القدس والأقصى / عين على الاقصى

أضواء على جهود الشيخ محمد تقي الذين الهلالي في القضية الفلسطينية (3)

 

أضواء على جهود الشيخ محمد تقي الذين الهلالي في القضية الفلسطينية (3)

أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان

إعداد / اللجنة العلمية

قبسات من أقوال العلامة محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية (الحلقة الثالثة)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

ذكرنا في الحلقة الماضية طائفة من أقوال العلّامة محمد تقي الدين الهلالي في القضية الفلسطينية ونستكمل في هذه الحلقة بإذن الله ما بدأناه وسيكون ذلك في اقتباسات نستخلص منها ما يكون فيه النفع والفائدة، ولسنا هنا في معرض الاستطراد وذكر الصفحات؛ بل الاقتصار على ما فيه دلالة مباشرة على موقف مشرف وقول واضح:

كره فرنسا للإسلام:

مِن محبَّةِ الفرنسيِّين للإسلامِ! أنَّ إذاعتَهم -حتَّى العربيَّةَ- لا تَستحي أنْ تُهين المجاهدين في فلسطين وتُسمِّيهم مُشاغِبين، أمَّا باللُّغاتِ الأُوروبِّيَّة؛ فتَزيدُ على ذلك فتُسمِّيهم لُصوصًا، وكلَّما غرَّمَ البَرِيطانيُّون قريةً مِن قُرَى فِلسطين الشَّهيدة؛ قال اليَهوديُّ الَّذي يُذيع مِن باريس: «وقَد فُرِضتْ على قريةِ كذا وكذا غَرامَةٌ قَدْرها كذا وكذا مِن النُّقودِ، وكذا وكذا مِن الغنم... إلخ، مقابَلةً للشَّرِّ بالشَّرِّ»، وهذا تعليلٌ وتَعديلٌ مِن حَضرتِه لأعمالِ البَريطانيِّين الوَحْشيَّة! (١)

- محطَّةِ باريز الاستعماريَّة اليهودية، التي تسمَّى (مؤتمر لندن) تضليلًا بمؤتمرِ المائدة المستديرة، والَّتي تدافع عن اليهود وتخاصمُ العرب أكثرَ بكثير مِن بريطانية نفسِها (2).

- صوت راديو منديال اليهودي الشَّيطاني، الذي يحقُّ أن يُدعَى راديو تل أبيب؛ لأنَّه يدافع عن اليهود أكثر من اليهود، ولأنَّ مذيعَه يهوديٌّ، وله خادم لعينٌ مِن خونة شمال إفريقْيَة - عجَّل الله يوم حسابهم - (٣).

 من فظائع البريطانيين:

البريطانيُّون في فلسطين يرتعبون الفظائعَ التي يكاد السموات يتفطَّرْنَ منها، وتنشقُّ الأرض وتخرُّ الجبال هدًّا، ولا يبالي أعداء الانسانية بما ارتكبوه، حتى إذا انتقمَ منهم المجاهدون الكرام، وأخذوا منهم بعضَ الحقِّ؛ ملئوا الدُّنيا صراخًا وصياحًا، فاشتغلت الأسلاك والمطابع والأقلام والمذاعات، وأخذوا يشنِّعون على المجاهدين ويشتمونَهم، ناسبين إليهم الوحشيَّةَ والقسوةَ واللصوصيَّةَ وسفك الدِّماء؛ فيرى أعداءُ الله القذاةَ في أعين المجاهدين، ولا يرون الجذوعَ المُعترضة في أعينهم، {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ} (4)

• بريطانية الشيطان الأكبر:

بريطانية هي رأسُ حيَّةِ الاستعمار، وحاميةُ المجرمين، والمتآمرةُ على تقسيمِ بلادِنا وتخريبِ ديارنا، والمُعينةُ على ذلك، ومخرِّبةُ بلادِ العَرب، وبائعةُ الأرض المقدَّسة بثمَنٍ بخسٍ لشُذَّاذِ اليَهود، ومُقتِّلةُ الضُّعفاء في فلسطين ومعذِّبتُهم (5).

