فلسطين التاريخ / الواقع والمأمول
تأثير التغيير الديموغرافي على الصراع في فلسطين
تأثير التغيير الديموغرافي على الصراع في فلسطين
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه أما بعد :
من المعروف ان قوة الأمم تعرف وتقاس بكثرة عدد نفوسها, فنجد الدول تتباهى بزيادة نموها السكاني، فمع تلك الكثرة يشتد عودها و تكون عصية على أعدائها وكلنا سمع كيف ان اليهود في حرب ال67 وخلال أيام معدودة قد سيطروا على سيناء والجولان التي تعتبر ذات كثافة بشرية متدنية ومساحات خالية من السكان تقريبا وفي المقابل لم تستطع تلك القوات من دخول بيروت رغم حصار دام 88 يوما عام 1982 وكذلك الحال في قطاع غزة ذو الكثافة البشرية العالية في الحرب الأخيرة .
لقد اهتم الإسلام بكثرة النسل وانتشاره لما فيه من الفوائد العظيمة والنتائج الكبيرة التي يعود أثرها الايجابي على الأمة الإسلامية, فتعتبر الشريعة النسل نعمة كبرى ومنة عظيمة منَ الله بها على عباده، لذلك تظافرت النصوص الشرعية على تشجيع هذا الأمر فقد مدح الله تبارك وتعالى الأنبياء بان لهم ذرية قال جل وعلا {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً... الآية }الرعد38 .
وقال صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم " ( صحيح الجامع رقم : 2940).
كما نهى الشرع عن التبتل وترك الزواج الذي هو سبيل لكثرة النسل حيث يعتبر من أعظم مقاصده، وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك هجر لسنته :
فقال صلى الله عليه وسلم :" أما و الله إني لأخشاكم لله و أتقاكم له لكني أصوم و أفطر و أصلي و أرقد و أتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني" .( رقم : 1336 في صحيح الجامع ).
وعن سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُا :" أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ أَجَازَ لَهُ ذَلِكَ لَاخْتَصَيْنَا " (رواه مسلم ).
وقد ورد في القران الكريم آيات تحض إلى هذا المقصد الكريم منها :
1- بيان ان الذرية هي من نعم الله على عباده وفي هذا إشارة إلى ان نعم الله فيها الخير والبركة قال تعالى في ذكر شكر إبراهيم عليه السلام لنعمة الولد {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء }إبراهيم39 وفي هذا تقرير ولفت الانتباه إلى ان الولد من نعم الله العظيمة .
2- بيان ان من أعظم العقوبات هي قتل الذرية وهي سبب الفناء والضعف وان بقاء النسل هو سبب البقاء وديمومة الحياة وان من فضل الله على بني إسرائيل هي نجاتهم من تقتيل أولادهم وبالتالي بقاء نسلهم . قال تعالى في ذكر منه وفضله على بني إسرائيل : {وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ }الأعراف141
3- قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ...الايه }البقرة187.
بين الله تعالى في هذه الآية ان الولد هو من أعظم مقاصد النكاح أي قوله تعالى: وابتغوا ما كتب الله لكم .وغير ذلك الكثير من آيات القران التي تبين فضل كثيرة النسل والأولاد وتشجع عليه وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
إن تحديد النسل أمر لا ينبغي لأن الذي ينبغي في الأمة الإسلامية تكثير النسل وزيادته فإن كثرة النسل وزيادته من نعمة الله تعالى كما قال عن شعيب حين قال لقومه " واذكروا إذ كنتم قليلاً فكثركم " وكذلك امتن على بني إسرائيل فقال " وجعلناكم أكثر نفيراً " فالأمة لا شك أنها تقوى بكثرة أفرادها وتزداد كما أن في ذلك تكثيراً لنشر الشريعة والعمل بها وهذا مما يفخر به رسول الله صلى الله عليه وسلم هـ .
ومن هذا المنطلق وبما ان شعب فلسطين هو شعب مسلم وقد بارك الله بأرضه وجعلها من البقاع المقدسة فالبركة تتضمن زيادة في النسل وفي الذرية فكما بقية الشعوب الاسلامية فان نسبة الزيادة السكانية عند المسلمين تعتبر الأعلى في العالم .
فقد ذكرت دراسة عن "مركز بيو لأبحاث الأديان والحياة العامة" الأمريكي أن معدل نمو الكثافة السكانية الإسلامية يفوق بمرتين معدل نمو غير المسلمين، وهو ما يمثل خطرًا على وجود دولة الاحتلال الإسرائيلي والدولة اليهودية، طبقًا لتصريحات بعض الخبراء في شؤون الشرق الأوسط.
