دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
استغلال دولة اليهود للأقليات (دولة جنوب السودان)

استغلال دولة اليهود للأقليات (دولة جنوب السودان)
الشيخ / وليد ملحم
في خبر على موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية ينص على أنه في يوم ٢٨ من تموز من عام ٢٠١١ م تم الأتفاق مع دولة جنوب السودان على إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين.
لقد تم هذا الاتفاق بعد فترة وجيزة من إنفصال هذا الجزء من السودان عن الوطن الأم في مؤامرة واضحة المعالم حيث سارعت الدول الغربية للاعتراف بهذا الكيان الجديد، وفي المقابل وخلال ستين عاما لم يعترفوا بدولة حية للفلسطينيين!
الذي يهمنا في هذا الأمر هو كيفية استغلال دولة اليهود في فلسطين للفرص وللأقليات وللدول المستقلة حديثا في العالم ليجعلوا لهم موطئ قدم في الجزء الذي تقطنه تلك الأقلية وذلك لتنفيذ مآرب تصب في مصلحة دولة اليهود يمكن استخدامها في الوقت المناسب.
ومن أمثلة تواصل دولة اليهود مع الأقليات علاقتهم مع الأحزاب الكردية في شمال العراق حيث فتح اليهود هناك مكتب لرعاية المصالح الصهيونية في عين كاوة وقد عملت السلطة الكردية على منع الاقتراب من تلك الأماكن، حيث قدم اليهود إلى هناك بعد ضرب العراق أبان حرب الخليج الأولى عام ١٩٩١ م علما أن اتصال اليهود مع بعض الجماعات الكردية المناهضة لنظام الحكم في العراق كان قبل ذلك بكثير حيث احتفل بعض الأكراد بانتصار اليهود على العرب عام ١٩٦٧م.
وعلى نفس الخط كان هنالك تواصل واتفاقات مع بعض الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق مثل: كازاخستان وأوزبكستان وأذربيجان وطاجيكستان وقيرغيزيا حيث نجحت دولة اليهود في إبرام اتفاقيات مع تلك الدول تتعلق بالتطور التكنولوجي كما أن هنالك علاقات عسكرية وأمنيه معها.
كما أن هنالك اختراق لدول شرق آسيا مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند وسريلانكا والفلبين حيث تعتبر هذه الدول متقدمة تكنولوجيا واقتصاديا وهذا أمر مهم بالنسبة لدولة اليهود لعلاقة هذه الأمور بالتصنيع والتكنولوجيا العسكرية.
لقد أولت دولة اليهود في فلسطين الاهتمام بأفريقيا منذ فترة مبكرة لأسباب سوف نتطرق لذكرها.
فقد كان لحصول كثير من الدول الأفريقية على استقلالها وزيادة قدرتها التصويتية في الأمم المتحدة أحد أهم الأسباب في الهجمة الدبلوماسية لدولة اليهود على تلك الدول حتى إنه بحلول ١٩٦٦ م كانت دولة اليهود تحضى بتمثيل دبلوماسي لكل الدول الأفريقية جنوب الصحراء باستثناء كل من الصومال وموريتانيا. وفي عام ١٩٩٢ م قامت ثماني دول افريقية بتطبيع العلاقة مع دولة اليهود لتعزيز علاقتها عن فترة الستينيات وبالفعل توجد دولة اليهود اليوم في ٤٨ دولة إفريقية .
إن من أمثلة التغلغل اليهودي بأفريقيا علاقتها بإرتريا التي كانت تحت الاحتلال الأثيوبي فقد زار أسياس أفورقي واشنطن عام ١٩٨٩ م وعبر عن إعجابه بدولة إسرائيل حيث عبر أقطاب اللوبي الصهيوني عن رضاهم عليه ودعمه وتأيديه في تصفية جبهة التحرير الارترية ذات الخط القومي العربي وفي ذلك الوقت كتب «بول هينز» وهو أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين من الجالية اليهودية: إن أسياس أفورقي وافق على القبول العلني عند استقلال إرتريا على بناء قواعد عسكرية وأمريكية في إرتريا وهي قوا عد تخدم مصالح أمريكا وإسرائيل المشتركة.
