أنشطة المركز / فعاليات

من فعاليات أسبوع الأقصى الثانى - الكويت- اليهودُ وعوَلَمةُ المزاعمِ

اليهودُ وعوَلَمةُ المزاعمِ

الشيخ: محمد حسان

 

  السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاتُه ، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمدُ لله رب العالَمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه ، وصَفِيُّهُ من خَلْقِه وخَلِيلُه ، أَدَّى الأمانةَ وبَلَّغَ الرسالة ونصح للأمة ، فكشفَ الله به الغُمَّةَ ، وجاهد في الله حقَّ جِهادِه حتى أتاه اليقين ، فاللهمَّ اِجزِهِ عنا خيرَ ما جَزَيْتَ نبياً عن أمته ، ورسولاً عن دعوته ، ورسالته ، وصَلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه ، وعلى كل مَن اهتدى بِهَدْيِهِ واستَنَّ بسنته ، واقتفَى أَثَرَه إلى يوم الدين .

   أما بعد

   فحياكمُ الله جميعاً أيها الإخوة الفُضَلاء ، وطِبْتُم ، وطاب مَمْشَاكُم ، وتَبَوَّأْتُم جميعاً من الجنة منازلاً ، وأسأل الله جل وعلا الذي جمعني مع حضراتِكم في هذا المكان الحبيبِ إلى قلبي على طاعته أنْ يجمعنَا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ، ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه .

   أحبتي في الله " اليهود وعَوْلَمَةُ المزاعِم " هذا هو عنوان محاضرتنا مع حضراتكم في هذه الليلة الكريمة ، وكعادتي حتى لا ينسحب بساط الوقت سريعاً من تحت أقدامنا ؛ فسوف ينتظم حديثي مع حضراتكم في هذا الموضوع الخطير في العناصر المحددة التالية :

أولاً : اليهود والمزاعم الكاذبة .

ثانياً : القدسُ إسلاميةُ الهويةِ عربيةُ المذاقِ .

ثالثاً : ما السبيلُ ؟

وأخيراً : لا تَقْنَطُوا فالصبحُ من رحمِ الظلماء مَسْرَاه .

   فأعيروني القلوبَ والأسماع جيداً ، واللهَ أسأل أن يُقِرَّ أعينَنا جميعاً بنصرةِ الإسلام ، وعز الموحدين ، إنه وليُّ ذلك ، والقادر عليه .

أولاً : اليهود والمزاعم الكاذبة :

    أيها الأحبة ، إن المتدبرَ للقرآن الكريم ، والقارئَ للتاريخ ببصيرة ورَوِيَّةٍ ، يعلم يقيناً أن اليهود يملكون حاسةً استغلاليةً خطيرةً ، مُرِّنُوا عليها ، ودَأَبُوا في توظيفها توظيفاً خطيراً لخدمة عقيدتهم وأغراضِهم وأطماعِهم ، ومن خلال سيطرتهم على الاقتصاد والإعلام العالَمي استطاعوا أن يُغْرِقُوا العالَم كله في بحرٍ هائجٍ من المزاعمِ الكاذبةِ ، والادعاءات المُفْتَراة ، التي راحوا يُدَنْدِنُون عليها ، ويُكَرِّرُونها ، ويَطرحونَها بِلا مَللٍ أو خجل حتى صارت هذه المزاعمُ حقائقَ ثابتةً ، لا عند أبناء اليهود فحسب ، بل في جُلِّ أنحاء العالَم ، بل خُدِعَ بهذه المزاعم بعضُ مَن ينتسبون إلى الإسلام ، وراحُوا يَتَدَاوَلُون هذه المزاعم في بعض هذه المجالس على أنها من الحقوق الثابتة المُسَلَّمَة لليهود في فلسطين، وهذه المزاعم قديمة حديثة ، وسأقف مع بعضها فقط مما يتعلق بالأحداث الدامية على أرض فلسطين .

   أولُ هذه المزاعم : أنهم استطاعوا أن يُقْنِعُوا العالَم بأنَّ اليهود شعب من جنس يختلف عن جنس بني البشر ، فهم مخلوقون من روح الله ، أما بقية البشر فهم مخلوقون من روح نجسة شريرة ، يريدون بذلك أن يَصِلُوا إلى هذه الحقيقة ألا وهي أنهم يريدون أن يُثْبِتُوا من خلال وراثتهم للأنبياء الذين أرسلهم الله في بني إسرائيل أن لهم حقاً تاريخياً في فلسطين ؛ فهم الوَرَثَةُ الحقيقيون لهؤلاء الأنبياء والرسل الذين نزلوا الأرض المقدسة ، فهم يزعمون أنهم شعب الله المختار ، وقد رَدَّ القرآن الكريم هذه المزاعم الخطيرة ، وفَنَّدَها تفنيداً جلياً ، قال الله تعالى : " وقالتِ اليهودُ والنصارى نحنُ أبناءُ اللهِ وأحباؤُه قل فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنوبِكم بل أنتم بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ "

   بل وزَعَمُوا أنهم لن تمسَّهُمُ النار إلا أياماً معدودة : "وقالوا لن تَمَسَّنا النارُ إلا أياماً معدودة قل أتخذتُم عندَ الله عهداً فلن يُخْلِفَ اللهُ عهدَهُ أم تقولون على اللهِ ما لا تَعْلَمُون"

   بل وزعموا أيضاً أنهم وحدَهم يَدْخلون الجنة دون سائر البشر : " وقالوا لن يَدْخُلَ الجنةَ إلَّا من كان هُوداً أو نَصَارَى تِلْكَ أمانِيُّهُم قل هاتُوا بُرهانَكم إِنْ كُنْتُم صادقين " .