• مزاعم الشيوعيين:

لو كانت موسكو تُحارب لأجل الحُرِّية، والمُساواة، وتحطيم الاحتكار، والتَّسلط بالجبروت، والحيل، كما تَزعم إذاعته ودعايته؛ فنَقول لهم: أيها الشُّيوعيون! لماذا تَسكتون وتَعمون وتَصمون على عدوان بريطانية على أهل فلسطين، وهو عدوان فاقَ جَميع العدوان؟ ولِمَ لا تغضبون على اليهود الذين أرادوا وعَملوا على إخراج العَرب مِن بلادهم بسيوف الاحتكار، وقنابر الربا، ونيران رءوس الأموال الَمجموعة مِن السُّحت؟ (٦)

• لا حق لليهود في فلسطين:

ليس ليهودي في فلسطين إلا النار، إلا اليهود الذين كانوا تحت ذمة المسلمين من قبل، ولم ينقضوا عهداً؛ فلهم ذمة العرب والمسلمين، وأمَّا اليهود الذين دخلوا تحت ذيل بريطانيا ظلمًا وعدوانًا؛ فمآلهم إلا أن يخرجوا منها مذمومين مدحورين، وعليهم اللعنة إلى يوم الدين، وكذلك مآل المجرمين الفرنسيين في المغرب، ولبنان، وسائر بلاد الشامات ليس لهم قلامة ظفر، ولا عبرة بما شروه من الأرض في عهد حكومة الغصب والنهب؛ فهو شراء فاسد لم يقع على وجهه، بل هو غصب محض (٧).

 

• لا ينبغي السكوت عن اليهود:

شهد الله وهو أصدق القائلين بأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا؛ فقال: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا } (المائدة:82)، فالشقاء والضلال المحقق هو في مخالفة أمر الله، وتلقي أعمال اليهود وحلفائهم في الأرض المقدسة بغاية الرضى والتسليم والإذعان، وترك تغيير المنكر ولو باللسان والقلب، وذلك أضعف الإيمان، وفي رواية: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»، ومن لا إيمان له؛ فهو أشقى الناس، ولا بد أن تكون عاقبته السُّوأى، ويجب علينا أن لا نتوهم أن السلامة في المداهنة والسكوت عن قول الحق إرضاء لجانب اليهود، وإسخاطًا لله ورسوله وجميع المسلمين، ولأسلافنا بالخصوص، وخيانة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؛ فالدين النصيحة، ومنها قول الحق ما أمكن، وترك المداهنة (٨).

• اليهود وسيطرتهم على العالم:

مِن العَجب أنَّ كثيراً مِن النَّاس أكَّدَ لي أنَّ القائمَ بالنِّظام الشُّيوعيِّ هم اليَهود، وليسَ الَّذين خبَّروني بهذا كلُّهم جرمانيُّون حتَّى يُمكن اتِّهامُهم؛ بل كلُّ مَن له خبرةٌ بالبلادِ الرُّوسيَّة، وآخِرُ مَن أخبرني بذلك: رجلٌ إنجليزيٌّ، وأقامَ لي دليلًا بأنَّ أسماءَ الموظَّفين جلُّها أسماءٌ يهوديَّةٌ، وما ذلك مِن اليَهود ببعيدٍ (٩).

وفاتني أن أقول لذلك اليهودي: إن العرب وإن كانوا ضعفاء وغير جادين في محاربة الصهيونيين كما يجدّ هؤلاء في حربهم؛ فإن مستقبلَ الصُّهيونيين مملوء بالظلام والأخطار، ولو كان العرب بهائم في الجهل وأمواتًا لا يشعرون؛ لكان من البعيد جدًّا أن يؤسِّس اليهود وطنًا قوميًّا في قلب بلاد العرب تحت حماية الإنجليز، وبمضي الزمن الكافي لقيام الدولة اليهودية وحماية نفسها بنفسها دون أن يتمكن العرب من غسل العار عنهم، ودون أن يَعِنَّ للدولة الحامية للصهيونية ما يشغلها بنفسها.

• من رسائل الهلالي لمحمد علي الطاهر:

أمَّا أهل فلسطين؛ فهم الفريسة الأولى لوحوش الوحدة العربية، ولو تركوا يباشرون أمرهم بأنفسهم؛ لما أصابهم مثل هذا العذاب.. أما قضية فلسطين؛ فهي أجلّ من أن تشرح في سطور (١٠).

