فتاوى فلسطينية / القرآن والسنة والفضائل
تفسير آية في سورة الإسراء / اللجنة الدائمة
السؤال: تَفسيرُ الآيَةِ في سورَةِ الإسراءِ:( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ) [الإسراء : 5]، فَهَلْ هيَ خاصَّةٌ بالمؤمنينَ أَمْ هيَ عامَّةٌ؟ وهَْل وَقَعَتْ أَمْ لَمْ تَقَعْ؟ ([1])
الإجابَةُ: الحَمْدُ للهِ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ وآلِهِ وصَحْبِهِ وبَعْدُ:
أخبَرَ اللهُ تَعالَى بَنِي إِسرائِيلَ، وبَيَّنَ لَهُمْ في الكِتابِ الذي أنزلَهُ إليهِمْ، أَنّهُمْ سَيُفْسِدونَ في الأرضِ ويَتجبَّرونَ فيها، ويَطغَوْنَ عَلى الناسِ مَرتينِ، فإذا وَقَعَتِ الإفسادَةُ الأولَى مِنْهُمْ سَلَّطَ اللهُ عَليهِم جُندًا من خَلْقِهِ شديدي البأسِ، ذَوي قُوَّةٍ وعُدَّةٍ وجَبروتٍ، فتغلَّبوا عَليهِمْ وتَملَّكوا بلادَهُمْ وجاسوا خِلالَ ديارهِم، وساروا بَيْنَ بيوتِهِمْ عُقوبَةً لَهُمْ عَلى طُغيانِهِمْ، وكانَ ذَلِكَ مِنَ اللهِ تَعالَى قَضاءً مُبْرَمًا، عَدلاً مِنَ اللهِ وحِكْمةً، حَتَّى إذا تابَ بَنو إسرائيلَ وأنابوا إِلَى اللهِ؛ جَعَلَ سُبْحَانَهُ الكَرَّةَ لَهُمْ عَلى هَؤلاءِ الجبَّارينَ، وأدَالَهُمْ ونَصَرَهُمْ على عدوِّهم، واستردّوا منهم بلادَهُمْ، وأمدَّهَمْ بأموالٍ وبَنينَ وجَعلَهُمْ أكثرَ نَفيرًا، جَزاءً لَهُمْ عَلى تَوبتِهِمْ وإحسانِهِم، رَحْمَةً مِنَ اللهِ وفَضْلاً، فَمَنْ أحسَنَ فلَهُ الإحسانُ ومَنْ أساءَ فعليها.
فإذا جاءَ وَعْدُ الآخرةِ فوقَعَتْ منْهُمُ الإفسادَةُ الثَّانِيةُ طُغيانًا وتَجَبُّرًا، سَلَّطَ اللهُ عليهِم مَنْ يَسومونَهُمْ سوءَ العذابِ، ويَدخلونَ مَسجِدَ بَيْتِ الْمَقدِسِ كما دَخَلوه أولَّ مَرَّةٍ، ويُدمِّروا مَا شَاءَ اللهُ أنْ يُدمِّروه جَزاءً وِفاقًا بطُغيانِهِم وإفسادِهِم في الأرضِ، وعَدلاً مِنْهُ تَعالَى وحِكمَة؛ قالَ اللهُ تعالَى: ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ )[فصلت :46 ]، ثُمَّ أخبَرَهم سُبْحَانَهُ بِأنّهُم إنْ عَادوا إِلَى الإفسادِ؛ جازاهُم من جِنسِ صنيعِهِم، وزِيادَةً في الفائِدَةِ نَنْصَحُ لَكَ بِقراءَةِ ( تفسير ابنِ كثيرٍ ) رَحِمَهُ اللهُ للآيات الْمَذكورَةِ مِنْ سُورَةِ ( الإسراءِ )([2]).
المصدر: موسوعة الفتاوى الفلسطينية ص15-16.
([1]) المرجع: من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية (4/196-197) فتوى رقم (7380 )، الموقعون على الفتوى : الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي - رَحِمَهاُ اللهُ - والشيخ عبدالله بن قعود ، والشيخ عبد الله بن غديان - حفظهما الله-.
([2]) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية فى (تفسير القرآن العظيم ج3صـ35) : وقوله ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ) أي أولى الإفسادتين (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ ) أي سلَّطنا عليكم جندًا من خلقنا، أولى بأس شديد : أي قوة وعدة وعدد وسلطنة) فجاسوا خلال الديار ( : أي تملكوا بلادكم، وسلكوا خلال بيوتكم، أي بينها، ووسطها وانصرفوا ذاهبين وجائين لا يخافون أحدًا (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا ) وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف في هؤلاء المسلطين عليهم من هم؟ فعن ابن عباس وقتادة أنه جالوت الجزري وجنوده سلط عليهم أولا، ثم أديلوا عليه بعد ذلك وقتل داود جالوت، ولهذا قال: ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ) الآية ؛ وعن سعيد بن جبير أنه ملك الموصل سنحاريب وجنوده، وعنه أيضًا وعن غيره أنه بختنصر ملك بابل، وقد ذكر ابن أبي حاتم له قصة عجيبة في كيفية ترقيه من حال إلى حال إلى أن ملك البلاد وأنه كان فقيرا مقعدا ضعيفا يستعطي الناس ويستطعمهم ثم آل به الحال إلى ما آل وأنه سار إلى بلاد بيت المقدس فقتل بها خلقا كثيرا من بني إسرائيل.
وقد أخبر الله تعالى عنهم، أنهم لما طغوا وبغوا، سلط الله عليهم عدوهم فاستباح بيضتهم وسلك خلال بيوتهم، وأذلهم وقهرهم جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد، فإنهم كانوا قد تمردوا وقتلوا خلقا من الأنبياء والعلماء؛ وعن يحيى بن سعيد قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ثم أتى دمشق فوجد بها دما يغلي على كبا فسألهم ما هذا الدم فقالوا: أدركنا آباءنا على هذا وكلما ظهر عليه الكبا ظهر قال فقتل على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم، فسكن وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب وهذا هو المشهور، وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم حتى أنه لم يبق من يحفظ التوراة وأخذ معه منهم خلقًا كثيرًا أسرى من أبناء الأنبياء وغيرهم وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها ا هـ ، بتصرف واختصار .