   لا أريدُ أن أستطردَ في هذه الجزئيةِ إنما أردتُ أن أُبَيِّنَ لحضراتِكم أنهم من خلالِ هذا الطرحِ المكذوبِ يريدونَ أن يُثْبِتُوا أنهم وَرَثَةُ الأنبياء ، لماذا ؟

   دَنْدَنُوا كثيرا حول هذه الجزئية ليثبتوا من خلالها حَقاً تاريخياً في ميراث الأرض المقدسة باعتبار أن تراث الأنبياء الذين أُرْسِلُوا إلى بني إسرائيل ، أو قادوهم ، إنما هو تراثٌ خاصٌ باليهود فقط دون غيرهم .

   فهم يزعمون أن إبراهيم على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام ، ويعقوب ، وداود وسليمان ، نزلوا الأرض المقدسة ، وهؤلاء الأنبياءُ وَرَثَتُهُم فقط همُ اليهود دون سائر البشر ، بل وتذكر توراتُهم المحرَّفَةُ أن إبراهيم سكنَ أرض كنعان ، وقال له الرب : ارفعْ عَيْنَيْكَ يا إبراهيم ، وانظرْ من الموضع الذي أنتَ فيه شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً فجميعُ هذه الأرض قد أعطيتُها لك ولنسلِكَ إلى الأبدِ .

   وفي سِفْرِ التكوين في الإصحاح الخامس عشر يقول : " قَطَعَ الربُّ معَ إبراهيمَ مِيثاقاً قائِلاً له : لِنَسْلِكَ أُعِطي هذه الأرضَ من النِّيلِ إلى الفُراتِ "

   وللجواب على هذا الزعم أقول :

   إذا كان الله عز وجل قد أَعْطَى الميثاق والعَهدَ لإبراهيم أن يُعْطِيَهُ هذه الأرض المقدسة له ولنسلِه من بعده ، أقول : أليسَ العربُ أيضاً من نسلِ إبراهيم ، إن كان بنو إسرائيل من نسل إبراهيم ( وهذا حق ) ، أقول أليس العربُ أيضاً من نسلِ إبراهيم ؟ فالعرب هم أبناء إسماعيل ، وإسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام ، ثم مَنْ هذا الذي استحق هذا العهد مِنَ الله تبارك وتعالى بهذه الأرض ؟ مَنْ ؟ والجواب بجلاء في قول الله تبارك وتعالى : " وإذ ابتَلَى إبراهيمَ رَبُّهُ بكلماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قال إِني جاعِلُكَ للناسِ إماماً قال ومِن ذُرِّيَتِي قال لا ينالُ عهدي الظالِمين " ومَن أظلم من اليهود ؟ ومَن أَفْسَدُ من اليهود ؟ فالله تبارك وتعالى قطع هذا العهدَ عن اليهود يوم أن كفروا بالله عز وجل ، وقتلوا الأنبياء ، وأفسدوا في الأرض ، وسفكوا الدماء ، أصبح هذا العهد مقطوعاً عنهم ، فنحن نُثْبِتُ بصوت مرتفع أن الله تبارك وتعالى قد وعد اليهودَ ممن استقامُوا على منهج الله ، ومنهج الأنبياء والرسل بالأرض المقدسة كما قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن نبي الله موسى : " وقال يا قومِ ادخلوا الأرضَ المقدسةَ التي كتبَ اللهُ لكم ولا تَرْتَدُّوا على أَدبارِكم فَتَنْقَلِبُوا خاسِرين " فنحن لا نخجلُ من ترديدِ هذه الحقيقةِ القرآنيةِ الواضحةِ ، لكنني أودُ أن أُبَيِّنَ لحضراتكم أَنَّ بني إسرائيل قبل بِعثةِ النبي صلى الله عليه وسلم يَنْقَسِمُون إلى فريقين :

الفريق الأول :

فريق آمن بالله عز وجل ، وآمن بالأنبياء بالرسل ؛ وهؤلاء موحدون مؤمنون .

الفريق الثاني :

كفر بالله عز وجل ، وقتل الأنبياء ، وكفر بالرسل ، ونقض العهود والمواثيق ، أما بعد بِعْثَةِ النبي صلى الله عليه وسلم فيكفرُ الجميعُ بعدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة : " والذي نَفْسُ محمدٍ بيدِهِ لا يسمعُ بي أحد من هذه الأمةِ يهوديٌّ أو نصرانيٌّ ، ثم يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به إلَّا كانَ من أصحابِ النار " .

   ثم مَن هؤلاء الذين يزعمون نِسْبَتَهُم للأنبياءِ والرسل هم قَتَلَةُ الأنبياء والرسل ، هم الذين سفكوا دماء الأنبياء والرسل ، واتهموا الأنبياء والرسل بأبشع التُّهَمِ ، فهم الذين اتهموا نبي الله نوحاً عليه السلام - بأنه كان سِكِّيراً ، وكان يكشِفُ عوَرَتُه أمام أبنائِه! واتهموا نبيَّ الله إبراهيم عليه السلام - بأنه كان يتاجِرُ بشرفِ امرأتِه من أجل أن يحصلَ المال ! واتهموا نبي الله لوطاً عليه السلام - بأنه زنى بابنتَيْهِ ، وحملتا من السفاح! واتهموا نبيَّ الله يعقوبَ عليه السلام - بأنه سرقَ النبوةَ من أخيه ! واتهموا نبيَّ الله داود عليه السلام - بأنه زنى بامرأة قائده ، ولما أراد من قائده أن ينام مع امرأته لينفي التهمة عنه حينما حملت المرأة ، ورفض القائد ، قتله داود ! واتهموا نبيَّ الله سليمان عليه السلام - بأنه ابن زنى ، ابن هذه المرأة التي زنى بها نبي الله داود ! فَمَنْ هؤلاء الذين يزعمون أنهم وَرَثَةٌ للأنبياء والرسلِ وهم قَتَلَةُ الأنبياءِ والرسلِ ، وهم الذين اتهموا الأنبياءَ والرسل بكلِّ التُّهَمِ .

