القدس والأقصى / حقائق مقدسية

عبق الكلام من درر شيخ الإسلام في بلاد الشام

وليد ملحم

 

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

ما زالت الشام تنجب الأفذاذ من القادة والعلماء والمجاهدين النجباء, ودرة هؤلاء ممن أنجبتهم هذه البلاد المباركة هو الإمام العلم شيخ الإسلام "ابن تيمية" رحمه الله تعالى الذي جدد الدين وأحيا منهج السلف الصالح بعد أن خفت نوره في الكثير من بلاد المسلمين, ومازالت علوم شيخ الإسلام تعتبر منهلا صافيا لكل من أراد الإرتشاف منه والإرتواء من ماءه العذب , لقد كان شيخ الإسلام "ابن تيمية" رحمة نموذجا يحتذى به للعالم العامل المجاهدوالقدوة العارف، والزاهد العابد الورع،, ففي مقام الرد على أهل البدع والضلال وتصحيح العقائد له  القدح المعلى , وفي ساحات الجهاد والوغى نجده أسدا هصورا , وفي ساحات العلم والتدريس والفتيا له قدم صدق ورأي مسدد , أما عن صبره وحلمه وعفوه فحدث ولا حرج .

لقد أحب شيخ الإسلام بلاد الشام كيف لا وهي الأرض المباركة بنص الكتاب والسنة ثم هي منزله التي فيها تربى وأخذ علومه وصلب عوده في رحابها ..

قال الشيخ العز بن عبد السلام رحمه الله في فضل الشام : وهذه شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الشام، وبفضلها وباصطفائه ساكنيها، واختياره لقاطنيها، وقد رأينا ذلك بالمشاهدة، فإن من رأى صالحي أهل الشام ونسبتهم إلى غيرهم رأى بينهم من التفاوت ما يدل على اصطفائهم واجتبائهم [1].

لقد تربعّت الشام على أفئدة المؤمنين, وسكنتها قلوب الصالحين, ودرجت عليها نفوس الأنبياء والمرسلين, فهي سيّدةُ البقاع بعد الحرمين, وإليها موئل الإيمان ومأرز الجهاد في آخر الأيام, وفيها عسكر الإيمان ومهاجر جند الإسلام قبل نهاية الزمان.[2]

وبما إن شيخ الإسلام هوسليل هذه الأرض المباركة, وما يمتلكه من نظر ثاقب وذكاء خارق وعلم واسع وفهم للواقع.. فقد جاءت كلماته عن بلاد الشام  وفضلها تحمل معاني جزلة وفيها ماتطيب به النفوس وتأنس به القلوب مع عمق بيان وتقصي للحال واستشراف للمستقبل .

لقد عرف وخبر التلميذ النجيب لابن تيمية وهو الشيخ الدمشقي "ابن القيم" رحمه الله حال استاذه وشيخه فذكر في حقه كلمات ربما تختصر ماقدمنا فقال رحمه الله تعالى : وقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام رحمه الله أمورا عجيبة، وما لم أشاهده منها أعظم وأعظم، ووقائع فراسته تستدعي سفرا ضخما .

أخبر أصحابه بدخول التتار الشام سنة تسع وتسعين وستمائة، وأن جيوش المسلمين تكسر، وأن دمشق لا يكون بها قتل عام، ولا سبي عام، وأن كلب الجيش وحدته تكون في الأموال. وهذا قبل أن يهم التتار بالحركة.

ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم...وأخيرا قال ابن القيم رحمه الله تعالى : وأخبرني ببعض حوادث كبار تجري في المستقبل. ولم يعين أوقاتها. وقد رأيت بعضها وأنا أنتظر بقيتها. وما شاهده كبار أصحابه من ذلك أضعاف أضعاف ما شاهدته. والله أعلم.[3]

فإذا كان شيخ الإسلام هذا حاله بشهادة ألصق تلامذته به .. فكلماته في فضل بلاد الشام سوف تأتي موفقه وموافقة لما تستحقه هذه الأرض المباركة من فضل بإذن من الله وتوفيقه ..

وإليكم شيء من نفائس شيخ الإسلام في فضائل البلاد المقدسة والله الموفق..