كان من نتيجة التعاون الأرتري مع دولة اليهود غزو جزر حنيش اليمنية الإستراتيجية والتي تتحكم بمدخل البحر الأحمر حيث قامت عناصر ارترية باحتلال تلك الجزيرة ولكن العجيب أن أرتريا ليس لها القدرة على القيام بمثل تلك العملية لكن بعد الكشف عن خيوط تلك العملية تبين أن الرئيس الأرتري قد قام بزيارة سرية إلى دولة اليهود في نوفمبر من ١٩٩٥ م وطلب منهم معدات وخبرات في لهذه الطلبات، والتي منها مجموعة من الخبراء مجال الهجوم البحري وقد استجيب والمستشارين العسكريين اليهود في مجال القوات البحرية والجوية. ومعدات حديثة منها ستة زوارق حاملة للصواريخ، من طراز ريشيف، قادرة على حمل طائرتين عموديتين وست طائرات عمودية من طراز دلفين وبلاك هوك ومنظومة رادار بحري ومجموعة صواريخ سطح - سطح من طراز جبريل. وهنالك علامات على مشاركة اليهود مباشرة بإدارة المعركة، فقد استلمت اليمن إشارة بالراديو تقول «عدة إسرائيليين» قد اشرفوا على العمليات الأرترية بالجزيرة.
وفي المقابل فقد وطدت دولة اليهود علاقتها بأثيوبيا التي كان يحكمها هيلاسي لاسي الذي يعتبر نفسه الحفيد الـ 255 لسليمان وبلقيس ونتيجة لذلك فقد اعترفت أثيوبيا بدولة اليهود وأعطيت تسهيلات في أرخبيل دهلك وجزر حالب وأبو فاطمة وهذه المناطق تابعة للمياه الاقليمية الأرترية وآلت إليها بعد الانفصال وقد تطور الوجود اليهودي فيها بعد ذلك إلى قوا عد عسكرية واستخباراتية.
هذه عينة من خريطة تحرك دولة اليهود الخطير بأفريقيا، حيث إن ذلك التحرك يعود لعوامل عديدة منها:
١- حماية خطوط التجارة البحرية في البحر الأحمر.
٢- الوصول إلى مناطق التعدين والمواد الخام في أفريقيا.
٣- فتح الأسواق الأفريقية أمام الاستثمارات والتجارة اليهودية.
٤- الوصول إلى منابع النيل والبحيرات العظمى وهو الهدف الأهم لفتح ثغرة في خطوط الأمن القومي والمائي العربيين.
ه- الحصول على أكثر عدد من الأصوات في الأمم المتحدة المؤيدة للقضايا اليهودية دولة اليهود وجنوب السودان.
إن سبب تركيز اليهود على الأقليات يعود لعدة عوامل منها لأن الأقلية دائمة الشعور بالنقص وخاصة في حالة عدم وجود العدل فهوية الأقلية تتشكل على أرضية قلقة وبعد ضيق لا ينتج إلا ضبابية في الرؤية، وتكون دائمة الشعور بالتهميش والاضطهاد وتشعر كذلك أنها طبقة متدنية من طبقات المجتمع الذي يغذي الشعور بالنقص ويؤدي بالنتيجة إلى تلقفها أي فرصة تتيح لها الاستقلال عن الأغلبية التي تنتمي إليها وتكون أرضية خصبة للتعاون مع أي قوة ممكن أن تساعدها في ذلك الهدف حتى لو قدمت اكبر التنازلات، واليهود يغتنمون مثل هذه الفرص ويحاولون اختراق كل مكان يمكن الحصول فيه على موطئ قدم لهم.
جنوب السودان: هي منطقة حكم ذاتي في جنوب السودان لديها حكومتها وقواتها العسكرية، وتعتبر مدينة جوبا عاصمتها وأكبر مدنها، ومن أكبر مدنها هي واو وملكال ورومبيك وأويل وياي. وتبلغ مساحة جنوب السودان أكثر من ٦٠٠,٠٠٠ كم مربع تقريبا وحدودها من الجنوب الشرقي إثيوبيا وكينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، ومن الغرب جمهورية أفريقيا الوسطى. ومن الشمال باقي ولايات السودان.