   ثم مَن أَوْلَى الناس بهؤلاء الأنبياء ابتداءً من نبي الله نوح عليه السلام -  وانتهاءً بمحمد صلى الله عليه وسلم ؟ أَوْلَى الناس بهؤلاء هم المؤمنون الموحدون المتبعون لمنهج الأنبياء والمرسلين ، فإن كل الأنبياء والرسل جاؤوا جميعاً بدين واحد ، " إنَّ الدِّينَ عندَ اللهِ الإسلامُ " لم يأتِ نوح عليه السلام إلا بالإسلام قال تعالى حكاية عنه : "وَأُمِرْتُ أن أكونَ من المسلمين " وما جاء إبراهيم عليه السلام إلا بالإسلام قال تعالى : "ومَن يرغَبُ عن مِلَّةِ إبراهيمَ إلَّا مَن سَفِهَ نفسَه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرةِ لَمِنَ الصالحين إذْ قالَ له رَبُّه أَسْلِمْ قالَ أسلمتُ لِرَبِّ العالمَين وَوَصَّى بها إبراهيمُ بنيه ويعقوبُ يا بَنِيَّ إنَّ اللهَ اصطفى لكمُ الدينَ فلا تَمُوتُنَّ إلا وأَنْتُم مسلمون " وما جاء يعقوب الذي هو إسرائيل عليه السلام إلا بالإسلام ، قال تعالى : " أم كُنْتُم شُهَدَاءَ إذ حضرَ يعقوبَ الموتُ إذ قالَ لبنيهِ ما تَعْبُدونَ من بَعْدِي قالوا نَعْبُدُ إِلهَكَ وإلهَ آبائِكَ إبراهيمَ وإسماعيلَ وإسحاقَ إلـهاً واحداً ونحن له مُسْلِمُون "

   وما جاء موسى عليه السلام إلا بالإسلامِ ، قال تعالى حكايةً عنه : " وقال يا قومِ إنْ كنتُم آمَنْتُم بالله فعليهِ تَوَكَّلوا إن كُنتُم مُسلمين " وما جاء عيسى عليه السلام إلا بالإسلام قال الله تعالى : " وإذ قال عيسى ابنُ مريمَ للحوارِيينَ مَن أنصارِي إلى اللهِ قالَ الحواريونَ نحنُ أنصارُ اللهِ آمَنَّا بالله واشهدْ بأنا مسلمون " بل ومؤمنو الجن ما دخلوا إلَّا في الإسلام ، بل الإسلام هو دين أهل السماوات والأرض من المؤمنين الموحدين .

   وما دخلت بِلقيس مع نبي الله سليمان إلَّا في الإسلام " قالت رَبِّ إني ظلمتُ نفسِي وأسلمتُ مع سليمانَ للهِ ربِّ العالَمين " وما بُعِثَ المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا بالإسلام : " اليوم أكملتُ لكم دينَكم وأتممتُ عليكم نِعْمَتِي ورضيتُ لكمُ الإسلامَ دِيناً " قال تعالى : " ومَن يَبْتَغِ غيرَ الإسلامِ ديناً فلن يُقْبَلَ منه وهو في الآخرةِ من الخَاسِرين " فنحن نؤمن بجميع الأنبياء والرسل ، ونعتقد اعتقاداً جازماً بأنَّ تراثَهم العَقَدِيَّ والأخلاقي والمنهجي والسلوكي قد انقطعت كل وثيقة له بكل مَن كفر بالله وبمنهجهم الذي جاءوا به من عند الله ، ونعتقد أن أَوْلَى الناس بهم هم مَن آمنوا بالله وَوَحَّدوا الله عز وجل ، وساروا على هذا الدرب ، وعلى هذا المنهج المنير الذي بُعِثَ به كل الأنبياء والمرسلون ، قال الله عز وجل: " ما كانَ إبراهيمُ يَهُودِيَّاً ولا نَصْرَانِيّاً ولكن كان حنيفاً مُسلماً وما كانَ من المشركين إنَّ أَوْلَى الناس بإبراهيم لَلَّذين اتبعُوهُ وهذا النبيُّ والذينَ آمَنُوا واللهُ وَلِيُّ المؤمنين " .

   فَمَنْ هؤلاء الذين يَدَّعون وِرَاثَتَهُم الشرعية للأنبياء ، فهم قَتَلَةُ الأنبياء ، وهم الذين اتهموا الأنبياء بأبشع التُّهَمِ أيها الأحبة الكرام .

   فلا بد أن نعلم أن ادعاءَهم بأنهم ورثة الأنبياء من أجل أن يُثِبتُوا وراثتهم للأرض المقدسة بأن الأنبياء قد نزلوا هذه الأرض ادعاءٌ كاذبٌ باهِتٌ .

   ثم يزعمون أيضاً أنهم يريدون السلام ، ويُرَوِّجون الآن ثقافةَ السلام في العالَم كله ، وتكاد تَقيئُ وتُخرِجُ ما في جوفِك وأنت تُتَابِعُ وكالاتِ الأنباءِ حينما تستمعُ مثلاً إلى باراك وهو يصرح ويقول : " بأنني أناشِدُ عرفات أن يُوقِفَ الانتفاضَةَ ، وأن يُوقِفَ أحداثَ العُنْفِ ، وأننا نمد أيدينا إلى آخر لحظة إلى هؤلاءِ بالسلامِ ! أيُّ سلامٍ هذا الذي يَدَّعيه اليهودُ ؟ فاليهود يا إخوة ما عرفوا السلام ، ولن يعرفوا السلام بنص القرآن ، والتاريخُ يُؤَكِّدُ .