• لا أدب لليهود:

مذهبي أن اليهود لا أدب لهم، إلا ما في «التوراة» و«التلمود» وما أشبه ذلك، حين كانت لهم لغة، وذلك قبل آلاف السنين؛ أما بعد موت لغتهم، واضطرارهم إلى التعبير والكتابة باللغة السريانية مدة آلاف من السنين، ثم ظهرت اللغة العربية، ودالت دولة السريانية؛ فأخذوا يشاركون أهلها ويتطفلون على مآدبهم، فليس لهم أدبٌ يسمَّى عِبرانيًّا، كما أن أدباء الهنود الذين نشئوا نشأة إنجليزية، فكتبوا وألَّفوا في الأدب الانجليزي؛ لا يُقال لأدبهم إنه سنسكريطي، بل هو أدب إنجليزي، وليس مقصودي أن أنكر أن بعض اليهود شاركوا العرب في إسبانية في العلوم؛ كالفلسفة والطب وشيء من الأدب، وحملوا علوم العرب وآدابهم إلى أقاصي أوربة؛ كما يقول جوزف مكيب في كتيب له اسمه «مدنية المغاربة في إسبانية»؛ وإنما المقصود أن علوم أولئك اليهود هي ثقافة عربية لا تمت إلى العبرية أو كونهم يهودًا بصلة، لأن من لا وطن له، ولا أمَّة مجتمعة، ولا لغة؛ فلا ثقافة له، فثقافة يهود كل أمة تُعزى إلى تلك الأمة، لا إلى اليهود، وفي اليهود ذكاءٌ وقابليَّة، ولكنَّ المانع من أن تكون لهم ثقافة يهودية: هو عدم الوطن الذي يجمعهم؛ فيعيشون فيه عيشة واحدة توحَّدُ أفكارهم وأذواقهم، وعدم وجود لغة توحِّد تعبيرهم عمَّا يشعرون به، فإنهم بسبب شتاتهم؛ اختلف شعورهم، واختلفت أفكارهم، واختلف تعبيرهم، فلم يبق ثمَّتَ مكان لأن تكون لهم ثقافة تسمَّى يهودية، وهذا غير خاص باليهود، فكل قومٍ أصابهم ما أصاب اليهود؛ يُحكَمُ عليهم بالحُكم نفسه (١١).

واليهود أذكياء، لهم دهاءٌ عظيم في ابتزاز الأموال، وفي سحر الملوك والوزراء والحكَّام؛ بإظهار الخضوع، والنُّصح، والشفقة، المصحوبة بالتَّذلل الكلي، والتخثُّل الثعلبي، وأما في الحروب والحجاج والدعاية؛ فليسوا من هذه الأمور في قبيل ولا دبير، لنا فيهم من النزق الذي يساوي نَزَق الأطفال، ويزيد على نَزَق الفرنسيين. (12)

 

• أعطني إسلامًا أعطِك نصرًا:

يقول الهلالي لتلميذه أبي الحسن الندوي، وقد شكى له كارثة فلسطين، وانهزام القوات العربية، وما جرَّ ذلك على المسلمين من الشقاء، وعلى العرب وأبناء فلسطين من الجلاء والبلاء، يقول الهلالي ببصيرة المؤمن الواثق من نصر الله عز وجل-:

«وأما ما شكوته من الأحداث الأخيرة؛ فهو مؤلمٌ حقًّا، ولكن أسبابه التي كانت تجري قبلها جهاراً على أعين الناس؛ ليست أقلَّ منه إيلامًا، والمسبَّبات تابعة لأسبابها ولا بدَّ، وهذه النتيجة الأليمة لتلك الحركة الطائشة التي حرض عليها أعداءُ الإسلام الأوَّلون لم تفاجئني؛ فقد كنت أراها بعين بصيرتي رؤية تكاد تساوي رؤية البصر، وأخبرتُ بها تلاميذي الثقاف قبل وقوعها؛ فشاركوني في التوقُّع، وكلُّ من يؤمن بكتاب الله، وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - والسلف الصالح؛ يعلم ذلك، ونحن غرباء قبل تلك الأحداث وبعدها، والمسلمون العالمون بالإسلام وبنو إسرائيل يعلمون أن الإسلام لم ينهزم فيما مضى، ولن ينهزم في المستقبل، ولا في الحال، فأعطني إسلامًا؛ أُعطِك نصرًا على الدوام، ولو كان الإسلام ينهزم لكثرة أعدائه؛ لانهزم في الحروب الصليبية» (١٣).

