دراسات وتوثيقات / ترجمات وقراءات

قراءة في كتاب: الصهيونية النصرانية (دراسة في ضوء العقيدة الاسلامية)

م. مبتسم الاحمد

صدر عن دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع الرياض كتاب جديد مميز يحمل عنوان «الصهيونية النصرانية. دراسة في ضوء العقيدة الاسلامية»، الطبعة الأولى لعام ١٤٣٠هـ - ٢٠٠٩ م، وقد تم طرحه في معرض القاهرة الدولي للكتاب مؤخرا حيث حظى باهتمام الباحثين والمتخصصين بالدراسات اليهودية والأديان، وكان له وقعه لدى المتخصصين في الشأن الفلسطيني وفق الرؤية الشرعية، حيث استطاع الباحث الكريم دراسة مذهب «الصهيونية النصرانية» دراسة عقدية تأصيلية، تبين ماهيته ومصادره، وأهم مبادئه وأفكاره، مما يعين على الاطلاع على حقيقته، والرد عليها، وفي ذلك حماية للأمة، وصيانة لها من أعدائها.

والباحث هو أ. د محمد بن عبد العزيز بن أحمد العلي، الأستاذ بقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، مما يعني أن الدراسة صدرت من خبير متخصص في هذا المجال، وهو ما يضفي على الكتاب المزيد من القوة والمتانة، والحقيقة الكتاب يستحق درجة علمية عالية بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وذلك للسبق الذي حازه الباحث في هذا المضمار.

«الصهيونية النصرانية» إحدى المذاهب المعاصرة والتي لها آثارها السيئة على المسلمين، مع جهل أكثر الناس بهذا المذهب، ومع ذلك لم مثل هذا الموضوع على ضوء العقيدة الاسلامية، بل أن الكتابات عن «الصهيونية النصرانية» قليلة ومتفرقة، فضلا عن خلوها من الدراسة العقدية التأصيلية.

يقول أ. د محمد بن عبد العزيز العلي: «نعم هناك كتابات حول الصهيونية، إلا أنها تتحدث عن الصهيونية اليهودية لشهرتها، أما الصهيونية النصرانية فان الكتابة فيها قليلة، ومبثوثة في موسوعات ومجلات متفرقة، فضلا عن خلوها من الدراسة في ضوء العقيدة الاسلامية، وهي هدف رئيس في هذا البحث.

وما وجدته من منشورات عن هذا المذهب، هو أقرب للعرض التأريخي الممزوج ببعض الأفكار والأدبيات، مع خلوها من الدراسة في ضوء العقيدة الاسلامية، والمنهج الشرعي السليم، أو النقض العقدي الذي ينقض تلك الأفكار، ويبين خطورتها وآثارها، وواجب الأمة الاسلامية تجاهها؛ وبالتالي فالحاجة ماسة لبحث هذا الموضوع، ودراسة مسائله».

والكتاب عبارة عن مجلد واحد يقع في أكثر من خمسمائة (٥٠٠) صفحة من القطع المتوسط، وقد جلد تجليدا أنيقا فاخرا يليق بمكانة الكتاب.

وقد اشتمل على أكثر من ثلاثمائة (٣٠٠) مرجع جلها من المراجع المعاصرة في غضون الخمسين عاما المنصرمة، ما يدلل على سعة اطلاع الباحث وحرصه على التوثيق في كل جزئية من كتابه ليعطيه المصداقية والموثيقية والحجة في مواجهة الخصم وإبطال حججه وزعمه.

وقد قسم الباحث الكتاب إلى مقدمة وتمهيد وستة فصول وخاتمة.

 أما المقدمة: فقد بين فيها الباحث سبب اختياره للموضوع، وأهدافه، وخطة بحثه، ومنهجه في إعداد البحث.

وأما التمهيد: فقد جعله لتعريف الصهيونية، ومراحل نشأتها بشكل إجمالي.

يقول الباحث في معرض حديثه حول تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية: «وقد كان لهرتزل محاولات كثيرة لمفاوضة السلطان عبد الحميد، سلطان الدولة العثمانية الاسلامية، وفي محاولة للسماح لليهود بإقامة كيان لهم في فلسطين، إلا أنه رحمه الله رفض ذلك بكل عزة وكرامة، ولذا عمل الصهاينة على عزله عن الحكم بواسطة جمعياتهم الماسونية أمثال (تركيا الفتاة) و(الاتحاد والترقي) ونحوهما، ورواد هذه الجمعيات من الماسونيين أمثال (كمال أتاتورك)..

