دراسات وتوثيقات / دراسات وبحوث
المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني وتفوق الردع
م. علاء الدين البطة
شهد الكيان الصهيوني خلال السنوات الماضية تغيرات سريعة اتجاه العلاقة مع الواقع الفلسطيني، وأصبح صانع القرار في الكيان يعيش حالة من الازدواجية السلبية في فهم الواقع الفلسطيني المتجدد، مما أثر بشكل مباشر على آليات وكيفيات اتخاذ القرارات ذات العلاقة بهيبته، وهناك العديد من الأسباب التي أوصلت الكيان إلى هذه الحالة التي نسميها بالانفصام السياسي والأمني بين الواقع والمأمول في الدولة(·):
- تغير المزاج السياسي والوطني عند المجتمع الفلسطيني نتيجة حالة اليأس من إمكانية تحقيق تطورات إيجابية على صعيد العملية السلمية والتي استمرت لأكثر من عقدين من الزمن.
- انتزاع الثقة بين الجمهور الفلسطيني والقيادة الفلسطينية ودوائرها.
- حالة الموت السريري التي وصلت إليها بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح حيث أصبح التقارب التنظيمي مقرون بالتجاوب مع شخص رأس الهرم وإلا فسيف الامتيازات المالية مسلط على رقاب المخالفين.
- الأهم هو وصول حركة حماس إلى الحكم وما نتج عنه من التحول في سيكلوجيا المجتمع الفلسطيني اتجاه تعظيم حالة التدين والمحافظة المجتمعية، والاقتراب التنظيمي بين حماس وباقي فئات المجتمع الفلسطيني، بالرغم من الأخطاء التي ارتكبتها حركة حماس إبان حالة الحسم في 2007، وكذلك بعض الأخطاء نتيجة الممارسة في سنوات الحكم والتي استمرت سبع سنوات وصولاً إلى تحقيق المصالحة نتيجة اتفاق الشاطئ في 2014.
كل تلك العوامل السابقة تعتبر ذات تأثير مباشر في منظومة القوة للكيان، والتي تعاطى معها الإقليم العربي والإسلامي على أنها قوة لا تهزم، ولقد أصبح جيش الاحتلال هو الجيش الذي لا يقهر، ولكن هيبة الجيش مرتبطة بهيبة الردع المرتبطة تأصيلاً بتحقيق سيادة الدولة والتي تتحقق بما يلي(·):
- حماية استقلال الدولة: وهذا اليوم أصبح في غير استطاعة دولة الاحتلال لأن المتغيرات الجيوسياسية تسير باتجاه إحقاق الحقوق الفلسطينية، لعوامل كثيرة أهمها أن دولة الاحتلال هرمت وهي ما تريده الحفاظ على الأمر الواقع.
- تأكيد سيادة الدولة: وهذا اليوم بات محل شك وريبة نتيجة قوة المقاومة الفلسطينية التي استطاع أفرادها الوصول إلى خلف خطوط جيش الاحتلال في حدود غزة، وبالمعنى السياسي إلى منطقة ذات سيادة عند الكيان.
- حفظ الأمن الداخلي: وهذه المسألة غير محققة منذ نشأت الكيان حيث أن حالة إعلان دولة الاحتلال 1948، نتيجة وعد بلفور الذي هو وعد من لا يملك لمن لا يستحق، ولكن ما زالت هناك أقلية فلسطينية كانت، وما زالت وستبقى حاضرة في مستقبل الصراع ودورها يتنامى يوماً بعض يوم، ولعل البقاء والاستمرار في الحفاظ على الهوية الفلسطينية أكد أن الكيان لا يمكنه حفظ أمنه الداخلي.