وذكرت الدراسة إلى أن المسلمين من المتوقع أن تزداد كثافتهم السكانية بنسبة 35% خلال العشرين عامًا القادمة، وطبقًا لتصريحات "بين مسكوفيتش" - ممثل جمعية السياسات الخارجية: فإن النمو العربي داخل كيان دولة الاحتلال يزيد مرتين على معدل النمو اليهودي، وهو ما يهدد وجود دولة الاحتلال اليهودية، مؤكدًا انخفاض نسبة اليهود بدولة الاحتلال عن السنوات الماضية هـ .
ان الدولة اليهودية في فلسطين تقوم على تشجيع الإنجاب وبكل السبل والوسائل المتاحة ولا تجعل لذلك حد معين بالنسبة لحجم الأسرة بل وصل بهم الحد إلى جعل حوافز وجوائز للأسر الكبيرة, فهنالك احتفال كل عام و جائزة من الدولة لكل أم تنجب أكثر من عشرة أطفال .
لقد جعلت تلك الدولة النمو السكاني من أهم أولوياتها وذلك لأهميته في مجال التنمية البشرية التي تمثل الركيزة للأمن القومي اليهودي . وكذلك برامج الدفاع والأمن وإنشاء المسعمرات وإسكان اليهود فيها تلك المقومات التي تضمن البقاء والنمو والسيطرة بالنسبة لليهود فلي فلسطين .
لقد حرص اليهود على ان يكونوا هم صاحب التفوق العددي بالنسبة للسكان فلي فلسطين واتبعوا أساليب للمحافظة على ذلك منها تشجيع الهجرة إلى فلسطين بكل السبل, إذ تعتبر الهجرة هي العمود الفقري الذي يعتمد عليه اليهود لزيادة نسبة السكان .
وللوقوف على صورة المتغيرات الديموغرافية ومدى أثر الهجرة عليها، نرى أن المجموع الكلي لعدد السكان في فلسطين عام 1986 (جميع الديانات) قد بلغ 5.6 مليون نسمة منهم 3,5 مليون نسمة من اليهود أي ما نسبته حوالي 63 % من المجموع الكلي، والباقي من الفلسطينيين أي ما نسبته 37 % من المجموع الكلي، يقيم منهم في الضفة الغربية و قطاع غزة حوالي 26 % من إجمالي سكان فلسطين بينما يقيم الباقي داخل دولة إسرائيل حيث بلغت نسبتهم 11% من إجمالي الفلسطينيين على ارض فلسطين التاريخية.
و مع حلول عام 1998 بلغ المجموع الكلي لعدد السكان على أرض فلسطين التاريخية 8.09 مليون نسمة منهم 5.50 مليون نسمة من سكان دولة الاغتصاب الصهيوني أي ما نسبته حوالي 67.9 % منهم حوالي 17% من الفلسطينيين أو ما يطلق عليهم فلسطينيو الداخل (48) ،والباقي من الفلسطينيين أي ما نسبته 32.1 % من المجموع الكلي هـ. (د. يوسف كامل إبراهيم ).
وحسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء في رام الله فان عدد الفلسطينيين بلغ إحدى عشر مليون ومائتي ألف نسمة فلسطيني تقريباً مع نهاية عام 2010, اكثر من نصفهم تقريبا يعيش خارج فلسطين و ( 1 . 4) مليون نسمة في أراضي ال67 أي في الضفة والقطاع يضاف إلى ذلك ( 4 . 1) مليون نسمة في أراضي 48 .
أي ان (45.6%) من الفلسطينيين هم داخل فلسطين في مناطق 48 و 67 والباقي هم خارج فلسطين .
يجب على إخواننا الفلسطينيين وخاصة في الداخل ان يدركوا ان التفوق العددي إذ سار لصالحهم سيكون احد الاسلحة المهمة التي يمكن استخدامها لتغيير الواقع على الأرض في فلسطين هذا الواقع الذي لا يمكن لأحد تجاهله ولا ان يقفز فوقه, ولعل اليهود قبل غيرهم قد أحسوا بخطورة هذا الوضع وسارعوا إلى فرض مصطلح يهودية الدولة في أي مفاوضات مقبلة قد تحدث مع الفلسطينيين .
ان التفوق العددي لأهلنا في فلسطين له المردود الايجابي في قلب موازين الصراع لمصلحتهم وله من الفوائد العظيمة التي بينها لنا شرعنا الحنيف قبل ان يبينها لنا الواقع المشهود فمن تلك الفوائد :
1- زيادة نسبة العلماء والدعاة والمجاهدين والمفكرين وخريجي الجامعات والمهنيين والوجهاء وغيرهم ممن يعتبر عماد للمجتمع ومصدر قوة له, ومهما حاول اليهود اغتيال أو اعتقال أو تهجير عدد من تلك الكوادر فسيكون هنالك مخزون بشري قادر على التعويض واستمرار المواجهة مع العدو .