• النصر منوط بالتوحيد واتباع الكتاب والسنة ونبذ الخرافات:

أكَّد الهلالي في كثير من المواطن على أن قيام هذه الأمة ونصرها مناط بالتوحيد واتباع الكتاب والسُّنة.. والنصر لا يأتي إلا من الله، ولا ينبغي للمؤمن أن يطلبه إلا من الله، فان طلبه من غيره؛ خاب وخسر، ولم يظفر به أبداً، ولهذا ترى المشركين في هذا الزمان يتعلقون بالأوربيين ويطلبون منهم السلاح، ويتعلمون استعماله منهم، ويظنون أن ذلك كل شيء، ولم ينفعهم ذلك شيئًا، ولن ينصروا أبدًا إلا إذا رجعوا إلى كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحكَّموا شريعة الله، وقد مضت عليهم مئات السنين وهم يجرِّبون طريقهم العقيم؛ فما حصدوا إلا الخيبة والخسران، ولو جرَّبوا طريق الحق سنة واحدة؛ لطلع عليهم فجر السعادة، وذهب نحسهم وظهر سعدهم، {وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} (البقرة: ٢١٣).

 

• الله هو الولي:

- الله - سبحانه - مالك متصرف في عباده، وليس لهم ولي يتولونه فتنفعهم ولايته، ولا نصير يستنصرونه فينصرهم، فمن استنصر غير الله: ضل وأصابه الخزي في الدنيا والآخرة، ومن استنصر الله وحده وأطاعه واتبع رسوله - صلى الله عليه وسلم- وحكَّم شرعه؛ انتصر وعز، ولذلك نرى المسلمين في هذا الزمان ضعفاء أذلاء؛ لأنهم لم يستنصروا الله وحده، بل طلبوا النصر من غيره فأذلهم، قال - تعالى- في سورة آل عمران: { إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ  وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ  وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

• لا ملجأ إلَّا إلى الله -تعالى-:

- فمن علم وتيقَّن أنه ليس له ملجا ولا مفر ولا مهرب من المصائب التي تصيبه والأعداء التي تحيط به الا الله، والتجا إليه بصدق وإخلاص؛ آواه ونصره، ونجَّاه من كل ما يخاف، نسأل الله أن يجعلنا ممن اتصفوا بهذا الوصف.

الإسلام يربح بالسلم ما لا يربح بالحرب:

الإسلام يربح بالسِّلْم ما لا يربح بالحرب؛ لأنه دين العقل والفطرة إذا لم يُبدَّل ولم يغيَّر، فكل مَن فكَّر فيه بعقله؛ قّبِلَهُ ودَخل فيه، إلا مَن منعهُ اتباع الهوى واستكبر وكان من الكافرين، وقد - ذكر الله -عز وجل- في الآية الثانية من سورة الأنعام نوعين من العذاب: أحدهما يأتي بغتة، والآخر يأتي جهرة، والعذاب الذي أصاب المسلمين في هذا الزمان، وجلَّلهم خزيًا وعارًا في قضية فلسطين والاستعمار، وتسلط أعداء الإسلام عليهم من الداخل والخارج يسومونهم سوء العذاب؛ من النوع الذي جاء جهرة، ومع ذلك لا يزالون معرضين عن الله، عن شرعه وتوحيده وطاعته واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم-، فنسأل الله العافية.

