فلسطين التاريخ / تهويد وتزوير وإجرام

فلسطين من قرار التقسيم إلى قرار ترامب


فلسطين من قرار التقسيم إلى قرار ترامب

 

بقلم: أحمد فايق دلول

يعيش الفلسطينيون هذه الأيام الذكرى ال70 لصدور قرار تقسيم فلسطين رقم 181، ويحتفلون بيوم التضامن العالمي مع فلسطين والذي يوافق يوم قرار التقسيم وهو 29 نوفمبر من كل عام، في حين يحتفل الصهاينة بذكرى قرار التقسيم الذي شرعن وجودهم من خلال الأمم المتحدة.

نصَّ القرار باختصار على تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية تقوم على 54% من مساحة فلسطين الانتدابية، ودولة عربية على مساحة 45%، وبقاء 1% كمنطقة خاضعة للسيادة الدولية وهي المنطقة التي تحتوي على مدينة القدس التي تعتبر موضع أطماعٍ للقوى الكبرى في العالم بحكم ما تتمتع به تلك المنطقة من مكانة بالغة الأهمية.

من الطبيعي جداً أن يتساءل أي شخص: كيف صدر قرار تقسيم فلسطين؟

لعله من المؤسف أن قرار تقسيم فلسطين لم يكن وليد لحظة صدوره، بل عمل الصهاينة سنوات عديدة حتى تمكَّنوا من استصداره قبل أن يعترضوا عليه.

في ختام مؤتمر الحركة الصهيونية الأول في بازل بسويسرا يوم 29 أغسطس 1897م؛ تحدَّث رئيس المؤتمر ثيودور هرتسل بما مضمونه "أستطيع الآن أن أبشركم أننا على أعتاب إقامة دولة/وطن قومي لليهود خلال خمس سنوات أو خمسين سنة".

لو نجحت مفاوضات الحركة الصهيونية مع السلطان عبد الحميد حول سداد ديون السلطنة العثمانية مقابل منح أرض فلسطين ملكاً لهم؛ لأقيمت دولةٌ يهوديةٌ على فلسطين في حدود سنة 1902م، ولكن مع فشل تلك المفاوضات؛ أدرك الصهاينة باستحالة الحصول على فلسطين بدون دمٍ وجهد، فخاضعوا عدداً من الاشتباكات المسلحة مع الفلسطينيين من ناحية، وشرعوا بوضع اللبنات الأولى لتأسيس دولتهم المفبركة ثم أخذوا ببناء مؤسسات الدولة.

تجارب التحرير وبناء الدول على مرِّ التاريخ تقول بأنَّ الحصول على دولة يستلزم العمل في ثلاثة خطوط متوازية ومتزامنة؛ وهي الخط المعرفي التعبوي، والخط العسكري، والخط السياسي والمؤسساتي.

بالعودة للتسعة قرون سابقة؛ لقد استغرق تحرير فلسطين من الصليبيين على يد صلاح الدين الأيوبي أكثر من 10 سنوات، وقام خلال تلك الفترة بإنجاز الأبنية المعرفية والسياسية والعسكرية. وعلى نفس النظرية سارت كثير من الدول بمن فيهم دولة الاحتلال الصهيوني.

في سنة 1914م؛ شارك عدة آلاف من العسكريين اليهود إلى جانب بريطانيا في الحرب العالمية الأولى، وفي سنة 1917 حصلوا على وعد حكومة بريطانيا لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، وفي سنة 1920 أنشأوا بنك "هبوعالم" وبعدها بسنة أنشأوا النقابة العامة للعمال العبرانيين (الهستدروت)، وبعدها أسسوا جامعة التخنيون (التقنيون) في القدس سنة 1925م، وفي الفترة بين عقد المؤتمر الصهيوني الأول وصدور قرار 181 كانت المؤسسات التعليمية والمالية والاقتصادية قائمة وتعمل على مدار الساعة، وبعد الإعلان عن قيام دولة الاحتلال تمَّ تفكيك كل الميليشيات العسكرية واندمجت كلها في جيش الهاغاناة (الدفاع).