ويعد التاريخ السياسي لجنوب السودان من الملفات المهمة لفهم طبيعة السودان الخاصة، حيث تظافرت مجموعة من العوامل على تقسيم السودان معنويا قبل أن تصبح حدوديا، ومؤججة لكثير من الصراعات حيث انه في بادئ الأمر قامت السياسات الاستعمارية على إظهار الاختلافات الاثنية واللغوية والعرقية والدينية، وفرقت بريطانيا في التعامل مع الجنوب والشمال في قضايا أهمها التعليم، فبدأت تظهر الاختلافات الثقافية. وبعد جلاء قوات بريطانيا وانفصال السودان عن مصر طالب الجنوبيون أن يكون لهم نظام خاص لهم داخل الدولة السودانية الموحدة، وهو الأخذ بنظام الفدرالية، ولكن الحكومة رفضت الاقتراح معللة بأنه يؤدي إلي انفصال الجنوب كتطور طبيعي. (مجلة البيان)
ونتيجة لموقع جنوب السودان المهم كانت لليهود فرصة ذهبية لتثبيت وجودهم في تلك الأرض حيث أن جنوب السودان يعتبر الخاصرة الجنوبية للوطن العربي ويتحكم بمصدر المياه المهم ألا وهو النيل فمن الممكن الضغط على كل من السودان ومصر عن طريق ذلك المصدر المهم كما لا يخفى ما تحتويه تلك المنطقة من خزين استراتيجي للنفط.
تقول الدكتورة أماني الطويل الخبيرة في شئون السودان بمركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية: «إن دخول إسرائيل إلى جنوب السودان سيعزز التنمية في الجنوب الأمر الذي سيتسبب في زيادة استهلاك مياه النيل على حساب مصر، كما تخشى مصر من انضمام السودان إلى دول حوض النيل التي تطالب بتغير تقسيم حصة مياه النيل». لقد استبقت دولة اليهود الأحداث حيث أعلنت صحيفة «هآرتس» أن تل أبيب تستعد سفارة جديدة لها في جنوب السودان في حال انفصاله عقب استفتاء تقرير مصير الجنوب المقرر إجراؤه.
وقال تسفي بارئيل معلق الشئون العربية بالصحيفة «إن إسرائيل تستعد إلى تطبيع العلاقات مع جنوب السودان في حال انفصاله».
وقال الكاتب «انه في القريب مع انفصال الجنوب وإقامة دولته المستقلة في أفريقيا سوف يكون بالفعل لإسرائيل ممثلون هناك». وأكد بارئيل «إن التقديرات تشير إلى أن جنوب السودان سوف يصبح دولة مستقلة وصديقة مقربة إلى إسرائيل بالفعل».
ويذكر أن زعيم «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي تحكم إقليم الجنوب سلفاكير ميارديت أكد في تصريحات صحفية سابقة أنه لا يستبعد إقامة «علاقات جيدة» مع إسرائيل وفتح سفارة لها في جوبا عاصمة الإقليم، في حال اختار الجنوبيون الإنفصال في الاستفتاء المقرر مطلع العام المقبل. واعتبر أن الدولة العبرية «هي عدو للفلسطينيين فقط، وليست عدوا للجنوب».
إن علاقة دولة اليهود مع تلك الدولة الناشئة هي بالفعل قد تمت قبل حصول دولة جنوب السودان على الانفصال فاليهود قد حضروا أنفسهم واستبقوا الأحداث ونسقوا مع قيادات تلك الدولة قبل الإعلان عن الاستقلال وذلك يوضح الضغط الكبير من أمريكا والدول الغربية لانفصال ذلك الجزء من السودان.
لقد كشف حفل استقلال جنوب السودان حجم العلاقة بين الكيان اليهودي وبين تلك الدولة الناشئة، فكشفت صحيفة «جيروزاليم بوست»، أن «إسرائيل» تستغل مظلة منظمات غير حكومية تابعة لها لإرسال معونات مختلفة إلى دولة جنوب السودان التي أعلن عن قيامها قبل أيام قليلة. وأوردت الصحيفة «إن مجموعة من هذه المنظمات سترسل شحنة من المساعدات الإنسانية قريبا إلى هذه الدولة التي شكلت حديثا وتتركز على مساعدة الضعفاء من النساء والأطفال». وذكرت «أن منظمة العون الإسرائيلي» تشكل مظلة لمجموعة من المنظمات «الإسرائيلية واليهودية» التي تقدم مساعدات وهي تستعد الآن لتنفيذ حملة من هذا القبيل تصل قيمتها إلى ١٠٠ ألف دولار تشمل أغذية وأدوية ومواد أخرى غير غذائية.