   وإن كنا لسنا بحاجة إلى التاريخ لنؤكد به صدق القرآن : لكننا نقدمُ هذا لأصحاب القلوب القَلِقَة ، ولأصحاب العقول التي أنهكها الفِكرُ العلماني الخطير التي لا زالت تردد بعض هذه المزاعم في أن اليهود شعبٌ مظلوم ، وشعب مقهور ، وشعب طُرِدَ من هنا وهناك ، واستوطن هذه الأرض ، وهو يمد يده بالسلام لأهلها وللعرب وللمسلمين .

  هذا افتراءٌ كاذب وادعاءٌ باطل ؛ فاليهود الذين قَتَلوا الأنبياءَ وسَعَوْا في الأرض فساداً لا يعرفون السلام ، أيُّ سلامٍ هذا مع تَخَبُّطِهِم .. انتهى الوجه الأول .

   إن كانت الأمة تُصَدِّقُ ربها جل وعلا فالله سبحانه وتعالى يقول : " الذين عاهدتَ منهم ثم يَنْقُضون عهدَهم في كل مرة وهم لا يَتَّقون " والله جل وعلا يقول : " فبِما نقضِهم ميثاقَهم لَعَنَّاهم وجعلنا قلوبَهم قاسيةً يُحَرِّفُون الكَلِمَ عن مواضعه ونَسُوا حظاً مما ذُكِّروا به ولا تزالُ تَطَّلِع على خائنة منهم " الله يُجَلِّي لنا نفسيةَ اليهود الخبيثة : " ولا تزال تطلع على خائنةٍ منهم فاعفُ عنهم واصفحْ إنَّ اللهَ يُحِبُّ المحسنين "

   فاليهود متخصصون في نقض العهود أيها الأحبة أقول :

   إذا كان اليهود قد نقضوا العهود مع كل الرسل والأنبياء ، بل مع رب الأرض والسماء ، أفينقض اليهود العهود مع الرسل والأنبياء ورب الأرض والسماء ثم يَفِى اليهود في أيامنا هذه بالعهود للحكام والزعماء ؟!! قد يردُ ذلك إنْ وَلَجَ الجمل في سَمِّ الخِياط !! وإن استخرجنا الماء العذب الزُّلالَ من النار المشتعلة المتأججة ، قد يَرِدُ ذلك إنْ تركت الأفاعي سمومَها ، وتركت الثَّعالِبُ مكرَها ، وتركتِ الحميرُ نهيقَها ، هذا مستحيلٌ ؛ فاليهود متخصصون في الكذب على الله ، وعلى الأنبياء والرسل ، متخصصون في نقض العهود من أول لحظة هاجر فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وذهب إليه عبد الله بن سلام حبر اليهود الكبير ، وقال : " فَلَمَّا نظرتُ إلى وجهِ النبي عَلِمْتُ بأنَّ وجهَه ليس بوجهِ كَذَّابٍ "

وسأله الأسئلة المعروفة :

قال له : ما هو أولُ طعامٍ لأهل الجنة ؟ وما هي أول علاماتِ الساعة ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخبرني بهنَّ جبريلُ آنفاً " ، ثم أجاب عبدَ الله بن سلام قال : " أما أولُ طعامٍ لأهل الجنة زِيادةُ كبدِ الحوت ، وأما أولُ علاماتِ الساعةِ فنارٌ تخرج من قعرِ عدن تطردُ الناس إلى مَحْشَرِهم .

   ومتى ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ قال : " إذا سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة أَذكرا بإذن الله وإذا سبق ماءُ المرأة ماءَ الرجل أَنَّثَى بإذن الله " .

  فقال عبد الله بن سلام : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ثم قال : يا رسول الله أُكتُم عني خبر إسلامي ، فاليهود قوم بُهْتٌ ، واجمع بطونَ اليهود ، واسألهم عني ، فجمع النبي بطون اليهود ، وسألهم عن عبد الله بن سلام ، ولَمَّا يعلموا بعد خبر إسلامه فقالوا: سيدنا وابن سيدنا ، وحبرُنا وابنُ حبرنا ، فخرج عبد الله بن سلام وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فنطق اليهود في التَّوِّ واللحظةِ على لسان وقلب رجل واحد سفيهُنا وابن سفيهِنا وجاهِلُنا وابنُ جاهِلِنا لا يتورعُ اليهوديُّ على أن يتركَ عقيدَتَه ، وأن ينقضَ عهدَه وميثاقَه ، وعهدَه ووعدَه في التو واللحظة ، لخدمة عقيدته الخبيثة ، وغرضه الدنيء ، وأطماعه الحقيرة هذه جِبِلَّةٌ في اليهود ، فأين السلام الذي يتغنى به اليهود الآن ويُرَوِّجُون ثقافة السلام بين الشعوب ، واستطاعوا بالفعل أن يجتثوا عقيدة الولاء والبراء . تسمعون الآن كثيراً من المسلمين في الديوانيات والمجالس والمحافل يتكلمون عن هذه القضية على أنها من المسلَّمات .

   وغفل هؤلاء عن قول الله تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تَتَّخِذوا اليهودَ والنصارى أولياءَ بعضَهم أولياءُ بعضٍ ومن يتولَّهم منكم فإنه منهم " . قال حذيفة بن اليمان : " فليحذرِ أحدُكم أن يكونَ يهودياً وهو لا يدري ، لقول الله تعالى : (( ومَنَ يتولهم منكم فإنه منهم )) "

  وقال الله عز وجل : (( ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتى تتبعَ مِلَّتَهم ))

 وقال الله عز وجل : (( وَدَّ كثيرٌ من أهل الكتابِ لو يردونَكم من بعدِ إيمانِكم كُفاراً حسداً من عندِ أنفسِهم من بعد ما تَبَيَّنَ لَهمُ الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي اللهُ بأمرِه إنَّ الله على كل شيءٍ قدير ))

  وقال تعالى : (( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يَرُدُّوكم عن دينكم إن استطاعوا )) وقال تعالى : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بِطانةً من دونِكم لا يألونَكم خبالاً وَدُّوا ما عَنِتُّم قد بَدَتِ البغضاءُ من أفواهِهِم وما تُخفِي صدورُهم أكبرُ قد بَيَّنا لكم الآيات إن كنتم تعلقون ))