وامام ما سبق نخرج بنتيجة أن دولة الاحتلال دولة غير طبيعية، وبالمناسبة فإن صناع القرار في "إسرائيل" يدركون هذه الحقيقة منذ وجودهم على أرض فلسطين باعتبار أنهم مجتمع مغلق ومنعزل لا يمكن له التعايش مع غيره، وهنا يبرز التساؤل كيف لهذا الكيان أن يكون قادرة على تحقيق هيبة الردع التي تجاوزتها المقاومة الفلسطينية، والحقيقة إن هيبة الردع التي كان يتغنى بها الاحتلال على مدى عقود تاريخ وجوده إنما تحققت نتيجة عوامل هامة وهي(°):
- تعظيم مسالة الأمن القومي "الإسرائيلي" المنبثق من نظرية الأمن القائم على القوة Security based on power وهذا المفهوم أصبح غير واقعي نتيجة أن قوة الكيان أصبحت بحاجة إلى إعادة تعريف وفق المتغيرات الجيو أمنية نتيجة التحول الإيجابي في منحنى قوة المقاومة الفلسطينية.
- نظرية الأمن المطلق Absolute Security والتي تنطلق دولة الكيان بعيداً عن النوايا الطيبة للدول الأخرى وهذه القاعدة وضعت الكيان في أزمة سيادية تتمثل أنها تتعامل مع حماس بأنها دولة بينما لا تكترث للسلطة وما فيها.
- الأهم حالة التعاطي مع المقاومة الفلسطينية فقد تغير مفهوم الردع وفق ثلاث مراحل الأولى لا تستطيع "إسرائيل" إنكارها وهي: المرحلة الأولى والمتمثلة في دور المقاومة في صد الردع الإسرائيلي وهذه المرحلة عاشتها المقاومة منذ الانتفاضة الأولى حتى وصول حماس إلى الحكم في 2006، والمرحلة الثانية مرحلة توزان الردع التي بدأت معالمها في قوة المقاومة المحتضنة من الحكومة التي ترأسها حماس 2008، وتعمقت في حرب حجارة السجيل 2012 نتيجة العمق الشعبي فلسطينياً وإسلامياً للمقاومة ووجود حماس في الحكم، ووجود نظام سياسي في مصر يدعم الحقوق الفلسطينية، والمرحلة الثالثة وهي مرحلة تفوق الردع وهذا ما بدا واضحا أن خطط المقاومة في هذه الحرب تقوم على تحقيق هذا الهدف إضافة إلى أهداف أخرى أعلنتها المقاومة. إضافة إلى التفوق التقني للمقاومة وأجنحتها المختلفة في التعامل مع مجريات الأعمال الميدانية وفق قواعد الاشتباك التقنين ولكن بفهم المقاومة وأساليبها التي لم تستطع أجهزة أمن الكيان الصهيوني حتى اللحظة الوصول إلى خريطة عملها.
بدت المقاومة اليوم وعلى رأسها حماس في اشتباك أمني تقوده الأدمغة الفلسطينية التي استفادت من تجارب الآخرين، والتي مكثت سنوات ماضية في حالة الإعداد والتجهيز ووضع السيناريوهات المحتملة وغير المحتملة، وكل ذلك الجهد الموجود عند الاحتلال هو جهد روتيني أساسه أنه لا عقيدة قتالية عند جيش الاحتلال في حين أن أفراد المقاومة يتدافعون للقتال، وذا اعتبرنا أن الإنسان أساس التنمية فمن الأوجب أن يكون الجندي ورجل الأمن هو أساس الردع و أساس تحقيق الهيبة، وهنا في قراء بسيطة لا يمكن إلا أن يكون رجل المقاومة هو القادر على تحقيق الردع، وعند الإدراك أن المقاومة بجميع أجنحتها تعمل كخلية نحل واحدة وعلى قلب رجل واحد معتصمة بحبل الله أولاً وبالتفاف الشعب حولها، وبدعم العالم الحر لها فهنا يمكن القول وبكل قوة أن المقاومة اليوم استطاعت أن تتفوق على الاحتلال في صناعة الردع، وما أبقته للاحتلال أمام مجتمعه فقط أن يستصنع الردع.
.