ووفق الصحيفة فان الذين يشرفون على ما يسمى (منتدى إسرائيل للمساعدات الدولية) يأملون في رفع قيمة أموال هذا المشروع إلى مليون ونصف المليون دولار أميركي. وأضافت الصحيفة «أن دولة جنوب السودان مولود جديد يريد الاستفادة من الخبرة «الإسرائيلية» في مجالات متعددة تشمل المياه والزراعة ومعالجة اضطرابات ما بعد الصدمة والتوتر والهجرة والتعليم وغيرها من الأمور التي يمكن أن تشكل أهمية لشعب جنوب السودان».
ونقلت «جيروزاليم بوست» عن شاحر زهابي مدير مؤسسة «العون الإسرائيلية» قوله: إن شعب جنوب السودان يعمل الآن على بناء دولته ونحن سنقدم له العون».
ووصف د. يوسف نور العلاقة بين «إسرائيل» والجنوب في دراسة، حددت «إسرائيل» فيها خمس مراحل لتنفيذ إستراتيجيتها في السودان، المرحلة الأولى بدأت في مرحلة الخمسينات، حيث كانت «إسرائيل» تركز على تقديم معونات إنسانية للنازحين عبر الحدود السودانية إلى إثيوبيا، وكانت «إسرائيل» تحاول من خلال تقديم مساعداتها في هذه المرحلة تعزيز الاختلافات القبلية والعرقية وتوسيع شقة التنافر بين الشمال والجنوب ودعم كل الاتجاهات الانفصالية، وقد أوفدت العقيد باروخ بارسفير وعددا من أفراد الاستخبارات «الإسرائيلية» للعمل من خلال أوغندا لدعم هذا الهدف .
وفي المرحلة الثانية التي بدأت خلال مرحلة الستينات بدأت «إسرائيل» في دعم قوات الأنيانيا وتدريبها، وخلال هذه المرحلة تبلورت رؤية «إسرائيل» التي ترى أن شغل السودان في مثل هذا الواقع لن يترك له أي مجال لدعم مصر في أي عمل مشترك ضد «إسرائيل»، وتقول الدراسة إن هذه السياسة وجدت قبولا من بعض العناصر في جنوب السودان وذلك ما شجع «إسرائيل» على أن تبعث بعناصرها إلى الجنوب مباشرة للعمل تحت ستار تقديم
الدعم الإنساني، وتقول الدراسة إن «إسرائيل» قدمت دعما من الأسلحة الروسية في عام ١٩٦٢ م لدعم حركة التمرد في الجنوب وأن تلك الأسلحة كانت من التي غنمتها من مصر في حرب عام ١٩٥٦ م بالإضافة إلى الرشاش «الإسرائيلي» عوزي.
وبدأت المرحلة الثالثة في منتصف الستينات واستمرت حتى مرحلة السبعينات وخلالها قامت «إسرائيل» بتقديم أسلحة إلى متمردي الجنوب من خلال وسيط يسمى «جابي شقيق» وهي أسلحة غنمتها «إسرائيل» خلال حرب عام ١٩٦٧م.
وتقول الدراسة «الإسرائيلية» إنه خلال هذه المرحلة تم إحضار مجموعات من المتمردين الجنوبيين إلى «إسرائيل» لتلقي التدريب وكان من بينهم العقيد «جوزيف لاقو» الذي مكث في «إسرائيل» ستة أشهر. وأسست «إسرائيل» خلال هذه المرحلة مدرسة خاصة لتدريب المشاة تخرج الكوادر العسكرية التي تقود حركة التمرد. وقد شاركت خبرات «إسرائيلية» بالفعل في بعض المعارك التي جرت في جنوب السودان. وتقول الدراسة إن مرحلة السبعينات كانت نقطة تحول أساسية حيث قام حاييم ماساتي رجل المخابرات «الإسرائيلي» بالتنسيق من خلال سفارة «إسرائيل» في أوغندا مع قادة حركة الإنيانيا. وعندما أصحت حركة التمرد على وشك الانتهاء في عام ١٩٦٩ بدأت «إسرائيل» تفكر في مخطط جديد يؤدي إلى حركة تمرد دموي شاملة تنتظم منطقة الجنوب بأسرها، وركزت «إسرائيل» خلال هذه المرحلة على الوشائج التاريخية بين الشعب اليهودي والشعوب الافريقية منذ عهد الملك سليمان، كما ربطت «إسرائيل» بين ما اعتبرته شبها بين الحركة الصهيونية وحركات الجماعات الإفريقية الزنجية، وقد تأثر التغلغل «الإسرائيلي» سلبا بالمصالحة بين المتمردين والحكومة السودانية في عام ١٩٧٢ م.