2- لقد رفعت الحركة الصهيونية شعار (ارض بلا شعب لشعب بلا ارض ) لتوحي ان فلسطين ارض لا شعب فيها واعتمدوا لتحقيق هذا المطلب على سياسة البطش والتهجير .
فوجود أهلنا في فلسطين وبنسب عالية لهو كفيل باذن الله إلى نسف تلك النظرية التي اعتمد عليها اليهود ورد كيدهم إلى نحرهم .
3- ان زيادة السكان تؤدي إلى زيادة الرقعة المعمورة والآهلة بالسكان وتملأ الفراغات الغير مأهولة داخل فلسطين وبالتالي يتم تضييق مساحة الحركة بالنسبة لليهود ان كان التحرك عسكريا أو من ناحية مصادرة الأرض واستيطانها . كما يتم استثمار تلك المناطق اقتصاديا بما له المردود المعيشي الجيد على السكان الفلسطينيين .
4- ان زيادة السكان تؤدي إلى وفرة الأيدي العاملة وبالتالي تشجع المستثمرين وأصحاب المشاريع الاقتصادية للاستثمار في اكبر مساحة من الأرض الفلسطينية بما ينعكس ايجابيا على البناء والتشييد والزراعة والصناعة .
5- ان زيادة عدد السكان يجعل للفلسطينيين ثقلا ووزنا مما يحدوا باليهود ان يحسبوا ألف حساب قبل الدخول في مواجه معهم, ويلعب العدد رقما مهما في ميزان القوى إذ ان عدد السكان هو المعول عليه في ارض المعركة بعد توفيق الله سبحانه وتعالى .
6- ان كثرة السكان تؤدي إلى التنافس في الكفاءات لحرص كل فرد من أفراد المجتمع على التمسك بعمله ووظيفته لوجود البدائل السهلة وهذا يؤدي إلى زيادة الكفاءة للفرد الفلسطيني وتطوير قدراته ومؤهلاته ومواكبة التطور وهذا يعتبر رقما لا يستهان به في الصراع مع العدو .
نتيجة لتك الفوائد المترتبة على ضرورة التغيير الديموغرافي لصالح الفلسطينيين وخاصة في الداخل ينبغي على علماء الدين والدعاة وأهل الرأي والسياسيين إعطاء مساحة مهمة لهذا الجانب، وان يثقف الفلسطيني باتجاه معرفة ان النمو السكاني هو دين يتقرب به إلى الله لقلب موازين القوى لصالحه, لكن للوصول إلى هذا الهدف ينبغي لكل صاحب مسؤولية في فلسطين ان يوفر المناخ الملائم لتشجيع هذا الأمر من إيجاد أرضية وبنى تحتية من المراكز الصحية للاهتمام بالولادات وصحة الطفل وتعليمه ورعايته .
ويكون هنالك دعم مادي لكل طفل فلسطيني يولد، كما انه يجب تحصين الفرد الفلسطيني من الدعوات التي تقف خلفها الدوائر اليهودية والتي تشيع ظاهرة تحديد النسل بكل الوسائل وصبغها بالصبغة الحضارية والتقدمية فيما هم ينصحون أتباعهم بكثرة النسل ويضعون البرامج لدعم هذا المشروع .
ان التحول الديموغرافي لصالح الفلسطينيين في الأرض المحتلة يعتبر قنبلة موقوتة يحسب اليهود لها الحساب خوفا من انفجارها في أي وقت، فان أعداد الفلسطينيين على امتداد ارض فلسطين بلغت نهاية عام 2010 حوالي (5,5) ملايين نسمة في المقابل بلغ عدد اليهود في فلسطين (5,7) ملايين نسمة بناء على تقديرات دائرة الإحصاءات الإسرائيلية . ومن المحتمل ان يتساوى عدد السكان الفلسطينيين مع عدد السكان اليهود نهاية عام 2014 حيث سيبلغ العدد (6,1) ملايين نسمة لكل منهما إذا سارت زيادة السكان على نفس الوتيرة أما في عام 2020 فمن المتوقع ان تكون نسبة اليهود (48,2%) من عدد السكان في فلسطين حيث سيصل العدد إلى نحو (6,7) ملايين يهودي مقابل (7,2) ملايين فلسطيني .
فعلينا كفلسطينيين استخدام كل الوسائل المشروعة والمتاحة في المعركة مع اليهود وخاصة تلك الوسيلة الشرعية التي مدحها الله في كتابة وسنة نبيه فكما هم يستخدمون كل الأساليب لتثبيت دولتهم المسخ فلنعاملهم بالمثل إلى ان نسترد حقوقنا التي سلبت منا ظلما وعدوانا والنصروالتوفيق من عند الله العزيز الحكيم .
وليد ملحم
مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية- صنعاء
1/8/2011