الطائفةُ بالشام ومصرَ في وقت شيخ الإسلام هم المقاتِلون عن دين الإسلام:

قال شيخ الإسلام: " أما الطائفةُ بالشام ومصرَ ونحوِهما فهُم في هذا الوقت هم المقاتِلون عن دين الإسلام، وهم من أحقِّ الناس دخولا في الطائفة المنصورة " التي ذكرَها النبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة " . وفي رواية لمسلم : " لا يزال أهل الغرب " . والنبي صلى الله عليه وسلم تكلَّم بهذا الكلام بمدينته النبوية ، فغربُه ما يغرُب عنها ، وشرقهُ ما يشرُق عنها ...ولهذا قال أحمدُ بن حنبل : أهلُ الغرب هم أهلُ الشام .. . وفي الصحيحين أن معاذ بن جبل قال في الطائفة المنصورة : " وهم بالشام " . فإنها أصل المغرب ... وقد جاء في حديث آخرَ في صفة الطائفة المنصورة أنهم : " بأكناف البيت المقدس "[4] . وهذه الطائفة هي التي بأكناف البيتِ المقَدَّسِ اليوم ومن يُدَبر أحوالَ العالم في هذا الوقت ، فعُلِم أن هذه الطائفةَ هي أقومُ الطوائفِ بدين الإسلام عِلمًا وعَمَلا وجِهَادًا عن شرق الأرض وغربها ، فإنهم هم الذين يقاتِلون أهلَ الشوكةِ العظيمة من المشركين وأهلَ الكتاب .ومغازيهم مع النصارى ومع المشركين من التُّرك ومع الزنادقة المنافقين من الداخلين في الرافضة وغيرهم كالإسماعيلية ونحوهم من القرامطة معروفةٌ معلومةٌ قديما وحديثا . "والعِزُّ الذي للمسلمين بمشارق الأرض ومغاربها هو بعِزِّهم" ، ولهذا لما هُزِموا سنة تسعٍ وتسعين وستمِائة دخَل على أهل الإسلام من الذلِّ والمصيبة بمشارق الأرض ومغاربها ما لايعلمه إلا الله ، ... فهذا وغيرُه مما يُبَيِّنُ أن هذه العصابةَ التي بالشام ومصر في هذا الوقت "هم كتيبةُ الإسلام ، وعِزُّهم عِزُّ الإسلام ، وذُلُّهم ذُلُّ الإسلام" ، فلو استولى عليهم التتار لم يبقَ للإسلام عِزُّ ولا كلمة عالية ، ولا طائفةٌ ظاهرةٌ عالية يخافها أهل الأرض تقاتل عنه ... إلخ ما قال رحمه الله تعالى ورضي عنه .[5]

 

للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة:

قال شيخ الإسلام: " ثبت للشام وأهله مناقب بالكتاب والسنة وآثار العلماء، وهي أحد ما اعتمدته في تحضيضي على غزو التتار، وأمري لهم بلزوم دمشق "، ونهيي لهم عن الفرار إلى مصر، واستدعائي للعسكر المصري إلى الشام، وتثبيت العسكر الشامي فيه، وقد جرت في ذلك فصول متعددة.[6]

تمام الدين وظهوره في الشام:

قال شيخ الإسلام: كما أن من مكة المبدأ. فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: {لأول الحشر} نبه على الحشر الثاني فمكة مبدأ وإيليا معاد في الخلق وكذلك في الأمر فإنه أسري بالرسول من مكة إلى إيليا. ومبعثه ومخرج دينه من مكة "وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى مملكة المهدي بالشام" فمكة هي الأول والشام هي الآخر: في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية.[7]

الطائفة المنصورة في الشام:

قال شيخ الإسلام: ومن ذلك أن بها الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة التي ثبت فيها الحديث في الصحاح من حديث معاوية وغيره: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة " وفيهما عن معاذ بن جبل قال: " وهم في الشام " وفي تاريخ البخاري مرفوعا قال: " وهم بدمشق ".[8]

ومن ذلك أنها خيرة الله من الأرض، وأن أهلها خيرة الله وخيرة أهل الأرض:

قال شيخ الإسلام: واستدل أبو داود في سننه على ذلك بحديثين (مثل): حديث عبد الله بن حوالة الأزدي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ". فقال الحوالي: يا رسول الله، اخترْ لي. قال: "عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَأَمَّا إِنْ أَبَيْتُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ" .

 

فقد أخبر أن خير أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم.