وأما المرحلة الرابعة فقد استمرت طوال عقد الثمانينات وعادت «إسرائيل» إلى المشهد السوداني من جديد بعد إخفاق اتفاقات أديس أبابا وظهور حركة تمرد جديدة بقيادة العقيد جون قرنق، وقد وجدت «إسرائيل» دعما غير مسبوق من إثيوبيا كما أن حركة التمرد اكتسبت زخما جديدا بعد ظهور النفط في جنوب السودان والتوتر الذي ظهر في العلاقات العربية بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد، وكانت اتفاقات «إسرائيل» مع منغستوهايلي مريم تنص على إرسال جزء من الأسلحة المتفق عليها إلى «إسرائيل»، ومنها صفقة دبابات، كما ساعدت الأقمار الاصطناعية «الاسرائيلية» في تقديم المعلومات المتعلقة بانتشار القوات الحكومية في جنوب السودان. واستمر الدعم في المرحلة الخامسة خلال مرحلة التسعينات بتقديم دعم أكثر تطورا وإن تأثرت المساعدات «الإسرائيلية» بمناخ المصالحة بين السودان وإثيوبيا. وقد تأثرت حركة التمرد بانقسامها إلى ثلاثة فصائل، كما أن سقوط نظام منغستو أثر سلبا على الدعم «الإسرائيلي»، ولكن التطورات في القرن الإفريقي فتحت مجالا جديدا للتغلغل «الإسرائيلي» في المنطقة.
وتقول الدراسة إن حركة التمرد طلبت في عام ١٩٩٢ م أربعة ملايين طلقة لمدافع رشاشة وخمسة ملايين دولار من أجل استرداد قاعدتي كبويتا وتوريت لأجل تعزيز موقف الحركة التفاوضي في مباحثات السلام، وبعد حدوث الإنقسام بين قرنق ورياك مشار ولام أكول حاولت «إسرائيل» تعزيز علاقاتها حسب التقرير مع جناح الناصر بعد أن ظهرت اتجاهات وحدوية عند قرنق وتخليه عن فكرة المطالبة بدولة مستقلة. ورغم الوصول لحل لوقف القتال في نيفاشا ٢٠٠٥ م، إلا أن التدخلات الأجنبية في قضية الجنوب لم تتوقف، وفي هذه المرحلة عملت على فصل الجنوب وتفتيت وحدة السودان (التدخل الأجنبي في جنوب السودان صابر فضل المولى).
إن المؤامرة لفصل جنوب السودان عن شماله وجعله كيانا يهدد الحدود الجنوبية للدول العربية وخاصة السودان ومصر وهي الأهم، كانت بدايته منذ دخول البريطانيين إلى تلك الأرض ففي سنة ١٩٢٢ م صدر قانون الرخص والجوازات وبناء على المادة ٢٢ منه صدر قانون المناطق المقفلة والذي بموجبه يحرم على أبناء المديريات الشمالية من دخول المديريات الجنوبية أو البقاء فيها.
وفي سنة ١٩٣٠ م وضع السكرتير الإداري لحكومة السودان آنذاك هارولد ماكمايكل، خطته التي تهدف لفصل جنوب السودان عن شماله واعتمدت تلك الخطة على قانون المناطق المقفلة لسنة ١٩٢٢ م وكانت دعوى البريطانيين هو حماية جنوب السودان من حكم الشماليين. واللافت للانتباه أنه في تلك المدة كانت بريطانيا تسلم فلسطين تدريجيا لليهود القادمين من شتى بقاع العالم.