أين السلام والصواريخ والطائرات والمدفعيةُ تدكُّ البيوتَ ، وتقتل المدنيين العُزَّلَ ، وتقتلُ الشيوخَ والأطفالَ والنساءَ على مَرْأَى ومسمعٍ من العالم الغربي الخائن الذي استطاع اليهود حقاً أن يذوبوه في معتقدهم وفكرهم ، رأيتُ بعيني في رحلتي لأمريكا امرأة أمريكية تحمل قطةً ، وتبكي بكاءً حاراً ، وكنت ساعتَها قد خرجتُ من صلاةِ الفجر في المركز الإسلامي في وقت شديدِ البرودة ، فقلت للأخ الذي يقود السيارة : أريد أن أتعرف لماذا خرجت هذه المرأة الأمريكية الآن في هذا الوقت الشديد البرد ، ولماذا تبكي بهذه الصورة ؟ قال تريد أن تسألها ؟ قلت : نعم ، فتوقف ، وسألها ما الذي أخرجَكِ ، قالت : قِطَّتِي مريضةٌ وخرجتُ في هذا التوقيت لأُجري لها جِراحَةً عاجلة . قلتُ : اسألها ، كم تكلفُها هذه الجراحة ؟ قالت : ما يقرب من أَلْفَيْ دولار ، قلت : انظروا إلى هؤلاء الكذابين والكذابات يدعي أحدهم كذباً أنه يرحمُ الكلب ويرحمُ القطة في الوقت الذي يرى فيه هؤلاء كل يوم على شاشات التلفاز الأطفال يُذَبَّحون ويُقَتَّلُون ، الأشلاء تُمَزَّقُ والدماء تُسْفَكُ لكن ……

قَتْلُ امرئٍ في غابةٍ        جريمةٌ لا تُغْتَفَرْ

وقَتْلُ شعبٍ آمِنٍ         مسألةٌ فيها نَظَرْ

    نعرض القضية على مجلس الأمن ، ونعرض القضية على هيئة الأمم ، ونعرض القضية في البيت الأبيض ، والبيت الأحمر ، والبيت الأسود ، فَقَتْلُ شعبٍ آمنٍ مسألة فيها نَظَرْ !! أين النظام العالَمي ؟ أما له أثر ؟ ألم تنعق به الأبواق ؟ أين السلام العالَمي ؟ لقد بدا كذب السلام وزاغت الأحداقُ ...

يا مجلسَ الأمنِ عُذْراً

يا مَجلسَ الخَـــوفِ الذي                    في ظِلِّهِ كُسِرَ الأمانُ وضُيِّعَ الميثَاقُ

أوَ مَا يُحَرِّكُكَ الذي يجرِي لنا                     أو مَا يُثيـــرُك جُرْحُنَا الدَّفَّاقُ

أطفالُنـا نامُوا على أحلامِهِمْ                     وعلى لهيبِ القاذِفـــاتِ أَفَاقُوا

وَحْشِيَّةٌ يَقِفُ الخيالُ أمامَـها                     مُتَّضَــــائِلاً وتَمُجُّهَا الأذْوَاقُ

  

 هذا هو الغرب يظهر على حقيقته في هذه الأزمة ، ولذلك أقول لا تحسبوه شَرّاً لكم ، فلقد أظهرت هذه الأزمةُ كثيرًا من الحقائق ، أسقطت ورقة التوت الذي طالما وارى بها النظامُ الغربي الظالم عوراتِه وسوآتِه .

   لقد قرأنا لرجال من بني جِلدتِنا ممَّن يتكلمون بألسنتنا قرأنا ألحاناً ، وأشعاراً ، وكلماتٍ رنانةً في حق الغرب ، صوروا لنا الغربَ على أنه إكسيرُ السعادة .

   وعلى أنه مدينة أفلاطون المثالية فها هو الغرب يظهر على حقيقته ما تدخل الغرب في البوسنة إلا لمصالحه فهو يرى الدماء تسفك كل يوم ولكن لا حياة لمن تنادي لأن دماء المسلمين أصبحت أرخص عندهم من القطط والكلاب :

 

قالوا لنا : الغربُ الغربُ قلتُ                   صِناعَةٌ وسيَاحَةٌ ومظاهِرٌ تُغرينَا

لكنَّهُ خاوٍ من الإيمانِ      لا                     يَرْعَى ضَعيفاً أو يَسُـرُّ   حَزِينَا

الغربُ مقبرَةُ المبـادِئ لم يَزلْ                    يرمى بسهمِ المُغرياتِ   الدِّينـا

الغربُ مقبرَةُ العَـدَالَةِ  كُلَّمَا                    رُفِعَتْ يَدٌ أبدَى لها  سِكِّينَــا

الغربُ يكفرُ بالسـلامِ وإنَّما                    بِسلامِهِ الموهــومِ يَسْتَهْوِينَـا

الغربُ يحملُ خَنْجَراً ورَصَاصَةً                   فَعَلامَ يَحْمِلُ   قومُنا     الزَّيتُونَا

كُفْرٌ وإسلامٌ فَأَنَّى       يَلْتقِي                   هذا بذلكَ أَيُّها     الَّلاهــونا

أنا لا أَلومُ الغربَ في تخطيطهِ                  لكنْ أَلومُ المسلمَ   المفتـــُونَا

وألومُ أُمتَنَا التي رحلتْ  على                 درب الخضوعِ تُرافِقُ التِّنِينـــا

وألومُ فينا نخوةً لم تَنتقِـضْ                  إلَّا لِتضربنَـــا على أيدينَــا

يا مجلسَ الأمنِ المخيفَ إلى مَتَى              تَبْقَى لِتُجَّارِ الحُروبِ  رَهينَـــا