قال شيخ الإسلام: وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من حران وغيرها "إلى مهاجر إبراهيم واتبعوا ملة إبراهيم" ودين نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم تسليما وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد هجرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل لنا مهاجر نبينا صلى الله عليه وسلم فإن الهجرة إلى مهاجره انقطعت بفتح مكة. ومن ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها في حديث الترمذي .[9]

 

منافقي الشام لا يغلبوا مؤمنيها:

قال شيخ الإسلام: وبهذا استدللت لقوم من قضاة القضاة وغيرهم في فتن قام فيها علينا قوم من أهل الفجور والبدع الموصوفين بخصال المنافقين لما خوفونا منهم فأخبرتهم بهذا الحديث "وأن منافقينا لا يغلبوا مؤمنينا".[10] وقد ظهر مصداق هذه النصوص النبوية على أكمل الوجوه في جهادنا للتتار وأظهر الله للمسلمين صدق ما وعدناهم به وبركة ما أمرناهم به وكان ذلك فتحا عظيما ما رأى المسلمون مثله منذ خرجت مملكة التتار التي أذلت أهل الإسلام؛ فإنهم لم يهزموا ويغلبوا كما غلبوا على " باب دمشق " في الغزوة الكبرى. التي أنعم الله علينا فيها من النعم بما لا نحصيه: خصوصا وعموما.[11]

 

 أهل الشام هم القائمون بأمر الله:

قال شيخ الإسلام: والنبي صلى الله عليه وسلم "ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر وبأن الطائفة المنصورة فيهم" إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام؛ فإن الحجاز - التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان: منها العلم والإيمان والنصر والجهاد وكذلك اليمن والعراق والمشرق. "وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا في كل وقت" فهذا هذا والله أعلم.[12]

 

 

ظهور الإسلام وأعوانه في بلاد الشام أقوى من غيره:

قال شيخ الإسلام: وَأَمَّا الْقَائِمُ بِالشَّامِ أَوْ غَيْرِهِ فَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ, فَإِنَّ الْمُقِيمَ فِيهِ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ فَإِنَّهُ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ. وَكُلُّ مَكَان يَكُونُ فِيهِ الْعَبْدُ أَطْوَعَ لِلَّهِ فَمُقَامُهُ فِيهِ أَفْضَلُ . وَقَدْ جَاءَ فِي فَضْلِ الشَّامِ وَأَهْلِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ. وَدَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي أَرْبَعِ مَوَاضِعَ. " وَلَا رَيْبَ أَنَّ ظُهُورَ الْإِسْلَامِ وَأَعْوَانِهِ فِيهِ بِالْقَلْبِ وَالْيَدِ وَاللِّسَانِ أَقْوَى مِنْهُ فِي غَيْرِهِ . وَفِيهِنَّ ظُهُورُ الْإِيمَانِ وَقَمْعُ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ مَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ ".[13]

 

في زمن ابن تيمية أهل الشام ومصر هم المقاتلون عن أهل الإسلام:

قال شيخ الإسلام: لو استولى هؤلاء المحاربون لله ورسوله المحادون لله ورسوله المعادون لله ورسوله، على أرض الشام ومصر. في مثل هذا الوقت لأفضى ذلك إلى زوال دين الإسلام ودروس شرائعه. " أما الطائفة بالشام ومصر ونحوهما فهم في هذا الوقت المقاتلون عن دين الإسلام "، وهم من أحق الناس دخولا في الطائفة المنصورة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الأحاديث الصحيحة المستفيضة عنه : {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة}. وفي رواية لمسلم : {لا يزال أهل الغرب}. والنبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا الكلام بمدينته النبوية، فغربه ما يغرب عنها، وشرقه ما يشرق عنها، فإن التشريق والتغريب من الأمور النسبية.[14]

 

الطائفة الظاهرة على الحق هم في الشام.

قال شيخ الإسلام: وأخبر الصادق المصدوق صلى اللَّه عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم إلى يوم القيامة، وأخبر أنهم بالناحية الغربية عن مكة والمدينة،" وهي أرض الشام وما يليها ".[15]

 

أهل الشام هم المجاهدون في زمن الإمام أحمد.