في الوقت الحالي؛ يحاول الفلسطينيون إقامة دولتهم على أقل من 22% من مساحة فلسطين، لكن الواقع أنهم يخرجون من أزمة إلى أخرى، وهم عاجزون عن إقامة الدولة رغم كل المؤهلات والإمكانات السياسية والعلمية التي يمتلكونها، ولا نتوقع إقامة الدولة الفلسطينية في ظل السلوكيات والتصرفات السياسية التي يقوم بها الفلسطينيون.

لقد مضت 23 سنةً على إقامة السلطة الفلسطينية وفق اتفاق أوسلو، ومضى أكثر من 30 سنة من المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والصهيوني، ولكن نتيجة المسيرة السلمية وصلت إلى صفر كبير (BIG ZERO) على حد تعبير أحمد قريع القيادي الكبير في حركة فتح والذي شغل رئيس وزراء سابق.

إذا أراد الفلسطينيون حقا إقامة دولة لهم؛ عليهم فهْم تجارب إقامة وبناء الدول على مرِّ التاريخ، خاصة وأن القضية الفلسطينية فيها ما فيها من تعقيد وتشابك وترابط بين الديني والوطني والقومي والإنساني، مع العمل الجاد والفاعل لمحاربة الفساد الذي ينخر في جسم النظام السياسي الفلسطيني الذي لم يكتمل نموه بعد.

من المؤسف أن الفلسطينيين اليوم يبحثون عن دولة فلسطينية من خلال المؤسسات الدولية أو ما يسمى بـ"المقاومة الدبلوماسية"، ويحاولون انتزاع قرارات من الأمم المتحدة، وهذا أمر لا بأس به، لكن غير كافٍ.

نتحدث اليوم عن الذكرى ال70 لقرار تقسيم فلسطين 181، ونتحدث عن الذكرى ال69 لقرار 194 الذي نص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم، ونتحدث عن الذكرى ال50 لصدور قرار 242 الذي نص على انسحاب الكيان الصهيوني من أراضٍ احتلها عام 1967م، ولكن الحقيقة المجردة التي تشبه عين الشمس هي أن أي من القرارات المذكورة لم يتم تطبيقها على أرض الواقع؛ باختصار لأن قوة القانون مفقودة لصالح قانون القوة والغاب الذي يحكم السياسة الدولية.

قبل أيام حصل الفلسطينيون على تأييد 128 دولة في الأمم المتحدة لأجل إجبار أمريكا على التراجع عن قرار ترامب لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بالأخيرة عاصمة أبدية وموحدة لدولة إسرائيل (في خطاب له يوم 6 ديسمبر الجاري)، لكن دولة من صغريات الدول التي لا تكاد تُرى على خارطة العالم (غواتيمالا) قامت بنقل مقر سفارتها إلى القدس ضاربةً بعرض الحائط كل الجعير الإعلامي والقرارات الأممية، ويبدو واضحاً من ذلك أن قرارات الأمم المتحدة تعتبر أقل من حبر على ورق.

يبدو واضحاً أن القضية الفلسطينية في الذكرى السبعين لصدور قرار التقسيم ذاهبة نحو مزيد من التقسيم؛ حيث يتحدث الإعلام العربي والعالمي اليوم عن صفقة القرن، ويشير هذا المصطلح إلى مسألتين، الأولى هي مرور قرن من الزمن على صدور وثيقة بلفور 1917م، والثانية هي تلك الصفقة التي سيعقدها ترامب لحل القضية الفلسطينية على اعتبار أنه "رجل صفقات"، ومن ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وتصفية الضفة الغربية وتفريغها من سكانها، وإقامة دويلة فلسطينية في قطاع غزة.

إجمالا يمكن القول إن القضية الفلسطينية ذاهبة نحو كثير من التعقيد والتأزيم، وهذا يستوجب البحث عن إجراءات وقائية وحلول إبداعية، ولعل أهمها الاتفاق على برنامج تحرر وطني واحد يجمع أشكال المقاومة المختلف كالعسكرية والشعبية والدبلوماسية، وينسق فيها بينها لأجل استخدام كل واحدة منها وفق رؤية وطنية وليست حزبية وفي الزمان الملائم.

 

 

.