إلى مَتى تَرْضَى بِسَلبِ حُقوقِنا                مِنَّا وتَطلبُنُــا ولا تُعْطِينَـــا

لَعِبَتْ بِكَ الدُّوَلُ الكِبَارُ فَصِرْ                تَ في مَيدانِهنَّ اللاعبَ الميمـونا

شُكراً لقدْ أَبْرَزْتَ وجهَ حَضَارَةٍ             غربِيَّةٍ لَبِسَ القِنــاعَ سِنينَــا

شُكراً لقدْ نَبَّهْتَ غافِلَ قَوْمِنَـا             وجعَلتَ شَكَّ الواهمِينَ يَقيِنَـــا

يا مَجْلِساً غَدَا في جسمِ عالَمِنَا              مَرَضاً خَفِيّاً يُشْبِهُ الطَّاعَونـــا

يا مجلسَ الأَمْنِ انتَظِرْ إسلامَنَا               سُيُريكَ مِيزانَ الهُدَى ويُرينـــَا

إِنِّي أَراكَ على شَفيرِ نِهَـايَةٍ               سَتصيرُ تحتَ رُكامِهَا مَدْفونَـــا

إنْ كُنتَ في شَكٍّ فَسَلْ فِرعونَ عنْ          غرقٍ وَسَلْ عَن خَسْفِهِ قارونَــا


*****
أينَ السلامُ ؟ حالُ أَمَّـ                  ـتِنا ورَبِّي حالٌ عجيبَهْ

وهي لَعَمْرُ اللَّـــ                   ـهِ بائِسَةٌ كئيبَـــه

يجتاحُها الطــوفَانُ                  طُوفانُ المؤامَرةِ الرهيبَـه

ويُخَطِّطُ المتآمــرو                  نَ كي يُغْرِقوها في المصيبَة

وسيحفرونَ لها قُبـو                  راً ضِمنَ خُطتِهم رحيبَـه

قالوا : السلامُ السلامُ                 قلتُ : يعودُ الأهلُ للأرضِ السليبَه؟!

وسيلبَسُ الأقصى غداً                 أثوابــــاً قشيبـــه

فإذا سلامُهُمُ هــو                 التنازلُ عن القدسِ الحبيبَه

فبِئسَ سلامُهُمُ إذًَا                  وبِئْسَتْ هذه الخُطَطُ المُريبَه

 
ثم يزعمون أيضاً أن لهم حقاً تاريخياً في فلسطين ، وهذا هو عنصرنا الثاني من عناصر المحاضرة بإيجاز ، بإيجاز شديد :

( القدس إسلامية الهوية عربية المذاق )

   نعم أيها الإخوة منذ أن بناها العرب ، قبل أن يطأ أرض القدس نبي الله إبراهيم ، ونبي الله يعقوب ، ونبي الله داود ، ونبي الله سليمان ، والقدس عربية المذاقِ منذ أن بناها العرب اليبوسيون والكنعانيون قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام ، فلقد هاجرت قبائل الكنعانيين من جنوب الجزيرة إلى الشمال ، واستقرت هذه القبائل على الضفة الغربية من نهر الأردن ، وكانت القدس في هذا الوقت تُسَمَّى ساليم ، أو أُورسالم ، يعني ( مدينة السلام ) وستعجب أن القدس من هذا الزمن تُسَمَّى بمدينة السلام ، ولكنها ما ذاقت طعمَ السلامِ أبداً إلا حينما كانت إسلامية الهوية ، عربيةَ المذاق ، في منطقة قريبة من هذه الأرض في أرض العراق وُلِدَ نبي الله إبراهيم ، وقام يدعو قومَه إلى توحيدِ الله كما هو معلوم للجميع ، وقال له أبوه : " أراغِبٌ أنتَ عن آلهتي يا إبراهيمُ لَئِنْ لم تَنْتَهِ لأرجمَنَّك واهجُرْني مَلِيّا قال سلامٌ عليك سأستغفرُ لك ربي إنه كان بي حَفِياً وأعتزلُكم وما تدعون من دونِ اللهِ وأدعو ربي عسى ألا أكونَ بدعاءِ ربي شقياً " فهاجر إبراهيم من أرض العراق إلى أرض الشام ، ونزل القحطُ في أرض الشام مرة أخرى ، فهاجر مع امرأته سارة إلى مصر ، وتَعَرَّضَ فيها للفتنةِ الحالكة يوم أراد الجبار ، يوم أراد حين ذاك أن يَضُمَّ سارة ، ونَجَّى الله سارة كما في الصحيحين من حديث أبى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد إبراهيم مرة أُخرى إلى بلاد الشام ، ثم إلى أرض كنعان ، وعُرِفَتِ القدسُ في عهد إبراهيم حينما حكم الأرضَ الكنعانيةَ في هذا الوقت مَلِكٌ مُوَحِّدٌ يُقَالُ له ( مَلْكِي صادِق ) ، وكان على علاقة طيبة بإبراهيم ، وعَرَفَتِ القدسُ التوحيدَ في هذا الوقت ، ثم تمضي الأزمنة والأيام ، وينـزلُ نبي الله يعقوب بن إبراهيم عليهما السلام إلى مصر بدعوة كريمة من نبي الله يوسف عليه السلام ، وينعزل بنو إسرائيل عن المصريين انعزالاً كلياً بدَعْوَى أنهم من نسلِ الأنبياء ، فأبغض المصريون بني إسرائيل حتى أرسل الله نبيه موسى ، فرأى بنو إسرائيل في نبي الله موسى حبلَ النجاة ؛ فتمسكوا به ، وآمنوا به : " فَمنْهُم مَن آمنَ ومنهم مَن كفرَ " ثم سألهم أن يدخلوا معه الأرض المقدسة ليطهروها من الوثنيين ، فقالوا له قولتهم المشهورة : " اذهبْ أنت وربُّكَ فقاتِلا إنَّا ها هُنا قاعِدون " فلما يئس نبي الله موسى من بني إسرائيل سأل الله أن يقبضه إلى جوار الأرض المقدسة لحبه لها ، فاستجاب الله له كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال : " فلو كنتُ ثَمَّ  لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إلى جانبِ الطريقِ عندَ الكثيبِ الأحمر " ، ثم فتح هذه المدينة مدينةَ القدس بعد ذلك نبي الله داود ، وفيها وُلِدَ نبي الله سليمان ، أودُّ أن أقول كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع في المجلد السابع عشر بأن المسجد الأَقْصى كان موجوداً من عهد إبراهيم .