وأما الفصل الأول: فقد تحدث فيه عن مفهوم الصهيونية والنصرانية، ونشأتها. وقد جعله في مبحثين، خص المبحث الأول للحديث حول تعريف الصهيونية النصرانية وما يطلق عليها من أسماء أخرى «كالأصولية والإنجيلية».

وفي المبحث الثاني تحدث عن نشأة الصهيونية النصرانية، واستعرض فيه نشأة المذهب البروتستانتي وتطوره، وما تبعه من طوائف، وكيف استطاع هذا المذهب الدخول إلى أمريكا والتغلغل فيها.

وعن أسباب نشأة الصهيونية النصرانية يقول المؤلف: «نخلص مما سبق إلى أن النفوذ اليهودي، دينيا وفكريا وماديا، سبب رئيس في نشوء الصهيونية النصرانية، إذا ما أضفنا إلى ذلك ظلم الكنيسة الكاثوليكية وتسلطها على الشعوب، وفرضها عقائد وشرائع باطلة، ما أنزل الله بها من سلطان، وإلزام الناس بها بالقوة، ومنع الناس من فهم وتفسير الكتاب المقدس عندهم إلا عن طريق باباوات الكنيسة، ثم إقامة محاكم التفتيش لقتل وتعذيب كل من يخالف تعاليم الكنيسة، كل ذلك أنتج ثورة ضدها باسم الإصلاح الديني، س وهو المنهب البروتستانتي الذي اعتنى باليهود وكتابهم ونبوءاتهم، وعلا من شأنهم، وبالتالي ظهرت طائفة كبيرة من النصارى بعقائد صهيونية نصرانية، ووقفت هذه الطائفة مناصرة لليهود، ومساعدة لهم في إقامة دولة لهم في فلسطين، بل وأخذت على نفسها عهدا بأن تحميها وتدعمها».

وأما الفصل الثاني: فقد خصه للحديث حول مصادر التلقي عند الصهيونية النصرانية، وجعل ذلك في عدة مباحث، قامت على أهم الأصول وهي (العهد القديم والجديد، وما كتبه رواد المذهب البروتستانتي كأمثال «مارتن لوثر» وغيره، وأسفار الأبوكريفا والأبو كاليبس وهي أسفار الرؤى والنبوءات).

وقد بين الباحث في هذا الفصل طبيعة الخلافات القائمة بين البروتستانت وغيرهم من النصارى في تبني هذه المصادر والاعتراف بها، ومحور الخلاف فيها، وما تبنته اليهودية النصرانية في آخر المطاف وما استقر عند أتباعها وخصوصا في تبني أفكار الرؤى الأبوكاليبسية التي أصبحت تدعو لها بقوة وأقامت لها الجمعيات والمؤسسات والمنظمات التي تنشط لاستقبال المرحلة الأخيرة في الرؤى وهي «المملكة» التي تمثل زمن مجيء المسيح المخلص وقيام المملكة اليهودية.

ثم انتقل الباحث للفصل الثالث حيث تناول فيه مبادئ الصهيونية النصرانية، وهو مبحث مهم في استعراض الأسس التي قام عليها هذا المذهب، ليتسنى للدارس فهم وإدراك حقيقة هذا المذهب وانعكاساته في الواقع المعاصر.

وقد جعله الباحث في مبحثين رئيسين:

الأول: تكلم فيه عن أهم مبادئهم، ومنها:

- دعوى عصمة الكتاب المقدس.

- دعوى ألوهية المسيح؛ وأنه ابن الله.

- ودعوى المجيء الثاني للمسيح في آخر الزمان وإيمان اليهود به... إلخ.

أما الثاني: وهو الأهم فقد بين فيه العقائد المشتركة بين الصهيونية النصرانية والصهيونية اليهودية وآثار ذلك، ومنها:

- دعوى أن اليهود شعب الله المختار.

- اجتماع اليهود في فلسطين، وإقامة دولة لهم فيها للإسراع بالمجيء الثاني للمسيح.

- إزالة المسجد الأقصى، وبناء معبد يهودي مكانه (الهيكل).

- حدوث معركة كبرى (هرمجدون)، وقدوم مخلص للبشرية، والمعركة تدور رحاها على أرض فلسطين (بزعمهم) بين المسيح وأتباعه من جهة وقوى الشر التي لا تؤمن به من جهة أخرى.