قال شيخ الإسلام: والسلف كانوا يحنكون عمائمهم لأنهم كانوا يركبون الخيل ويجاهدون في سبيل الله فان لم يربطوا العمائم بالتحنيك والا سقطت ولم يمكن معها طرد الخيل ولهذا ذكر أحمد عن أهل الشام أنهم كانوا يحافظون على هذه السنة لأجل " أنهم كانوا في زمنه هم المجاهدون " [16].

 

في زمن ابن تيمية دين الإسلام هو الأظهر في بلاد الشام.

قال شيخ الإسلام: وإذا كان كذلك " فدين الإسلام بالشام في هذه الأوقات وشرائعه أظهر منه بغيره " هذا أمر معلوم بالحس والعقل وهو كالمتفق عليه بين المسلمين العقلاء الذين أوتوا العلم والإيمان وقد دلت النصوص على ذلك [17].

 

بركة الشام في القران:

قال شيخ الإسلام: وقد دل القرآن العظيم على " بركة الشام في خمس آيات " قوله { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها } والله تعالى إنما أورث بنى إسرائيل أرض الشام وقوله { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله } وقوله { ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها } وقوله { ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها } وقوله تعالى { وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة } الآية فهذه خمس آيات نصوص و  (( البركة )) تتناول البركة في الدين والبركة في الدنيا وكلاهما معلوم لا ريب فيه فهذا من حيث الجملة والغالب.[18]

 

الشام أرض رباط:

قال شيخ الإسلام: وفضائل الجهاد والرباط كثيرة فلذلك كان صالحوا المؤمنين يرابطون في الثغور مثل ما كان الأوزاعى وأبو إسحاق الفزارى ومخلد بن الحسين وإبراهيم بن أدهم وعبد الله بن المبارك وحذيفة المرعشى ويوسف بن اسباط وغيرهم يرابطون بالثغور الشامية ومنهم من كان يجيء من خراسان والعراق وغيرهما "للرباط فى الثغور الشامية لأن أهل الشام هم الذين كانوا يقاتلون النصارى أهل الكتاب", ... ولهذا كثر ذكر ( طرسوس ) في كتب العلم والفقه المصنفة في ذلك الوقت لأنها كانت ثغر المسلمين حتى كان يقصدها أحمد بن حنبل والسرى السقطى وغيرهما من العلماء والمشائخ للرباط وتوفى المأمون قريبا منها[19].

 

مجموعة فضائل لبلاد الشام:

قال شيخ الإسلام : وفيها المسجد الأقصى وفيها مبعث أنبياء بني إسرائيل وإليها هجرة إبراهيم وإليها مسرى نبينا ومنها معراجه وبها ملكه وعمود دينه وكتابه وطائفة منصورة من أمته؛ وإليها المحشر والمعاد كما أن من مكة المبدأ. فمكة أم القرى من تحتها دحيت الأرض والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: {لأول الحشر} نبه على الحشر الثاني فمكة مبدأ وإيليا معاد في الخلق وكذلك في الأمر فإنه أسري بالرسول من مكة إلى إيليا. ومبعثه ومخرج دينه من مكة وكمال دينه وظهوره وتمامه حتى مملكة المهدي بالشام فمكة هي الأول والشام هي الآخر: في الخلق والأمر في الكلمات الكونية والدينية. ومن ذلك أن بها طائفة منصورة إلى قيام الساعة.[20]

 

 أهل الشام أهل جهاد وغزو:

قال شيخ الإسلام: وكان أبو جعفر يعلم أن أهل الحجاز حينئذ كانوا أعنى بدين الإسلام من أهل العراق ويروى أنه قال ذلك لمالك أو غيره من علماء المدينة قال نظرت في هذا الأمر فوجدت أهل العراق أهل كذب وتدليس أو نحو ذلك ووجدت "أهل الشام إنما هم أهل غزو وجهاد" ووجدت هذا الأمر فيكم.[21]

 

نصر الله أهل الشام بعد أن أطاعوه:

قال شيخ الإسلام: وكذلك الشام كانوا فى أول الإسلام في سعادة الدنيا والدين ثم جرت فتن وخرج الملك من أيديهم ثم سلط عليهم المنافقون الملاحدة والنصارى بذنوبهم وإستولوا على بيت المقدس وقبر الخليل وفتحوا البناء الذى كان عليه وجعلوه كنيسة ثم صلح دينهم "فأعزهم الله ونصرهم على عدوهم لما أطاعوا الله ورسوله وإتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم" فطاعة الله ورسوله قطب السعادة وعليها تدور { ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا } وكان النبي يقول في خطبته ( من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا[22][23]