• ما هو الخلاص؟

- لا يرتاب أحد - لا مسلم ولا كافر - أنّ القرآنَ أخرج العرب من الظلمات إلى النور، وأخرجَ جميع الدول الإسلامية السابقة مِن ظلمات الجهل والفقر والذلة والتشتت والضعف إلى أضدادها، وفي قتال المسلمين لجميع دول أوروبا بملوكها وجيوشها مدة مئة وتسعين سنة على أرض فلسطين وما حولها، وانتصارِ المسلمين عليهم: شاهدٌ من أعظم الشواهد للمقارنة مع استيلاء ثلاثةِ ملايين مِن غرباء الآفاق مِن اليهود على المسجد الأقصى -أحد المساجد الثلاثة المقدسة عند المسلمين-، ويقابلُ هذه الملايين الثلاثةَ مئةُ مليون مِن العرب، وستُّ مئة مليون مِن المسلمين غير العرب ، وقد حارب العربُ اليهودَ - مِرارًا وتكرارًا- فلم يحصلوا على طائل، فكلُّ مَن اتبع القرآن والسُّنَّةَ مِن الشعوب والدول والأفراد؛ يُخرجْه اللهُ مِن الظلمات إلى النور، وكلُ مَن خالفهما - بعدَ المعرفة - يخرجْه اللهُ مِن النور إلى الظلمات، ومِن المخالفين لهما: المقلِّدون وأصحابُ الطرائق الذين فرّقوا دينَهم وصاروا شِيَعًا .

- اتباع القرآن وبيانه الذي جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم- -وهو السُّنَّة- حياة ونور، والإعراض عنهما موت وظلمة، وسبب الموت والظلمة اللذين أُصيب بهما المسلمون في هذا الزمان؛ إعراضهم عن كتاب الله وسُنة رسوله، فما داموا في هذا الإعراض يستمر موتهم وظلمتهم حتى يرجعوا إليهما، وهذا الموت المعنوي والظلمة المعنوية أشد ضرراً من الموت الحسِّي والظلمة الحسِّية.. ونحن اليوم نرى الشعوب التي سَعِدَ أسلافُها به؛ تتخبط في ظُلمات الجهل، وتتقلب في أنواع الشقاء، وتلتمس حلَّ مشاكلها مِن طُرق مسدودة؛ كالالتجاء إلى دول الشرق أو دول الغرب، وهيهات! هيهات! أن تجد حلَّا لمشاكلها، ولا فَرَجًا لكربتها؛ إلا في هذا القرآن وسُنة مَن أنزله الله عليه.

• الهداية بالقرآن والسنة:

- القرآن والسُّنَّة -التي هي بيانه - يهديان كل أُمَّة تمسَّكت بهما إلى الطريقة أو الحالة التي هي أكثر استقامة، وفيها سعادة الدنيا والآخرة، ويبشر أعداءهم بأنَّ لهم عذابًا أليمًا في الدنيا والآخرة، فهذه الجماعات استنكفت أن تسمِّي أنفسها باسم الإسلام، وخدعها أعداء الإسلام فصارت تدعو إلى العروبة، وهذه الشعوب التي تنتسب إلى الإسلام خذلت القرآن والسُّنَّة؛ فحُرِمت الهداية إلى التي هي أقوم، وسلكت طُرقًا معوجَّة، وحُرِمت النصر والعِزة، وأصيبت بالانهزام والذِلَّة، وذلك هو العذاب الأليم في الدنيا {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 26)، قال الله -تعالى-: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} (طه: ١٢٤)، وقال تعالى-: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}.. وهكذا - أخبر الله - تعالى - أنَّ مَن أعرَض عن تذكرة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكفر بها؛ يعذبه الله العذاب الأكبر في الدنيا والآخرة، ومن ادعى أنه لم يكفر بها، ولكنه امتنع من العمل بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم-، كأهل هذا الزمان الذين يُحلون الربا وشرب الخمر والزنا وغير ذلك؛ فادعاؤهم الإيمان لا ينفعهم مثقال ذرة، وسيعذبهم الله العذاب الأكبر، وقد فعل – سبحانه -؛ فإنَّ عَجْز ثمان مئة مليون عن مقاومة ثلاثة ملايين هو مِن العذاب الأكبر {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (الزمر: 26) (١٤).