   قال الحافظ ابن حجر : أولُ مَن بناه آدم عليه السلام ، وإبراهيم جَدَّدَ البناء ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

   كان المسجد الأقصى من عهد إبراهيم ، وجاء نبي الله سليمان فبناه بناءً عظيماً ، فإبراهيم بنى المسجد الحرام رفع القواعد ، ثم عاد إلى أرض كنعان ، إلى أرض الشام فبنى مسجداً آخرَ لِيَعْبُدَ اللهَ فيه على غرارِ المسجدِ الحرام .

   ثم جاء نبي الله سليمان فجدَّدَ البناء الذي كان من عهدِ إبراهيم على نبينا وعليهم جميعاً الصلاة والسلام ، وتمضي القرون أيها الإخوة ويحتل الرومان هذه الأرض المقدسة ، ويهدم الرومانيون مدينة القدس ، ويقيم الرومانيون مدينة جديدة على أنقاضها تُسَمَّى بمدينة إيلياء ، وظلت القدس تُعْرَفُ بهذا الاسم حتى فتحها المسلمون بقيادة أبي عبيدة بن الجراح في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وظلت القدس مكرمة في عهد الأمويين حتى بنى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان مسجد قبة الصخرة ، وشَيَّدَ المسجد الأقصى من جديد أيضاً .

  ثم ظلت القدس في أيدي المسلمين قروناً طويلة حتى بدأت شرارة الصراع الصليبي الحاقد في عام 1099 من ميلاد عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام ، ووقعت القدس أسيرةً في أيدي الصليبين مرة أخرى ، ورفعوا عليها الصُّلبان ، وظلت 91 عاماً تحت الاحتلال الصليبي حتى مَنَّ  الله على المسلمين بقيادة صلاح الدين ، واستَرَدَّ القدسَ في موقعة حطين في عام 1187 م ، ثم وقعت القدس في الأسر الصليبي الثاني مرة أخرى في عهد السلطان الأيوبي الملك الكامل في عام 1228 م ، ثم استرد المسلمون القدس مرة أخرى في عهد السلطان الأيوبي الملك الناصر في عام 1239 ، وظلت القدس من هذا التاريخ في أيدي المسلمين إلى مطلع القرن العشرين حتى صدر وعد بلفور عام 1917 م ، بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ، وفي عام 1948 م بحركة خيانيةٍ مفضوحةٍ استولَى اليهود على ما يزيد على 78% من أراضي الأرض المقدسة ، وفي عام 67 استولى اليهود على الضفة الغربية ، وأعلن في 79 الإرهابي الكبير مناحيم بيجن أن القدس بشطريها عاصمة موحدة لإسرائيل ، ويوم أن أُعْلِنَت الدولة قام أولُ رئيس لوزراء إسرائيل ، أو لوزراء دولة اليهود .

   أنا أود أن أُذَكِّرَ بأن إسرائيل هو نبيٌّ كريمٌ من أنبياء الله هو نبيُّ الله يعقوبُ والأَولى ألا تستخدم هذه الكلمة .

   أقول قام أول رئيس لوزراء دولة اليهود ( بن جوريون ) وصرح في هيئة الأمم بهذا التصريح الخطير ، وقال : قد لا يكون لنا الحق في فلسطين من منظور سياسي أو قانوني ، ولكن فلسطين حق لنا من منظور ديني ؛ فهي أرض الميعاد التي وعدنا الله إياها من النيل إلى الفرات .

   ثم قال : يجب الآن على كل يهودي أن يهاجر إلى دولة إسرائيل - هذا على حد تعبيره - ثم قال : لا مَعْنَى لإسرائيل بدون القُدسِ ، ولا معنى للقدسِ بدون الهيكلِ ، ولا معنى لقيام دولة إسرائيل على غير أرض الميعاد .

   فالقدس أيها الأحبة إسلامية الهوية عربية المذاق لا ينبغي من أجل سنوات قليلة سيطر فيها اليهود على هذه الأرض أن يزعم اليهود هذا الزعم العريض أن الحق لهم في هذه الأرض ولا حق للعرب ولا للمسلمين فيها ولا أريد أن أطيل فأقول :

 

ما السبيل ؟

  أقول : ما السبيل ؟ ما السبيل إلى تحرير هذه الأرض ؟ هل سنحررُ الأقصى بالمظاهراتِ، أو بحرقِ الأعلامِ الأمريكيةِ واليهوديةِ ؟ أو بحرق المكتات لباراك وبل كلنتون وآل غور أو بوش ؟ ! هل هذا هو الطريق لتحرير القدس ؟ هل سنحرر القدس بالخطب الرنانة والمحاضرات الثائرة ؟ كلا ! للقدس طريقٌ واضحٌ محددُ المعالِمَ ولن تصل الأمة إلى القدس إلا من خلاله ولو ظلت تُجَعْجِعُ ألف سنة ، وأول خطوة على الطريق يا إخوة تصحيحُ العقيدة ، تصحيح العقيدة ، فالإسلام عقيدةٌ تنبثِقُ منها شريعةٌ تُنَظِّمُ هذه الشريعةُ كلَّ شئونِ الحياةِ ، ولا يقبلُ اللهُ من قومٍ تطبيق شريعته إلا إذا صَحَّت عقيدتُهم ، محال أن ينصرَ الله عز وجل أمة ضيعت العقيدة ، وخَذَلت دين الله .