 

وصية عمر رضي الله عنه لأهل الشام:

قال شيخ الإسلام: وقال مكحول: كتب عمر بن الخطاب إلى الشام: "أن علموا أولادكم الرمي والفروسية".[24]

 

بشارة لأهل الشام:

قال شيخ الإسلام : وَقَدْ «سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَوَّلُ أَمْرِكَ؟ قَالَ: دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبُشْرَى عِيسَى، وَرُؤْيَا أُمِّي رَأَتْ حِينَ وَلَدَتْنِي أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ الشَّامِ [25]» [26] .

قال الشيخ الالباني في صحيح السيرة : وفيه بشارة لأهل محلتنا أرض بصرى وأنها أول بقعة من أرض الشام خلص إليها نور النبوة ولله الحمد والمنة , ولهذا كانت أول مدينة فتحت من أرض الشام وكان فتحها صلحا في خلافة أبي بكر رضي الله عنهـ

 

الطائفة المنصورة في الشام:

قال شيخ الإسلام: وقد كان معاوية والمغيرة وغيرهما يحتجون لرجحان الطائفة الشامية بما هو في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة } فقام مالك بن يخامر فقال : سمعت معاذ بن جبل يقول : " { وهم بالشام } فقال معاوية: وهذا مالك بن يخامر يذكر أنه سمع معاذا يقول . وهم بالشام وهذا الذي في الصحيحين من حديث معاوية فيهما أيضا نحوه من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " { لا تزال من أمتي أمة ظاهرة على الحق حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك } وهذا يحتجون به في رجحان أهل الشام بوجهين : " أحدهما " : أنهم الذين ظهروا وانتصروا وصار الأمر إليهم بعد الاقتتال والفتنة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " { لا يضرهم من خالفهم } وهذا يقتضي أن الطائفة القائمة بالحق من هذه الأمة هي الظاهرة المنصورة فلما انتصر هؤلاء كانوا أهل الحق . " والثاني " أن النصوص عينت أنهم بالشام كقول معاذ وكما روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { لا يزال أهل الغرب ظاهرين } قال الإمام أحمد : وأهل الغرب هم أهل الشام .[27]

 

أهل الشام ظاهرين منتصرين:

قال شيخ الإسلام: ما قوله صلى الله عليه وسلم " { لا يزال أهل الغرب ظاهرين } ونحو ذلك مما يدل على "ظهور أهل الشام وانتصارهم" فهكذا وقع وهذا هو الأمر ؛ فإنهم ما زالوا ظاهرين منتصرين[28].

 

عمر بن الخطاب يفضل أهل الشام على أهل العراق:

قال شيخ الإسلام: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن جملة أهل الشام وعظمتهم ولا ريب أن جملتهم كانوا أرجح في عموم الأحوال . وكذلك عمر بن الخطاب" كان يفضلهم في مدة خلافته على أهل العراق" حتى قدم الشام غير مرة وامتنع من الذهاب إلى العراق واستشار فأشار عليه أنه لا يذهب إليها وكذلك حين وفاته لما طعن أدخل عليه أهل المدينة أولا وهم كانوا إذ ذاك أفضل الأمة ثم أدخل عليه أهل الشام ثم أدخل عليه أهل العراق وكانوا آخر من دخل عليه - هكذا في الصحيح . وكذلك الصديق كانت عنايته بفتح الشام أكثر من عنايته بفتح العراق حتى قال : لكفر من كفور الشام أحب إلي من فتح مدينة بالعراق . والنصوص التي في كتاب الله وسنة رسوله وأصحابه في فضل الشام وأهل الغرب على نجد والعراق وسائر أهل المشرق أكثر من أن تذكر[29].

 

في الشام لم يزل العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصورا:

قال شيخ الإسلام: والنبي صلى الله عليه وسلم ميز أهل الشام بالقيام بأمر الله دائما إلى آخر الدهر وبأن الطائفة المنصورة فيهم إلى آخر الدهر فهو إخبار عن أمر دائم مستمر فيهم مع الكثرة والقوة وهذا الوصف ليس لغير الشام من أرض الإسلام ؛ فإن الحجاز التي هي أصل الإيمان نقص في آخر الزمان : منها العلم والإيمان والنصر والجهاد وكذلك اليمن والعراق والمشرق . "وأما الشام فلم يزل فيها العلم والإيمان ومن يقاتل عليه منصورا مؤيدا" في كل وقت فهذا هذا والله أعلم [30].