• الاعتصام بتعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم- ومنهج السلف الكرام هو الخلاص:

يقال لهؤلاء الأغرار الذين يلعب بهم الأجانب ويخدعونهم عن التعلق بسادتهم؛ لأن في ذلك العطب، لأن في تعلق شباب العرب بقطب مجدهم، ومؤسس عزتهم: اتحادهم، وشعورهم بكرامتهم، وفي ذلك القضاء المبرم على مصالح الطامعين الجشعين المفترسين، وما دامت الشُّقة شاسعة بين العرب وبين محمد المنقذ الرحيم، ومن سار على نهجه من السلف الكريم، إلى حد أن اليهود يستطيعون في العواصم العربية أن يمثلوا أي قصة تخلقها أدمغتهم القذرة لإظهار سلفنا وسادتنا بالمظهر المزري، وشبان العرب يتفرجون ويضحكون، ولا يرتفع لهم صوت، ولا ينطفئ مصباح، ولا يتزحزح أحد من كرسيه، ومع ذلك يريد العرب أن يحترمهم اليهود وطغام الأوربيين وهم في سكرتهم يعمهون! (١٥)

 

•الهوامش:

1- من مقالة (هدية لقُرَّاء «مجلة الفتح)، العدد (٦٢٧)، ١٨ رمضان ١٣٥٧هـ.

٢- من مقالة (راديو سورية الكبرى) مجلة «الفتح» المصرية، المجلد الثالث عشر، عدد (٦٤٤)، ٢٥ محرم ١٣٥٨هـ.

٣- من مقالة (الراديو العربي الحر) - مجلة «الفتح، المصرية، المجلد الثالث عشر، عدد (٦٤٦)، ٢٠ صفر ١٣٥٨ هـ.

٤- من مقالة (الهدي النبوي الذي ضيعه المسلمون) - نشرت في مجلة «الفتح» المصرية، المجلد الرابع عشر، العدد ٦6٧)، الخميس ٢ رجب ١٣٥٨هـ.

5- من مقالة (أحقا أن فرنسا تريد السلم؟ إذن فمن يريد الحرب؟)، نشرت جريدة «الوحدة المغربية، التطوانية، السنة الثانية، العدد (٥٨)، الجمعة ٢١ رجب ١٣٥٧ هـ

٦- من مقالة (وقاحة الاستعمار الفرنسي لا نهاية لها)، نشرت في جريدة «العلم المصري» المصرية، السنة الخامسة عشرة، العدد (١٠٥- ٤٣٩ السنة الثالثة)، الأربعاء ٢٠ ربيع الأول ١٣٥٨ هـ

٧ - من مقالة (حديث في انتقاد المكتب العربي القومي في سورية)، في دفتر الهلالي الخاص، وهو بخط تلميذه رضا الله بن محمد إدريس المباركفوري، حفيد صاحب «تحفة الأحوذي».

٨- من مقالة (ماذا يفرضه علينا ديننا ووطنيتنا؟)، وسبق توثيقها.

٩- من مقالة (حكم الإسلام، الحكم الشعبي، الحكم الديموقراطي، الحكم الشيوعي، الحكم الاستبدادي: أيها أصلح؟)، نشرت في مجلة «الفتح» المصرية، المجلد الحادي عشر، عدد (٥٤٥)، ٤ صفر ١٣٥٦هـ

١٠- من «رسائل الهلالي الشخصية» للشيخ مشهور آل سلمان.

١١- من مقالة (الأدب الأندلسي) - جريدة «الحرية» المغربية، السنة السادسة، العدد (٧٨٩)، ٤ جمادى الآخرة ١٣٦١ هـ

١٢- من مقالة (إسفاف الدعاية البريطانية حتى من الوجهة الفنية) - جريدة «الحرية» التطوانية، السنة السادسة، العدد (٧٩٣)، الأحد ٢٠ جمادى الآخرة ١٣٦١ هـ.

١٣- من «رسائل الأعلام» (٤٣)، وكتبها الهلالي وهو في مكناس في 8/٣/1387هـ.

١٤- سبيل الرشاد - تحقيق الشيخ مشهور حسن آل سلمان.

١٥- من مقالة (الاعتصام بتعاليم النبي العربي الكريم سبيل خلاص الشعوب العربية جمعاء)، نشرت في جريدة «الجامعة الإسلامية» يافا- فلسطين، السنة الثانية، العدد (٤٢٥)، الثلاثاء ١٨ شعبان ١٣٥٢هـ.

يمكن تحميله PDF من هنا 👇

 

.

تحميل الملف المرفق