إن تدخل دولة اليهود لم يقتصر على جنوب السودان فقط بل تعداه إلى الشمال حيث قام وفد قطاع الشمال في الحركة الشعبية برئاسة ياسر عرمان وعضوية عمر عبد الرحمن آدم ومبارك أحمد ورمضان حسن نمر، بزيارة إلى «دولة اليهود» التقى خلالها وزير الخارجية «اليهودي أفيغدور ليبرمان» كما قام الوفد بعقد لقاء مهم مع وزير الحرب اليهودي أيهود باراك الذي طلب منه الوفد تقديم مساعدة عاجلة لقطاع الشمال كما حضر اللقاء رئيس المخابرات العسكرية أفيق كوخاف الذي ودع الوفد من مطار اللد في ختام المباحثات!!!.
إن أهم المطالب التي طالب بها قطاع الشمال عبر رئيس الوفد تمثلت في أهمية تحجيم المد الإسلامي في السودان باعتباره يشكل خطرا على "إسرائيل" نفسها الشيء الذي أقره ليبرمان.
كما أن باراك استحسن الخطوة التي قام بها قطاع الشمال والخاصة بتوحيد الحركات المسلحة بدارفور، وأكد أنهم سيقومون بتقديم الدعم المطلوب للقطاع وحركات دارفور بالتدريب العسكري أو فتح المعسكرات. وتشير الأخبار. إلى أن الزيارة تمت بطلب من قطاع الشمال عبر السفير «اليهودي» غير المقيم بجوبا، وأوفد الجانب «اليهودي» طائرة خاصة أقلت الوفد من جوبا إلى «تل أبيب» (عن جريدة الخليج بتصرف).
هذه الخطوة تمثل دليلا صارخا على أن المنطقة الجنوبية من السودان قد أصبحت قاعدة تتحرك من خلالها دوائر الاستخبارات اليهودية لتفيذ الخطط الرامية إلى ضرب المنطقة العربية من جنوبها علاوة على تهديد مصر عبر مياه النيل كما بينا سابقا.
إن الصلح الذي أقامته مصر مع دولة اليهود لا يعتبر ضمانا دائما لذلك الكيان حيث انه معرض للانهيار في أي لحظة وتحضيرا وتحسبا لتلك اللحظة يريد اليهود القضاء على معظم الوسائل التي تتحقق بها قوة مصر الضاربة. وهكذا يظهر إن انفصال جنوب السودان هو تهديد جدي واستراتيجي لأمن مصر.
وتوفرت معلومات تفيد أن جهاز الموساد مع عدد من أجهزة المخابرات في دول أخرى تدعم مخططا لتقسيم السودان إلى ثلاث دول يشارك في رسمها «السي آي أي » مع «الموساد». كل ذلك لتبرهن دولة اليهود للعرب أن لها القدرة على تملك زمام المبادرة في إحداث التغيير وبالتالي تدفعهم إلى تقديم تنازلات مهمة وخاصة في الملف الفلسطيني.
إن الدول العربية وبما تملك من إمكانات مادية مهمة تستطيع سحب البساط او على الأقل عرقلة وتأخير المشروع اليهودي في جنوب السودان وحتى بعد انفصاله.
فمن خلال دعم جمعيات وأحزاب تؤثر بالقرار داخل جنوب السودان تمثل بالنتيجة توازن للقوى داخل تلك الدولة فلا تنفرد الأحزاب الموالية لليهود بالقرار. وكذلك دعم الشعب الجنوبي الفقير بالمساعدات العينية لتحسين صورة العرب والمسلمين عندهم، وبالتالي هذا يمثل ضغطا شعبيا ورأيا عاما لا يمكن تجاهله ويأتي في نفس هذا الهدف إصدار صحف ومجلات تثقف بالقضايا العربية داخل دولة الجنوب. كما أن دعم الدولة بالشمال السوداني وحل مشاكله الداخلية يمثل ركيزة للتصدي لهذا المشروع ويقع على عاتق مصر المهمة الرئيسية في تنفيذ سياسة تضامنية مع السودان تحقق لها مصالحها وتحميها من تهديد يهودي يأتي من الجنوب.
مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد الثالث عشر
يمكن تحميله PDF من هنا 👇
. تحميل الملف المرفق