 

عسقلان خير ثغور المسلمين:

وكان أهل الشام شديدين على المرجئة وكان محمد بن يوسف الفريابي صاحب الثوري "مرابطا بعسقلان لما كانت معمورة وكانت من خيار ثغور المسلمين" ولهذا كان فيها فضائل لفضيلة الرباط في سبيل الله ...[31]

وكانت ثغور الشام : مثل عسقلان قد سكنها محمد بن يوسف الفريابي - شيخ البخاري - وهو صاحب الثوري وكان شديدا على المرجئة وكان يرى " الاستثناء في الإيمان " كشيخه الثوري وغيره من السلف..[32]

 

الكذب قليل في أهل الشام:

 "وأهل الشام لم يكن فيهم كثير كاذب" ولا أئمة كبار في القراءة والحديث وكذلك أئمة الفقهاء فمالك عالم أهل المدينة....[33]

 

أهل الشام من أعلم الناس في المغازي:

 فإن أعلم الناس بالمغازي أهل المدينة "ثم أهل الشام ثم أهل العراق" فأهل المدينة أعلم بها لأنها كانت عندهم وأهل الشام كانوا أهل غزو وجهاد فكان لهم من العلم بالجهاد والسير ما ليس لغيرهم ولهذا عظم الناس كتاب أبي إسحاق الفزاري الذي صنفه في ذلك وجعلوا الأوزاعي أعلم بهذا الباب من غيره من علماء الأمصار [34].

 

دخل الشام أكابر الصحابة:

قال شيخ الإسلام: فقد دخل الشام من "أكابر الصحابة أفضل ممن دخل بقية الأمصار" غير الحجاز فلم ينقل عن أحد منهم اتباع شيء من آثار الأنبياء لا مقابرهم ولا مقاماتهم فلم يتخذوها مساجد ولا كانوا يتحرون الصلاة فيها والدعاء عندها ..[35]

 

 ذكر أهل السير بأن يوسف أوصى بنقله إلى الشام:

قال شيخ الإسلام: وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضًا، "وأوصىَ بنقله إلى الشام"، فنقلَه موسى[36] .

 

 أهل الشام ما زالوا مُرَابطين من أوَّل الإسلام:

قال شيخ الإسلام: وبالجملة إن السَّكَن بالثغور والرِّباط والاعتناء به أمر عظيم، وكانت الثغور معمورة بخيار المسلمين علمًا وعملاً، وأعظم البلاد إقامة بشعائر الإسلام وحقائق الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان كل من أحب التبتل للعبادة والانقطاع إلى الله وكمال الزهد والعبادة والمعرفة يدلُّونه على الثغور.

وإنما اختار من اختار الرباط بثغور النصارى للحديث الذي في سنن أبي داود عن ثابت بن قيس قال: جاءت امرأة إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقال لها أُمُّ خَلاَّد وهي منتَقِبَةٌ تَسْأل عن ابنها وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : جئْتِ تَسْألين عن ابنك وأنتِ منتقبةٌ!

فقالت: [إن] أُرْزَأْ ابني فلنَ أُرْزَأَ حيائِي، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "ابنُكِ له أَجْرُ شَهيدينِ". قالت: ولِمَ ذاكَ؟ قال: "لأنه قَتَلَه أهلُ الكتاب".[37]

وهذا بعض [الأخبار التي] تبين فضيلة سُكْنَى الشام؛ فإن "أهل الشام ما زالوا مُرَابطين من أوَّل الإسلام لمُجاورتهم النصارى ومجاهدتهم لهم، فكانوا مرابطين مجاهدين لأهل الكتاب". ولهذا فضَّل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جُنْدَهم على جُنْد اليمن والعراق؛ مع ما قاله في أهل اليمن .[38]



[1]  إتحاف الأنام في فضائل المسجد الأقصى والشام ط مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ص 55.

[2]  ابراهيم الدميجي صيد الفوائد.

[3]  مدارج السالكين ط دار إحياء التراث العربي.. ج2 ص366 – 367.

