصة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م.

 

إن بشاعة سياسة الإجرام المائي تأتي بالدرجة الثانية بعد سياسة الأمن الوقائي .

 

 

 

عبد الرقيب العزاني

 

 

 

.