وقد أحسن الباحث إذ قام بجهد طيب في نقد هذه العقائد المزعومة - بعد أن ساقها من مصادرها المعتمدة عندهم - والرد عليها من خلال نصوص الوحيين، والتوثيق التاريخي والاستقرائي للأحداث.

يقول الباحث من ضمن تعقيبه على معركة (هرمجدون) ص ٢٥٩: «وكما آمنت الصهيونية النصرانية بهذه الجبرية الحتمية، فكذلك تدعو فكرة هرمجدون والمروجون لها، المسلمين للانضمام لهذا القطيع الصائر إلى مصيره المحتوم. بل قد يخطر ببال أحدهم أن ضياع فلسطين واحتلال القدس وهدم المسجد الأقصى وبناء معبد يهودي مكانه، أمور حتمية، ينبغي الاستسلام لها وانتظارها.

وقد وقع بعض الكتاب المعاصرين ف هذه الزلة، حتى حددوا موعد هدم الأقصى ونحو ذلك من الأحداث. وهذا كله من شؤم ضعف العلم الشرعي والتعلق بأخبار أهل الكتاب، وبخاصة معركة هرمجدون ومحاولة أسلمتها، بدعوى أنها مرادفة للملحمة الثابت خبرها بالشرع الإسلامي الخاتم».

أما الفصل الرابع، فقد تحدث به الباحث عن وسائل الصهيونية النصرانية، ولعل هذا الفصل يكون العمدة في بيان مقدار تغلغل هذا المذهب في الدول والمنظمات العالمية، والتي أضحت كلها تعمل من أجل خدمة يهود، وقد أشار الباحث إلى أهم هذه الوسائل، ومنها:

- التغلغل في منافذ القرار في أوروبا وأمريكا.

- المؤتمرات والندوات.

- وسائل الإعلام المتنوعة من (وكالات الأخبار، والقنوات الفضائية، والراديو، والصحف، والكتب... إلخ).

- الهيئات العامة والجمعيات.

- الهيمنة الاقتصادية.

وقد ساق الباحث في هذا الفصل مئات النقولات والشواهد في إثبات ما ذهب إليه من الوسائل، وبذلك يخرج القارئ بما لا يدع مجالا للشك في مدى النفوذ والتأثير الذي أضحى يحكم لصالح الصهيونية النصرانية.

ولعل في ذكر هذه الوسائل دفع للأمة المسلمة للاستيقاظ من سباتها العميق لتعلم حجم العمل الذي ينفذه أعداء الله من أجل نشر عقائدهم وباطلهم، ولعله يدفع بأصحاب العقيدة وأهل الهمة للتشمير عن ساعد الجد للقيام بأمر الله.

كما ركز الباحث عند حديثه حول الهيمنة الاقتصادية حول الطرق والمجالات التي ينشط فيها أصحاب المذهب ي جمع الأموال الطائلة في تمويل برامجهم ومؤسساتهم، وقد يستغرب القارئ الكريم من الوسائل المتنوعة والمتعددة التي يسعى فيها هؤلاء من أجل تأمين التمويل اللازم لتحقيق عقائدهم، حتى لتجد أنهم استفادوا من مفهوم الوقف الإسلامي ليقيموا وقفياتهم المنوعة التي تخدم مصالحهم، وقد بذل الباحث جهدا طيبا في بيان أهم هذه المؤسسات العاملة في داخل وخارج أمريكا وأوروبا.

أما الفصل الخامس، فقد خصه الباحث للحديث حول موقف الصهيونية النصرانية من أتباع بعض الأديان والطوائف الأخرى، وموقفهم منها، وقد ركز الباحث حديثه حول ثلاثة طوائف وهم (النصارى الكاثوليك والأرثوذكس، ثم اليهود، ثم المسلمون).

ثم ختم فصول الكتاب بمبحث مهم وهو واجب المسلمين تجاه الصهيونية النصرانية.

ونجملها بما يلي:

أولا: تربية الأمة كلها بأفرادها وأسرها وجماعاتها ودولها، على صحة المعتقد وسلامة المنهج، والعمل بالشرع الحنيف بإخلاص لله تعالى.