[4]  قال الشيخ الألباني رحمه الله في الصحيحة : بيت المقدس و أكناف بيت المقدس " . رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " المسند " ( 5 / 269 ) فقال : وجدت في كتاب أبي بخط يده : حدثني مهدي بن جعفر الرملي:حدثنا ضمرة عن الشيباني - و اسمه يحيى بن أبي عمرو - عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعا . و رواه الطبراني في " الكبير " ( 7643 ) من طريق أخرى عن ضمرة بن ربيعة به . و هذا سند ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله الحضرمي.

[5]  مجموعة الفتاوى ص289- 290 ط دار الوفاء.

[6]  مجموعة الفتاوى ص 266 ج27 ط دار الوفاء.

[7]  مجموع فتاوى شبخ الإسلام أحمد ابن تيمية ج27ص507 ط مجمع الملك فهد.

[8]  مجموع فتاوى شبخ الإسلام أحمد ابن تيمية ج27ص507 ط مجمع الملك فهد.

[9]  مجموع فتاوى شبخ الإسلام أحمد ابن تيمية ج27ص509 ط مجمع الملك فهد.

[10]  قال الشيخ الالباني في السلسلة الضعيفة عن حديث : " أهل الشام سوط الله في أرضه ينتقم بهم ممن يشاء من عباده ، وحرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم ، ولا يموتوا إلا غما وهما ".

ضعيف.

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 4163 ) من طريقين عن الوليد بن مسلم عن محمد بن أيوب بن ميسرة بن حلبس عن أبيه عن خريم بن فاتك الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .

وهذا إسناد ظاهره الصحة ولعله لذلك احتج به شيخ الإسلام ابن تيمية في فصل له في " فضائل الشام " ( ق 259 / 1 من مسودته ) وليس بصحيح فإن له علتين: الأولى: عنعنعة الوليد فإنه يدلس تدليس التسوية ، قال الذهبي في " الميزان " : " إذا قال الوليد : عن ابن جريج أو عن الأوزاعي فليس بمعتمد لأنه يدلس عن كذابين فإذا قال : " ثنا " فهو حجة "

[11]  المصدر السابق ج27ص510 – 511.

[12]  مجموع فتاوى شبخ الإسلام أحمد ابن تيمية ج4 ص449ط مجمع الملك فهد.

[13]  الفتاوى الكبرى ج2ص363- 364ط دار الكتب العلمية.

[14]  الفتاوى الكبرى ج3ص548 ط دار الكتب العلمية.

[15]  جامع المسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية ج5ص296 ط دار عالم الفوائد.

[16]  الفتاوى الكبرى ج1ص320 ط دار الكتب العلمية.

[17]  مجموعة الفتاوي ج 27ص27 ط دار الوفاء.

[18]  المصدر السابق ج27ص29.

[19]  مجموعة الفتاوى ج27 ص 33- 34 ط دار الوفاء.

[20]  مجموعة الفتاوى ج27 ص267 ط دار الوفاء.

[21]  المصدر السابق ج20 ص 170.

[22]  عن عبد الله بن مسعود (صحيح) تخريج الكلم الطيب للألباني .

[23]  المصدر السابق ج 27 ص 231.

[24]  المصدر السابق ج28 ص9.

[25]  ذكره الشيخ الألباني في كتاب صحيح السيرة النبوية .

[26]  الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج5ص305 ط دار العاصمة.

[27]  مجموع فتاوى ابن تيمية ج4ص445- 446 ط الملك فهد.

[28]  المصدر السابق ج4ص447.

[29]  المصدر السابق ج4ص448.

[30]  المصدر السابق ج4ص449.

[31]  المصدر السابق ج7ص432.

[32]  المصدر السابق ج7 ص 681.

[33]  المصدر السابق ج10ص 362.

[34]  المصدر السابق ج13ص 346 – 347.

[35]  مجموع الفتاوى ط الملك فهد ج 15ص153.

[36]  جامع المسائل لابن تيمية ط دارعالم الفوائد.. ج3ص299.

[37]  قال الشيخ الألباني في ضعيف ابو داود (الأم) (قلت: إسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الحبير بن ثابت بن قيس- كذا وقع فيه!-، والصواب: عبد الخبير بن قيس بن ثابت. وأبوه- قيس- مجهول أيضا، وفرج ضعيف) .عن طريق الشاملة ..

[38]  المصدر السابق ج5 ص 358.

.