أين الشريعة في الأمة ؟ انظر إلى الملايين المملينة التي تحج إلى قبور الأموات ، وتسألهم من دون رب الأرض والسماوات ! فالأمة لا يمكن أبداً أن يُمَكَّنَ لها وأن تُسْتَخْلَفَ إلا  بالعقيدة بنص القرآن : " وكانَ حقاً علينا نصرُ المؤمنين " شبابُنا يتألمُ ، ينظر إلى الواقع ويقول أين النصرة ؟ أين العزة ؟ أين الاستخلاف ؟ أين التمكين ؟ ألم يقل ربنا كذا ؟ ألم يقل ربنا كذا ؟ نعم قال الله : " وكان حقاً علينا نَصْرُ المؤمنين بلى قال ربنا : " وكان حقاً علينا نصرُ المؤمنين " " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " وعد الله الذين آمنوا منكم وعَمِلُوا الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهم في الأرض كما استخلفَ الذين من قبلِهم ولَيُمَكِّنَنَّ لهم دينَهم الذي ارتضَى لهم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم من بعد خوفهم أمنا يَعْبُدونني لا يُشركونَ بي شيئاً ومَنْ كفرَ بعدَ ذلك فأولئكَ هم الفاسقون " وقال الله عز وجل : " ولن يجعلَ اللهُ للكافرين على المؤمنين سبيلاً " أينَ الإيمانُ في الأمة ؟ أينَ الإيمان ؟ إيمانُ المرجئة ينخرُ في جسدِ الأمة نخراً ، فكثير من المسلمين يرددُ الآن بلسانِه قولة التوحيد ، دون أن يصدقَ قلبه ، ودون أن تترجمَ جوارحُه ! كم من ملايين لا يصلون ، يسألون غير الله ، بل وصدقوني إن قلت : يثقون في بعض دول الأرضِ أكثرَ من ثقتِهم في رب السماء والأرض ! فأين الإيمان الذي تستحق به الأمة النصرة والعزة والاستخلاف والتمكين ؟ إن وجدتُم العزة والنصرة والاستخلاف والتمكين قد رُفِعَتْ فاعلموا بأن الإيمان الذي يستحقُّ به المؤمنون كل هذا قد رُفِعَ هو الآخر ، فلا بد من تصحيح الإيمان ، فالإيمان قول باللسان ، وتصديقٌ بالجَنان ، وعمل بالجوارح والأركان ، يزيد بالطاعات ، وينقص بالزلات والعصيان ، هذا معتقدُ أهل السنة في حقيقة الإيمان ، أما أن نرددَ بألسنتنا كلماتٍ باردةً في الهواءِ فلن تُغَيِّرَ من الواقعِ شيئاً .

    الأمة الآن لا تجيد إلا الشجب والاستنكار ، تذكرني كلماتها القوية بدون عمل بجُحا الذي صنع ساقيةً على النهر لتأخذ الماءَ من النهر ، ولِتَرُدَّ نفسَ الماءِ إلى نفسِ النهر فقـالوا : عجباً لك يا جُحا ، ماذا تصنع ؟ ساقية تأخذ الماء من النهر لتردَّ نفس الماء إلى نفس النهر ! فقال جحا : يكفيني نَعيرُها !! شجب ، استنكار ، وصراخ ، لكن ما العمل ؟ فلا بد أن نخطو على الطريق خطوة عملية ، وأول خطوة هي تحقيق الإيمان تصحيح العقيدة ، والله لو ظللنا نُحرِقُ الأعلام ، ونهتف بالشعارات ألف سنة ، لن نغير من الواقع شيئاً إلا إذا حققنا العقيدة ، تلك العقيدة التي جعلت سحرة فرعون يستعذبون العذاب في سبيل الله ، تلك العقيدة التي جعلت عُمَيْرَ بنَ الحمام يقول بَخٍ بَخٍ لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض إلى آخره .

   تلك العقيدة التي جعلت أصحاب النبي يبذلون الغالي والثمين ، ويُدَمْدِمُوا على العالَم القديمِ كله بصولجانه وجبروته ، ويقيموا للإسلام دولة وسط صحراءَ تموجُ بالكفر موجاً ، فإذا هي بناء شامخ لا يُطاولُه بناء ، فأنا أدينُ لله أنَّ القدسَ لن يحررَها إلا رجلُ العقيدة ، إلا رجلٌ حقَّقَ العبوديةَ لله ، ولِمَ لا ؟ وقد قال ربنا جل وعلا : " فإذا جاءَ وعدُ الآخرةِ بَعَثْنا عليكم عباداً لنا"، عباداً لنا صفة العبودية ، وقال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين : " لا تقومُ الساعةُ حتى يقاتلَ المسلمون اليهودَ فيقتلُهم المسلمون ، فيختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر ، فيقول الحجر والشجر : يا مسلم ، يا عبد الله هذه سِمَةُ المعركة ، وسمة رجال المعركة ) يا مسلمُ يا عبدَ اللهِ " تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى وصدق التوكل على الله ، وصدق الثقة في الله ، وصدق اليقين بالله عز وجل .

تأثرت كثير حينما سمعتُ والداً من آبائِنا الكرام في السعودية في القصيمِ التي أحبها من كل قلبي حينما قيل له في دولة اسمها بريطانيا ، ويحاربون المسلمين ، ومعهم طائرات ، رجل بدوي ما يعرف ، قال : شو الطائرات ؟ حاجة شيء يطير في السماء ، وينـزل نار ( يعني هذا ما استطاعوا به أن يوصلوا المعلومة لهذا الرجل الفاضل شيء يطير في السماء ، يُمَوِّت ويُحرِق المزارع والبيوت ، .