ثانيا: تربية الأمة - بأفرادها وجماعاتها- على أن يكون حبها وبغضها، وغضبها ورضاها، في الله ولله، أعني تربيتها على عقيدة الولاء والبراء، فان هذه العقيدة من أصول الإيمان عند المسلمين.

ثالثا: العمل بشرع الله تعالى والتحاكم إليه، في السراء والضراء، وفي جميع الأحوال، وفي جميع المجالات، السياسية والاعلامية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية...

رابعا: التسلح بالعلم الشرعي، وتفقيه الناس بدينهم، فإن ذلك من أبلغ الأسلحة في صيانة الأمة وحفظها من مخططات الصهيونية النصرانية وما دار في فلكها...، ومن العلم الصحيح الثابت في الأحداث الكبرى والوقائع العظمى، وبخاصة الحروب والفتن مع اليهود والنصارى والدجال وغير ذلك من أشراط الساعة.

ويضيف فيقول ص ٤٥٦: «والعجيب أننا نجد الصهاينة النصارى، يعنون عناية كبرى، السياسيين منهم والمفكرين والمثقفين والمنصرين، بالأحداث التي يتوقعونها، ويبنون عليها سياساتهم ومواقفهم وحروفهم، وتنصيرهم، وهم أصحاب كتب محرفة وأخبار مختلطة، بينما أصحاب الكتاب المعصوم والوحي المحفوظ في غفلة وجهل بما عندهم من أخبار ثابتة..».

خامسا: إعداد القوة وتربية الأمة على الجهاد في سبيل الله ونشر فضائله وضوابطه، والعلوم المتعلقة به، ففيه العزة والنصر والتمكين.

 سادسا: يحب على المسلمين أن يكون بغضهم وجهادهم وقتالهم للصهاينة النصارى وغيرهم من أعداء الله ودفاعهم عن مقدساتهم والسعي لتحرير المسجد الأقصى وبلاد المسلمين من الكفار، كل ذلك يجب أن يكون الهدف منه إعلاء كلمة الله...

سابعا: يجب على المسلمين أن يحذروا من أن يخدعهم أعداؤهم بإبعاد الإسلام عن المعركة بينهم، فهذا ما يريده الأعداء، ويخططون له.

ثامنا: يجب على المسلمين تجاه الصهيونية النصرانية أن يتعلقوا بالله سبحانه وتعالى، ويسألوه النصر والتأييد والتوفيق، ويعتمدوا على أنفسهم وإخوانهم المسلمين في أنحاء العالم، للعمل على الوقوف في وجه الزحف الصهيوني، وتخليص المقدسات الاسلامية وبلاد المسلمين من يمنته.

تاسعا: وكذلك يجب على المسلمين أن يحذروا من دعايات وخداعات الحل السلمي الذي يؤدي كما يقولون إلى «تحطيم الحاجز النفسي بين العرب واليهود»، فمشكلة فلسطين لن يحلها إلا الجهاد في سبيل الله.

عاشرا: ومن واجب المسلمين تجاه الصهيونية النصرانية التعريف بها وبحقيقتها وبأهدافها وغاياتها وخططها ومؤامراتها، وتحذير الأمة منها، وفضح دعاتها وكبار معتنقيها، والدول التي تتبناها، أو تسعى لتحقيق أهدافها.

حادي عشر: أن يقوم المسلمون بإعداد مراكز كبرى لدراسة وتتبع مسيرة الصهيونية النصرانية ف الماضي والحاضر وخططها المستقبلية، وترويد هذه المراكز بمختصين مبرزين على مستوى العلم، وبكافة اللغات الحية، مع تهيئة المصادر والوسائل اللازمة لذلك.

 ثم ختم الباحث كتابه بخاتمة بين فيها خلاصة هذا البحث وأهم نتائجه، جعلها في ستة عشر نقطة متتابعة تعين على الفهم الكلي لمادة الكتاب.

والكتاب يستحق أن يقرا بعناية كبيرة، لما يتمتع به من أسلوب علمي توثيقي يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويأخذ بيد المسلمين ليفهموا عدوهم على أسس علمية، ولعل القارئ المتخصص ما أن يمسك به لا يتركه إلا وقد جاء على آخره.

أسأل الله تعالى أن يوفق الباحث الكريم لكل خير، ويبارك في جهده وعمله، ويعينه ليقدم للمكتبة الاسلامية الكثير من الدراسات الجادة والماتعة.

 

مجلة بيت المقدس للدراسات – العدد العاشر

.